يعاني قطاع التأمين في سورية من العديد من نقاط الضعف، الأمر الذي يتطلب بذل جهود كبيرة، تتسم بالجدية والكفاءة، لتحسين أداء القطاع وتعزيز مساهمته في الاقتصاد الوطنيّ وليلعب الدور المنوط به.

هذا، ومن أبرز نقاط الضعف المتعلقة بأداء شركات التأمين، اقتصار حجم أعمالها على أرقام ضئيلة سنوياً، من دون التحرك لمواجهة هذا الأمر على مدار السنوات السابقة منذ تحرير القطاع، لتحقيق أية نقلات نوعية في حجم العمل وإجراء تحولات جذرية في سياساتها وأدائها ومنتجاتها، الأمر الذي أبقاها في موقف تنافسيّ ضعيف، وهذا ما يبرز جليّاً باعتماد أغلب الشركات على التأمينات المضمونة التي لا تتطلب أيّ جهد في التسويق، مثل التأمين الإلزامي للسيارات، الذي يشغل المرتبة الأولى بين فروع التأمين في أغلب السنوات، وهذا دليل صارخ على سوء توزيع المحفظة التأمينية في السوق.

كما أنَّ تركّز جلّ أقساط التأمين في فرعين فقط، (إلزامي السيارات والصحيّ) يُعدّ من أبرز مكامن الخطر على شركات التأمين، ذلك أنَّ فرعي تأمين السيارات الإلزامي والصحيّ، من الفروع التي تتميز بسرعة سداد التعويضات فيها (معدل تكرار حوادث عالٍ) ونسب ربح منخفضة جداً، أي أنَّ معدل الخسارة مرتفع، وغالباً ما يتجاوز 90%.

يترافق ذلك أيضاً مع سيطرة الأفكار والممارسات الكلاسيكية على العمل في سوق التأمين رغم مضي أكثر من 13 عاماً على تحريره، إذ توصف أغلب الممارسات التأمينية بالتقليد الحرّفي لمنتجات التأمين المعروفة في العالم  لقواعد ممارسة التأمين بأبسط صورها تؤدي إلى نقلة نوعية أو ثورة حقيقية في قطاع مؤهل ليكون رائداً في الاقتصالجد البأبسط صورها، وقد بلغ هذا التقليد حدّ التخلي عن أبسط قواعد ومقوّمات العمل التأميني، رغم أن بنية الاقتصاد السوري تجعل منه بيئة ملائمة لعمل قطاع التأمين وتطوره، وقد كشف تحليل نتائج أعمال الشركات أن عملها يدور ضمن حلقة واحدة من الأعمال (الأخطار) التأمينية، بحيث تتنافس على رقم يكاد يكون ثابتاً من العقود، دون الولوج في تجارب جديدة ومنتجات تأمينية تستطيع لفت الانتباه.

أمام هذا الواقع لسوق التأمين، تقدّم الدراسة عدّة مقترحات للحدّ من نقاط الضعف، وتفعيل دور التأمين ومساهمته في الاقتصاد، ومن أبرز هذه المقترحات، زيادة الحدّ الأدنى لرأس مال شركات التأمين، بما لا يقل عن عشرة أضعاف، ووضع مُحفزات للاندماج بين الشركات، حيث تخلو التشريعات الحالية من المُحفزات (الضريبية وسواها) في حال اندماج الشركات، إضافة إلى تشريع بإمكانية الترخيص لشركات تأمين متخصّصة بأنواع تأمين محددة (كتأمين الحياة والصحي)، وتعديل الأنظمة الحالية المتضمنة أسس استثمار أموال شركات التأمين، بحيث تُلزَم الشركات بتوزيع قنوات استثمار أموالها، وعدم الاستمرار بتركيز هذه الاستثمارات في المصارف، والبدء بطرح منتج تأمين الائتمان، وبخاصّة تأمين القروض المصرفية، وبدء العمل بالتأمين الزراعي.

إضافة إلى إعادة هيكلة المؤسسة العامة السورية للتأمين لتكون قائداً للسوق التأمينية ومنظِّماً لأعمالها، بما فيه مصلحة الشركات كافة، وتنفيذ الرؤية الحكومية لهذا القطاع، وضرورة أتمتة أعمال المؤسسة العامة السورية للتأمين بإنشاء نظام مؤتمت خاص بها يحاكي الأنظمة الموجودة في شركات التأمين العالمية الكبرى، وتطوير التشريعات الخاصة بالمؤسسة، بما يؤمن للمؤسسة مرونة أكثر وفاعلية في العمل.

واقترحت الدراسة تفعيل دور هيئة الإشراف على التأمين لتشكّل مظلة الإشرافِ الوحيدة على مكونات القطاع كافةً دون استثناء، ذلك بوساطة تركيب نظام ربط الشركات ونظام التحقّق والرقابة، ودعمها بالكوادر المتخصّصة، وتوسيع دورها لتشمل الرقابة والإشراف على كافة مكونات القطاع التأميني دون استثناء، بالإضافة إلى توسيع صلاحياتها ليشمل القدرة على التدخل والمعالجة، بوساطة نظام ربط الشركات ونظام التحقق والرقابة وأتمتة أعمال الهيئة، والانتقال من الرقابة اللاحقة إلى الرقابة الآنية.

إضافة إلى البدء بإقامة تجمعات تأمينية لتقاسم المخاطر كمخاطر التأمين الهندسي والحريق والصحي وغيرها، ودعم هذه التجمّعات بشكل كبير توفيراً للقطع الأجنبي الذي يتم تحويله للمعيد الخارجي، والتواصل مع الجهات الرسمية التي يتداخل عملها مع عمل شركات التأمين لتنظيم العلاقة معها، ووضع أسس للتعاون (القضاء – وزارة الصحة – الطب الشرعي... إلخ).

 

 

كلمات مفتاحية

تأمين، مخاطر، تكافلي، استثمار، أقساط، عوائد، تعويضات، رأس المال، إعادة التأمين، وكلاء التأمين، المؤمن لهم، المحفظة التأمينية، التأمين الإلزامي، هامش الملاءة، قانون الأعداد الكبيرة.

 

 

مقدمة

تهدف هذه الدراسة إلى تحليل أداء شركات التأمين السورية وما حققته من نتائج بعد مضي أكثر من عقد على بدء عمل قطاع التأمين الخاص، بغية الوصول بالتحليل إلى عرض رؤية لأهم ما عاناه هذا القطاع، علّنا نوفق في وضع اليد على مواطن الخلل التي جعلت من هذا القطاع يحتل موقعاً متأخراً نسبياً في الاقتصاد الوطنيّ، من حيث حجمه وتأثيره، رغم ما يمكن أن يكون عليه من دور محوري وريادي.

يبدأ حل أية مشكلة من الاعتراف بها، تحديدها، لذا لا بدّ أولاً من تحديد نقاط ضعف قطاع التأمين، كي نتمكن من اقتراح الحلول ثم الانتقال إلى تنفيذها، بشرط توافر الإرادة، القدرة، والثقة بإمكانية تحقيق ذلك، علماً بأنه لا خيار أمام قطاع التأمين سوى اكتساب القوة اللازمة ليتمكن من المساهمة في عملية إعادة الإعمار، والتعامل مع احتمال دخول منافسين جدد في هذا القطاع مع بدء هذه العملية.

تبدأ الدراسة بلمحة سريعة عن مفاهيم التأمين، إضافة إلى مكونات قطاع التأمين في السوق السورية، وبعض الأسس القانونية التي يعمل في إطارها، بالشكل والقدر الذي يخدم الفكرة والهدف من هذه الدراسة، وتعرض للعديد من المؤشرات الرئيسة في عمل التأمين بناءً على ما توفر من بيانات رسمية، وفق مراحل زمنية مختلفة، من دون الغوص في دقائق وتفاصيل المؤشرات الفنية التي نتركها لدراسة فنية متخصصة أكثر عمقاً.

 

 

أولاً- قطاع التأمين السوريّ (تاريخه، الجهات العاملة فيه، البيئة القانونية)

يرتبط مفهوم التأمين بالمخاطر، بمعنى احتمال وقوع الخسارة المادية أو المعنوية[1]، فقد تكون الأخطار شخصية تقع على جسم الإنسان كالمرض والوفاة والحوادث الشخصية، أو أخطار الممتلكات، ويكون موضوع الخطر فيها هو الممتلكات المادية، أو أخطار المسؤولية وهي الأخطار التي تؤدي إلى إلحاق الضرر والخسارة بالغير نتيجة أخطاء يقع بها الشخص نفسه، كالأخطار المهنية المرافقة لعمل المهندسين أو الأطباء، والأخطار الناتجة عن استخدام المركبات، لذا عمد الإنسان إلى محاولة إدارة الخطر، بوساطة مجموعة أساليب بغية منع وقوعه أو تخفيف تأثيراته.

تنوعت طرق إدارة الخطر بين الوقاية والمنع، بمعنى منع وقوع الخطر كلياً كإقامة السدود، واستخدام نظام مرور فعال، واتباع أساليب الوقاية من الأمراض، وبين تجزئة الخطر كي لا تتعرض جميع أجزاء موضوع الخطر لتحققه في وقت واحد، فيتسبب بوقوع خسائر جسيمة، ومن أبرز الأمثلة على ذلك، تنويع قنوات استثمار الأموال، أو إيداعها في عدة مصارف، إضافة إلى الادخار وتكوين الاحتياطي بغية تعويض الخسارة الناتجة عن وقوع الخطر، ونقل الخطر، ومن أهم أشكاله عقود التشييد والبناء حيث تنقل المخاطر من المالك إلى المقاول، وعقود الإيجار حيث ينقل المالك بعض الأخطار إلى المستأجر كأخطار المسؤولية المدنية اتجاه الغير، وعقود النقل حيث ينقل صاحب البضاعة أخطار النقل إلى الناقل مقابل أجر محدد، بالإضافة إلى الشركات المساهمة، حيث ينقل المساهمون بعض مخاطر الاستثمار إلى إدارة الشركة، وكذلك شركات التأمين، وهنا يتم نقل الخطر من المؤمَّن له إلى المؤمِّن (شركة التأمين) لقاء قسط التأمين، ويُعَدُّ التأمين من أهم وأفضل طرق إدارة الخطر، وأكثر أشكال نقل الخطر تطوراً وتكاملاً[2]، بفعل المآخذ الكثيرة على باقي الأشكال والأنواع.

يعمل التأمين وفقاً لقانون الأعداد الكبيرة، ويعني ذلك أن مجموعة كبيرة من الأخطار المتشابهة سوف يتم تأمينها ضمن محفظة واحدة، وبالتالي فهي تشكل مجمعاً مالياً كبيراً يمكّن شركة التأمين من تغطية أية خسائر يتعرض لها المؤمّن لهم، مع إمكانية تحقيق نسبة من الأرباح، في حين يمكن تصنيف أهم فروع التأمين بما يأتي: تأمينات الحياة، التأمين الصحي، تأمين الحريق، التأمين الهندسي، تأمين الحوادث الشخصية، تأمين السيارات، تأمين النقل البحري، تأمين السرقة، تأمين النقود، تأمين الائتمان، التأمين الزراعي.

