انخفضت معدلات استهلاك المواطنين من لحوم الدجاج والبيض خلال الفترة القريبة الماضية، وكذلك الحليب والألبان والأجبان، نظراً لارتفاعات أسعارها المتتالية وغير المسبوقة، وعلى ما يبدو أن هذه المعدلات سوف تستمر بالانخفاض، وصولاً إلى خروج هذه المواد نهائياً من سلة الاستهلاك اليومي للغالبية من المواطنين، أسوة بما سبقها من مواد غذائية باتت من المنسيات ضمن هذه السلة.

ربما من النعم أنه خلال هذه الفترة، التي عصفت فيها الأسعار جنوناً، كان هناك بعض البدائل الغذائية ذات السعر المقبول المتمثلة بالخضار الموسمية الصيفية، بالإضافة إلى البرغل وبعض أنواع الرز والبقوليات المجففة، برغم ارتفاع أسعارها هي الأخرى، لكن تم الاستعانة بها لسد جزء من الفجوة الغذائية المغذية المتمثلة بالبروتينات الحيوانية، التي خلت منها موائد غالبية السوريين.
لكن ماذا عن أشهر الشتاء القادمة، حيث تنخفض كميات الكثير من الخضار خلالها، وترتفع أسعارها؟ وكيف سيتم ردم الفجوة الغذائية عند عموم المواطنين، وخاصة المفقرين؟

الشتاء القادم أكثر تقشفاً

الفاصولياء- البامياء- البازلاء- الفول- الملوخية- البندورة- الفليفلة- الخيار- البطاطا- الباذنجان- الكوسا- الزهرة- جميعها خضار صيفية ذات سعر مقبول بالمقارنة مع غيرها، تم الاستعانة بها على مستوى الغذاء اليومي في ظل غياب اللحوم الحمراء، وما تبعها من انسحاب متتال للحوم الدجاج والبيض ومشتقات الحليب أيضاً.

والملاحظ، أن الكثير من الأسر لم تتمكن من التمون ببعض هذه الخضار خلال موسمها للاستعانة بها في ترميم سلة الاستهلاك خلال فصل الشتاء، كما جرت العادة، بسبب ضيق ذات اليد، بالمقارنة مع كلفتها الإجمالية، والبعض منهم فقدها هدراً، بعد التكبد بتكاليفها، بسبب تردي وسوء التيار الكهربائي أيضاً، ما يعني أنّ فصل الشتاء القادم سيكون أكثر تقشفاً على مستوى الغذاء بالنسبة للغالبية المفقرة، مكره أخاك لا بطل.

الغذاء المغذي استنزف..

لا شك، أن التحول نحو الغذاء النباتي له مشجعوه ومدارسه، وهو كيفي بطبيعة الحال، فهذا الغذاء يعتبر غنياً في حال التمكن من استكمال سلته المغذية بتشكيلته الواسعة من الخضار والفواكه والمكسرات وغيرها، لكن ما يجري على أرض الواقع ليس الدفع بالسوريين كي يصبحوا نباتيين رغماً عن إرادتهم فقط، فهذا الأمر من المستحيلات، نظراً لاستحالة استكمال السلة النباتية المغذية بالنسبة للغالبية، وخاصة على مستوى الفواكه والمكسرات، التي سبق وأن خرجت من سلة استهلاك المفقرين، بل كي يصبحوا عاشبين على ما يبدو!

فالمؤشرات، تقول: إن الأشهر القادمة ستكون أكثر سوءاً على المواطنين، وخاصة على المستوى المعيشي الذي سيزداد تردياً، ليس بسبب العجز عن إيجاد الحلول للمشاكل المتراكبة على حياتهم ومعاشهم وخدماتهم، وليس بسبب استمرار ارتفاعات الأسعار بسبب فجور الاستغلال والفساد، بل بسبب استنزاف سلة الغذاء اليومي المغذي تباعاً.

فلا لحوم، ولا بيض، ولا مشتقات حليب، ولا خضار ولا مونة ولا فواكه، وربما المتبقي للغذاء بحسب الإمكانات المادية المتآكلة عملياً سيقتصر لاحقاً على الحشائش الشتوية المحدودة، المتمثلة بالورقيات (سبانخ- سلق- ملفوف- خبيزة..)، وربما البطاطا الخريفية والبندورة البلاستيكية، طبعاً في حال عدم ارتفاع أسعارها، وفي حال عدم ارتفاع أسعار الأرز والبرغل والزيت والسمن والطحينة، والبقوليات المجففة، مثل: الفول والحمص، وغيرها من السلع الغذائية الأخرى غير المرتبطة بالمواسم، وهي احتمالات مفتوحة نحو الأسوأ عملياً، ومن خلال التجربة العملية مع كبار حيتان الاستغلال والفساد المتحكمين بالسوق سوءاً.

ربما، أصبح الحديث عن دعم الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني بما يؤمن الحاجات الغذائية للمواطنين بحدودها الدنيا مملّاً، خاصة وقد تم إشباعه تفنيداً وتحليلاً وانتقاداً وفضحاً خلال السنين والعقود الماضية، وتم التركيز على ذلك بشكل أكبر خلال سني الحرب والأزمة، باعتبار أن ذلك مرتبط بالسياسات الليبرالية المعتمدة، التي لا نية بتغييرها، بل هناك إصرار على الاستمرار بها، برغم كل ما وصلنا إليه من تردّ على كافة المستويات، بما في ذلك على المستوى الغذائي، وبرغم كل الأضرار التي لحقت بالاقتصاد الوطني بنتيجتها.

فمصالح حيتان المال والفساد، التي تعمل هذه السياسات لمصلحتهم وتدعمهم، أهم من الغذاء وأهم من الإنتاج عموماً، بل وأهم من الاقتصاد الوطني والمصلحة الوطنية، وبالتالي، فإن الفجوة الغذائية ستستمر ولن تردم، ومظاهر الفقر والجوع والعوز الغذائي ستتفاقم، وربما لم يبق أمام السوريين درءاً من تحولهم بنظام غذائهم إلى عاشبين رغماً عنهم، إلّا بتغيير هذه السياسات جملة وتفصيلاً.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات