بدأت نتائجُ مقدّمات الحربِ الاقتصاديّةِ على سوريّة تظهرُ على نحوٍ واضح؛ ذلك بسببٍ من الظّواهرِ الاقتصاديّة والمؤشرات المختلفة، تحديداً لجهة ما يتعلق بتوافر المشتقات النفطيّة (المازوت والبنـزين والغاز.... وغيـر ذلك)، وبعض السلع الأخرى التـي باتت تخضعُ لبرنامج تقنين مشدّد، وإعادة هيكلة صارمة، وفق سلّم بدائل وأوليات، ليس على مستوى القطاع العائليّ فحسب، بل الحكوميّ أيضاً، إذ تم تصدير بعض القرارات التـي تستهدف تخفيض حجم الإنفاق العام، بشقّيه الجاري والاستثماري لعام ألفين وتسعة عشر.
هذا، وبغض النظر عمّا يُثار في الإعلام، ومدى الاستثمار فيه، لجهة ما يتعلق بتأثيرات أزمة المشتقات النفطية والتداعيات المترتبة عليها، وارتفاع عدد ساعات تقنين الكهرباء، وانخفاض مستوى حركة وسائط النقل، والأنشطة الاقتصادية والخدمية المرتبطة بها، فإن التبِعات الاقتصادية والمالية لأزمة المشتقات النفطية مؤلمة إلى حدٍّ كبير، ولا يمكن تبسيطها أو التخفيف منها، ونتائجها ستكون خطيرة إذا ما طالت أكثـر، وستظهر مؤشراتها بصورة أشدّ إيلاماً، جرّاء تطورات سلبية دراماتيكيّة، في مسار المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الكلية على مستوى الدولة والمجتمع في سورية.
لن نتناول في الأحوال كافةً تحليل الأزمة الاقتصاديّة الراهنة من منظور الصراع الدوليّ، ولا من مدخل الصّراع المحتدم على سورية منذ سنوات، سواء أكان ذلك من قبل الحلفاء وفي ما بينهم، أم بين حلفاء الدولة السورية من جهة وأعدائها من جهة أخرى، رغم أهمية ذلك ومسؤوليته المباشرة، عن تعميق مسار الأزمة السورية، وإطالة أمدها ومداها.
لكن سيتم تناول هذه الأزمة نفسها من منظور تحليليّ، يُعنـى بدايةً بأداء المنظومة الداخلية، والرؤى التـي حددت مسار البرمجة والتخطيط لمواجهة فصول الأزمة، ومدى الاستعداد لاستيعاب جولاتها المقبلة، لا سيما الاقتصادية، ومدى الأخذ بالحسبان احتمالات تضييق الخناق الاقتصادي على سورية، ومحاصرتها بصورة أشدّ.
وعليه، تبقى أسئلةٌ قيد الطرح من قبيل: كيف تعاملنا مع مفاعيل الأزمة وجولاتها المختلفة؟ ما الخطط والبـرامج الاحتياطية البديلة؟ وهل أعددنا البـرامج والأدوات اللازمة لمواجهة سيناريو حرب اقتصادية بدأت الآن؟ وهل كنا نتوقع من الحلفاء أكثـر من ذلك؟ وهل راهنّا على المزيد من برامج المساعدات والتسهيلات والاستدانة؟ وهل راهنّا كثيـراً أيضاً على أن تكون مواقف الحلفاء محكومة بقواعد المبادئ والأخلاق التـي غالباً لا تحكم قواعد اللعبة السياسية وتوازنات المصالح الاستراتيجية الدولية؟
إنَّ محاولة تقديم إجاباتٍ عن هذه الأسئلةِ ووضع مقاربةٍ مناسبةٍ لها يعدّان هنا مدخلاً إطاريّاً، يتيحُ بشفافيّةٍ اقتـراح تصورات وأفكار عمليّة لبرنامج عمل تنفيذي قصير الأجل، لإدارة الأزمة الاقتصادية الراهنة.
 

سيريا ديلي نيوز- د. مدين علي


التعليقات