كما ينقسم التأمين من ناحية آلية العمل فيه إلى تأمين تجاري، وآخر تكافلي، إذ تراعي آلية العمل في التأمين التجاري؛ المصالح المادية للبشر، والتي تتم من خلال صياغة عقد بين طرفين (المؤمِّن، والمؤمَّن له) يلتزم فيه المؤمّن بأن يؤدي إلى المؤمن له مبلغاً من المال أو أي عوض مادي في حالة وقوع حادث أو تحقق خطر مبين في العقد، وذلك مقابل قسط يؤديه المؤمن له إلى المؤمن، في حين تستمد آلية العمل في التأمين التكافلي، في العديد من جوانبها؛ من التشريع الإسلامي، الذي يراعي المصالح بما لا يتجاوز أحكام الشريعة الإسلامية وقواعدها، بحيث يركز عموماً على المبدأ الجماعي في تحمل الأعباء وتوزيع المكاسب[3].

إنَّ أهم ما يميز عمل شركات التأمين التكافلي عن شركات التأمين التجاري عدُّ قسط التأمين اشتراكاً أو تبرعاً، ووجود حساب مستقل لكل من المساهمين (حملة الأسهم) وللمشتركين (حملة الوثائق) حيث يستثمر رأس المال بشكل منفصل عن أموال حملة الوثائق، وتوزع أرباح صندوق حملة الوثائق عليهم متناسبة مع ما دفعه كل منهم من أقساط (اشتراكات) مع الأخذ بالحسبان ما استحقّه من تعويضات، وبعد تنزيل بدل أتعاب إدارة الشركة (المساهمون) بفعل قيامهم بإدارة صندوق المشتركين، ويوجد طرق ومدارس مختلفة في ذلك، إضافة إلى إشراف هيئة للرقابة الشرعية على مطابقة أعمال الشركة لأحكام الشريعة الإسلامية، غالباً ما تتكون الهيئة من ثلاثة أعضاء على الأقل من علماء الدين الإسلامي.

هذا، وفيما يخص قطاع التأمين في سورية، فقد احتكرت المؤسسة العامة السورية للتأمين العمل التأميني في سورية منذ العام 1961، وسميت شركة الضمان السورية، في شهر حزيران/يونيو من العام 2006 بدأت أول شركة تأمين خاصة عملها، استناداً إلى المرسوم 43 لعام 2005 الذي سمح لشركات التأمين الخاصة العمل في سورية.

بناءً عليه، تم تأسيس 12 شركة تأمين خاصة بين عامي 2006 و2008، ولا تزال هذه الشركات تعمل حتى تاريخه، يبلغ مجموع رؤوس أموالها نحو 14.04 مليار ليرة سورية، من ضمنها شركتان تعملان وفقاً لنظام التأمين التكافلي، وتوجد شركة واحدة لإعادة التأمين هي شركة الاتحاد العربيّ لإعادة التأمين، وذلك إضافة إلى المؤسسة العامة السورية للتأمين، ويظهر الجدول رقم (1) ترتيب الشركات في السوق لجهة تاريخ المزاولة[4].

الجدول رقم (1): ترتيب الشركات في السوق لجهة تاريخ المزاولة

اسم الشركة

رأس المال

مليون ل.س

الشكل القانوني

تاريخ الترخيص

تاريخ المزاولة

المؤسسة العامة السورية للتأمين

2000

مؤسسة حكومية

تأسست عام 1952 باسم الضمان السورية وتغير اسمها إلى المؤسسة العامة السورية للتأمين عام 1977

الشركة المتحدة للتأمين

1062

مساهمة عامة

6/2/2006

4/6/2006

الشركة السورية العربية للتأمين

1000

مساهمة خاصة

5/4/2006

21/6/2006

الشركة السورية الدولية للتأمين آروب

1100

مساهمة عامة

6/2/2006

6/7/2006

الشركة السورية الوطنية للتأمين

1360

مساهمة عامة

6/2/2006

6/8/2006

شركة التأمين العربية-سورية

1155

مساهمة خاصة

12/6/2006

10/10/2006

الشركة السورية الكويتية للتأمين

1062

مساهمة عامة

6/2/2006

10/10/2006

شركة الثقة السورية للتأمين

850

مساهمة خاصة

4/4/2006

19/10/2006

شركة المشرق العربي للتأمين

850

مساهمة عامة

5/4/2006

12/11/2006

شركة أدونيس للتأمين-أدير

1250

مساهمة خاصة

21/7/2007

7/2/2008

شركة الاتحاد التعاوني للتأمين سولدارتي

1000

مساهمة عامة

25/6/2006

13/2/2008

شركة العقيلة للتأمين التكافلي

2350

مساهمة عامة

28/12/2006

27/3/2008

الشركة الإسلامية السورية للتأمين

1000

مساهمة خاصة

27/12/2007

8/10/2008

  • شركة الاتحاد العربي لإعادة التأمين

50 مليون دولار

 

1974

            المصدر: حسابات الباحث بالاعتماد على التقرير السنوي لقطاع التأمين عام 2017[5]

 

يعمل سوق التأمين في سورية تحت إشراف هيئة حكومية هي هيئة الإشراف على التأمين التي أُسّست وفقاً للمرسوم 68 لعام 2004، وتتولى إصدار القرارات الناظمة لعمله، واقتراح الأنظمة اللازمة لذلك (مما لا يقع ضمن صلاحياتها) ومراقبة أعمال السوق، كما تندرج شركات التأمين وإعادة التأمين ضمن اتحاد مهني هو الاتحاد السوري لشركات التأمين، ومن ضمن أعماله حالياً تنظيم إصدار وثائق التأمين الإلزامي للسيارات، نيابة عن شركات التأمين وباسمها.

ويعمل في السوق السورية، إضافة لشركات التأمين ثماني شركات لإدارة نفقات التأمين الصحي (TPA) Third Party Administration، مجموع رؤوس أموالها 816 مليون ليرة سورية، إلى جانب العشرات من وكلاء التأمين، وعدد من مقدمي الخدمات التأمينية الأخرى: مسوي خسائر، خبراء إكتواريون... إلخ.

1.الأسس الناظمة لتأسيس شركات التأمين في سورية

حدد المرسوم التشريعي رقم /43/ لعام 2005 وتعليماته التنفيذية، إضافة إلى قرارات هيئة الإشراف على التأمين، الأسس الناظمة لتأسيس الشركات، وأهم تلك الأسس ألا يجوز لأي شـخص طبيعي أن يمتلك أكثر من 5% من رأسمال الشركة، كما لا يجوز لأي شخص اعتباري أن يمتلك أكثر من 40% من رأس المال، وألا تقل حصة المؤسسين عن 25% من رأسمال الشركة، كما يجب أن تُسدد قيمة مساهمة المواطنين السوريين بالعملة السورية، أما مساهمات غير السوريين فتسدد بالقطع الأجنبي ، وتم تحديد الحد الأدنى لرأسمال الشركة في بمبلغ 700 مليون ليرة سورية لشركة التأمين التي تمارس التأمينات العامة فقط، و850 مليون ليرة سورية، لشركة التأمين التي تمارس التأمينات العامة وتأمينات الحياة، و1200 مليون ليرة سورية، لشركة إعادة التأمين.

2.أسس استثمار أموال شركات التأمين

في إطار استثمار أموال التأمين، غالباً ما يتم التمييز بين استثمار رأس المال واستثمار الاحتياطيات الفنية، إذ يشكل رأس المال حقوق المساهمين بالشركة، بينما تعدّ الاحتياطيات الفنية حقوقاً لحملة الوثائق (المؤمن لهم) كونها تشكل جزءاً من أقساط التأمين، وهو الأمر المتبع حالياً في سورية حيث صدر عن هيئة الإشراف على التأمين القرار 371/100 لعام 2010 الذي تضمن الأسس الناظمة لاستثمار أموال التأمين بشقيها رأس المال والاحتياطيات الفنية.

وسمح القرار باستثمار رأس المال في القنوات الآتية: السندات الحكومية، شركات مالية وشركات استثمار، صناديق استثمار تديرها شركات متخصصة، شركات الاستثمار العقاري، شركات الخدمة المعلوماتية، شركات قابضة مالية، وتكون الاستثمارات المذكورة في شركات سورية حصراً، أملاً في تحقيق الاستفادة القصوى من فتح السوق التأمينية أمام القطاع الخاص، كما نص القرار المذكور على استثمار الاحتياطيات الفنية في عدة قنوات أبرزها الأسهم والسندات.

 

 

ثانياً- تحليل نتائج عمل قطاع التأمين السوري

تضاعف حجم أعمال قطاع التأمين في سورية (يقاس بالأقساط في هذه الدراسة) ثلاث مرات منذ تحريره في العام 2005 وحتى العام 2017، أي بنحو 12 عاماً، مسجلاً نمواً بمعدل 308% طوال تلك المدّة، مع ملاحظة تباين في معدلات النمو السنوية، إذ يظهر الجدول رقم (2) تسجيل معدلات نمو سنوية مهمة بين 20 و30%، في حين يمكن ملاحظة تراجع بنسب تتجاوز 13% أحياناً، ومن ثم عودة للانتعاش، وعملياً، سجل تراجع لحجم الأعمال (تقاس بالأقساط التي يسددها المؤمّن لهم لمؤسسات وشركات التأمين العامة والخاصة) مقابل 9 سنوات نمو، بلغ ذروته عام 2017 بنسبة قاربت 41%، وهذا يوضحه بيانياً المخطط البياني رقم (1).

الجدول رقم (2): حجم أعمال قطاع التأمين (بالليرة السورية)

العام

حجم الأعمال

معدل النمو السنوي

2005

6,742,115,000

-

2006

7,442,087,673

10.38%

2007

9,289,066,740

24.82%

2008

12,502,750,229

34.60%

2009

14,308,365,302

14.44%

2010

18,822,203,419

31.55%

2011

18,495,427,696

%1.74-

2012

16,038,340,043

13.28-%

2013

13,838,467,307

13.72-%

2014

14,748,578,738

6.58%

2015

17,248,467,196

16.95%

2016

19,534,037,474

13.25%

2017

27,510,341,580

40.83%

المصدر: حسابات الباحث بالاعتماد على التقرير السنوي لقطاع التأمين السوري عام 2017، بالمقارنة مع تقارير سابقة

 

المخطط البياني رقم (1): نمو حجم قطاع التأمين في سورية (2005-2017)

 

هذا، وقياساً إلى إجماليّ الناتج المحليّ (بسعر السوق) يُظهر الجدول رقم (3) ضعف مساهمة قطاع التأمين في الناتج، لأن المساهمة بالكاد تخطت 3% بشكل طفيف في العام 2016، بينما بقيت دون 1% خلال الفترة بين 2005 و2008، وأقل من 2% حتى 2013، وهذا ما يوضحه بيانياً المخطط رقم (2)، وهذا ناتج عن تراجع الناتج الإجمالي المحليّ، إلى جانب تدني الوعي التأميني في المجتمع، وضعف دور الشركات في تفعيل القطاع كما يجب.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الجدول رقم (3): حجم أعمال قطاع التأمين إلى إجمالي الناتج المحلي بسعر السوق، القيم بملايين الليرات

