" عدنا إلى الطرق القديمة للتدفئة والطبخ بعد ارتفاع أسعار المازوت وصعوبة الحصول عليه وكذلك الأمر مع الغاز"، تقول أم محمود وهي أرملة شهيد ومعيلة لأربعة أطفال أيتام، مضيفة في حديثها  “لا قدرة لي على شراء الحطب أو المازوت لغلاء سعرها، عوضاً عن ذلك أقوم بجمع القش الناعم وخلطه مع روث البقر والماء ومن ثم تقطيعه إلى قطع صغيرة ونشره في العراء ليجف، وبعد ذلك يتم تجمعيه ليستخدم لإشعاله للتدفئة والطبخ معاً".
تتابع أم محمود بالقول: بحكم موقع سكني بالغوطة الشرقية في ريف دمشق، العملية تكون سهلة جداً، إذ تعلمتها من جدتي التي كانت تستعين بها لكسر الصقيع عن أولادها، وبعد توقف هذه الطريقة لأعوام وسنوات عدنا لها من جديد.
تكمل الخمسينية: هناك العديد من النساء الأرامل والفقراء يجمعون روث البقر والغنم على مدار الأسبوع ويصنعوه على شكل قوالب صغيرة تسمى (الجلة) لاستخدامها كمواد للتدفئة".
عقب تردي الأوضاع الاقتصادية، والغلاء الكبير بالأسعار في سورية، وبعد مضي العديد من السنوات التي أهمل فيها استخدام “الجلة” عاد معظم أهالي الريف في كافة المحافظات السورية، لاستخدامه، والسبب هو اشتهارهم بتربية الحيوانات، بالإضافة إلى اعتمادهم على الزراعة، وهذا ما خفف برد الشتاء القارس عليهم.
يشير " أبو خالد النابلسي " أحد العاملين في مجال تربية الحيوانات في منطقة الزبلطاني بأن الإقبال أصبح كبيراً على شراء روث الحيوانات، وانتشرت المحال التجارية التي تبيع روث الحيوانات، كونه أصبح البديل عن مواد التدفئة، كالحطب الذي وصل سعره إل ما يقارب 300 ألف ليرة سورية بينما وصل سعر ليتر المازوت لـ 1500 ليرة سورية وهي أسعار غالية جداً بالنسبة إلى للسوريين مقارنة بالرواتب التي يتقاضونها من الدولة بالمقابل فأن طن روث الحيوانات يتراوح ما بين 15 و20 ألف ليرة سورية.
يكمل الرجل ذو الستين من عمره ضاحكاً، بيع روث الحيوانات لم يكن سائداً في الماضي، إلا في حالات نادرة، إذ كانت تشترى هذه المادة كسماد عضوي للمزروعات وفي أحسن الأحوال، لم يكن ثمن الطن الواحد يبلغ ألف ليرة سورية ومعظم مربي الأبقار والأغنام كانوا يقومون بمنح هذه المادة للمزارعين بشكل مجاني، كي لا يتكبدوا أعباء التخلص منه.
ويضيف النابلسي، بالرغم من الضرر الذي يخلفه احتراق روث الحيوانات بعد أن يتحول إلى غاز الميثان وهو معروف بأنه مضر في جهاز التنفس، إلا أن الناس يعتمدون عليه كبديل للمازوت والحطب، نظرا للإمكانيات المحدودة.
يبدو أن أثار الحرب ووعود الحكومة المتكررة حوّل معظم فئات الشعب السوري إلى الطبقة المسحوقة اقتصاديا، وأعادها عشرات السنوات إلى الوراء، فأصبح المواطنون يبحثون بين مصادر الطبيعة عما يسد رمقهم ويدفع عنهم برد الشتاء بحسب ما أشار إليه الخبير الاقتصادي الدكتور علي الأحمد.
ويقول الأحمد في تصريحه إنه ليس غريباً أن يعود سكان الأرياف السورية إلى استخدام الجلّة، التي لم ينته استخدامها بشكل قطعي، لكن المستغرب أن تدخل هذه المادة، وبشكل سريع، إلى سوق تجارة مواد المحروقات، لتنافس وبجدارة تجارتي الحطب والمحروقات.
ويتساءل الخبير الاقتصادي كيف وضمن هذه المعاناة تقوم العديد من وسائل الإعلام السورية بالحديث عن ظاهرة استخدام الخشب في التدفئة باعتبارها عودة للفلكلور والحنين للماضي متجاهلة كل الأسباب التي دعت المواطنين للجوء إلى هذه الطريقة بالتدفئة.
رغم أن الحكومة السورية كانت قد أعلنت زيادة مخصصات مازوت التدفئة بهدف توزيعه على المواطنين ولكن على ما يبدو أن هذه الزيادة وطريقة التوزيع يوجد  بها" خيار وفقوس " بحسب تعبير الخبير الاقتصادي.

بالمقابل لم تبدأ الحكومة بتوزيع مخصصات مازوت التدفئة المدعوم في ريف دمشق، على الرغم من إعلان بدء التوزيع منذ أكثر من شهر، رغم أنّ الأهالي طالبوا مؤسسة محروقات بتسريع تسليم مادة المازوت قبل حلول الشتاء، وسط تجاهل كبير من الشركة المسؤولة عن تأمين المحروقات المدعومة للأهالي عبر البطاقة الذكية.
إلا أن نسبة كبيرة من الأهالي لم يتسلّموا الدفعة الثانية من مخصصاتهم من وقود التدفئة للعام الماضي، حيث استمرت الحكومة بتأجيل تسليمهم، إلى أنّ أعلنت عن توزيع الدفعة الخاصة بهذا العام، وشطب قوائم المنتظرين من العام الماضي، كما تم تخفيض كمية مادة مازوت التدفئة للسوريين من 200 ليتر إلى 100 ليتر للأسرة الواحدة بسبب النقص الحاصل في مادة مازوت التدفئة بسبب العقوبات الاقتصادية ومنع دخول المادة إلى الأسواق السورية، والاعتماد على حلفاء سوريا في تأمين المادة.
حتى باتت نسبة توزيع مادة المازوت على الأسر السورية لا تتجاوز الـ 50 % بحسب احصائيات رسمية، أي أن هناك النصف من عدد الأسر لم يحصلوا على الكمية المخصصة لهم لحد الآن.

 

سيريا ديلي نيوز- نور ملحم


التعليقات