كان لافتاً الأسبوع الفائت الجولة التي أجراها وزير الخارجيّة الروسيّ سيرغي لافروف على عدد من الدّول الخليجيّة، إذ أكّد من الرياض، "أنَّ روسيا لن تتراجع عن نهجها الرامي إلى تنفيذ قرار مجلس الأمن الدوليّ رقم "2254" حول سورية، وإطلاق عملية تفاوض يقودها السوريون بأنفسهم"، وبشأن تشكيل اللجنة الدستورية، قال: "أعتقد أنه من الصعب الآن الحديث عن أي مواعيد محددة، لكن العمل جار بنشاط"، وأضاف: "آمل أننا سنرى إنجازها في أقرب وقت"، وأعرب لافروف عن امتنانه للجانب السعوديّ على حثّ المعارضين السوريين الموجودين على الأراضي السعودية على المساهمة في العملية السياسية بشكل بناء. (روسيا اليوم، 4-3-2019)

     هذا، ومن جانبه، قال الجبير، في مؤتمرٍ صحافيّ مشترك مع لافروف: إن "إعادة فتح السفارة السعودية في دمشق مرتبط بتطور العملية السياسية.. لا يوجد تغير في الموقف السعودي فيما يتعلق بفتح السفارة في دمشق"، وتطرق إلى مسألة إعادة إعمار سورية، قائلاً: "لن تتم إلا بعد انتهاء الحرب"، وأشار إلى أنَّ بلاده حريصة على وحدة الأراضي السورية وتحقيق حلّ سياسيّ في البلاد يستند إلى قرار مجلس الأمن 2254. (روسيا اليوم، 4-3-2019)

     وقبيل وصوله الى الرياض، أوضح لافروف في مؤتمر صحافيّ مشترك مع وزير خارجية قطر في الدوحة، أنه لم يتطرق في محادثاته في العاصمة القطرية إلى مسألة تشكيل مجموعة عمل جديدة تُعنى بإعادة الاستقرار إلى سورية، نظراً لوجود ما يكفي من أطر وآليات لمعالجة الأزمة السورية، وقال: "لا أرى حاجة لتشكيل أيّ مجموعات عمل حول سورية. هناك عملية أستانا المتعارف عليها من قبل الجميع، والتي تخوض تحت سقفها الحكومة السوريّة والمعارضة المسلحة مفاوضات ناجحة بوساطة تركيا وروسيا وإيران".

     وذكّر لافروف بأنَّ ممثلي الأمم المتحدة والأردن والولايات المتحدة شاركوا في صيغة أستانا بصفة مراقبين، قبل انقطاع الأميركيين عن الحضور، وأضاف: "لكن لا نستبعد ظهور مراقبين إضافيين في إطار هذه العملية"، وأضاف: أنه فضلاً عن ذلك هناك أدوات المبعوث الأممي إلى سورية، واتصالات في إطار رباعية روسيا وتركيا وألمانيا وفرنسا، كما تبقى موسكو على تواصل مع المجموعة المصغرة، وكذلك مع واشنطن عبر القنوات العسكرية. (روسيا اليوم، 4-3-2019)

      وفي اليوم التالي أكد لافروف،  في مؤتمر صحافيّ مشترك مع نظيره الكويتيّ صباح خالد الحمد الصباح، وفي معرض ردّه عن سؤال حول الأزمة السورية، أن موسكو تحتفظ بقنوات اتصال عسكرية وسياسية مع واشنطن بشأن سورية، لما في ذلك من مصلحة لإدراك حقيقة التطورات هناك. (روسيا اليوم، 5-3-2019)

    وقال: إنَّ موسكو والرياض تعدّان القضاء على الإرهاب في سورية مهمة رئيسة، وقال: "عندما نتحدث عن الاتفاق في القضايا الرئيسة للتسوية السورية، فإنّنا نقصد أولاً، المملكة العربية السعودية وروسيا والعديد من الدول المعنية الأخرى تسعى إلى القضاء على الإرهاب في الأراضي السورية بشكل تام، وثانياً فإن السعودية مثلنا ترى أنه من المهم ليس إرسال المساعدات الإنسانية إلى سورية، فحسب بل والمساعدات الرامية إلى تهيئة الظروف لعودة اللاجئين"، وتابع لافروف: "اتضح أن الجيش الأميركيّ يتزود بالإمدادات من الخارج.. من العراق أو الأردن"، وأضاف: إذا كانت أميركا قلقة جداً على المدنيين الذين يعيشون في وضع صعب جداً في "مخيم الركبان"، فمن المحتمل أيضاً أنه يمكنها تزويد اللاجئين هناك بكل ما يحتاجون إليه، وليس بوساطة أفراد العصابات الذين يسيطرون على منطقة التنف، وأكد، أن "الأميركيين يحتاجون إلى مخيم اللاجئين هذا من أجل مواصلة تبرير وجودهم العسكري غير القانوني هناك". (سبوتنيك، 5-3-2019)