العام

2005

2006

2007

2008

2009

2010

الناتج المحلي بسعر السوق

1,156,713

1,215,083

1,284,034

1,341,516

1,420,827

1,494,595

حجم أعمال التأمين

6,742

7,442

9,289

12,503

14,308

18,822

نسبة التأمين من الناتج

0.58%

0.61%

0.72%

0.93%

1.01%

1.26%

العام

2011

2012

2013

2014

2015

2016

الناتج المحلي بسعر السوق

1,537,191

1,132,310

834,511

711,896

668,234

641,640

حجم أعمال التأمين

18,495

16,038

13,838

14,749

17,248

19,534

نسبة التأمين من الناتج

1.20%

%1.42

1.66%

2.07%

2.58%

3.04%

المصدر: حسابات الباحث بالاعتماد على التقارير السنوية المنشورة على موقع هيئة الإشراف على التأمين[6]، والمجموعة الإحصائية عام 2017 المنشورة على موقع المكتب المركزي للإحصاء[7]

 

المخطط البياني رقم (2): تطور نسبة حجم قطاع التأمين إلى الناتج المحلي الإجمالي

 

 

عمليّاً، بدأت أقساط التأمين في السوق السوريّة بالنمو بعد بدء شركات التأمين الخاصة في العام 2006، واستمر هذا النمو بنسب متزايدة حتى العام 2010، قبل بدء الأزمة، ومن أهم أسباب هذا الارتفاع في تلك السنوات:

  • عودة نسبة كبيرة من التأمينات التي كانت تجري في الخارج لدى شركات تأمين إقليمية، وقد ورد في تصريح لوزير المالية آنذاك، أنه "تم استعادة نحو 60% من التأمينات في الخارج"[8].
  • إن العامل الأساس في ذلك أن أصحاب تلك العقود "مالكي المنشآت المؤمنة" هم في أغلبهم رجال الأعمال السوريين الذين أسسوا أو ساهموا بتأسيس شركات التأمين السورية المحدثة.
  • النشاط الواضح في تلك المدّة لقروض شراء السيارات المرتبطة والمرهونة بوجود تأمين شامل على السيارة لمصلحة المصرف المقرض.
  • دخول أنواع جديدة من التأمين إلى السَّوق السورية مع دخول الشركات الخاصة، كالتأمين الصحي، وإن كانت الأرقام المحققة ضئيلة نسبياً.
  • التأمين الإلزامي على المستوردات وارتفاع أسعار التأمين في بعض تغطياتها.
  • بدء التأمين الصحيّ للعاملين في الدّولة.

ولمن يعتقد بأن الأزمة هي السبب الوحيد لضعف الأرقام المحققة في قطاع التأمين بوساطة ضعف تطوير المنتجات أو طرح الجديد منها، فإننا لم نشهد قبل الأزمة إدخال ملموس لمنتجات جديدة، تواكب ثقافة المجتمع ومتطلباته، رغم توافر الظروف المناسبة لذلك حينئذ.

هذا، وبمتابعة الحملات الإعلانية المواكبة لتأسيس الشركات الخاصة، والمنتجات التي طرحتها في تلك المرحلة، فإننا نلاحظ بوضوح اكتفاءها بالتقليد، سواء لمنتجات المؤسسة العامة السورية للتأمين أو لمنتجات التأمين التقليدية في العالم.

كما أنَّ طرق جات التأمين التقليدية في العالم.ها بالتقليد سواء لمنتجات االمؤسسة العامة السورية للتأمين لمصرف المقرض.

التسويق والترويج لم تتجاوز الطرق التقليدية المعتمدة في السوق، والشيء الوحيد الذي برز مع دخول الشركات الخاصة هو ظهور ما اصطلح على تسميتهم مندوبي المبيعات الذين حاولت هيئة الإشراف على التأمين، بعد أن أصبحوا أمراً واقعاً، تبرير وجودهم من خلال تعليمات لضبط عملهم (وغالباً ما تم اختراق هذه التعليمات) حيث لم ينص المرسوم 43 الناظم لعمل التأمين على إمكانية وجود هذه الفئة من العاملين في قطاع التأمين، لذلك ما تزال الشركات الخاصة تعتمد عليهم؛ بينما تُحرم المؤسسة العامة السورية للتأمين من ذلك، كما أثر هذا الأمر أيضاً وبشكل سلبيّ في جودة الخدمة التأمينية وعلى عمل وكلاء التأمين المرخصين والمؤهلين.

بدءاً من عام 2011 حتى عام 2013 ضمناً، تأثرت أقساط التأمين سلباً في أغلب فروع التأمين، ذلك لعدة أسباب، تتعلق بمجملها بالظروف التي فرضتها الأزمة، وأهمها:

  •  توقف المصارف عن تمويل شراء السيارات، وبالتالي توقف التأمين الشامل المرتبط بذلك.
  •  انخفاض حركة التجارة الخارجية بشكل ملحوظ، ما أدى إلى انخفاض أقساط تأمين النقل (البحري).
  •  تباطؤ شديد في حركة الإنشاء والتعمير والمشاريع الهندسية (انخفاض أقساط التأمين الهندسي).
  •  انخفاض كبير في أعداد السيارات العابرة للحدود دخولاً وخروجاً (انخفاض أقساط التأمين الإلزامي الحدودي للمركبات العابرة للحدود دخولاً، وأقساط البطاقة البرتقالية للمركبات العابرة للحدود خروجاً).
  •  خروج مساحات جغرافية واسعة عن سيطرة الدولة السورية بفعل الحرب، وبالتالي خروجها عن نطاق عمل شركات التأمين.
  •  الصعوبات في عمليات إعادة التأمين من حيث وقف العديد من معيدي التأمين العالميين تعاملاتهم مع شركات التأمين السورية، لأسباب أهمها التزامهم بالعقوبات الاقتصادية أحادية الجانب وغير الشرعية المفروضة على سورية، وكذلك من حيث الصعوبات في تحويل الأموال من وإلى سورية.

بدءاً من عام 2014 حتى عام 2017 ضمناً، بدأت أقساط التأمين بالارتفاع تدريجياً، وبشكل بسيط، لعوامل أهمها:

  • الارتفاع الكبير في القيم التأمينية (قيم الأشياء المؤمنة) بفعل التضخم، وبالتالي ارتفاع الأقساط.
  • تأقلم قطاع التأمين مع ظروف الأزمة وامتصاص الصدمة، وبالتالي استخدام بعض البدائل والخيارات المتاحة للتغلب على بعض الظروف.
  • أما الارتفاع الكبير في الأقساط لعام 2017، فيعود سببه إلى ارتفاع "تعرفة" تأمين السيارات الإلزامي (المسؤولية المدنية تجاه الغير) بقرار حكومي.

للأسف، إن الزيادة الحاصلة في تلك السنوات لا تعكس انتعاشاً أو تطوراً في سوق التأمين السورية، والدليل على ذلك الانخفاض المستمر في عدد عقود التأمين عبر هذه السنوات، وكمثال على ذلك، بلغت نسبة انخفاض عدد عقود 2017 نحو 60% عن العام السابق 2016، إذ بلغ عدد الوثائق التي صدّرتها شركات التأمين الخاصة 307.1 ألف وثيقة عام 2017، مقارنة بنحو 779.6 ألف وثيقة عام 2016[9]، و704.3 ألف وثيقة عام 2015[10].

1.توزع الأقساط بين الشركات

حافظت غالباً كل شركة من شركات التأمين على ترتيبها في السوق من حيث إجمالي الأقساط المحققة (حصتها السوقية) في حين يتفوق بعضها على بعض في فروع تأمينية دون سواها، وهذا ما يدل على إمكانية التخصّص في عمل الشركات، بحيث تتخصص الشركة ببعض فروع التأمين، وهذا ما يظهره الجدول رقم (4) لجهة القيمة والجدول رقم (5) للحصص السوقية للشركات طوال المدة الواقعة بين 2009 و2017.

إنَّ الزيادة الكبيرة في أقساط تأمين السيارات عام 2017 تركزت في المؤسسة العامة السورية للتأمين، كنتيجة لقرار حكوميّ يتعلق بحصة كل شركة تأمين من أقساط إلزامي السيارات، ومازال العديد من شركات التأمين يعمل ضمن أرقام ضئيلة جداً (دون مليار ليرة سورية) سنوياً، ورغم ذلك، لم تجرِ هذه الشركات أية تحولات جذرية في سياساتها وأدائها ومنتجاتها، الأمر الذي أبقاها في موقف تنافسي وتفاوضي ضعيف ومستمر.

بلغ أقصى رقم للأقساط وصلت إليه السوق السورية (حجم السوق) 27 مليار ليرة سورية، منها 10 مليار أقساط تأمين سيارات إلزامي (وهو تأمين إلزامي بقانون، كما أن تعرفته محددة بقرار حكومي) و8 مليار تأمين صحي (بمعظمه تأمين صحي للعاملين في الدولة)، كما أن هذين الفرعين لا يُعتمد عليهما في الاستثمار، بسبب سرعة سداد التعويضات فيهما (تُستهلك معظم أقساطها في تعويضاتها).

إذن، فإن شركات التأمين تتنافس على الـ 9 مليار المتبقية موزعة بين 13 شركة والعديد من فروع التأمين الأخرى (الحريق، الهندسي، البحري، السيارات الشامل) وهذا مبلغ صغير، ويقدّم صورة جلية عن واقع أداء القطاع وضرورة القيام بنقلة نوعية فيه، كي لا يصبح مع مرور الزمن على هامش الاقتصاد الوطني، بسبب ضعف مساهمته في الاقتصاد، وضعف استثماراته، وهو ما يعيد إلى الأذهان وجهة النظر المعارضة لترخيص هذا العدد من الشركات، بحسبانه أكبر من حجم السوق.

إنَّ الخبرات التي يتمتع بها مؤسّسو شركات التأمين السورية بعامّة وشركات التأمين الإقليمية بخاصّة، مع بعض الأسماء الكبيرة منها، رفعت من سقف التوقعات في إدخال تغييرات إيجابية وجذرية على السوق السورية، إلا أن نتائج عمل السوق دلّت على وجود مسافات كبيرة بين الواقع والممكن، استناداً إلى خبرات الشركاء الإقليميين وعلاقاتهم التاريخية مع معيدي التأمين، وفي عالم التأمين بوجهٍ عام.

