في إطار الفساد القائم والمتجذر بين ثنايا حكومة الوفاق الوطني الليبية، وجميع مفاصل الحياة الاقتصادية في ليبيا، تبرز على الواجهة مشاكل وصراعات بين شخصياتها المتحكمة بالوضع، وتنعكس بدورها على الحياة المعيشية للمواطن الليبي الذي ضاق ذرعاً بهذه الحال.

ومن آخر ما ظهر على وسائل الإعلام الصراع وتبادل التهم بين محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير ومصطفى صنع الله رئيس المؤسسة الوطنية الليبية للنفط.

حيث شن صنع الله هجوماً على الصديق الكبير، مشيراً إلى أنه يقوم بصرف عائدات النفط لمن وصفهم بـ"الديناصورات والقطط السمان". كما جدد تمسكه باحتفاظ المؤسسة بالعوائد المالية لتصدير النفط في المصرف الليبي الخارجي، متهماً محافظ مصرف ليبيا المركزي بالمسؤولية عن إهدار 186 مليارا من إيرادات النفط خلال السنوات الأخيرة من أموال الليبيين.

غير أن الخلافات تصاعدت أكثر، بعد أن رد الصديق الكبير، نهاية الأسبوع الماضي، على صنع الله واتهمه بمخالفة مؤسسته التشريعات النافذة، وعدم توريدها 3.2 مليار دولار من الإيرادات النفطية إلى الخزانة العامة، وقال إن أعمال المراجعة بينت أن المؤسسة "لم تورد منذ سنوات أجزاء من إيرادات النفط، إذ بلغ حجم الإيرادات النفطية الموردة إلى المصرف خلال شهر أكتوبر الماضي، وحتى منتصف نوفمبر الماضي، 15 مليون دولار فقط، برغم إعلان المؤسسة بلوغ الإنتاج معدل 1.2 مليون برميل يومياً"، وهو ما نفته المؤسسة الوطنية للنفط.

الفساد الذي تكشف في هذه الفترة بين هاتين المؤسستين الهامتين في ليبيا، تفاعل معه رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فايز السراج، وقام بدعوة كل من رئيسي مجلس النواب بطرابلس ومجلس الدولة ورئيسي ديوان المحاسبة وهيئة الرقابة الإدارية، إضافة إلى محافظ المصرف المركزي ورئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط والقائم بأعمال النائب العام ورئيس المجلس الأعلى للقضاء ووزيرا المالية والتخطيط إلى اجتماع موسع، لكي يقوم بإحتواء الأزمة وتقليص حجم الضوضاء التي سببها موظفوه في طرابلس أمام الرأي العام.

في هذا السياق، قال عبدالرحمن الشاطر، عضو المجلس الاستشاري، إن “أخطاء مؤسساتنا الاقتصادية غير مبررة على الإطلاق وترقى لمستوى الجريمة و خيانة الدولة”، لافتًا إلى أن “غياب المحاسبة أطلق لهم العنان فتغولوا”. وأفاد خبراء آخرون بأن السراج يطمح الى خلع محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير بواسطة صنع الله، وقام بتقديم الدعم اللازم له، ومارس التحريض عليه. ولكن السراج لم يتخيل أن تسري الأمور بهذا الشكل، وتتحول الى مواجهات إعلامية، تقوم بفضح المستور لليبيين.

يؤكد الكثيرون بأن السراج سيقوم باستخدام وزير داخليته فتحي باشاغا الذي يسيطر على الميليشيات والأمن في طرابلس من أجل الضغط على الصديق الكبير، كما يحدث في الكثير من الأحيان عند القيام بتنفيذ مخططات الفساد والارهاب لدى حكومة الوفاق وعلى رأسها السراج. يُذكر أن باشاغا متهم بالفساد الاداري والمالي وتاريخه حافل باستخدام المال العام لأغراض شخصية، وله حصة الأسد من عائدات النفط الليبي. وهو شخصياً يقوم بالسيطرة على أهم ميليشيات الوفاق ويستخدمها لتحقيق هذه الأغراض الخبيثة.

تجدر الإشارة الى أن الصراع الأخير جاء بالتزامن مع صعود نجم الارهابي عبدالرؤوف كارة، صاحب جماعة الردع الميليشياوية، واليد اليمنى لباشاغا. حيث قامت الردع بتنفيذ عمليات اقتحام واعتقالات واسعة في الفترة الأخيرة بأوامر من باشاغا بحق العديد من الشخصيات المعروفة وغير المعروفة في طرابلس. ويرجح الخبراء بأن كارة يحاول كسب المزيد من الثقة لدى باشاغا، وممارسة الضغط على أعداء الأخير، مقابل نيل مكسب سياسي ومالي، إذا ما تحقق حلم وزير الداخلية واستلم المجلس الرئاسي في الحكومة المقبلة، كما ظهر في الحوارات السياسية الليبية الأخيرة.

في نهاية اجتماع الإيرادات النفطية السابق ذكره، توافق الحضور على تشكيل لجنة مشتركة من ديوان المحاسبة في طرابلس ومصرف ليبيا المركزي وممثلين عن وزارتي مالية "الوفاق والحكومة الليبية" لتنسيق المسائل المالية تحقيقاً للمصالح العليا للبلاد. وهذا بالطبع تصريح للإعلام بأن المشكلة تم حلها، ولكن الخبراء الليبيون متفقون على أن محاولات توزيع الثروة، وإقصاء الغير مرغوب بهم، جارٍ على قدم وساق، خصوصاً بعدما تدخل سفير الولايات المتحدة الأمريكية لدى ليبيا ريتشارد نورلاند وإجرائه اتصالات مع كل من السراج والكبير وصنع الله ومسؤولين آخرين في حكومة الوفاق. وإملائه للرغبات الأمريكية عليهم، بحكم أن للولايات المتحدة دور فعال في ليبيا، لإدارة مصالحها.

كما برز التدخل الأجنبي ببيان صادر عن الرئاسة المشتركة لفريق العمل الخاص بالشؤون الاقتصادية لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، تدعو فيه إلى حل تفاوضي ليبي يعالج الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، بحسب زعمها. وبعثة الأمم المتحدة ورئيستها ستيفاني ويليامز قد فقدت الثقة والمصداقية لدى الشعب الليبي بسبب ما تم ممارسته من قبلها في ملتقى الحوار السياسي الليبي الأخير من محاولات لفرض شروط وشخصيات لمستقبل ليبيا، تضر بمصلحة الليبيين.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات