أدوية ألبسة دخان عملات ومعادن وأسطوانات الغاز ومواد غذائية ولحوم، بالإضافة إلى المازوت والمشروبات والمواشي والموبايلات والكهربائيات، وكذلك الخيوط وقطع تبديل السيارات ورولات الورق والأنابيب والاكسسوارات.

هذه هي العناوين العريضة لمجمل البضائع التي صادرتها الجمارك السورية من بين براثن المهربين خلال النصف الأول من العام الجاري.

وقد أوضحت بيانات المديرية العامة للجمارك أنّ عدد القضايا المحققة في الضابطة الجمركية خلال الربعين الثاني والثالث من العام الجاري 350 قضية بقيمة غرامات تبلغ نحو 10 مليارات و40 مليون ليرة سورية.

وشملت البضائع المصادرة في القضايا المحققة خلال تلك الفترة، والملفت أن الجمارك أشارت إلى وجود عدد من القضايا لبضائع ذات منشأ تركي وهي تلك التي تضم الخيوط وقطع تبديل السيارات ورولات الورق والأنابيب والاكسسوارات.

البيانات ذاتها تشير إلى أن دوريات الضابطة تكثف عملها لمكافحة التهريب بهدف حماية الاقتصاد الوطني والصناعة المحلية من خلال الانتشار على كل المحاور الجمركية والتأكد من حمولة السيارات الشاحنة والتحقق من مطابقة البيانات الجمركية للبضائع.

الكلام السليم الظاهر .. والسقيم الباطن

هذا الكلام الذي تروّجه المديرية العامة للجمارك هو صحيح وسليم من حيث المبدأ، إلاّ أن الرأي العام ما يزال يجدهُ كلاماً مجزوء ولا يمثل كامل الحقيقة، فهناك في الباطن والخفاء كلام آخر، ولغة أخرى لا يفهمها إلاّ المهربون والجمركيون، تنضوي على فصول جمركية لا يُعلن عنها رسمياً وإنما تفضحها الوقائع ويسربها بعض العارفين وحتى بعض العاملين في الجمارك من منطلق الشطارة والتباهي، عندما تجري الصفقات الحقيقية وراء ستائر تلك المحاور التي تنتشر عليها الدوريات الجمركية، والتي تضمن للشاحنات المهربة المرور الآمن، أو أنها تتغاضى عن ذلك المرور في وقتٍ محدّدٍ يُتفقُ عليه، لقاء أتاواتٍ ورشاوى ضخمة تحكي عنها الفلل والأملاك والأنشطة الاقتصادية الشرعية التي تغسلُ أموال الجمركيين القذرة، التي تظهر عندهم، في حين أن القانون، لا يعطي المجال لأكثر من كفاف العيش في أحسن الأحوال.

ولذلك ليس من السهل على الجمركيين جذب الرأي العام باتجاههم ما دام الوضع كذلك، لأن الرأي العام يقارن دائماً بين الأقوال والأفعال، ومن ثم يتبلور تلقائياً، وإن كانوا جادّين في كسب الرأي العام، وإسقاط صفة التعاون مع المهربين في الخفاء، فعليهم أن يكفّوا عن هذه التصرفات، التي ليس من السهل وضع حدٍّ لها، ولكن لا شيء مستحيل عندما تصدق النوايا.

أساس قيم التهريب الكذب والخداع والاجرام

 

يبقى التهريب تبعاً للحقائق والوقائع التي ترد تباعاً وباستمرار حوله، مجرد نوع من المغامرات السلبية والسيئة، لأنه ينضوي على كثير من الضرر العام الذي يطال أموال الدولة، وأخلاقيات المجتمع، في حين تقتصر الفائدة على المهربين، ولكن بعد أن يكونوا قد أحدثوا شرخاً وخللاً في توازنهم الإنساني جراء فقدانهم للعديد من الفضائل، فالتهريب لا يحصل أساساً دون ممارسة الكذب والخداع، ويحتاج إلى الكثير من الاختلاس، ومن ثم التعاطي مع السوق السوداء، لبيع المهربات من جهة، ولشراء القطع الأجنبي من جهة أخرى لأجل دفع ثمن التهريبة القادمة، وهذا يعني ضرب الصناعة المحلية، وتعرّض العملة الوطنية لفقدان قيمتها.

هذا كله يضمن للمهرب بأن يتحوّل إلى إنسان مجرم بكل المعاني والأبعاد، فهو سلفاً وبدون أي إضافات يقوم بسرقة أموال الدولة بمجرد قيامه بعملية التهريب، لأن من حق الدولة الحصول على ضرائب ورسوم تحددها الأنظمة والقوانين عن كل سلعة تدخل البلاد أو تخرج منها، فالتهريب هو سرقة لتلك الأموال المستحقة، وهذه جريمة موصوفة، هذا من جانب.

ومن جانب آخر فإن أغلب المهربين – إن لم يكونوا كلهم – يجدون أنفسهم مضطرين لأن يتزوّدوا بالسلاح، وهذه أيضاً جريمة أخرى، فحمل السلاح ممنوع قانوناً إلاّ بظروف يحددها القانون، والمؤكد أن القانون لم يعطي الحق للمهرب كي يهرب، فكيف سيعطيه الحق بحمل السلاح من أجل حماية مهرباته ..؟!

ومن جانب ثالث فإن المهرب الحامل للسلاح لن يتردد في استخدامه عند تعرّض مهرباته للخطر، ولأي ظرف كان، حتى إن هذا الخطر ناجم عن مواجهة مع دورية جمركية نزيهة، وهذا وارد، لا بل قد سمعنا مراراً عن اشتباكات مسلحة حصلت فعلياً بين المهربين ودوريات جمركية.

في الإعادة إفادة

لا نشك بأن أي عاقل بات يفهم ما معنى التهريب، والكثيرون يدركون مخاطره، فالمعروف عالمياً أن التهريب هو إدخال البضائع إلى البلاد أو إخراجها منها بصفة غير شرعية دون اداء الرسوم الجمركية، والرسوم والضرائب الأخرى كليا او جزئيا أو خلافا لأحكام المنع والتقييد الواردة في هذا القانون أو في القوانين والأنظمة الأخرى. والدوافع المحركة للتهريب هي في الغالب المشاركة في تجارة ببضاعة غير مشروعة كالمخدرات أو الهجرة غير الشرعية، أو أي سلعة أخرى، أو قد يدفعها التهرب الضريبي أو البيع في الخفاء إن كانت البضاعة مسروقة.

ما الحل ..؟

في الحقيقة لا يُعوّل كثيراً على مسألة التوعية، وإقناع المهربين بالمخاطر التي ( يهدونها ) لأوطانهم جراء تصرفاتهم، ولذلك نعود لنعوّل على نزاهة الجمارك، التي من الصعب أيضاً الحظوة بها، فالجمركي الذي يوضع بين خيارين صعبين:

الأول : خيار الفقر والبقاء في مستوى معيشي منخفض عند اختيار النزاهة.

الثاني : خيار الغنى، والوصول إلى مستوى معيشي متقدم ومرتفع وممتاز عند اختيار التواطؤ والفساد والرشاوى مع المهربين.

فالجمركي الذي يوضع بين هذين الخيارين فهو على الأغلب سينحاز باتجاه الخيار الثاني، وهذا ما يحصل فعلاً، ولذلك قد يكون من المفيد أن يبدأ الحل من هنا، بالعمل على تحسين أوضاع الجمركيين إلى الحدّ الذي لا يتطلعون بعد ذلك إلى أي كسبٍ غير مشروع، ومن ثم إنزال أقصى العقوبات بحق كل من يخالف.

ومن هنا نحى بعض الباحثين إلى ضرورة الوقوف على الأسباب ومعالجتها، لاسيما وأن التهريب في الواقع عملية معقدة وتحتاج إلى وقت طويل لمعالجتها، وأن يترافق الكشف عن الأسباب بإجراء مسح ميداني للسلع المتواجدة في السوق المحلي بشكل غير نظامي مع كمياتها والطلب عليها، و التوسع الأفقي – ما أمكن – في حجم الموافقات المتعلقة بالسلع الاستيرادية، إضافة إلى التوضيح والتبسيط والعلنية لضوابط موافقات الاستيراد، و تبسيط وتطوير إجراءات التصدير، وإطلاق مشروع تنظيم القطاع الاقتصادي غير المنظم، وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين عبر إصلاح للمالية العامة، وزيادة إجراءات الضبط والمراقبة على منافذ التهريب والمنافذ النظامية، وإطلاق برامج توعية إعلامية مكثفة لمخاطر التهريب على الاقتصاد الوطني ومعيشة المواطنين.

 

سيريا ديلي نيوز- علي جديد


التعليقات