 

 

الجدول رقم (4): أقساط شركات التأمين الخاصة حسب السنوات/القيم بالليرات السورية

الشركة

2009

2010

2011

2012

2013

2014

2015

2016

2017

الوطنية

1,087,676,231

1,298,816,808

1,248,638,781

1,145,294,267

1,180,202,990

1,225,235,877

1,319,722,752

1,541,863,897

1,826,969,448

السورية العربية

841,634,085

954,672,965

751,040,418

540,027,374

444,710,547

930,404,852

898,994,045

1,505,314,770

1,320,433,529

آروب

617,343,387

1,115,613,515

840,814,616

648,453,501

495,824,847

566,950,456

584,903,469

752,772,323

981,293,138

السورية الكويتية

568,975,035

563,938,474

568,694,888

494,191,504

321,314,968

393,931,115

449,958,175

625,523,457

539,796,152

المتحدة

1,058,746,123

1,106,122,198

970,157,058

753,294,664

482,414,113

455,999,301

550,462,138

771,843,794

1,102,998,925

التأمين العربية

520,338,187

794,676,152

789,722,217

587,974,202

471,532,992

606,210,006

658,123,296

882,020,746

1,022,781,799

الثقة

648,390,202

743,389,558

926,170,409

919,835,824

679,174,393

527,672,210

398,822,900

389,575,702

227,499,675

المشرق

626,707,516

847,305,763

749,143,707

504,382,080

532,630,696

584,148,875

695,669,350

918,847,597

1,017,774,646

الاتحاد التعاوني

245,790,774

498,087,418

524,984,280

463,428,977

431,797,604

368,532,864

458,060,007

623,145,821

450,533,280

أدونيس-ادير

370,561,466

405,504,164

302,586,177

221,967,375

327,014,973

305,052,682

343,625,417

466,663,028

496,629,401

العقيلة

484,997,445

923,982,755

617,184,860

410,483,952

362,170,866

357,212,795

451,297,833

568,567,356

558,147,234

الإسلامية السورية

483,532,041

530,516,424

373,689,570

275,439,414

194,914,198

200,527,457

273,966,014

469,249,499

385,561,828

المجموع

7,554,692,492

9,782,626,194

8,662,826,981

6,964,773,134

5,923,703,187

6,521,878,490

7,083,605,396

9,515,387,990

9,930,419,055

المصدر: التقارير السنوية المنشورة على موقع هيئة الإشِراف على التأمين

 

 

الجدول رقم (5): الحصة السوقية للشركات، نسب مئوية

الشركة

2009

2010

2011

2012

2013

2014

2015

2016

2017

الوطنية

.40

.28

.41

.44

.92

.79

.63

.20

.40

المتحدة

.14

%9.76

%8.67

%7.75

%7.51

.27

.69

.82

.30

المشرق

%8.17

.40

%9.71

%9.31

%8.37

%8.69

%8.26

%7.91

%9.88

آروب

%7.53

%5.76

%6.56

%7.10

%5.42

%6.04

%6.35

%6.57

%5.44

التأمين العربية

.01

.31

.20

.82

%8.14

%6.99

%7.77

%8.11

.11

السورية العربية

%6.89

%8.12

%9.12

%8.44

%7.96

%9.30

%9.29

%9.27

.30

أدونيس-ادير

%8.58

%7.60

.69

.21

.47

%8.09

%5.63

%4.09

%2.29

الثقة

%8.30

%8.66

%8.65

%7.24

%8.99

%8.96

%9.82

%9.66

.25

الإسلامية السورية

%3.25

%5.09

%6.06

%6.65

%7.29

%5.65

%6.47

%6.55

4.54

العقيلة

%4.91

%4.15

%3.49

%3.19

%5.52

%4.68

%4.85

%4.90

%5.00

الاتحاد التعاوني

%6.42

%9.45

%7.12

%5.89

%6.11

%5.48

%6.37

%5.98

5.62

السورية الكويتية

%6.40

%5.42

%4.31

%3.95

%3.29

%3.07

%3.87

%4.93

%3.88

المجموع

0

0

0

0

0

0

0

0

0

المصدر: حسابات الباحث بالاعتماد على التقارير السنوية المنشورة على موقع هيئة الإشِراف على التأمين

2.أقساط التأمين بحسب الفروع

احتلّ التأمين الإلزامي للسيارات المرتبة الأولى بين فروع التأمين في أغلب السنوات، ويظهر الجدول رقم (6) توزّع أقساط فروع التأمين أنه في العام 2017، إذ بلغت نسبته من إجمالي أقساط السوق 36% كأكبر فرع تأميني (بسبب رفع تعرفة التأمين الإلزامي في ذلك العام) يليه الصحي بنسبة 31%، ويوضح المخطط البياني رقم (3) توزع نسب فروع التأمين بحسب الأقساط في العام 2017.

تدلُّ تلك الأرقام على عدم التوازن في توزع المحفظة التأمينية في السوق، إذ تتركز الأقساط في فرعين من فروع التأمين، وحتى لو قمنا بحذف أرقام المؤسسة العامة السورية للتأمين (بحسبانها تستحوذ نسبة أكثر من 90% من التأمين الإلزامي للسيارات ومن التأمين الصحي بفعل تأمين العاملين في الدولة)، فإنَّ النسب تبقى قريبة جداً للنسب المذكورة أعلاه، وهذا ما يدل على الخلل في توزع المحفظة التأمينية بوساطة تركّزها في فرعين تأمينين (إلزامي السيارات والصحي)، وعدم تنوعها، هي مشكلة موجودة في أغلب شركات التأمين، ولا يكاد يوجد إلا شركتان فقط يمكن استثناؤهما من تلك القاعدة.

الجدول رقم (6): الأقساط حسب فروع التأمين (إجمالي السوق)، القيم بالليرات السورية

فرع التأمين

أقساط 2016

النسبة إلى الإجمالي

أقساط 2017

النسبة إلى الإجمالي

سيارات إلزامي

4,399,916,476

22.22%

10,064,453,302

36.58%

صحي

7,353,565,609

37.64%

8,702,386,947

31.63%

سيارات شامل

2,519,169,434

12.90%

2,610,352,516

9.49%

حريق

1,878,447,300

9.61%

2,059,808,833

7.49%

نقل

1,067,995,659

5.47%

1,606,544,021

5.84%

حوادث عامة

1,669,447,678

8.55%

1,585,482,903

5.76%

حياة

375,510,820

1.92%

441,301,446

1.60%

هندسي

216,790,418

1.11%

311,709,674

1.13%

سفر

98,534,219

0.50%

117,978,655

0,43%

طيران

15,659,861

0.08%

10,323,283

0,04%

المجموع

19,534,037,474

100%

27,510,341,580

100%

المصدر: حسابات الباحث بالاعتماد على التقرير السنوي لقطاع التأمين السوري عام 2017

 

 

 

المخطط البياني رقم (3): توزع أقساط التأمين بين الفروع عام 2017

 

يعدُّ هذا الأمر من نقاط الضعف في قطاع التأمين، إذ يُعَدُّ فرعا تأمين السيارات الإلزامي (المسؤولية المدنية) والصحي، من الفروع التي تتميز بسرعة سداد التعويضات فيها (معدل تكرار حوادث عالي) ونسب ربح منخفضة جداً، أي أن معدل الخسارة مرتفع وغالباً ما يتجاوز 90%.

كما أنَّ استثمارات الأموال المتحققة من هذين الفرعين (الاحتياطيات الفنية) لا يمكن أن تكون إلا في قنوات استثمارية قصيرة الأجل.

أما بقية فروع التأمين فيبرز فيها التأمين الشامل للسيارات، والذي شهد كما ذكرنا سابقاً، نشاطاً ملحوظاً بين عامي 2007 و2010 بفعل قروض شراء السيارات، وكذلك المنافسة بين الشركات في العروض المقدمة، إلا أن تلك العروض ركزت على الأسعار، ما انعكس لاحقاً بشكل سلبي على النتائج الفنية وعلى حجم شريحة المؤمن لهم.

هذا، وبخصوص تأمين الحريق، فقد بلغت نسبته من إجمالي السوق 10% تقريباً عام 2016 و7% عام 2017، بعدد عقود بلغ نحو 4200 عقد، إذ استمر هذا العدد من العقود لسنوات، وهو يُعد أحد فروع التأمين الأكثر جذباً لعمل شركات التأمين على مستوى العالم، إذ يتميز بنسب ربح جيدة، وإمكانية استثمار أمواله باستثمارات طويلة ومتوسطة الأجل، ولكن، مازالت عقود تأمين الممتلكات (الحريق) في سورية تتركز في المنشآت الكبيرة ومتوسطة الحجم (معامل، شركات، أبنية حكومية، مصارف، محال تجارية...) وهو أمر يحقق حجماً جيداً من الأقساط، إلا أن عدد عقود تأمين المنازل من الحريق لا يُذكر، رغم أنه لو تم العمل على موضوع العدد الكبير في ذلك لحققت أرقاماً جيدة وتوزيعاً أفضل للمخاطر، حيث يعمل التأمين بكفاءة أكبر عندما يعتمد على قانون الأعداد الكبيرة بشكل فعال.

كما أنّه بخصوص تأمين النقل (البحري)، يتضمن تأمين نقل البضائع براً وبحراً وجواً، واصطلح على تسميته التأمين البحري، إذ يغلب عليه تأمين نقل البضائع عبر البحار. لقد كان هذا التأمين إلزامياً على المستوردات قبل عام 2011 حين تم إلغاء إلزاميته لأسباب تستحق إعادة النظر، ورغم أنه حقق أقساطاً ونتائج فنية جيدة للشركات السورية في تلك المرحلة، فقد شابهُ الكثير من الممارسات السلبيّة من قبل الشركات من حيث عدم الالتزام بالأسعار المحددة أو الشروط، وشاعت عقود التأمين الشكلية التي كانت غايتها فقط تخليص المستوردات جمركياً (إصدار العقد بعد وصول البضاعة، أو دون تغطية تأمينية حقيقية).

كما نشط تأمين أجسام السُّفن بقوة لعدة سنوات في سورية، ومثّل مصدر تمويلٍ جيدٍ من العملة الصعبة للشركات (يُسمح بإصدار هذه العقود بالعملة الصعبة) وحقق نتائج فنية جيدة وأرباحاً كبيرة، بفعل ندرة الحوادث الحاصلة للسفن، وتحمّل معيد التأمين لنسبة شبه كاملة من الخطر، إذ اعتمدت الشركات على عمولات الإعادة كإيراد جيد في هذا الفرع.

هذا، وبالنسبة للتأمين الهندسي، فيتضمن، أساساً، تأمين أخطار المقاولين وتركيب الآلات، ولم تتجاوز نسبته في أي من السنوات 2% من إجمالي السوق، ويعدّ أيضاً من الفروع التي تفضّل شركات التأمين في العالم العمل بها، إلا أنه ضعيف جداً في السوق السورية قبل وأثناء الأزمة.

ذلك، وبخصوص تأمين الحياة، فلم تتجاوز نسبته في أي سنة من سنوات عمل السوق الـ 2%، والأرقام المحققة ضئيلة جداً، رغم أن نسب أرباحها جيدة، ولكن لا قيمة فعلية لهذه الأقساط على المستوى الاستثماري نظراً لضآلتها، إذ إنَّ الأقساط المتحققة في تأمينات الحياة هي ما تعول عليه شركات الـتأمين في الاستثمارات طويلة ومتوسطة المدى ذات العائدية الجيدة والمساهمة الأفضل في التنمية الاقتصادية.

إنَّ العوامل المؤدية لضعف تأمينات الحياة في بلدنا عديدة، وربما معقدة أكثر من سواها، فقد بُذلت جهود جيدة في تسويق تأمينات الحياة، إلا أنَّ طرق التسويق والترويج مازالت بأبسط أشكالها وبأساليب تقليدية من الصعب جداً معها الوصول لنتائج أفضل من الواقع الحالي.

وفي حال توفرت الرغبة والإرادة لتطوير تلك الفروع التأمينية فلا بدَّ من إعادة نظر شاملة في هذه المنتجات "تسعيرها وتسويقها وتغطياتها".

بذلت الجهات الحكومية جهداً في تقديم التسهيلات اللازمة لتطوير هذه المنتجات وإزالة العوائق أمام انتشارها، حيث تم تخفيض قيمة ونسبة رسم الطابع على تأمينات الحياة والصحي والحوادث الشخصية، وبخاصّة التأمينات الصغيرة، وبشكل كان من المتوقع أن يظهر تأثيره في تلك الفروع، إلا أن عدم حدوث تغيير إيجابي ملموس بتحسين تلك الفروع دلَّ بوضوح على أن احتجاج الشركات على ارتفاع رسم الطابع لم يكن إلا شماعة علّقت عليها ضعف أدائها في تسويق وتطوير المنتجات.

إنَّ المواطن السوري يمكن أن يهتم بوجود أنواع من تأمينات الحياة، غير ما يتم تسويقه حالياً، ومنها تمثيلاً لا حصراً، تأمين تعليم الأطفال، أكثر من اهتمامه بتأمين الحياة المؤقت الذي يضمن لورثته التعويض، فقط في حال وفاته.

عدا أن وجود الضمان الاجتماعي الحكوميّ للعاملين في القطاع العام والخاص، يزيد من صعوبة تسويق تأمين الحياة والحوادث من قبل شركات التأمين، إضافة إلى القناعات الدينية ومستوى الدخل، إلا أن هذه العوامل "مع إقرارنا بصعوبة التعامل معها"، فلكل منها طرق وأساليب للتغلب عليها وتخفيف تأثيرها السلبيّ في انتشار التأمين، وأهم تلك الطرق ابتكار منتجات جديدة تتناسب ومعالجة هذه المعوقات.

ما يزال التعامل مع منتجات تأمين الحياة والتأمين الصحيّ في الكثير من عقودها، من مبدأ أشبه بالهدية المقدمة من الشركة لكبار الزبائن (المؤمَّن لهم) في تأمين الممتلكات (الذين هم أصحاب المنشآت والشركات الكبيرة)، كأن يتم عرض عقد التأمين الصحيّ للعاملين لدى عميل مميز، مع قبول احتمال كبير لخسارة هذا العقد، مقابل الحصول على عقد تأمين الممتلكات لذلك العميل، حيث يتم تعويض خسارة عقد الصحي من خلال ربح عقد الممتلكات، الذي يتحقق أساساً من عمولة إعادة التأمين لهذا العقد.

هناك تأمينات أخرى، كتأمين السَّفر والحوادث الشخصية والطيران، أقساطها ضئيلة جداً، ولا بد من العمل على تنشيطها، حيث تحقق نتائج فنية جيدة.

تفتقد السّوق السوريّة للعديد من أنواع التأمين، لا تقلَّ أهمية عن الأنواع الموجودة، بل لا نبالغ إذ قلنا إنها أكثر أهمية، ومنها التأمين الزراعيّ وتأمين الائتمان الذي من أهم أنواعه تأمين القروض المصرفية، وبإمكان هذين النوعين إحداث نقلة نوعية ليس في سوق التأمين فحسب، بل وفي الاقتصاد والمجتمع بوجهٍ عام.

3.نسبة التعويضات إلى الأقساط

نمت التعويضات التي دفعتها شركات التأمين للمؤمّن لهم المستحقين بنسبة 142% طوال المدة الواقعة بين 2013 و2017 (قيم التعويضات غير  متوافرة قبل 2013 للشركات كافة بحسب التقارير السنوية لقطاع التأمين المنشورة على موقع هيئة الإشراف على التأمين)، وتفوقت على نسبة نمو الأقساط المحصّلة طوال تلك المدة وقد بلغت 98.8%، وباستثناء العام 2017، فقد زاد معدل نمو التعويضات سنوياً على الأقساط، وهذا نتيجة طبيعة لزيادة التعرض للخطر طوال الأزمة، والأمر الملاحظ، كما يظهره الجدول رقم (7)، هو زيادة نسبة التعويضات إلى الأقساط بشكل لافت مع اشتداد الأزمة، فيما كانت نحو 51.4% عام 2013، وصلت إلى 78.14% عام 2014، لتبلغ ذروتها عام 2016 بنسبة 85.8%، لتعود وتنخفض مجدداً إلى 62.36% عام 2017، وهذا ما يوضحه المخطط البياني رقم (4).

 

 

 

 

 

 

الجدول رقم (7): نسبة التعويضات إلى الأقساط، القيم بالليرات السورية

العام

إجمالي الأقساط

إجمالي التعويضات

نمو التعويضات

نسبة التعويضات إلى الأقساط

2013

13,838,467,307

7,114,552,022

-

51.41%

2014

14,748,578,738

11,524,644,638

%61.99

78.14%

2015

17,248,467,196

12,579,954,904

%9.16

72.93%

2016

19,534,037,474

16,762,105,670

%33.24

85.81%

2017

27,510,341,580

17,156,479,269

%2.35

62.36%

المصدر: حسابات الباحث بالاعتماد على التقارير المنشورة على موقع هيئة الإشِراف على التأمين، بحسب السنوات التي تتوافر عنها بيانات كاملة تتيح حساب النسبة وهي من العام 2013

 

المخطط البياني رقم (4): تطور حجم الأقساط والتعويضات المالية في قطاع التأمين

 

 

 

4.التعويضات بحسب الفروع التأمينية

يظهر الجدول رقم (8) تركّز أغلب التعويضات التي دفعتها شركات التأمين  في العامين 2016 و2017 في فرع التأمين الصحي، والذي يحظى بأكثر من 70% من القيمة الإجمالية للتعويضات، خلافاً لتوزع الأقساط،  إذ يأتي التأمين الصحي في المرتبة الثانية بعد السيارات الإلزامي عام 2017، ويحظى بأقل من 32% من الأقساط، ما يدل على الفارق الكبير بين مساهمة فرع التأمين الصحي في الأقساط وحصته من التعويضات، (وهنا نذكّر بأن القسم الأعظم من التأمين الصحي هو من نصيب المؤسسة العامة السورية للتأمين)، وذلك يشير إلى خسارة فرع التأمين الصحي، لذا تفضل غالبية الشركات تركيز تعاملاتها في قطاع السيارات، وتدافع عن حصصها في التأمين الإلزامي وتحاول الحدّ من التوجهات الحكومية بحصره لدى المؤسسة العامة السورية للتأمين، نظراً لمساهمته الكبيرة في الأقساط الواردة إلى الشركات، ويتضح الأمر أكثر لدى بحث واقع الربح التشغيليّ بحسب الفروع في الفقرة القادمة من البحث، أما بيانياً، فيظهر المخطط رقم (5) توزع التعويضات على الفروع التأمينية.

الجدول رقم (8): التعويضات بحسب فروع التأمين، القيم بالليرات السورية

فرع التأمين

تعويضات 2016

النسبة إلى الإجمالي

تعويضات 2017

النسبة إلى الإجمالي

الصحي

11,916,851,006

71.09%

12,054,025,882

70.26%

السيارات (شامل + إلزامي)

3,342,357,130

19.94%

4,024,415,168

23.46%

الحريق

1,276,796,093

7.62%

894,146,431

5.21%

حياة

92,648,941

0.55%

54,242,506

0.32%

الحوادث العامة

61,581,272

0.37%

43,916,755

0.26%

نقل

56,232,241

0.34%

68,786,585

0.40%

الهندسي

15,511,186

0.09%

10,655,305

0.06%

السفر

127,801

0.00%

6,290,637

0.04%

المجموع

16,762,105,670

100.00%

17,156,479,269

100.00%

المصدر: التقرير السنوي لقطاع التأمين 2017 المنشورة على موقع هيئة الإشِراف على التأمين

 

 

المخطط البياني رقم (5): توزع تعويضات التأمين بين الفروع التأمينية عام 2017

 

5.الربح التشغيلي والربح الصافي

تتألف مصادر أموال شركات التأمين، أساساً، من رأس المال، أقساط التأمين، وعوائد الاستثمار، ويتم التمييز بين الربح التشغيلي (الفني، أو التأميني) وبين الربح الصافي، فالربح التشغيلي هو الربح الناتج عن ممارسة العمل التأمينيّ، وينتج عن الفرق بين الإيرادات والمصاريف، حيث تتألف الإيرادات من أقساط التأمين، والاحتياطيات الفنية المحررة (المفرج عنها والتي كانت محتجزة في مراحل مالية سابقة)، وعمولات مقبوضة من معيدي التأمين، وحصة معيدي التأمين من التعويضات المدفوعة.

بينما تتكون المصاريف من حصة معيدي التأمين من أقساط التأمين عن الأخطار المسندة لهم، والتعويضات المدفوعة، والاحتياطيات الفنية المحتجزة عن المرحلة المالية الحالية، وفوائد الاحتياطيات المحتجزة (تدفع لمعيد التأمين عن حصته من الاحتياطي المحتجز)، وعمولات مدفوعة (كعمولات وكلاء التأمين).

أما الربح الصافي، فيتضمن نتائج العمل الفنيّ (الربح التشغيلي)، إضافة إلى نتائج باقي أعمال الشركة كالعمل الاستثماري، كما يتضمن فروقات أسعار صرف العملات الأجنبية الناتجة عن تقييم رصيد الشركة من هذه العملات بالليرة السورية بين أول المرحلة المالية ونهايتها.

يُظهر الجدول رقم (9) نموّاً سنويّاً في الربح التشغيلي طوال المدة الواقعة بين 2014 و2017، بنسب متباينة، مسجلاً نمواً بنسبة 185% في العام 2017 مقارنة بالعام 2013، في المقابل يلاحظ تباين شديد في الربح الصافي للشركات.

الجدول رقم (9): الربح التشغيلي والربح الصافي، القيم بالليرات السورية

العام

إجمالي الربح التشغيلي

معدل التغير السنوي

إجمالي الربح الصافي

معدل التغير السنوي

2013

1,062,974,476

-

1,469,100,659

-

2014

1,521,583,920

43.14%

1,701,704,169

15.83%

2015

2,288,082,442

50.38%

4,367,394,720

156.65%

2016

2,485,251,076

8.62%

94,740,596

97.83-%

2017

3,019,602,654

21.50%

4,887,571,766

5058.90%

المصدر: حسابات الباحث بالاعتماد على التقارير المنشورة على موقع هيئة الإشِراف على التأمين

عملياً، حققت شركات التأمين بمعظمها وفي أغلب السنوات أرباحاً صافية (بغض النظر عن الأرقام المحققة في ذلك)، كما حققت هذا الربح الصافي في بعض السنوات، رغم وجود الخسارة التشغيلية، وبتحليلنا البيانات المالية للشركات عبر السنوات، تتبيّن لنا أسباب ذلك، وفق ما الآتي:

  • إن السبب الأساس للربح الصافي الذي حققته الشركات هو عوائد الاستثمار الجيدة، إلا أن هذه الاستثمارات كانت بمعظمها، وبنسب تفوق 80% من إجمالي أموالها القابلة للاستثمار؛ ودائع مصرفية لآجال مختلفة، وبالتالي فإن الفوائد المصرفيّة هي مصدر مهم في الربح الصافي.
  • استثمار جزء مهم من أموالها في العقارات.
  • الاستثمار في الأسهم لبعض الشركات.
  • قلة الاستثمارات في شركات مساهمة وقابضة، لدى أغلب شركات التأمين.
  • فروقات تقييم رصيد العملة الصعبة (فروقات غير محققة) على الربح الصافي التي كان لها تأثير في تحول خسارة الشركات إلى ربح.

أي أن شركات التأمين تبتعد في استثماراتها عن المجالات الأكثر مساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتركز أموالها في المصارف، حيث ترى أن الاستثمار في الودائع هو استثمار أقل مخاطرة بأفضل عائد، وهذا ما يثير الكثير من التساؤلات عن الدور الحالي لشركات التأمين في الاقتصاد ومدى رغبتها في تطوير هذا الدور، ذلك أن القرارات الناظمة لاستثمار أموالها لا تلزمها بتوجيه استثماراتها نحو مجالات أخرى غير الودائع المصرفية.

كما أنَّ الأموال التي يمكن أن تستثمر بها الشركات هي مبالغ ليست بالكبيرة (ولا تتجاوز في أحسن أحوالها الـ 25 مليار ليرة سورية) لذا لا بد من زيادتها من خلال العمل على تنشيط السوق وزيادة الأقساط، وكذلك زيادة رؤوس الأموال.

الجدول رقم (10): قيم الربح التشغيلي بحسب الفروع ومجموع 5 سنوات، القيم بالليرات السورية

الفروع

2013

2014

2015

2016

2017

مجموع السنوات

 

السيارات إلزامي

473,782,728

665,423,077

1,448,755,311

1,585,969,020

1,559,545,526

5,733,475,662

55.25%

السيارات تكميلي

213,767,615

268,856,197

485,988,335

439,995,083

721,266,898

2,129,874,128

20.52%

بحري/ نقل

189,502,145

258,738,390

223,494,146

276,998,025

310,009,849

1,258,742,555

12.13%

حوادث عامة

60,492,382

87,737,145

130,711,696

251,270,121

325,635,000

855,846,344

8.25%

حياة

37,966,353

99,289,382

32,396,207

-32,774,682

210,324,689

347,201,949

3.35%

الحريق

83,480,652

118,875,701

80,086,569

201,114,307

175,730,252

659,287,481

6.35%

تأمين السفر

8,262,426

15,118,970

15,278,088

22,406,504

28,354,968

89,420,956

0.86%

هندسي

15,543,157

1,484,379

11,552,966

12,222,823

10,026,127

50,829,452

0.49%

صحي

-19,821,933

6,060,679

-140,180,878

-271,950,125

-321,290,655

-747,182,912

7.20-%

مجموع

1,062,975,525

1521583920

2288082440

2,485,251,076

3,019,602,654

10,377,495,615

100%

المصدر: حسابات الباحث بالاعتماد على التقارير المنشورة على موقع هيئة الإشِراف على التأمين

 

 

المخطط البياني رقم (5): نسبة الربح التشغيلي بحسب فروع التأمين

 

6.الموجودات وحقوق المساهمين

نمت القيمة الإجمالية لموجودات شركات التأمين الخاصة (12 شركة) بنحو 112% طوال المدة من 2010 وحتى 2017، إذ وصلت إلى مستوى يزيد على 58.24 مليار ليرة سورية في نهاية العام 2017، مقارنة بما يزيد عن 27.47 مليار ليرة في نهاية العام 2010، وذلك بناءً على التقارير السنوية للقطاع الذي تصدره هيئة الإشراف على التأمين (التقارير السنوية المتاحة من 2011 وحتى 2017)، في المقابل نمت القيمة الإجمالية لحقوق المساهمين بنسبة 88.2%، طوال تلك المدّة، إذ سجلت مستوى يزيد على 26.74 مليار ليرة سورية في نهاية العام 2017، مقارنة بما يزيد على 14.2 مليار ليرة في نهاية العام 2010، ويظهر الجدول رقم (11) قيم الموجودات الإجمالية وحقوق الملكية ومعدلات تغيراتها السنوية، في حين توضح المخططات البيانية (6) و(7) تغير تلك القيم طوال المدة الواقعة بين (2010-2017) بيانيّاً.

 

 

الجدول رقم (11): القيم الإجمالية لموجودات وحقوق الملكية للشركات الخاصة بالليرة السورية، والتغير السنوي

العام

إجمالي الموجودات

معدل التغير السنوي

إجمالي حقوق الملكية

معدل التغير السنوي

2010

27,474,577,063

-

14,210,390,804

-

2011

28,667,009,038

4.34%

14,506,839,130

2.09%

2012

30,744,478,332

7.25%

14,521,812,659

0.10%

2013

37,959,644,270

23.47%

15,406,932,681

6.10%

2014

38,017,566,922

0.15%

16,546,881,643

7.40%

2015

45,393,124,971

19.40%

20,264,050,151

22.46%

2016

58,215,030,800

28.25%

24,748,231,873

22.13%

2017

58,244,436,816

0.05%

26,745,799,172

8.07%

المصدر: حسابات الباحث بالاعتماد على التقارير المنشورة على موقع هيئة الإشِراف على التأمين، مع الأخذ بالحسبان البدء بالعام 2010 نظراً لتوافر بيانات مالية لكامل الشركات

 

المخطط البياني رقم (6): إجمالي قيمة موجودات شركات التأمين الخاصة/ليرة سورية

 

المخطط البياني رقم (7): إجمالي قيمة حقوق الملكية في شركات التأمين الخاصة/ليرة سورية

 

تتمثل أبرز أسباب النمو في قيم الموجودات طوال المدة الواقعة بين (2010-2017)، رغم ظروف الحرب، بنموّ قيم الأقساط والودائع في المصارف والعقارات.

وسطياً، تبلغ نسبة حقوق الملكية إلى الموجودات كإجمالي للشركات الخاصة طوال المدّة الواقعة بين (2010-2017) نحو 46%، أي أن رأس المال مع الأرباح المحتجزة والاحتياطيات القانونية والاختيارية في تلك الشركات، كلّ أولئك يموّل نحو 46% من الموجودات، وسطياً، والباقي (54%) يمول عبر الاحتياطيات الفنية بشكل رئيس، وهذه نسب جيدة في قطاع التأمين من ناحية انخفاض المخاطر، وهذا يتضح أكثر بما يسمى هامش الملاءة، الذي يقيس نسبة رأس المال المتوافر لدى الشركات إلى المطلوبات، حيث تبين متطلبات هيئة الإشراف على التأمين أن النسبة يجب أن تكون 150%، وعلى جميع شركات التأمين الالتزام به، وفي الواقع يلاحظ أن الهامش يرتفع وسطياً لكافة الشركات إلى 360% عام 2016 و334% عام 2017، وهي نسب عالية جداً، تدل عملياً على انخفاض مستوى الخطر، وقد تكون النسبة العالية من هامش الملاءة مؤشراً إيجابياً حتى حدود معينة، إلا أن النسب المحققة في السوق السورية هي نسب عالية جداً، تدل على عدم فعالية النشاط التأميني والاستثماري، إذ إن ضعف نشاط شركات التأمين في هذين المجالين يجعلها بمنأى عن المخاطر التي تسبب انخفاض هامش الملاءة إلى الحدود الطبيعية والمعيارية له.

ثالثاً- قطاع التأمين ومساهمته في الاقتصاد السوري

لا تزال الأفكار والممارسات الكلاسيكية لعلم وعمل التأمين هي السائدة في سوق التأمين السورية رغم مضي أكثر من 12 عام على تحرير هذه السوق، وبدء عمل شركات التأمين الخاصة.

نكاد لا نرى أفكاراً جديدة مهمة في هذا القطاع، بحيث تؤدي إلى نقلة نوعية في قطاع مؤهل ليكون رائداً في الاقتصاد الوطني، وقاطرة للتنمية الشاملة، وهو أمر ليس من الصعوبة تحقيقه، ولا يحتاج سنوات طوال لذلك، خاصة ونحن أمام مرحلة إعادة الإعمار التي ترافقها أعمال مستجدة ومهمات تقتضي التأمين قد لا تكون متوافرة في بقية الدول بشكل رئيس.

إن جزءاً لا بأس به من الممارسة التأمينية في السوق السورية اليوم ما هو إلا تقليد لمنتجات التأمين المعروفة في العالم  لقواعد ممارسة التأمين بأبسط صورها تؤدي إلى نقلة نوعية أو ثورة حقيقية في قطاع مؤهل ليكون رائداً في الاقتصالجد البأبسط صورها، وقد بلغ هذا التقليد حدّ التخلي عن أبسط قواعد ومقومات العمل التأميني وهي تسعير المنتجات من خلال الدراسات العلمية الرياضية في ذلك، حيث تعتمد الأسعار الرائجة لتلك المنتجات في دول أخرى، مع تحريكها بهوامش يفرضها السوق، رغم إمكانية وسهولة إجراء الدراسات الإكتوارية بفعل خبرة السنوات لهذه السوق، ولم يكن الأمل بترخيص 12 شركة تأمين منذ السنوات الأولى لتحرير السوق (وهو عدد ليس بالقليل في سوق ناشئ) سوى خلق التنافس المؤدي إلى تطوير السوق، وتحقيق الدور التنموي للتأمين.

إنَّ المسألة هي مسألة غياب الإبداع، خلق الأفكار والمنتجات الجديدة التي تتناسب وحاجات المجتمع والاقتصاد في سورية، وتحقيق القيمة المضافة المرجوة.

إنَّ هذا الأمر لا ينطبق فقط على النشاط الفنيّ (التأميني)؛ بل على الجانب الاستثماري شديد الأهمية في عمل شركات التأمين، ذلك في ظل ضعف رؤوس الأموال، إذ أنه من الصعب أن تتحول شركة التأمين إلى شركة قوية ومنافسة فنيّاً ما لم تكن قوية من الناحية الاستثمارية لأموالها، بحيث تحقق أرباحاً جيدة من هذه الاستثمارات تجعل من موقفها الفني أكثر قوة وتنافسية، إذ طالما قبلت شركات تأمين عالمية تحقيقها لخسارة فنية مقابل تحقيق ربح استثماري، أي جمع الأموال عن طريق الأقساط بهدف الاستفادة منها في الجانب الاستثماري ذي الربحية الأعلى، وإن الشرط الأساس للإبداع هو توافر القدرة، الإرادة، الثقة.

لننطلق بداية من موضوع القدرة، وهو ما ينقسم إلى قدرة الاقتصاد والمجتمع السوريين والظروف الحاكمة فيهما، وإلى قدرة الكوادر العاملة في قطاع التأمين.

إنَّ ما يميز الاقتصاد السوريّ، أنه اقتصاد واعد ومتنوع، إذ تتفوق سورية بالعديد من الصناعات والحرف والمحاصيل الزراعية، وتمتلك الكثير من المواد الأولية اللازمة للصناعات، وبخاصّة الغذائية والنسيجية منها، كما أن الخبرات السورية في هذه المجالات هي خبرات لا يستهان بها على مستوى العالم.

لذا، فإن بنية الاقتصاد السوري تجعل منه بيئة ملائمة لعمل قطاع التأمين وتطوره، وبخاصّة مع التطور الملحوظ في قطاع الخدمات المالية "المصارف وشركات الصرافة وتحويل الأموال وسوق الأرواق المالية"، وقد أعطت التشريعات الناظمة لمختلف الأنشطة الاقتصادية ولقطاع التأمين خاصة، الكثير من المرونة في العمل بما أسهم في وجود بيئة قانونية ملائمة لتطبيق أية مشاريع تطويرية في هذا القطاع.

إنَّ الكوادر السورية العاملة في مجال التأمين أصبحت تملك من المؤهلات العلمية والخبرات العملية ما يجعلها قادرة على اختلاق منتجات تأمينية وأفكار تطويرية في قطاع التأمين، وكذلك حسن التعامل والتكيف مع أية مشاريع جديدة في هذا الإطار، فالكثير من العاملين حالياً في هذا القطاع عملوا لسنوات في دول عدة، وخبروا تجارب تأمينية مختلفة ووليدة، كما حصلوا على شهادات تدريبية وأكاديمية من كبرى المؤسسات والمعاهد المتخصصة تأمينياً في العالم.

وعدا عن هؤلاء، فإنَّ أغلب العاملين حالياً لديهم من الخبرة في السوق السورية ما يفوق السنوات العشر، بما يجعلنا نفترض توافر الخبرة اللازمة والتأهيل الكافي لمعرفة حاجات المجتمع تأمينياً، وكذلك معرفة فرص تطوير شركاتهم بوساطة ابتكار الجديد، فنياً وتسويقياً واستثمارياً.

 هذا، ولجهة الإرادة، فقد امتلك قطاع التأمين السوري حين تحريره عام 2005 الدفع اللازم من قبل الحكومة والقائمين عليه، وبذلت جهود كبيرة وتحققت بنية تشريعية قوية لانطلاقته، كما مارست الحكومة دورها الرقابي ممثلة بهيئة الإشراف على التأمين وبما يلزم من السلطة والمرونة لتحقيق هذا الدور بفعالية، وهو ما حقق ثقة القطاع بالهيئة، بما يشبه ثقة الابن بأبيه، الثقة اللازمة للعمل والنجاح.

وما أن لبثت ثمار هذا العمل بالنضوج حتى تأثر قطاع التأمين بتشتت الاهتمام والأولويات بين الجوهر والشكليات، وكذلك توزع المسؤوليات والسلطات بين مختلف الجهات العاملة فيه، ما أدى إلى الكثير من الخطوات غير المدروسة فنياً واستراتيجياً، أدت بدورها إلى نتائج سلبية لم نزل نعاين أضرارها وتأثيراتها يوميّاً، وتتناثر جهود معالجتها أدراج الرياح.

ترتبط الإرادة بالصّفات الشخصيّة للإدارات التنفيذية المتعاقبة في شركات التأمين كافة والجهات العاملة في هذا القطاع، وكذلك بالظروف التي تعمل ضمنها تلك الإدارات، عدا عن رغبة وأولويات العمل لدى أصحاب رؤوس الأموال ومجالس الإدارة لشركات التأمين.

لقد تبدّل على قطاع التأمين الكثير من تلك الإدارات، فمنهم من امتلك الرغبة والحماس والطموح، إلا أنه افتقد الرؤية الواضحة أو البرنامج التطويري المناسب لتحقيق نقلة نوعية، أو لم تسمح له ظروف معينة بتحقيق رؤيته، وما النتائج التي حققها قطاع التأمين طوال سنوات عمله إلا دليل واضح على ضعف بصمة التأمين في الاقتصاد والتنمية.

كما أعلن العديد من تلك الإدارات بأن استمرارية وجود شركة الـتأمين وعملها في سورية طوال مدّة الأزمة يعد إنجازاً كبيراً، بمعزل عن حجم العمل والأداء والنتائج المحققة.

هذا، وبتحليل بسيط لنتائج أعمال الشركات منذ العام 2005، نجد أن جميع الشركات تدور ضمن حلقة واحدة من الأعمال (الأخطار) التأمينية، بحيث تتنافس على رقم يكاد يكون ثابتاً من العقود، دون الولوج في تجارب جديدة ومنتجات تأمينية تستطيع لفت نظر الجمهور إلى هذه الشركة أو تلك، وقد أصبح من المعتاد عدم اهتمام المواطن بدراسة الفروقات فيما بين شركات التأمين عند رغبته التعامل معها، لانعدام التميز في المنتج أو الخدمة.

إنَّ من يتابع تغيُّر تصنيف شركات التأمين في العالم من حيث حجم أعمالها ونتائجها، يرى التغير الكبير والسريع في ترتيب تلك الشركات، بشكل ربع سنوي، وظهور شركات لم تكن على لائحة التصنيف، وهذا يدلُّ على جهود كبيرة تبذل على المستوى الفنيّ والتسويقيّ، كمبادرات وعمل مستمرّ لتطوير منتجات التأمين وخلق الجديد منها، كما يظهر بوضوح اختفاء أو تأخر شركات، كنا اعتدنا رؤيتها على رأس هذا التصنيف، لعدم قيامها بتطوير منتجاتها.

إذن، لا بدّ لشركات التأمين السوريّة، كخطوة أولى وأهم، إحداث ذلك التغيير النوعي في منهج التفكير بهدف وجدوى وجودها في السوق السورية، ومن ثم الشجاعة في طرح مبادراتها ومنتجاتها الجديدة، والدخول في استثمارات حقيقية ذات عوائد كبيرة تعزز من موقفها الفني، التنافسي، والاجتماعي في السوق.

وهذا، وفي الأحوال كافةً، إنَّ انعدام الثقة فيما بين مختلف مكونات قطاع التأمين، كفيل بتعطيل أية مبادرات، وبإهدار أية جهود لتطوير هذا القطاع، وهو ما يجب الحذر من الوقوع فيه، ذلك أنَّ قطاع التأمين عانى من هذا الأمر لسنوات، ونعتقد أن توافر الثقة يمثل ضمانة لتحقيق النجاح في المبادرات الرامية إلى الانتقال بقطاع التأمين إلى الموقع المأمول منه، وهنا فإن الثقة تشمل أيضاً ثقة العاملين والقائمين على هذا القطاع وإيمانهم بإمكانية إحداث النقلة المطلوبة فيه، وهي أمر لا بد منه للانطلاق بأي مشروع تطويري.

إنَّ التأمين هو عمل ينطلق ويتطور في مجتمعات تدرك المخاطر المحدقة بها، فهو يعمل ويتطور في ظلّ المخاطر، وطالما أن البيئة التشريعية مناسبة لعمله، والمرونة متوافرة فيها، وتبعاً لتركيبة الاقتصاد السوريّ، فإنَّ مهمة الوصول إلى الدور القيادي والريادي للتأمين في الاقتصاد تقع على عاتق مكونات هذا القطاع كافةً، ولطالما كانت المبادرات الشخصية حلاً جذرياً في اقتصاديات الدول سواء على مستوى الاقتصاد ككل أو قطاعات منه (والأمثلة كثيرة في ذلك).

قبل الأزمة، شهد قطاع التأمين نمواً جيداً ومتسارعاً في حجم الأقساط المحققة، وبدا الأمر متجهاً نحو نمو أكبر، إلا أننا لم نلاحظ سوى منافسة محتدمة على عقود تأمين تكاد تكون معروفة للجميع (تحديداً في تأمين المعامل والمنشآت) وصولاً إلى بروز مشكلة الأسعار غير الفنية "تكسير الأسعار".

ولا يوجد ما هو أكثر دلالة على ذلك من المشاكل والممارسات السلبية في تسويق التأمين الإلزامي للسيارات، والتأمين البحري، والحسومات غير المنطقية التي طرحتها بعض الشركات على الأسعار والتعرفة المحددة من قبل الحكومة، الأمر الذي استمر وبلغ أسوأ مراحله حتى تم إنشاء مراكز التأمين الإلزامي الموحد للسيارات، وإلغاء إلزامية التأمين البحري.

أما في سنوات الأزمة، فقد وجدت الشماعة التي طالما انتظرها الكثيرون، سواء ممن تحكمهم ثقافة الاستسلام أو ممن لا يملكون ثقافة الإبداع وابتكار الحلول، وكذلك ممن لا يرغبون، بدوافع مختلفة، في تغيير هذا الواقع.

وفي تحليلنا السابق لنتائج أعمال الشركات، يتضح سبب استمرارية هذه الشركات (من الناحية المالية) وماهية أرباحها رغم الأداء الذي يبتعد عن تحقيق القيمة المضافة المرجوة.

يتمثل أهم مبادئ التسويق في دراسة السوق المستهدف للمنتج، من حيث حاجاته ومتطلباته وقدراته المادية بشكل أساس، إلا أن تسويق التأمين، إضافة إلى ما سبق، يتطلب أولاً القيام بدراسة للسلوك الإنسانيّ في المجتمع المستهدف، من حيث أولوياته الاستهلاكية وأنماط التفكير والمعتقدات والمخاطر التي يمكن أن يدركها المجتمع ويعطيها اهتمامه أكثر من سواها. إن البدء بهذه الدراسة هو الخطوة الأهم والمفصلية قبل البدء بأي مشاريع تطويرية للنهوض بقطاع التأمين وتغيير واقعه الحالي.

ثانياً، يجب العمل بخطة مدروسة وبرامج ترويجية واضحة ومحددة زمنياً ومكانياً بهدف تحقيق إدراك الناس للمخاطر الحقيقية المحدقة بهم، التي يمكن للتأمين تخفيف تأثيراتها في المجتمع والاقتصاد.

ومن الطبيعي والمعتاد قبول شركات التأمين تسويق منتجات تأمين محكوم عليها بالخسارة الفنية في أولى سنواتها، وذلك في سبيل إقناع المستهدفين بنجاعة التأمين ومثاليته في مثل هذه الحالات.

ما يزال حجم سوق التأمين السورية ضئيلاً، إذا قورن مع الحجم الممكن تحقيقه بالنظر إلى حجم الاقتصاد السوريّ ونشاطه وإيقاعه، ويبدو حجم هذا القطاع أكثر ضآلة إذا تمت مقارنته مع مؤشرات عديدة كحجمه في بلدان العالم الإقليمية وسواها، أو مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، أو حجمه تعاملاته مع شركات إعادة التأمين العالمية من بين الأرقام الضخمة للأقساط التي تسدد إلى شركات الإعادة من مختلف البلدان، وهو ما يتضح معه موقفنا التفاوضي الضعيف مع تلك الشركات.

إنَّ البحث في مواضيع أخرى كالتأمين الصحي للعاملين في الدولة "مالئ الدنيا وشاغل الناس" وكذلك الاحتيال والفساد في قطاع التأمين، وبخاصّة في تأمين السيارات والصحي من قبل مختلف أطراف العملية التأمينية، لا يقل أهمية عما سبق بحثه في هذه الدراسة، إذ يبقى للحديث تتمة في دراسات لاحقة.

