لم يعُد للغش باب واحد، بل أبواب مشرّعة، وليس المقصود هنا الغش لمرة أو مرتين، بل العمل عليه من بعض المنتجين على نحو ممنهج، لتصبح الحالة التي أوجدها الغش هي القاعدة..! وهنا قصة طريفة بدأت وتراكمت تأثيراتها، لعشرات السنوات، حيث لجأ هؤلاء لإنقاص وزن العبوات، أو تغيير شكلها لتستوعب كمية أقل من المادة المعبّأة، وهكذا لا تكافئ السلعة المبيعة النقود التي دفعها المستهلك، وهو ما يعرف بالتطفيف، فكيف جرى وتراكم هذا التطفيف، حتى تعايش الأخير معه واعتاده..؟!.

نقصت الأوزان وظلت التسميات..!
لم تنكر شريحة واسعة من المستهلكين، الذين سئلوا عن أوزان العبوات، أن ثمة تلاعباً فيها، فالعبوة زنة الـ500 غرام مثلاً، باتت 450 غراماً، وزنة 1000 غرام نقصت إلى 900 غرام، أو ربما أقل من ذلك، بينما لم تلحظ شريحة أخرى فارقاً حقيقياً، ولم ترَ ثالثة جدوى من مكافحة الغش في هذا الجانب، لأنه بات بحكم الأمر الواقع، حيث يتعامل المستهلكون مع الأوزان المنتشرة في الأسواق، بصرف النظر عن الأوزان النظامية، وظلت تسميات العبوات قائمة (نصف كغ، واحد كغ، اثنان كغ،..)، وهكذا دفع المستهلك قيمة كمية، دون أن يحصل عليها فعلياً، وتقتضي أبسط قواعد البيع والشراء، أن يكافئ المبلغ المدفوع مواصفات السلعة كلها، ولاسيما الكمية المشتراة..
للإنصاف..
في الوقت الذي تلاعب فيه منتجون بطيف واسع من المنتجات والعبوات، إلا أن هناك عبوات ما زالت تراعي الأوزان النظامية، كما في عبوات الزيت، إذ ما زالت عبوة الليتر الواحد –مثلاً- محافظة على كميتها، كما أن هناك منتجين يذكرون على العبوة أو التغليف، وبشكل واضح، زنة المادة المعبأة، وزنة العبوة الفارغة، بينما يذكر منتجون آخرون مع عبارة الوزن الصافي كذا.. (+/-2%)، ومعروف أن بعض آلات التعبئة ربما لا تضبط الوزن بدقة، كما أن هناك بعض المنتجات التي تفقد جزءاً من وزنها بسبب قابلية المادة للجفاف أو التبخر، ولاسيما مع طول الفترة بين الإنتاج والاستهلاك.

مخالفة صريحة
يقول مدير حماية المستهلك في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك علي الخطيب: إن هناك إنقاصاً في الأوزان، وهو مخالف لأنظمة الرقابة، شأنه شأن أية مخالفات أخرى، لأن وزن العبوة والمحتوى يدخلان ضمن المواصفة القياسية السورية الخاصة بالمنتج.
ويضيف الخطيب: إن وزن محتوى العبوة إذا كان لا يتطابق مع ما هو مدوّن على الغلاف أو العبوة نفسها، فهذه مخالفة صريحة تحمل ضرراً للمستهلك، الذي دفع قيمة وزن هو غير موجود أصلاً، وذلك عبر عديد الطرق (إنقاص المحتوى، تقعير العبوة، تغيير شكلها)، مشيراً إلى أن عدد عناصر الرقابة سواء لدى المديرية أو أية جهة رقابية أخرى، غير كافٍ بالمطلق لتغطية حجم وعدد الفعاليات التجارية الهائلة والمنتشرة في أسواق متباعدة وغير متجانسة، فهناك أكثر من 30 ألف فعالية تجارية (منفذ بيع، منفذ إنتاج، مستودع) في دمشق وحدها.
وتحدّد المواصفة القياسية السورية رقم 2341 المحتوى الصافي في العبوات، الذي يقصد به كمية السلعة في العبوة، باستثناء مواد التغليف، أو أية مواد أخرى معبأة مع السلعة، وعندما يتجاوز النقص المقدار المسموح به، يعدّ مخالفاً للمواصفات.

حصر الأوزان
يحصر قرار الوزارة، رقم 50 لعام 2019، أوزان أغلب المواد الغذائية ومواد التنظيف، كما يحدّد أوزان جميع أنواع الزيوت والحلاوة الطحينية والطحينة والخبز غير التمويني والشوكولا السائلة والحلويات العربية بأنواعها والشاي والسكر والرز والقمح والدقيق والبرغل والبقوليات والحبوب والدبس وزبدة المائدة، أو بدائلها النباتية والخل والبن والبهارات والمضافات المعبّأة والمغلفة وغيرها.
ولا يشمل القرار العبوات التي تستخدم للأغراض الصناعية، التي يزيد وزنها على 16 كغ، وعبوات الطحينة التي يزيد وزنها على 5 كغ، وكذلك العبوات الكرتونية والبراميل المخصصة للصناعة، حيث تطبق عليه المواصفات القياسية السورية الخاصة بكل مادة. وبالنسبة للمنظفات الصناعية والمنزلية ومعجون وسائل الأواني المنزلية يجب أن يتم ذكر السلعة بشكل واضح على الغلاف الخارجي لكل عبوة، وعدم تجاوز الحجم الفارغ الفائض في العبوات عن 30% للمساحيق و15% للسوائل، و10% للمعجون من الحجم الأساسي، كما يجب التصريح عن الزيادة المجانية بشكل منفصل على العبوة.

المحتوى نفسه
وفي الوقت الذي يؤيّد فيه، عضو جمعية حماية المستهلك الدكتور أدهم شقير وجود تلاعب في الأوزان والمكاييل لدى بعض المنتجين وضعاف النفوس، فإنه يذهب إلى ما هو أبعد من إنقاص وزن العبوات إلى طبيعة وتركيب المحتوى نفسه، وما عاينه وتأكد منه بنفسه من خلال جولات الجمعية على الأسواق المختلفة، حيث يتلاعب هؤلاء بتركيبة المادة، كما هو الحال بالنسبة للبنة والحلاوة والمعلبات، أو تخلط بمواد مستوردة وأقل جودة كبيع اللحوم الرخيصة على أنها لحوم بلدية، أو خلط المادة بمادة أخرى بقصد زيادة الوزن وتقليل التكاليف كخلط مساحيق الغسيل بالملح، وهكذا..

غير جائز شرعاً
نهى الشرع عن التطفيف، الذي هو أخذ زيادة عند الشراء وتقليل الوزن عند البيع، فإذا اشترى المطفف أخذ زيادة، وإذا باع أعطى الأقل، وتدخل كل أنواع الغش في التطفيف، فهو يشمل في معناه الواسع الوزن والكيل والمساحة والعدد، كما يشمل أيضاً رش النبات بالهرمون لتغدو الفواكه أو الخضار كبيرة الحجم، زاهية اللون، والتسمين الوهمي للحيوانات والطيور، بقصد إيهام المشتري بزيادة وزنها، وبالتالي فإن أي أذى يوقعه البائع أو المنتج بالمشتري هو تطفيف..

سيريا ديلي نيوز


التعليقات