تتذبذب أسعار النفط حاليا في الأسواق العالمية وبشكل لم يشهده التاريخ سابقا!، مما أدخل الأسواق والقوى المؤثرة فيه من منتجين ومستهلكين في حالة اقتصادية ندعوها حالة عدم اليقين ،وتتحدد الأسعار Prices لمعظم السلع والخدمات بما فيها النفط في زمان ومكان محددين من خلال تلاقي قوى العرض والذي يحدده المنتجون ( الإنتاج ) والطلب الفعال للمستهلكين في مختلف القطاعات ، أي أن السعر هو التعبير النقدي عن قيمة السلعة وهو أحد العناصر الأربعة ( للمزيج التسويق Marketing mix)‏ والتي يرمز لها بالرمز ( Ps4) مشتقة من أوائل الكلمات وباللغة الإنكليزية وهي [ المنتج Product والسعر Price والمكان Place والترويج Promotion] ، وبتأثر السعر بكل من التكلفة والمنافسة وهي الحالة المسيطرة حاليا على الأسواق النفطية العالمية التي تضم حوالي /180 / نوع تختلف عن بعضها بعدد من المواصفات ومنها (الكثافة واللزوجة ونسبة الكبريت والشوائب والحموضة والوزن النوعي والمضاربة والحاجة للأموال والاحتياطي النفطي).

ووصلت المنافسة التي تقودها السعودية في منظمة دول ( أوبك +) إلى منافسة أقرب إلى الانهيار الاقتصادي أو ( منافسة قطع الرقاب أو الموت ) والهدف هو إلحاق الأضرار بالدول الأخرى المنتجة للنفط وخاصة ( روسيا وايران وفنزويلا ) ، وتنتج السعودية حوالي /30% / من إجمالي إنتاج منظمة أوبك وهي في المرتبة الثالثة من الناحية الإنتاجية بعد ( أمريكا وروسيا ) لكنها الأولى من الناحية التصديرية ولكن مع توسع جائحة أو وباء كورونا والذي أثر سلبا على العالم بأكمله وتراجع عمل كل القطاعات من إنتاجية واستهلاكية وتسويقية وخدماتية وغيرها أدى إلى تراجع الطلب اليومي العالمي على النفط والذي يقدر بحوالي /100/ مليون برميل ونتيجة ذلك تراجعت أسعاره ووصلت أسعار العقود الآجلة إلى ما دون الصفر للبرميل الواحد ، وأصبح تجار النفط مستعدون لبيع عقودهم الآجلة بخسارة كي يتجنبوا تكلفة التخزين وغيرها من التكاليف الأخرى والتي تجاوزت سعر البرميل الواحد وخاصة بعد أن امتلأت مستودعات التخزين وخاصة في أمريكا وهي أكبر دولة مستهلكة للنفط ، وهذا نتيجة طبيعية لسياسة الإغراق الاقتصادي النفطي لعدد من دول أوبك + ، امتلأت بسبب سياسة الإغراق التي اعتمدتها السعودية وغيرها بزيادة إنتاجها وأصبح العرض أكبر من الطلب فامتلأت أغلب الخزانات النفطية ولا سيما في أمريكا وهي أكبر دولة مستهلكة.

وتجسد هذا صباح تراجع أسعار النفط يوم الاثنين تاريخ 20/4/2020بأكثر من /94%/ ووصل إلى سعر /1،04/ دولار وهذه الحالة لم تشهدها الأسواق من تاريخ أزمة الكساد الكبير سنة 1929، ،وبرأينا أن أسعار النفط وإن تعافت ستكون آخر الأسعار التي ستتعافى من جراء شبه الاغلاق الكامل للنشاط الاقتصادي بسبب كورونا ، ولتفسير هذه الظاهرة برأينا أن استهلاك النفط تراجع منذ بداية 1/4/2020 بأكثر من /30%/ وستستمر في التراجع في الشهر القادم بنسية /25%/ أي أنه لكي تنتعش أسعار النفط تدريجيا يحتاج العالم لتخفيض الإنتاج النفطي بأكثر من /40%/ أي بحدود /40/ مليون برميل نفط يوميا ، فهل تقدم عليها الدول المنتجة للنفط دول أوبك + والتي وافقت على تخفيض الإنتاج سابقا بحدود /9،7/ مليون برميل يوميا خلال اجتماعها الأخير ؟!، أي باللغة الرقمية يجب ان تخفض السعودية مثلا بحدود /8/ مليون برميل يوميا ، وهذا مؤلم لها بسبب اعتمادها شبه الكلي وبأكثر من /80%/ على النقط لتامين متطلبات موازنتها السنوية والتي بلغ عجزها /50/ مليار دولار وتراجعت محتويات صناديقها السيادية واحتياطياتها النقدية وزادت نسبة الدين بسبب اقتراضها للأموال لتغطية تكاليف حروبها في اليمن وسورية ، أي ان استمرارها بتسويق نقطها بهذه الأسعار يعني انتحار اقتصادي ولا سيما في ظل التوترات السياسية الحالية ضمن العائلة المالكة.

أما أمريكا فإن إنتاج النفط بأكمله يتم من قبل القطاع الخاص ، والشركات الامريكية لاتستطيع التعاون مع ( أوبك +) لأن هذا يتناقض مع قانون المنافسة الامريكية وبالتالي سيعرضهم لمساءلة قانونية وغرامات مالية ، أما روسيا فإنها تستطيع تخفيض الإنتاج لان اقتصادها متنوع ولديها فائض في موازنتها ولديها احتياطيات نقدية كبيرة وأن الشركات المنتجة للنفط هي مقربة من الحكومة الروسية، وأما ايران فإنها لاتزال تصدر لزبائنها الأساسيين وهم ( الصين والهند واليابان ) وغيرهم، وبالتالي فإن حرب الأسعار التي بدأتها السعودية مع بداية سنة 2020 كتلبية لرغبات سيد البيت الأبيض الحالي والمؤقت بدأت تنعكس عليها ، وكما يقال في أمثالنا العربية وعلى نفسها جنت براقش.

سيريا ديلي نيوز- د: حيان أحمد سلمان:


التعليقات