ميليا إسبر
كما الزئبق يقفز الذهب ويسجل أعلى رقم يصله في تاريخه، ثم لا يلبث أن يهوي بالطريقة ذاتها التي «ينط» فيها للأعلى، بل هناك من يشبّه حركته بحركة تخطيط القلب التي ترتفع وتهبط.
مشاعر من القلق والخوف يثيرها ارتفاع أسعار الذهب، ليس لأن الناس تتسوق الذهب دائماً، ولكن لأن ارتفاعه يجعلهم يخسرون طريقة من طرق اكتناز اعتادوها من جهة، وعائق في وجه أصحاب مشاريع الزواج من ذوي الدخل المحدود.
ما أسباب ارتفاع غرام الذهب إلى هذا الرقم غير المسبوق؟
 
شلل تام
يقول صائغ الذهب- هاني أبو يقظان: إن سبب ارتفاع سعر الذهب المحلي ناتج عن ارتفاعه عالمياً، حيث يبلغ سعر الأونصة اليوم 1500 دولار، بينما كان سعر الأونصة قبل عام 2010 1800 دولار، لكن حينها كان سعر الصرف 47 ليرة فقط أي سعر الغرام آنذاك 2000 ليرة.
وأضاف أبو يقظان: إن السعر الذي وصل إليه الذهب، لا يتناسب نهائياً مع عمل الصائغ على عكس ما يشاع، لأنه عندما يكون سعر الذهب رخيصاً أو على الأقل مقبولاً نوعاً ما، تكون حركة السوق جيدة وتنشط حركة المعامل وورشات الصياغة وكذلك عمل الصياغة، لأن الذهب ورشة صناعية وطنية وهي سلسلة متكاملة مع بعضها ابتداء من المعمل والصائغ وانتهاء بالمواطن، مؤكداً أنه في تاريخ الذهب المحلي لم يصل إلى هذا الحد من الارتفاع فهي سابقة في تاريخه.
وأشار أبو يقظان إلى أن حركة البيع والشراء حالياً شبه مشلولة، فالمواطن ليست له قدرة على الشراء، وأن المشكلة الأخرى هي ارتفاع ضريبة الصياغة فهي تصل إلى 1500 ليرة على الغرام الواحد، لذلك توقفت الصياغة حالياً، وأيضاً توقفت المعامل عن العمل.
ولفت إلى أن الفترة الأفضل في تاريخ سوق الذهب (بيع وشراء) عندما كان سعر الغرام رخيصاً حينها كانت المبيعات كبيرة جداً، بينما الصائغ لا يناسبه ارتفاع سعر الذهب على الإطلاق لأن المرابح هي في أجرة الصياغة.
وختم أبو يقظان بالقول: إن حرفة الذهب صناعة يدوية وطنية بامتياز ومشهود لها عالمياً لذلك يجب أن تكون هناك تسهيلات في القوانين من أجل المحافظة عليها وحمايتها من الاندثار والتراجع.
أما الصائغ ريمون اسبر، فقد أشار إلى أن العرض أكثر من الطلب، وأن أغلب الناس بدأت تبيع الذهب من أجل ترميم بيوتها، ولاسيما بعد عودة الأمان إلى ريف دمشق،علماً أن حركة السوق تراجعت بشكل كبير حتى شراء الذهب بقصد الزواج يقتصر هذه الفترة على خواتم الخطوبة فقط من دون أي قطعة أخرى إلا ما قلّ وندر، وليس كما كان سابقاً عندما كانت تشتري العروس ذهباً بكميات جيدة، وذلك بسبب الارتفاع الكبير بسعر الذهب حالياً، لافتاً إلى أنه كلما ارتفع سعر الذهب تقل حركة السوق بشكل كبير والعكس صحيح.
أما الصائغ راغد جزماتي فيقول: إن دخل المواطن لا يتناسب مع غلاء الذهب الكبير، وهذا سبّب شللاً في حركة السوق، فحالياً راتب الموظف لا يكفي شراء غرام ونصف من الذهب والسوق له فترة طويلة في حالة موات، يضيف: إنهم كتجار لديهم رأسمال يبيعون منه، وليس من الربح حيث تكون أمورهم جيدة، بينما الخاسر الأكبر هو المواطن الذي لا يملك المال، ولا يستطيع شراء أي شيء لا ذهب ولا غيره، مشيراً إلى أن سبب ارتفاع الذهب الجنوني هو انخفاض سعر العملة المحلية وارتفاع سعر الدولار بسبب الحرب الاقتصادية العالمية، والتأثير لم يكن في سورية فقط وإنما أثّر في جميع دول العالم، لكن التأثير الأكبر كان في سورية حيث الحرب العسكرية أثرت فينا وبعدها أتت الحرب الاقتصادية لتزيد الوضع سوءاً، ويقول نحن في حاجة إلى نهضة اقتصادية داخلية لا نعتمد فيها على الخارج ، وأيضا بحاجة إلى رفع رواتب الموظفين وهذا يؤدي إلى تنشيط حركة السوق المحلية بشكل عام ، ودوران عجلة الاقتصاد المعيشية.
ارتفاع الأونصة
رئيس جمعية الصاغة في دمشق- غسان جزماتي أوضح أن السبب الرئيس لارتفاع الذهب هو ارتفاع سعر الأونصة عالمياً، حيث إن مركز البورصة موجود في ثلاثة مراكز: الأونصات في أمريكا –بانكو، وشرق آسيا كل واحدة منها تفتح في وقت معين حسب توقيت الساعات، لكن المركز الأساس في الولايات المتحدة الأمريكية وهي التي تحدد السعر الدقيق، وحاليا الأونصة مرتفعة وصلت إلى 1550 دولاراً ،علماً أنها لم تصل إلى هذا السعر منذ عشر سنوات، والسبب الرئيس في الارتفاع هو الخلاف بين أمريكا والصين، والضرائب على البضائع الصينية لهذا كان التوتر بين البلدين، إضافة إلى توتر العلاقات بين أمريكا وإيران فيما يخص ناقلة النفط، مضيفاً أنه عندما تحدث مشكلات بين الدول العظمى يرتفع سعر الذهب بسبب خوفهم من صدور أي مشروع قانون يخفّض سعره لدرجة كبيرة، أي إن سبب الارتفاع خلافات سياسية بين الدول، لأن كل الدول تعتمد عليه. أما العامل الثاني الذي ساعد على رفع سعر الذهب الخيالي بحيث أوصله إلى 28500 فهو ارتفاع الدولار بسبب المضاربة بين التجار وخاصة تجار الأزمة الجدد وليس المضاربة بالسعر النظامي، لافتاً إلى أن الذهب والدولار مرتبطان مع بعضهما لأنّ سعر الذهب هو بالدولار، مثلا كيلو الذهب حالياً يصل سعره إلى 48 ألف دولار، فهناك ارتباط كلي بين الدولار والذهب.
وأشار جزماتي إلى أن ارتفاع الذهب أثر بشكل كبير في السوق، حيث انخفضت مبيعات الذهب إلى حوالي 90%، وأنّ أسعار الذهب متقلبة حسب الأوضاع السائدة، وأن الخط البياني للذهب يشبه تخطيط القلب صعوداً ونزولاً حيث لا يوجد ثبات في سعره أبداً.
ولدى السؤال فيما إذا كان يتوقع خلال الأيام القليلة القادمة أن ينخفض سعر الذهب أم لا؟
أجاب جزماتي بأنه لا أحد يعرف فيما إذا كان سينخفض أم لا، علماً أن الدولة تعمل أقصى جهدها لكي تخفّض سعره، متمنياً عدم الانسياق وراء الشائعات على مواقع التواصل والتكهنات فيما يخص ارتفاع أو انخفاض أسعار الذهب.
«المالية» رفضت
مدير مكتب الدمغة ونائب رئيس الجمعية الحرفية للصياغة في دمشق- الياس ملكية يتحدث عن أسباب الخلاف بين النقابة ووزارة المالية، ويقول: إن الاتفاق بين النقابة ووزارة المالية انتهى في تاريخ 30/ 6 من العام الحالي، وقد حاولنا الوصول إلى اتفاق جديد يتناسب مع وضع المبيعات ووضع المهنة بشكل عام، لكن وزارة المالية تريد أن تبقى على موقفها السابق وهو أن تأخذ ضريبة بقيمة 150 مليون ليرة شهرياً من دمشق– حماة – حلب، لأنهم يملكون أقلام دمغة حيث لا توجد مكاتب دمغة إلا في هذه الجمعيات الثلاث.
وأضاف ملكية: إنّ دمشق كانت تدفع 83 مليون ليرة ، وحماة تدفع 57 مليون ليرة، بينما حلب 8 ملايين ليرة فقط، وبسبب انخفاض نسبة المبيعات وارتفاع سعر الذهب لم يعد في الإمكان تأمين هذا المبلغ برغم أننا حاولنا الوصول إلى تقريب وجهات النظر مع وزارة المالية بما يتناسب مع هذه الأسعار وحجم المبيعات لأنّ حجم المبيعات في سوق الصاغة انخفض من 80- 90%، بسبب ارتفاع أسعار الذهب لذلك لم نعد نستطيع أن نلتزم حالياً بهذا المبلغ، برغم أننا بقينا ملتزمين معهم طوال الفترات السابقة وحتى قبل نهاية الاتفاق برغم أن المبيعات كانت منخفضة دفعنا المبالغ والضرائب من الصياغ من أجل تأمين شيك وزارة المالية كل نهاية شهر، حيث استدانت النقابة 60 مليوناً من الحرفيين حتى استطاعت دفع شيك وزارة المالية، من هنا نقول: إن النقابة لم يعد في إمكانها على الإطلاق الالتزام بتسديد مبلغ 150 مليون ليرة شهرياً، لأن الإمكانات في الوضع الراهن لا تتعدى تأمين 75 مليون ليرة شهرياً، لذلك نسعى جاهدين إلى تقريب وجهات النظر مع المالية، فالضريبة ليست خلافاً، بل هي حق وواجب ونحن ملتزمون بها، لكن بالشيء المعقول الذي نستطيع تأمينه.
ملكية أكد أنه كان لهم اجتماع مع وزير المالية بحضور وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك أيضاً، وأنهم حاولوا تقريب وجهات النظر وقد تم خلال الاجتماع إيجاد حل لبعض البنود في هذا الموضوع، لكن المالية قالت إن هناك أموراً قانونية تحتاج دراسة لكي تستطيع التجاوب مع النقابة في هذا الموضوع، والمشكلة في العمال الذين ينتظرون منذ ثلاثة أشهر وهم من دون عمل ولديهم التزامات يجب تسديدها، وهناك أصحاب الورش أيضاً، فهناك 6000 عامل يعمل في هذه المهنة التراثية المشهورة، وليس من المنطقي توقيفها بهذا الشكل، لذلك يجب إيجاد حل مقبول.
اقتراح مرفوض
مدير الدمغة يقول: اقترحنا على المالية أن تجبي الضرائب من الباعة مباشرة مهما كان المبلغ، وأن تعاملهم كما أصحاب المطاعم، فالضريبة لمن يبيع، لكن ردّ وزير المالية أكد أنّ هذا الإجراء يحتاج نصاً تشريعياً ومن المعروف أن هذا يحتاج وقتاً حتى يتحقق، لذلك نأمل أن نصل إلى حل مؤقت لا يتجاوز نهاية السنة ريثما يتم إعداد النص التشريعي لهذا الموضوع، مشيراً إلى أنه عندما كان العمل جيداً كان يتوافر معهم مبلغ 150 مليون ليرة، ويضعون في البنك ما يزيد، وقد وصل الفائض في بعض السنوات إلى 70 مليون ليرة، لكن عندما انخفضت المبيعات والعمل بدأنا نأخذ من الفائض ثم جاءت أشهر ضعف العمل أكثر لذلك لم يبقَ فائض، وأصبحنا نستدين من الحرفيين ونعطيهم فواتير سلفاً بأنهم سيدمغون لهم في الشهر القادم إذا توصلنا إلى حل، لكن حتى الآن لم نصل إلى حل، ونأمل أن يكون هناك تفاهم، لأنه في حال استمر الوضع على ما هو عليه ربما يلجأ بعض الصاغة من ضعاف النفوس إلى العمل بطريقة غير قانونية والبيع من دون دمغة وهذا مخالف للقانون، مؤكداً أنه خلال السنوات السبع السابقة وصلنا بالذهب إلى القمة من حيث النقاوة والعيارات والدمغة.
وأن الضريبة المرتفعة على الذهب السوري تؤثر في سياحة الذهب، وتجعل الناس التي اعتادت أن تجهز الأعراس من سورية أن يذهبوا إلى الخليج ولبنان لأنه يصبح أرخص عندما ندفع 1500 ليرة على الغرام، وبذلك نصبح خارج المنافسة، بينما جمعية الصاغة تأخذ بين 200- 400 ليرة على الغرام حسب نوع البضاعة كرسم إنفاق استهلاكي.
لافتاً إلى أن عمال الذهب والحرفيين قد يسافرون للخارج إذا استمر الوضع على هذا الجمود، وهم مرغمون على العمل في الدول المجاورة كـ (لبنان – الأردن – الخليج)، وخروج سورية من مهنة الذهب خسارة كبيرة، لأن مؤسسي أسواق الذهب في مجلس الذهب العالمي أغلبهم من السوريين.
الحصة الأكبر
رئيس اتحاد الجمعيات الحرفية في دمشق- عصام الزيبق يقول: لدينا دمغة في حلب وحماة وأيضاً دمغة في دمشق، فدمشق تدفع السعر الأكبر وهذا سبب الخلاف الذي حصل ويجب القسمة بعدل، حيث تدفع دمشق النسبة الأكبر، فالمالية تأخذ 1500 ليرة على الغرام وهو مبلغ مرتفع في هذه الظروف، لذلك نحاول مع المالية الوصول إلى حل يرضي كل الأطراف: المالية – الحرفيين –في الوقت نفسه نكون قد أنصفنا المواطن، متوقعاً التوصل إلى حل مع المالية خلال أسبوع، ونحن في انتظار توقيع قرار تكون النسبة مقبولة، فالمالية تأخذ حالياً 5% على الغرام، لافتاً إلى أنه يفضّل عدم الخوض في تفاصيل النسبة إلى أن يصل لاتفاق صريح وواضح مع وزير المالية، لأنه حتى اللحظة لم نستقر على نسبة معينة، وعندما تتوضح الأمور يمكن الحديث عنها بشكل علني.
وختم الزيبق بالقول: لدينا احتياطي ذهب، وحتى اللحظة لم نضطر إلى استخدامه، فالاحتياطي قبل الحرب لا يزال كما هو لم ينقص بل على العكس ارتفع.
مضاربات
الاختصاصي الاقتصادي د. سنان علي ديب يرى أن المشكلة تكمن في تسعير الذهب على غير السعر الرسمي للدولار، برغم عدم واقعية هذا التسعير، إضافة لغياب ضوابط عمل الصياغة.
وأكد أن احتياط الذهب في المركزي لم يتغير عما قبل الحرب، بل بقي على حاله ولسنا بحاجة إلى تسييل احتياطنا من الذهب، لأن حالة الركود هي مضاربات وهمية وحرب اقتصادية، واحتياطنا من الدولار في مأمن ولسنا بحاجة إلى تسييل الذهب لأنه الأسرع في تحويله إلى العملة الصعبة.
وقال: إن التقلبات في سعر الذهب لا تؤثر في الاقتصاد ككل، وإنما في الذهب مثله مثل أي سلعة.
وأكد د. ديب أن الهم كان منصباً حالياً في احتواء المضاربات الهادفة لتدمير الاقتصاد وحسب رأيه تم تجاوزها، و يجب التركيز على الاستقرار الذي تنبثق عنه ثقة تتجاوز انعكاسات الحالة الأولى وفي رأيه الظروف والشروط متوافرة.
تشرين

 

سيريا ديلي نيوز


التعليقات