كتب الباحث السوري محمد صالح الفتيح: يطلق على ردود الفعل النفسية والجسدية الناتجة عن التوقف عن الحصول على مادة معينة اعتاد الجسم عليها – مثل النيكوتين أو المواد المخدرة – اسم تأثير الانسحاب وغالباً ما تشمل هذه التأثيرات اضطراب وظائف الجسم، والكثير من الانفعالات العصبية والعاطفية.

تأثير الانسحاب الذي تعيشه العديد من البلدان اليوم هو سحب الدعم الحكومي سواء للمحروقات أو الطاقة (الكهرباء) أو المواد الغذائية أو الرعاية الصحية أو حتى التعليم. العديد من البلدان قدمت وتقدم الدعم لمواطنيها بأشكال مختلفة ولرفع مستوى المعيشة إلى حد مقبول.

الهدف من تقديم هذا الدعم بشكل مؤقت – نظرياً – هو الحفاظ على التماسك الاجتماعي والسماح للأفراد بالتطور إلى مرحلة يستطيعون فيها تجاوز الحاجة لهذا الدعم، أو انتظار تحقيق خطط اقتصادية معينة، مثل إصلاح زراعي أو إنشاء مصانع أو غيرها من المرافق الاقتصادية، بحيث لا يعود هناك حاجة للاستمرار بتقديم مثل هذا الدعم. حتى الدول الغربية تقدم مثل هذا الدعم (مثل الدعم المالي للطلاب في أوروبا، والدعم المالي للأسر الكبيرة وللأمهات العوازب وقدامى المحاربين وماشابه). الفكرة الرئيسية هي أن هذا الدعم “مؤقت” وهو جزء من خطة اقتصادية أطول.

ولكن فكرة الدعم لم تنجح دائماً بل إنها فشلت بشكل فادح في كثير من الحالات. والأمثلة الأبرز عن فشل فكرة الدعم الاقتصادي هي في بلدان العالم الثالث – بالمعنى السياسي والاقتصادي للعالم الثالث. حيث تحول الدعم، الذي يفترض أنه مؤقت وطارئ، إلى دعم دائم، يشمل الجميع بغض النظر عن قدراتهم الاقتصادية، وبات الاستمرار بتقديم هذا الدعم جزءاً من العقد الاجتماعي بين الشعب والحكومة، وبات جزءاً من شرعية الحكومة. بمعنى آخر، الحكومة شرعية ما دامت تقدم الدعم (في الغرب الحكومة شرعية ما دام المواطنون دافعو الضرائب يستطيعون انتخاب من يمثلهم).

عملياً، لا يمكن الاستمرار بتقديم الدعم، بنفس النسبة، وذلك لأن بلدان العالم الثالث تمتلك معدلات نمو سكانية مرتفعة، وتشهد الكثير من الحروب والأزمات المكلفة، والمصدر الرئيسي للدعم هو الموارد الناتجة عن الثروات الطبيعية التي تناقصت ووصلت حد النضوب، فضلاً عن فشل هذه البلدان في مواكبة التغييرات الاقتصادية العالمية.

يصبح خيار الحكومات هو بين إيقاف، أو ترشيد، الدعم أو الاستمرار بتقديمه والدخول بالمجهول. فنزويلا هي مثال عن بلد قرر ألا يوقف الدعم فتكبد ديوناً هائلة ودخل في أزمة لا خروج سلمي منها. الجزائر هي مثال آخر. وإن العنوان الرئيسي في الجزائر هو محاولة زمرة فاسدة التلظي خلف رجل عاجز، فالحقيقة هي أن الاقتصاد الجزائري يتداعى مع الاستمرار بتخصيص 20% من الموازنة لتقديم الدعم، والذي استهلك 100 مليار دولار من احتياطي العملات الأجنبية خلال أربع سنوات من انهيار أسعار النفط. الاحتياطي المالي الباقي لدى الجزائر هو أقل بقليل من 80 مليار دولار وهو يكفي للاستمرار بالسياسات الحالية لثلاث سنوات فقط، وبعدها سيحصل الإفلاس. أي سياسي يحاول إصلاح الأوضاع في الجزائر سيتوجب عليه القيام بشيئين لا شعبية لهما. الأول هو تخفيض الدعم بنسبة كبيرة وهذا ما سينسف شرعيته وذلك ببساطة لأن الشعوب أدمنت الدعم ولا تستطيع التعامل بشكل هادئ مع تأثير الانسحاب، انسحاب هذا الدعم.

والشيء الثاني هو رفع الضرائب. وهنا سيكون الخيار الرئيسي بين رفع الضرائب المباشرة، أي التي تستهدف الدخل المباشر – وهنا سيدخل هذا السياسي في مواجهة مع حيتان الاقتصاد الذين يتداخلون مع النظام السياسي الحاكم – أو رفع الضرائب غير المباشرة والتي تتمثل بفرض ضرائب ورسوم على البضائع – وهذا ما سيزيد من تكاليف المعيشة بالنسبة للشريحة الدنيا من المواطنين، ويدفع بالطبقة الوسطى نحو الحضيض. وبنظرة سريعة نجد أن معظم حكومات العالم الثالث تفضل رفع الضرائب غير المباشرة لتجنب الصدام مع شركاء الفساد، ولاعتقادها المبني على التجارب السابقة بأن الشعوب تستطيع التعايش تدريجياً مع الضرائب غير المباشرة. باختصار هي عملية شراء للوقت وإطالة لفتيل القنبلة.

فيما يخص سورية، الحديث مؤخراً عن البطاقة الذكية وعن تخفيض الدعم – أو رفعه تماماً – هو استمرار للتوجهات التي ظهرت بشكل واضح منذ العام 2008 (عندما رفعت أسعار المازوت بحوالي 300%). لا توجد أي مؤشرات على زيادة الضرائب المباشرة، أو حتى إظهار جدية في تحصيل الضرائب المفروضة حالياً – وبالمناسبة، كانت التقديرات في العام 2008 أن التهرب الضريبي يبلغ 200 مليار ليرة أي أكثر من 4 مليار دولار علماً أن الميزانية الحكومية بلغت حينها 600 مليار ليرة وشهدت عجزاً بلغ 192 مليار ليرة. السؤال الحقيقي فيما يخص رفع الدعم تماماً عن المحروقات والكهرباء هو في الحقيقية ليس إن كان هذا سيحصل فعلاً، بل «متى» سيحصل.

داماس بوست

سيريا ديلي نيوز


التعليقات