 

 

رابعاً- المقترحات

توجد خطوات عديدة يمكن تنفيذها على المدى القصير، بحيث تظهر تأثيراتها في المدى المتوسط، هذه الخطوات كفيلة بتحقيق تحوّلٍ إيجابيٍّ في واقع ودور قطاع التأمين في الاقتصاد، وكذلك إحداث تأثيرات ملموسة في الاقتصاد والمجتمع، ولأننا لن ندخل في تفاصيل وخيارات فنية تخصصية تسهم في ذلك، فإننا نورد فقط بعض الخطوات العامة والاستراتيجية التي نرى البدء بها، ونعتقد أنها تُسهم نسبياً في تحقيق الهدف المنشود، ومن هذه الخطوات:

  1. زيادة الحدّ الأدنى لرأس مال شركة التأمين، بما لا يقل عن عشرة أضعاف الحدود الحالية: هذا الأمر هو الأكثر أهمية بين هذه المقترحات، إذ إنه يكفل تحقيق الكثير من الإيجابيات، منها:
  • خلق الجِدِّية اللازمة من قبل الشركات لاستثمار أموالها في مجالات تنموية حقيقية بعيداً عن "تخزينها" في المصارف، إذ نعتقد أن كبار أصحاب رؤوس الأموال المستثمرة حالياً في شركات التأمين السورية لا يبدون الاهتمام المعقول بمقدار عوائد استثمار هذه الأموال أو السياسة الاستثمارية للشركة، وخير دليل على ذلك نسب الحضور في اجتماعات الهيئات العامة للشركات، وانخفاض مستوى تمثيل كبار المساهمين في تلك الاجتماعات.
  • خلق دافع مهم للاندماج بين الشركات، لتحقيق الحدّ الأدنى المطلوب من رأس المال، وهو ما سوف يكسب سوقنا شركات تأمين قوية، ولن نكرر المزايا الجمّة في ذلك.
  • يمنح رأس المال العالي للشركة إمكانية كبيرة لقبول تأمين أخطار بحجم أكبر من الواقع الحالي، وبالتالي تخفيض الحاجة لإعادة التأمين، بما يؤدي تلقائياً إلى انخفاض حجم العملة الصعبة المدفوعة لمعيدي التأمين، كما يؤدي إلى زيادة الأقساط وتحسين شروط التفاوض مع معيدي التأمين.
  1. وضع محفزات للاندماج بين الشركات، حيث تخلو التشريعات الحالية من المحفزات (الضريبية وسواها) في حال اندماج الشركات، إضافة إلى تركيز العمل لأن تكون شركات التأمين؛ شركات مساهمة عامة حصراً بما يساعدها في تأمين رأس المال الكبير عبر المساهمين.
  2. تشريع إمكانية الترخيص لشركات تأمين متخصصة بأنواع تأمين محددة (كتأمين الحياة والصحي).
  3. تعديل الأنظمة الحالية المتضمنة أسس استثمار أموال شركات التأمين، بحيث تُلزَم الشركات بتوزيع قنوات استثمار أموالها، وعدم الاستمرار بتركيز هذه الاستثمارات في المصارف، كودائع.
  4. تفعيل ودعم عمل مؤسسة ضمان مخاطر القروض، كخطوة مهمة على طريق تأمين الائتمان، وبخاصّة تأمين القروض المصرفية، إذ إنَّ تأمين القروض يسهم بشكل فعّال في تنشيطها، ومن الأفضل تركيز هذا التأمين على القروض الإنتاجية الصغيرة والمتوسطة والتي تعد حجر الأساس المناسبة للوصول إلى اقتصاد قويّ، مع الإشارة إلى أنَّ عمل هذه المؤسسة ليس بعيداً عن قطاع التأمين وأسس علم وعمل التأمين، إلا أن الملاحظ خلو إدارتها من أي خبير تأميني أو ممثل عن قطاع التأمين.
  5. بدء العمل بالتأمين الزراعيّ، ونعتقد أن تطبيق التأمين الزراعي بشكل جيد ومدروس كفيل بتحقيق الأمن الغذائي، وكذلك الاستقرار الاجتماعيّ في الأرياف وتنميتها، وغير ذلك الكثير من الفوائد للاقتصاد في قطاعاته الصناعية والتجارية كافةً... وغيرها.

وهنا نذكر أيضاً، أنه تم تأسيس صندوق التخفيف من الكوارث الطبيعية التابع لوزارة الزراعة، كمحاولة لتعويض المزارعين عن خسائرهم الناتجة عن الكوارث الطبيعية، إلا أنه ومع كل كارثة طبيعية يعود الحديث عن عدم كفاية التعويضات الممنوحة من هذا الصندوق، وعن ضرورة إيجاد الحلول لتعويض المزارعين، وقد رأينا مراراً مبادرات الحكومة لسداد تعويضات إضافية ودفعات مالية بشكل عاجل للمتضررين، كان بإمكان التأمين الزراعي، في حال وجوده، حمل هذا العبء عنها، وبالشكل الذي لا يشعر المزارع بحمله، إذ إن أقساط التأمين الزراعي ستكون منخفضة، بحكم المساحات الكبيرة المزروعة والمؤمن عليها.

  1. إعادة هيكلة المؤسسة العامة السورية للتأمين لتكون قائداً للسوق التأمينية ومنظماً لأعماله بما فيه مصلحة كافة الشركات، وتنفيذ الرؤية الحكومية لهذا القطاع، وضرورة أتمته أعمال المؤسسة العامة السورية للتأمين بإنشاء نظام مؤتمت خاص بها يحاكي الأنظمة الموجودة في شركات التأمين العالمية الكبرى، وتطوير التشريعات الخاصة بالمؤسسة بما يؤمن للمؤسسة مرونة أكثر وفاعلية في العمل، والعمل على دعم الملاءة المالية للمؤسسة وتطوير كوادرها.
  2. تفعيل دور المعهد العربي للتأمين، وإقامة دورات تدريبية على مدار العام لعناصر العمليّة التأمينيّة كافةً، وعدم الاقتصار على الجانب النظريّ؛ بل إقامة دورات وورشات عمل ودورات تطبيقية متتالية ضمن خطة عمل سنوية تشارك فيها جميع الشركات والمهتمين والراغبين بالدخول إلى هذا القطاع.
  3. تفعيل دور هيئة الإشراف على التأمين لتشكل مظلة الإشراف الوحيدة على كافة مكونات القطاع دون استثناء، ذلك بوساطة تركيب نظام ربط الشركات ونظام التحقق والرقابة، كما لا بد من دعم الهيئة بالكوادر المتخصصة، وتوسيع دورها لتشمل الرقابة والإشراف على مكونات القطاع التأمينيّ كافةً دون استثناء، بالإضافة إلى توسيع صلاحياتها ليشمل القدرة على التدخل والمعالجة بوساطة نظام ربط الشركات ونظام التحقق والرقابة وأتمتة أعمال الهيئة والانتقال من الرقابة اللاحقة إلى الرقابة الآنية.
  4. الإسراع بإقرار قانون جديد للـتأمين يراعي متغيرات المرحلة، ويساعد على توسيع السوق التأمينية.
  5. الطلب من الجهات التأمينية المشاركة كافة نشر الثقافة التأمينية عبر كافة وسائل الإعلام والمحاضرات والندوات، وتوسيع التفاعل مع الجمهور ضمن خطة سنوية محددة الأهداف والمراحل والوسائل، تشرف هيئة الإشراف على التأمين عليها وتراقب تنفيذها.
  6. البدء بإقامة تجمعات تأمينية لتقاسم المخاطر كمخاطر التأمين الهندسي والحريق والصحي وغيرها ودعم هذه التجمعات بشكل كبير توفيراً للقطع الأجنبي الذي يتم تحويله للمعيد الخارجيّ.
  7. التواصل مع الجهات الرسمية التي يتداخل عملها مع عمل شركات التأمين لتنظيم العلاقة معها، ووضع أسس للتعاون (القضاء– وزارة الصحة – الطب الشرعي... إلخ).

 

 

الخاتمة

إنَّ التعامل مع التحديات التي تواجه بلدنا سورية، يتطلب بناء اقتصاد قويّ يدعم صمود الدولة وقوتها، وهو ما سيقتضي قيام كلّ قطاع من قطاعات الاقتصاد بدوره على أكمل وجه، لا بل يجب على القائمين في كل قطاع التعامل مع مسألة تطويره وتقويته انطلاقاً من فرضية أنه القطاع المحوري والأهم في بناء وقوة الاقتصاد، فأي سكوت عن الأخطاء واستمرارها يأتي في إطار منح القوة لأعدائنا من حيث ندري أو لا ندري.

وإذ كنا نؤيد الدعوات إلى بناء الاقتصاد المقاوم (على النموذج الإيراني أو سواه)، إلا أننا ندعو إلى بناء اقتصاد القوة وليس المقاومة فقط (والفرق شاسع على المستوى الاستراتيجي والإجرائي والنفسيّ)، ولم تكن دول جنوب شرق آسيا وغيرها بأفضل من وضعنا الحالي حينما انطلقت نحو الاقتصاد القويّ، وإذ آمنّا بإمكانية تحقيق ذلك، فإننا سنحققه.

لا بدّ من العمل على إصلاحات كبيرة في الاقتصاد والإدارة ومحاربة الفساد، وهذا العمل يتم على المستويات الإدارية كافة، والفئات الاجتماعية، فكل بناء يبدأ تشييده من الأسفل، بينما يبدأ تنظيفه من الأعلى.

نعتقد أن اعتماد الخطوات المقترحة لتطوير قطاع التأمين، يمكن أن يساهم في جعل من هذا القطاع نموذجاً لبقية قطاعات الاقتصاد في إمكانية إحداث التحول الإيجابي والسريع، والانتقال به من موقعه المتأخر إلى موقعه الرياديّ والطبيعي في الاقتصاد.

 

 

المراجع

الكتب

  • سلام، أسامة عزمي وشقيري نوري موسى. إدارة الخطر والتأمين. عمّان: دار الحامد للنشر والتوزيع، 2006.

أوراق العمل المقدمة في المؤتمرات والندوات

  1. الحسين، محمد. ورقة عمل مقدمة لـ "ملتقى دمشق التأمين الثاني". 13-14 تشرين الثاني/نوفمبر 2006.
  2. عبود، عبد اللطيف. "نشوء التأمين وتطوره". ورقة قدّمت في ندوة: "التأمين في الإعلام"، دمشق، 29-30 نيسان/أبريل 2007.

المواقع الإلكترونية

  1. البيانات المالية لشركات التأمين – المواقع الإلكترونية للشركات.
  2. التقارير السنوية لقطاع التأمين – هيئة الإشراف على التأمين
  3. العتوم، عامر يوسف محمد. "هل يختلف التأمين التكافلي عن التأمين التجاري"، مجلة الدراسات المالية والمصرفية، العدد الثاني، 2013. https://kantakji.com/media/175733/7-9.pdf
  4. المرسوم التشريعي 43 لعام 2005.
  5. الموقع الإلكتروني لهيئة الإشراف على التأمين – سورية: www.sisc.com
  6. الموقع الإلكتروني لهيئة الأوراق والأسواق المالية السورية.
  7. الموقع الرسمي للمكتب المركزي للإحصاء: www.cbssyr.sy

 

 


[1] أسامة عزمي سلام، شقيري نوري موسى، إدارة الخطر والتأمين (عمّان: دار الحامد للنشر والتوزيع، 2006)، ص 22.

[2] عبد اللطيف عبود، "نشوء التأمين وتطوره"، ورقة قدّمت في ندوة: "التأمين في الإعلام"، دمشق، 29-30 نيسان/أبريل 2007.

[3] عامر يوسف محمد العتوم، "هل يختلف التأمين التكافلي عن التأمين التجاري"، مجلة الدراسات المالية والمصرفية، العدد الثاني، 2013. https://kantakji.com/media/175733/7-9.pdf

[4] هيئة الإشراف على التأمين، تقرير عن أعمال شركات التأمين السورية لنهاية الربع الثالث من عام 2018. http://www.sisc.sy/img/uploads1/publication_pdf_272.pdf

[5] هيئة الإشراف على التأمين، التقرير السنوي لقطاع التأمين السوري عام 2017. http://www.sisc.sy/img/uploads1/publication_pdf_180.pdf

[6] http://www.sisc.sy/Publications/37/Ar

[7] http://www.cbssyr.sy/yearbook/2017/Data-Chapter15/TAB-9-15-2017.PDF

[8] محمد الحسين، ورقة عمل مقدمة لـ "ملتقى دمشق التأمين الثاني"، 13-14 تشرين الثاني/نوفمبر 2006.

[9] التقرير السنوي لقطاع التأمين، مرجع سابق.

[10] التقرير السنوي لقطاع التأمين عام 2015. http://www.sisc.sy/img/uploads1/publication_pdf_178.pdf

سيريا ديلي نيوز - مركز دمشق للأبحاث والدراسات "مداد"


التعليقات