      من جهته طالب الصباح، في المؤتمر، بالإسراع في تنفيذ حلٍّ سياسيٍّ في سورية، وقال: إن "بدء العملية السياسية في سورية وعودتها إلى أسرتها العربية سيسعدنا كثيراً في دولة الكويت"، وذكر الوزير الكويتي أن "روابط علاقات روسيا والكويت تاريخية ولموسكو مواقف نقدرها عالياً"، وأضاف: "نقدر جهود روسيا في دعم تسوية الأزمة الخليجية وجهود الوساطة". (سبوتنيك، 5-3-2019)

     من جانبه، أشار المبعوث الخاصُّ للرئيس الروسيّ إلى الشرق الأوسط ودول إفريقية نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف إلى أنَّ "هيئة التفاوض" المعارضة "كانت حريصة على انتهاز فرصة وجود لافروف في الرياض لتنشيط الحوار مع الجانب الروسي حول سير عملية التسوية السورية"، وأضاف: إن المعارضة اتفقت على الأسماء في قائمتها من "اللجنة الدستورية" المنشودة، كما لا اعتراض لديها على الأسماء الواردة في قائمة الحكومة، وليس هناك خلاف إلا على نحو ستة مرشحين لشغل مقاعد في قائمة المجتمع المدني"، وأوضح بوغدانوف، أنَّ وزير الخارجية الروسي رد على ما أبداه المعارضون السوريون من حرص على مواصلة الحوار مع روسيا، بتوجيه دعوة لهم لزيارة موسكو "في أي وقت"، وأشار إلى أنَّ ممثلي "الهيئة" يقرّون بأنَّ أهداف روسيا في سورية تتلخص في صون وحدة أراضيها، و"ليس لديهم أي شك في ذلك". (روسيا اليوم، 6-3-2019)

      وفي شأنٍ ذي صلة، زعم وزير خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو، أنهم يكثفون جهودهم في الوقت الراهن على الحل السياسي في سورية بالتزامن مع وقف إطلاق النار فيها، وأشار إلى أنهم سيحققون زخماً كبيراً مع تشكيل "الدستورية". (الأناضول، 6-3-2019)

    في سياق متصل، اتهمت الخارجية الروسية دول الغرب بعرقلة عودة سورية إلى جامعة الدول العربية، وقالت المتحدثة باسم الوزارة، ماريا زاخاروفا: "العقبة تكمن في محاولة شركائنا الغربيين، الذين يشكلون ويقودون تحالفاً مناسباً، منع ما سيصبح عبارة جديدة لفشل سياساتهم في المنطقة، أي عودة دمشق إلى جامعة الدول العربية"، وشددت على أن "لا أحد يرى أي عراقيل أخرى"، في سبيل عودة سورية إلى الجامعة العربية، وأوضحت أن تطبيع علاقات الدول العربية مع السلطات السورية "يجري لتوه على قدم وساق"، مشيرة إلى أن هذا الأمر يقوض مفاهيم الغرب القائلة إنَّ "تغيير النظام فقط سيتيح للبلاد إمكانية التطور داخل حدودها وخارجها"، ولفتت إلى أن عودة سورية إلى جامعة الدول العربية ستنتج انعكاسات إيجابية لها ولدول جوارها، مبينة أن هذه المنظمة معنية بإدارة الأوضاع في المنطقة ولا تستطيع أن تعمل بشكل متناغم في حال عدم وجود دولة تمثل "لوحة كاملة من المشاكل والآفاق" بين أعضائها. (سبوتنيك، 7-3-2019)

    وفي وقت لاحق، أكد بوغدانوف، وجود تغير إيجابيّ في مواقف السعودية وقطر والإمارات والكويت تجاه سورية، وقال: إن تحرّك بعض الدول لاستعادة العلاقات مع دمشق يزداد وفقاً للتطورات الميدانية والسياسية في سورية، واعتبر بوغدانوف أنَّ وزير خارجية الإمارات، عبد الله بن زايد، محقٌّ  في ما قاله حول الوجود الإيرانيّ والتركيّ في سورية، بسبب غياب الوجود العربي، لافتاً إلى أن التحرك التركي شمال سورية جاء بسبب فراغ السلطة. (روسيا اليوم، 7-3-2019)

     وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد شدد في مؤتمر صحافيّ مع نظيره الإماراتي في أبو ظبي، على أن موسكو تعارض الوجود غير الشرعي للقوات الأجنبية على أراضي الآخرين. بدوره، قال ابن زايد: إن عودة سورية إلى الحضن العربي ضرورة للتصدي للنفوذ الإيران والتركي. (روسيا اليوم، 7-3-2019)

     من جانبه، شدد وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش، على ضرورة تفعيل الدور العربيّ في سورية، محذراً من تداعيات التدخلات الإقليمية غير العربية في هذه البلاد، وأبدى تأييد الإمارات للتوصل إلى حلٍّ سياسيٍّ في سورية استناداً إلى مقررات جنيف ودعمها لجهود المبعوث الأممي الخاص إليها غير بيدرسن، وتابع: "نؤكد مجدداً على أهمية إعادة الدور العربي الناشط في الأزمة السورية لمواجهة استمرار التدخلات الإقليمية غير العربية والتي تقوض الجهود الدولية لحل الأزمة وتفاقم معاناة البلاد وشعبها الشقيق، بل وتهدد سيادة الأراضي السورية ووحدتها". (روسيا اليوم، 7-3-2019)

      تساءل بدوره وزير الخارجية المصري، سامح شكري: "ألم يئن الأوان للعودة لمفاوضات جادة ونزيهة تفضي للتسوية السياسية الضرورية للأزمة في سورية الشقيقة، بما يحقق المطالب المشروعة للشعب السوري، ويستعيد بناء مؤسسات الدولة السورية، ويتيح مواجهة الإرهاب وعودة سورية إلى مكانها الطبيعي بين أشقائها العرب؟". (ش أ ش، 7-3-3019)

     إلى ذلك، أوضح نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية والمغتربين وليد المعلم، أن الدولة السورية تجدد في كل مناسبة دعوتها للمواطنين السوريين الذين اضطرتهم الحرب والاعتداءات الإرهابية لمغادرة البلاد إلى العودة إلى وطنهم الأم، مشدداً على أن الدولة السورية تضع هذا الموضوع على رأس أولوياتها وهي حريصة على عملية إعادة الإعمار وما يتطلبه ذلك من بنى تحتية بما يشجع المهجرين على العودة إلى منازلهم على الرغم من المحاولات المستمرة من قبل بعض الدول والجهات المعروفة عرقلة عودتهم بكل السبل. (سانا، 6-3-2019)

      والأسبوع الفائت، حضرت سورية، في محفل الدورة التاسعة والعشرين للاتحاد البرلماني العربي، والتي عقدت في العاصمة الأردنية عمان وشارك فيها على مدى يومين إضافة إلى وفد مجلس الشعب، رؤساء 16 برلماناً عربياً وممثلون عن بقية البرلمانات، وفي كلمته، شدد رئيس مجلس الشعب حمودة الصباغ على أن سورية بنصرها على الإرهاب تنتصر لكل العرب والمنطقة وتسهم في خلاص العالم كله من هذه الآفة التي أوجدتها أعتى قوى العدوان في العالم، وأوضح أن دمشق قلب العروبة النابض ما فتئت تواجه الغزوات ذوداً عن العروبة التي لطالما طمع في أرضها وأهلها الطامعون". (موقع مجلس الشعب على الإنترنت، 2-3-2019)

     من جانبه، وفي كلمته التي افتتح بها الاجتماع، أكد رئيس مجلس النواب الأردني عاطف الطراونة، أنه "لابد من تحرّك فاعل باتجاه التوصل إلى حلٍّ سياسيٍّ يضمن وحدة سورية أرضاً وشعباً ويعيد لسورية عافيتها ولتستعيد دورها ركناً أساسياً من أسس الاستقرار في المنطقة"، ودعا إلى "تضافر الجهود للحفاظ على الاستقرار في سورية وعلى الانجازات التي تم تحقيقها ضد تنظيم داعش ودعم الجهود التي تمهد الطريق أمام العودة الطوعية للاجئين السوريين إلى وطنهم". (أ ف ب، 2-3-2019)

     بدوره، أكد القائم بأعمال سفارة سورية في عمان أيمن علوش، أنَّ علاقات سورية مع الأردن تسير في الإتجاه الصحيح، وأنَّ النشاط البرلماني بين البلدين تجاوز النشاط السياسي، كما أكد أن سورية ليس لديها مشاكل مع الشعوب العربية، لكن لديها مشاكل مع بعض الأنظمة، ولفت إلى أن سورية ليس لديها نية لتطبيع علاقاتها مع الدول التي دعمت الإرهابيين في سورية خلال السنوات الماضية، ولفت إلى وجود ضغوط تمارس على كل من يحاول الإنفتاح على سورية. (عمون، 3-3-2019)

     في سياق متصل، نقلت تقارير إعلامية عن مصادر مطلعة ترحيب السعودية والإمارات بمواصلة دعم بناء مقر الاتحاد البرلماني العربي في دمشق الذي جمد العمل به منذ سنوات ليحل محله مقر مؤقت في العاصمة اللبنانية بيروت. (رأي اليوم، 3-2-2019)

     وفي مستجدات "الإرهاب الاقتصاديّ" ضد سورية، أعلن الاتحاد الأوروبيّ عن إجراءات جديدة أحادية الجانب، بحقّ وزراء في الحكومة السورية، وجاء في قرار الاتحاد الأوروبي: "أضاف المجلس 7 وزراء في حكومة سورية إلى قائمة الأشخاص والشركات التي تقع عليها العقوبات ضد "النظام" السوري وحلفائه، وهذه الإضافات تأتي في سياق التغييرات الأخيرة للحكومة في سورية"، وتتضمن العقوبات، حظراً على استيراد النفط السوريّ وقيوداً على بعض أنواع الاستثمارات وتجميد أصول مصرف سورية المركزي في أوروبا وحظر استيراد سورية للمعدات والتكنولوجيا التي يمكن استخدامها في ما يسميه "القمع"، بينما تنصّ العقوبات المفروضة على الأشخاص الذين بات عددهم 277 شخصاً، على حظر سفرهم إلى الاتحاد وتجميد أموالهم وكذلك تجميد أموال الكيانات المشمولة بهم، وضمت القائمة كل من وزراء الداخلية اللواء محمد خالد الرحمون، والسياحة محمد عامر مارتيني، والأشغال العامة والإسكان سهيل عبد اللطيف والاتصالات إياد محمد الخطيب، والصناعة محمد معين زين العابدين، الذين تمت تسميتهم في تشرين الثاني الماضي. (سبوتنيك، 3-3-2019)

