تساءل المحلل التركي متين غوركان في مقال تحليلي نشره موقع “المونيتور” عما إذا كانت المواجهات الأذرية-الأرمينية ستتحول إلى صراع إقليمي واسع، مشدداً على أنّ مسار تطوّر الصراع حاسم في هذه المنطقة المتعددة اللاعبين والغنية بموارد الطاقة.

وفي قراءته للتطورات الأخيرة، عدّد غوركان 5 عوامل أساسية للمواجهات:

1. اكتساب أذربيجان وأرمينيا قدرات عسكرية جديدة، لا سيما في ما يتعلق بالطائرات المسيّرة والنيران غير المباشرة والاستخبارات والمراقبة وسواها.
2. حصول تغيرات كبيرة على صعيد سياسات الطاقة في جنوب القوقاز.
3. تعرّض الحكومتيْن الأذرية والأرمينية لضغوط المشاكل الاقتصادية وحاجتهما إلى إلهاء شعبيْهما.
4. تصاعد شعبية النزعات القومية والشعبوية في أذربيجان وأرمينيا، وهو الدافع وراء تبنّي الرئيسيْن إلهام علييف ونيكول باشينيان مواقف أكثر تصعيدية.
5. بحث موسكو، على ما يبدو، عن فرصة لإضعاف حكومة باشينيان، التي تُعتبر أقل صداقة مع موسكو بالمقارنة مع الإدارات الأرمينية سابقتها.

في ما يتعلق بالوضع الميداني، ذكّر غوركان بالمواجهات التي دارت في نيسان العام 2016 وتموز الفائت، مشيراً إلى أنّها استمرت لأيام قبل أن تتدخّل موسكو. وفي هذا الإطار، استغرب غوركان الموقف الروسي الخجول هذه المرة، ملمحاً إلى أنّ الكرملين لا يبدو راغباً في جلب كل من علييف وباشينيان إلى طاولة المفاوضات.

غوركان الذي أكّد أنّ الجيش الأذري يقف في موقع هجومي، نبّه من أنّ التضاريس الوعرة والأحوال الجوية في الشتاء تصب في مصلحة القوات الأرمينية. وأضاف غوركان: “يفتح الجيش الأذري جبهات جديدة سعياً إلى إجبار القوات الأرمينية على أن تتفرّق. من جهتهم، يستغل الأرمينيون موقعهم الدفاعي لإمطار القوات الأذرية بالقذائف الصاروخية والصواريخ بهدف إبطائها وإرباكها.

وفي غضون ذلك، تتصيّد المسيّرات المتفجرة – وهي عنصر جديدة في أرض المعركة- أهدافاً قيمة جداً”. إلى ذلك، تطرّق غوركان إلى غياب القوات الجوية، على الرغم من ادعاء أرمينيا أنّ طائرة “أف-16” تركية أسقطت طائرة “سو-25” تابعة لها، معلقاً: “في ظل غياب الطائرات الحربية والمروحيات الهجومية، فشل الجيش الأذري في دعم قواته البرية بشكل وثيق وبالتالي تعجيل وتيرة تقدّمها”. على صعيد الصواريخ الباليستية، تحدّث غوركان عن غياب العلامات التي توحي إلى إمكانية عمل الطرفيْن على استخدامها؛ علماً أنّ أرمينيا تمتلك صواريخ باليستية روسية من طراز “اسكندر” (يبلغ مداها 280 كيلومتراً)، أمّا بالنسبة إلى ترسانة أذربيجان فتتضمن صواريخ إسرائيلية من طراز “لورا” (يبلغ مداها 300 كيلومتر).

وانطلاقاً من المعطيات السياسية، استبعد غوركان استخدام أذربيجان وأرمينيا صواريخهما الباليستية من دون موافقة روسيا، معتبراً أنّ خطوة نشر الطائرات الحربية والصواريخ الباليستية تمثّل مقدّمة لاندلاع حرب تقليدية.

وعليه، أكّد غوركان أنّ عامليْن حيوييْن يميزان المواجهات الأذرية-الأرمينية بالمقارنة مع أخرى سابقة:

1. المسيّرات: تستعمل أذربيجان مسيّرات تركية متفجرة من طراز “TB2” و”Kargu-2″، وهي من شأنها تغيير طبيعة الاشتباكات في القوقاز. ويبدو أنّ أرمينيا تلقت ضربات قوية من هجمات المسيّرات.

2. سخونة حرب المعلومات ودور وسائل التواصل الاجتماعي: يحاول الأذريون إظهر قوتهم عبر نشر مقاطع لضربات المسيّرات على وسائل التواصل الاجتماعي، في حين تركز البروباغندا الأرمينية على التقارير “المضللة” بشكل أساسي، بهدف استعطاف دعم روسي وغربي.

وبناء على ما سبق، رجح غوركان انتهاء المواجهات بين البلديْن في غضون أسبوع، بعد حصول تدخل خارجي، للسببيْن الآتييْن:

1. تُعدّ منطقة القوقاز حديقة روسيا الخلفية، وترغب موسكو في منع حلف شمال الأطلسي “الناتو” من استغلال نزاع إقليمي للدخول إليها. ولذلك، تبدي روسيا مصلحة في عدم بلوغ الاشتباكات مستوى المواجهة العسكرية التقليدية.

2. تقع تركيا وإيران في قبضة الأزمات الاقتصادية وترغبان في تفادي تداعيات حرب إقليمية، بما يشمل التكاليف الأمنية والهجرة وتأجيل المبادرات السياسية والتجارية الإقليمية. كما تحرص تركيا على ضمان استمرارية إمدادات الطاقة من حوض بحر قزوين. هذا وتحذر تركيا من تأثّر علاقتها مع روسيا في سوريا وليبيا، الواقع الذي يستدعي منها إبقاء نزاع ناغورنو كاراباخ على مستوى معارك الإلهاء الخفيفة.

في السياق نفسه، توقّع غوركان أن تحدّ الأحوال الجوية الشتوية ووعورة التضاريس من اتساع رقعة العمليات العسكرية، مضيفاً أنّ الظروف الاقتصادية في كل من أذربيجان وأرمينيا ستمنعانهما من الدخول في مواجهة عسكرية تقليدية.

وعلى عكس المرات السابقة، نبّه غوركان من أنّ الجبهات الأمامية “قد لا تهدأ تماماً هذه المرة”، خالصاً إلى ما يلي: “لا يمكن استبعاد احتمال نشوب حرب استنزاف مطولة، تتخللها جولات نزاع منخفض الحدة وحرب بالوكالة، وحرب مسيرات ومعلومات”.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات