التقيتُه في أحد البيوت التي يعاد ترميمها من جديد، في هذا البيت الذي يعود لصديق لي، وقد تضرر جراء الحرب، كان لابد من إعادة كل شيء إلى ماكان عليه، والأمر يتطلب وجود عدة ورشات فيه من (بيتون، وصحيّة، وألمنيوم، وكهرباء،

وطلاء...إلخ) طفل يبلغ أحد عشر عاماً، وجدته مع أطفال آخرين يقومون بمساعدة آبائهم المختلفي المهن، وحين بادرته بالسؤال عن اسمه، قال : أنا أحمد، سألته: وماذا تعمل هنا يا أحمد؟! قال: أنا مصلحتي ألمنيوم! ابتسمت لسرعة بديهته في الإجابة

وإلى إشارته إلى تخصّصه وتميز عمله عن أعمال الأطفال الأخرى، وهل تدرس يا أحمد؟! سألته وأجاب: نعم، أنا في الصف السادس!

أصحاب الورشات الذين تسلّموا إعادة بناء هذا البيت وبيوت أخرى يعاد بناؤها، هم من ذوي الخبرة والمتقنين لعملهم، ومعروف أن الحلبي يتقن حرفته جيداً، وهو عامل ماهر مبدع، لايرضى بأن ينتهي مما يقوم على تنفيذه أو إبداعه دون أن يكون على

أكمل وجه، حتى لو اضطره الأمر إلى إعادة القيام بما نفذه ولم يكن راضياً عنه. ولهذا يعتمدهم الكثيرون في إعادة الإعمار في حلب؛ لأن لهم سنوات خبرة طويلة جداً، ولأن أصحاب اليد العاملة باتت تفتقر إليهم هذه المدينة، فأغلبهم سافر، أو التحق

بالجيش، أو استشهد، أو وجد بلداً آخر يعيش فيها ممتهناً تلك المهنة التي يجيدها، وبقيت القلة القليلة من المهنيين الذين يقومون اليوم بإعادة بناء مدينة حلب.

الأمر اللافت للنظر أن أصحاب هذه الورشات التي أشرت إليها، بدؤوا بتعليم أبنائهم المهنة التي يتقنونها، فالعلم في الصغر كالنقش على الحجر، والمهنة يورثها الآباء إلى الأبناء، لتكون عوناً لهم في معيشتهم، وبما أن هناك افتقاراً لليد العاملة في حلب

فقد آل على أنفسهم أصحاب تلك الورشات تعليم أبنائهم مهنهم إضافة إلى تدريسهم الذي لابد منه.

أحمد الطفل الذي نجا من شظايا قذيفة طالته وهو عائد مع والدته إلى البيت، والتي بقيت آثارها على جسده (يده وبطنه وظهره) وهو الذي يحب مصلحته (الألمنيوم) يقول: سأساعد أبي في مهنته، ولكني سأتابع دراستي، لأن العلم سلاح!! ومن ستقاتل

به يا أحمد؟! أسأله فيجيب: سأقاتل به كل عدو خرّب مدينتنا، وكل من حاربنا بقذائفه وصواريخه، فلو لم يكونوا جاهلين لما قاموا بهذا التخريب والقتل والدمار!.
الجماهير- بيانكا ماضيّة

سيريا ديلي نيوز


التعليقات