     على صعيد متصل، استنكر عضو مجلس النواب الأردنيّ عبد الكريم الدغمي تهديدات الملحق التجاري في سفارة الولايات المتحدة لدى بلاده للتجار الأردنيين وتحذيرهم من التعامل مع نظرائهم السوريين، وقال: "هذا الملحق قام ببلطجة تخالف كافة الأعراف الدبلوماسية وقام بالتنبيه على تجار وصناعيين أردنيين وهددهم بالملاحقة في حال تعاونوا مع سورية"، وأضاف: "هذه الإجراءات دليل على إخفاق الإدارة الأميركية في حربها الكونية لتدمير سورية"، مشيراً إلى أنَّ الأردنيين من أول الشعوب التي يحقّ لها التعامل مع السوريين، وأكّد، أنَّ تصرف الملحق الأميركي في اجتماعه مع تجار الأردن يرقى إلى أن يكون "بلطجة وزعرنة وتصرفاً أرعناً"، ودعا حكومة بلاده إلى اتخاذ إجراءاتها ضد هذا التصرف، وشدّد على طيب العلاقات الأردنية السورية. (روسيا اليوم، 6-3-2019)

     في غضون ذلك، تطرقت وزيرة الداخلية اللبنانية ريا الحسن، في كلمة أمام مجلس وزراء الداخلية العرب في تونس، إلى "النزوح الهائل الذي تسببت به الحرب في سورية"، قائلة: إنه "يشكل تحدياً اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً كبيراً أمام الدول المضيفة للنازحين وفي مقدمها لبنان"، وأضافت: "نجدد تمسكنا بضرورة أن تكون عودة النازحين السوريين أولوية عربية ودولية". (روسيا اليوم، 2-3-3019)

     هذا، وتحدثت تقارير إعلامية عن أن الرئيس اللبناني ميشيل عون سيقوم بزيارة إلى موسكو في الشهر الجاري يبحث فيها مع نظيره الروسيّ فلاديمير بوتين عودة المهجرين السوريين إلى بلادهم، وقال مصدر سياسي مقرب من عون: أن روسيا وجهت دعوة رسمية إلى الرئيس اللبناني لزيارة موسكو في شهر آذار، وتم تحديد موعد لقاء الرئيس الروسيّ بنظيره اللبناني، وأضاف: "سيتركز البحث في المواضيع السياسية، الدبلوماسية، والاقتصادية، وملف النازحين السوريين، وموضوع إعادة النازحين عبر المبادرة الروسية، لأنها مبادرة أساسية جداً، ودور لبنان في الوضع الإقليمي الجديد في منطقة الشرق الأوسط على أثر وجود روسيا في سورية". (سبوتنيك، 2-3-2019)

     وفي وقت لاحق على الأنباء السابقة، أكد عون، أنه لن يتراجع عن العمل لعودة المهجريين السوريين إلى بلادهم، بينما شدد وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب على ضرورة التواصل مع دمشق لحلّ ملف المهجرين، في وقت نفت فيه موسكو أن تكون عودتهم تنتظر إعادة الإعمار في سورية. (الوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام، 3-3-2019)

     في هذه الأثناء، قال سفير روسيا لدى لبنان ألكسندر زاسبكين، بعد لقائه وزير الخارجية والمغتربين اللبناني جبران باسيل: "أكدنا تعزيز الحوار السياسي بين البلدين لإيجاد الحلول السلمية للنزاعات في المنطقة، وتنقية الاجواء استبعاداً لتصعيدات جديدة، وأشرنا الى ضرورة تكثيف الجهود لتقديم المساعدة لعودة النازحين من قبل المجتمع الدوليّ". (الوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام، 3-3-2019)

     كذلك، جدد الرئيس اللبناني العماد ميشيل عون التأكيد، أنَّ لبنان سيواصل تسهيل عملية عودة المهجرين السوريين إلى وطنهم، وقال في معرض لقائه وزير الدولة لدى وزارة الخارجية الاتحادية الألمانية نيلس أنين: "إن متابعة عودة المهجرين السوريين إلى بلادهم ستكون من أولويات الحكومة اللبنانية"، مطالباً المجتمع الدوليّ بالمساعدة في عودة المهجرين السوريين إلى وطنهم وعدم عرقلة ذلك. (سانا، 6-3-2019)

     إلى ذلك، وفي أول تعليق رسميّ روسيّ ردّاً على التقرير الذي نشرته منظمة حظر الأسلحة الكيميائية حول الهجوم الكيمائيّ المزعوم في دوما، أكدت وزارة الخارجية الروسية في بيان لها، أن تجاهل المنظمة للمعلومات التي قدمتها روسيا وسورية حول فبركة استخدام السلاح الكيميائي في دوما "يثير القلق"، وقالت: إنَّ "الاستنتاجات التي قدمتها بعثة التحقيق في استخدام السلاح الكيميائي في سورية بشأن وقوع هجوم مزعوم في دوما، هدفها الوحيد تبرير العدوان الأميركي البريطانيّ الفرنسيّ في نيسان الماضي على دولة ذات سيادة في انتهاك لميثاق الأمم المتحدة"، وشدّدت على أن الطابع المسرحي للهجوم الذي قامت بإخراجه مجموعة ما يسمّى "الخوذ البيضاء" الإرهابية يثير القلق. (سبوتنيك، 6-3-2019)

     وذكرت الخارجية الأمريكية، في بيان أصدرته الأسبوع الفائت، أن تقرير بعثة تقصي الحقائق التابعة لمنظمة حظر الكيميائي، والذي ينصُّ على "وجود أسس معقولة للاعتقاد أن مادة الكلور استخدمت في الهجوم المزعوم في مدينة دوما بغوطة دمشق الشرقية في 7 أيلول الماضي"، يؤكد موقف الولايات المتحدة القاضي بأن "النظام يتحمل المسؤولية عن هذا الهجوم الكيميائي البشع الذي أسفر عن مقتل وجرح مدنيين".

     واتهم نائب المتحدّث باسم الخارجية الأمريكية، روبرت بالادينو، الحكومة السورية بـ"خرق" الالتزامات المترتبة عليها بموجب معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية و"انتهاك" قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2118، وتوجيه اتهامات مزيفة إلى المعارضة المسلحة بعد وقوع الحادث.

     وحمل البيان الأمريكيّ الحكومة السورية وحلفاءها، وفي مقدمتهم روسيا، المسؤولية عن نشر معلومات "كاذبة" حول الهجمات الكيميائية المزعومة، متهماً دمشق وموسكو بعرقلة وصول فريق المحققين الدوليين إلى دوما عقب وقوع الهجوم، ودعت الخارجية الأمريكية الحكومة السورية إلى التعاون بشكل كامل مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والتخلص مما تبقى من برنامجها الكيميائي وكشف الستار عن أنشطتها في هذا المجال. (روسيا اليوم، 7-3-2019)

التعليق:

     أكّد العضو المؤازر في مركز دراسات الوحدة العربية، وعضو الأمانة العامة للمؤتمر القوميّ العربيّ، كمال خلف الطويل، أنَّ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في معرض جولته الخليجية، قاتل في سباق صراعيّ مع الولايات المتحدة الأميركية في موضوع تطبيع العلاقات العربية مع الدولة السورية، وردد قوله: لسياسيي الدول الخليجيّة التي زارها، طارحاً عليهم أسئلةً من قبيل: لماذا تترددون؟ ولمَ تتراجعون؟ وقال لهم:  إنّه على العكس مما تتصورون، أنتم تكسبون فيما لو وضعتم أرجلكم في تلك الساحة وكنتم معنا، ولفت انتباههم إلى أنه من الممكن أن يدخلوا في محادثات العاصمة الكازخية أستانا حول سورية، كطرف رابع، إلخ....

     وأشار الطويل، إلى أنَّ لافروف أوضح للدول الخليجية التي زارها، أنه آن الأوان لإنهاء الصراع في سورية، ولأن يكونوا جزءاً من عملية إعادة الإعمار التي لها مكاسب ومنافع لدى الكل، ولها دور في تثبيت الاستقرار، ومنع لجوءات جديدة إلى أماكن أخرى في العالم، وإعادة المهجرين وأمور أخرى، ولفت الطويل، إلى أنه يبدو من أجوبة الكثير من تلك الدول الخليجية، أنهم كانوا متفهمين لحديث لافروف، ولكن غير قادرين على فعل شيئ بحكم الضغوطات التي تأتيهم من معسكرهم.

     واستطرد الطويل: إنَّ شطري الولايات المتحدة، الأول؛ الإدارة الأميركية المتمثلة بترامب، والثاني؛ الأمن القوميّ،  يشكلان الفضاء لتلك الدول الخليجية، ومع ذلك فإن ترامب شديد النكيرة عليهم بموضوع تطبيع العلاقات مع دمشق، من باب أن هذا هو السبيل لإخراج إيران من سورية، وأشار إلى أن شق الأمن القومي الأميركي، ليس كثير الممانعة لهذا الموضوع، بحسبانه يريد جعل الوجود الأميركيّ، سواء المباشر أو غير المباشر عبر الأكراد أو العشائر أو أي تشكيلات أخرى، تكئة لوضع اليد جزئياً، عن طريق وضع يد لهم في سورية القادمة.

     ولفت الباحث الدكتور كمال خلف الطويل، إلى أنه حتى الآن من الواضح أنَّ بين الروس والأميركان بشقيهم (الترامبي، والأمن القومي)، لا تستطيع دول الخليج الحراك إلا مع الأميركان، وهو ما يمكن تلمسه من الجوّ العام القائم بالمنطقة.

     من جانبه، رأى معد التقرير، أنه واصل الأسبوع الفائت، الموقف اللبنانيّ ثباته من مسألة عودة المهجرين السوريين إلى بلداتهم وقراهم التي حرّرها الجيش العربي السوري، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن موقف الرئيس اللبناني ميشال عون، يتطلب داعماً دولياً من حلفاء سورية، تحديداً في ظل الضغط الذي يتعرّض له لبنان في هذا الشأن، إذ إنّه يحط في لبنان، أسبوعيّاً، مسؤول غربي لثني لبنان عن قراره بإعادة المهجرين دون انتظار الحلِّ السياسيِّ الذي يبتغيه الغرب، الأمر الذي تواجهه الرئاسة اللبنانية باستمرار، ولعلَّ زيارة عون إلى موسكو ولقاءَه بوتين، يصبّان في إطار الدعم الروسيّ للموقف اللبنانيّ بشأن المهجرين.

     وأكد، أن مسائل من قبيل العقوبات الاقتصادية والمزاعم والاتهامات باستخدام الأسلحة الكيميائية لن تتوقف، بحسبان أنَّ الحرب السورية انتقلت الى شكل جديد ومستوى جديد أساسه اقتصاديّ قانونيّ، مع فشل الدول التي قادت ودعمت الحرب على سورية، في الميدان، ومن ثم فإن تواصل العقوبات الغربية، وتواصل الاتهامات باستخدام الكيميائي لا تخرج عن إطار الضغط على دمشق بغية تحقيق مكاسب سياسية، وهو ما يجب الانتباه إليه والحذر منه لما يمكن أن يقدّم من مبررات للغرب لمواصلة الاعتداء على سورية والشعب السوريّ.

ملف شرق البلاد:

     واصل أهالي شمال شرق البلاد تأييدهم للدولة السورية الأسبوع الفائت، وامتدت رقعة التأييد إلى ريف محافظة الرقة بعدما شهدت المدينة رفع تلك الشعارات، إذ شهدت قرية كدبران قرب مدينة الرقة، استنفاراً لـ"لأسايش"، على خلفية قيام مجهولين برفع علم الجمهورية العربية السورية على أحد أعمدة الكهرباء وكتابتهم شعارات مؤيدة للدولة السورية على جدران عدد من المحال التجارية والمنازل، منها "قوات النمر قادمون" و"فرع المخابرات الجوية". (مواقع معارضة، 6-3-2019)

     من جهة أخرى، قال ممثل "مجلس سورية الديمقراطية –مسد" في واشنطن، بسام إسحاق: "نحن منفتحون لبحث أي اقتراحات مع المسؤولين الروس"، وأكّد أن روسيا "قوة سياسية هامة في سورية، وقمنا بأكثر من زيارة لموسكو"، موضحاً أن روسيا تلعب دور وسيط في اتصالات "مسد" مع دمشق، بينما تلعب الولايات المتحدة الدور ذاته في اتصالات "مسد" مع أنقرة، وأضاف: "نتطلع بفارغ الصبر إلى مواصلة التعاون مع كافة الأطراف، وهي روسيا والولايات المتحدة ولاعبون آخرون منخرطون في المسألة السورية".

     هذا، وفيما يخص قرار واشنطن سحب قواتها من سورية، قال إسحاق: "كنا نعرف دائماً أن الولايات المتحدة ستنسحب، ونحترم هذا القرار فعلاً"، وأضاف: أن الاتصالات بين مجلس سورية الديمقراطية والأميركيين لم تنقطع بعد صدور قرار الانسحاب، وأبدى تقييماً إيجابياً لنية واشنطن إبقاء مجموعة من عسكرييها داخل سورية، حيث قال: "من المبكر للولايات المتحدة مغادرة المنطقة عسكرياً، فنحن لا نزال نحتاج إلى دعم جوي لقوات سورية الديمقراطية. لذلك نرى إبقاء قوات أميركية وأوروبية في سورية أمراً إيجابياً". (نوفوستي، 2-3-2019)

     هذا، وأعرب رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني، حشمت الله فلاحت بيشة، عن دعم بلاده لإطلاق مفاوضات بين الحكومة السورية والأكراد في البلاد، وقال: إن "إيران ترغب في خوض الحكومة السورية والأكراد مفاوضات، والظروف لذلك قيد التحضير"، وأكّد أن إحدى المشاكل الأساسية في سورية هي منطقة البوكمال حيث أبقى الأمريكيون الأوضاع مبهمة فيها. (إرنا، 8-3-2019)

     إلى ذلك، ذكرت تقارير إعلامية، أن كبير المستشارين لقوات "التحالف الدوليّ" الذي تقوده واشنطن بذريعة محاربة تنظيم داعش في سورية، ويليام روباك، التقى مع مسؤولين من "مجلس سورية الديمقراطية- مسد" في ناحية عين عيسى، وتمت مناقشة التطورات الميدانية في مناطق شمال وشرق سورية وأهمها مرحلة ما بعد هزيمة داعش عسكرياً. (هاوار، 2-3-2019)

     وفي وقت متأخر من يوم السبت، أعلن وزير دفاع النظام التركي، خلوصي أكار، إنهاء تركيا التحضيرات لعدوان جديد يستهدف منطقة منبج وشرق الفرات، وقال في معرض جولة أجراها بمنطقة عسكرية شرقي تركيا: "القوات التركية على أهبة الاستعداد، وتنتظر أوامر رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان"، وأضاف: "لن نسمح بتعريض أمن بلادنا للخطر بأيِّ شكل من الأشكال ولا ينبغي أن يشك أحد في ذلك"، مؤكداً أن بلاده "لن تتخلى عن سيادتها واستقلالها بأي شكل من الأشكال"، وتابع: "لن نسمح بظهور أي ممر إرهابيّ جنوب بلادنا في شمال سورية... لم نسمح على الإطلاق ولن نسمح بذلك أبداً"، وفي رسالة موجهة للأكراد السوريين، شدّد على أنَّ تركيا "تستهدف الإرهابيين فقط، وليس أشقاءها الأكراد الذين يحاول البعض تحريضهم من خلال إشاعة الفتن والمكائد"، وأضاف: أن "حزب العمال الكردستاني" لا يمثل الأكراد على الإطلاق، والإعلام الغربي يسعى إلى تحريف الحقائق في هذا الصدد، وأضاف: "كفاحنا موجه ضد إرهابيي غولن، وحزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب، وداعش، وأذرعهم، لكن الإعلام الغربي يحاول إظهار كفاحنا ضد حزب العمال الكردستاني ووحدات الحماية وكأنه حرب تركية - كردية". (الأناضول، 2-3-2019)

     في غضون ذلك، كتبت وزارة الدفاع الروسية على موقعها الإلكتروني: "سينعقد اليوم في فيينا لقاء يجمع رئيس هيئة الأركان الروسية النائب الأول لوزير الدفاع جنرال الجيش فاليري غيراسيموف، والجنرال جوزف دانفورد رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركي". (روسيا اليوم، 4-3-2019)

     وبالإضافة إلى الوضع السوري، فإن من المسائل التي تثير توتراً بين الجيشين الأميركي والروسي قضية القوى النووية في أوروبا، ولا سيما بعد تخلي واشنطن عن معاهدة الصواريخ النووية المتوسطة المدى، متّهمة روسيا بعدم الالتزام بها، الأمر الذي ردّت عليه موسكو أمس، إذ قرر الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين رسمياً تعليق مشاركة بلاده في المعاهدة. (أ ف ب، 4-3-2019)

     في سياق متصل، وصل المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية يوم الاثنين إلى العاصمة التركية أنقرة، وعقد الثلاثاء، لقاءات مع نائب وزير الخارجية التركيّ سادات أونال، ومسؤولين عسكريين أتراك، من المنتظر أن يبحث الجانبان عملية انسحاب القوات الأميركية من سورية، وتطبيق ما تسمى "خارطة طريق" منبج شمال حلب، التي توصلت إليها تركيا والولايات المتحدة في حزيران الماضي، ودارت فيما بعد بين الجانبين سجالات وحصلت توترات بينهما بسبب عدم تنفيذها. (الأناضول، 4-3-2019)

     في هذه الأثناء، رد الرئيس الأميركي على مشرّعي بلاده بالموافقة التامة على الإبقاء على القوات الأميركية في سورية، وكتب على خطابهم بخط يده، "أتفق تماماً بنسبة مئة بالمئة"، وأظهرت النسخة من الخطاب أن ترامب سلط الضوء على فقرة خاصة بأهداف الإبقاء على الوجود الأميركي في سورية. وجاء في الفقرة: "نسعى لضمان ألا تضيع جميع المكاسب التي تحققت في سورية وألا يعود تنظيم داعش أبداً، وأن إيران لم تعد تتجرأ، وإننا نعزز مكاسبنا ونضمن أفضل نتيجة في جنيف للمصالح الأميركية" من الاستمرار في الاحتلال. (إن بي سي نيوز، 6-3-2019)

     وفيما يمكن حسبانه خطوة باتجاه نشر قوات من حلف شمال الأطلسي "الناتو" في شمال شرق سورية بعد انسحاب قوات الاحتلال الأميركية، أعرب الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ، عن امتنانه للتنسيق بين الولايات المتحدة وتركيا، حيال تسوية الأوضاع في شمال شرق سورية، وذكر، أن "الناتو" جزء من "التحالف الدولي" المزعوم لمكافحة داعش، وأن الحلف يشارك في مكافحة التنظيم المذكور، عبر بعثته التدريبية في العراق، وطائرات أواكس للمراقبة والتحذير المبكّر، وأضاف: "الناتو ليس موجوداً على الأرض في سورية، لكن هناك أعضاء للحلف تنشط داخل الأراضي السورية، وقيادة الحلف ممتنة من التنسيق القائم بين الأعضاء". (الأناضول، 5-3-2019)

     جاءت هذه التطورات في وقت أعلنت فيه وزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي، بأن حاملة الطائرات البحرية الفرنسية "شارل ديغول" ستتجه من تولون إلى شرق البحر المتوسط للمشاركة في أعمال "التحالف الدولي" ضد داعش، وقالت: "تجري معارك ضارية وسط وادي نهر الفرات، يجب أن تنتهي "الخلافة" الإقليمية. هذا أمر لا مفر منه"، وأشارت إلى أن داعش هو في طور "إعادة التشكيل والتغيير"، لذلك من الضروري محاربته بطرق أخرى، ومن المقرر أن تنفذ "تشارل ديغول" المهمة خلال مدة أربعة أشهر، وبعدها ستتجه إلى المحيط الهندي. (سبوتنيك، 5-3-2019)

      في السياق ذاته، أعلن قائد القيادة المركزية للقوات المسلحة الأميركية "سينتكوم"، الجنرال جوزيف فوتيل، أن تنظيم داعش لم يستسلم، بل غير استراتيجيته، وأشار الجنرال في معرض جلسة استماع في مجلس النواب الأمريكي، الخميس، إلى أن التنظيم تلقى ضربات، لكن "ما نراه اليوم ليس استسلاماً لداعش كتنظيم، وإنما هو قرار مدروس للحفاظ على سلامة أفراده والحفاظ على القدرات"، واعتبر فوتيل أن داعش يغير استراتيجيته ويسعى لنقل مسلحيه إلى مناطق أكثر أماناً والتحضير لهجمات جديدة.

     وأشار إلى أن متابعة الأوضاع الميدانية تبيّن أن مسلحي التنظيم الذين نقلوا من جيوب داعش الأخيرة لا زالوا متطرفين، ولم يندموا على أعمالهم، مضيفاً أن على القوات الأمريكية إبداء الحذر ومواصلة العمليات ضد التنظيم، وأكد أن "القضاء على "الخلافة" إنجاز عسكري كبير لكن محاربة داعش والتطرف المسلح لا تزال بعيدة عن نهايتها ولا تزال مهمتنا قائمة". (روسيا اليوم، 7-3-2019)

     ذلك، وبخصوص سحب القوات الأميركية من سورية، أكد فوتيل على المضي قدماً بخطط الإدارة الأمريكية لسحب القوات من سورية، التي أعلن عنها الرئيس دونالد ترامب في كانون الأول الماضي، وقال: "ما يقود مسار الانسحاب هو مهمتنا المتمثلة في هزيمة تنظيم داعش، وهذا هو تركيزنا الأساسي والتأكد من أننا نحمي قواتنا وأننا لا ننسحب بطريقة تزيد الخطر على قواتنا"، وتابع: "لا أتعرض في الوقت الحالي لضغط للالتزام بموعد محدد". (رويترز، 8-3-2019)

     على خط موازٍ، صرح نائب الرئيس التركي، فؤاد أوقطاي، بأن تركيا أنجزت استعداداتها لتنفيذ عملية عسكرية ضد "الإرهابيين" في منطقة شرق الفرات، وقواتها قادرة على الدخول إلى سورية الآن، وتابع: "لن نسمح بأي عمل من شأنه أن يشكل خطراً أمنياً ضد تركيا، الولايات المتحدة أرسلت مجاناً 23 ألف شاحنة محملة بالأسلحة الثقيلة، إلى أين تذهب هذه الشاحنات؟ ألا تشكل محتوياتها تهديداً على تركيا"؟، وأشار إلى أن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ونظيره الأمريكي، دونالد ترامب، اتفقا على تنسيق انسحاب الولايات المتحدة من الأراضي السورية، وتفهم سيد البيت الأبيض مخاوف تركيا الأمنية في الشمال السوري، ولفت إلى أن تركيا تنظر إلى "المنطقة الآمنة" على أنها لا تتمكن عبرها أي قوة أو منظمة إرهابية من تهديد أمن تركيا وسلامتها. (الأناضول، 7-3-2019)

    في هذه الأثناء، أفادت تقارير  صحافيّة بأن واشنطن وضعت الجمعة موعداً نهائياً أمام حلفائها الأوروبيين كي يؤكدوا التزامهم بالخطة الأمريكية حول "استقرار الوضع في الشمال السوري"، ونقلت التقارير، عن مسؤولين أمريكيين قولهم: إنَّ إدارة الرئيس دونالد ترامب طالبت ثمانية حلفاء أوروبيين، بمن فيهم فرنسا وبريطانيا وتركيا، بتأكيد تحملهم المسؤولية، وأمهلتهم حتى نهاية يوم الجمعة، وذلك في محاولة لـ"إقناع الشركاء المترددين بالوقوف إلى جانب واشنطن في خطتها التي لا تزال قيد الإعداد".

     وذكر المسؤولون أن الولايات المتحدة دعت حلفاءها في القارة العجوز إلى أن "يبقوا جزءاً من التحالف ويضمنوا ألا يستعيد تنظيم داعش موطئ قدم له في الشمال السوري"، وتهدف هذه الخطة أيضاً إلى منع وقوع مواجهة عسكرية بين المقاتلين الأكراد الذين يشكلون العمود الفقري لـ"قوات سورية الديمقراطية" المدعومة من واشنطن وتركيا.

     وقال مسؤول في الدّفاع الأميركيّ للصحيفة إنَّ الأوروبيين "أبدوا نيتهم البقاء، لكنهم لم يلتزموا بعد"، من جانبهم، أكد مسؤولون أوروبيون أن دول القارة العجوز بدأت العمل العسكري في سورية مع الولايات المتحدة في عام 2015 مع الإدراك أن جميع القوات ستنسحب من البلاد في آن واحد، حسب صيغة "دخلنا معا فننسحب معا"، لكن بعد إعلان ترامب قراره سحب جميع القوات الأمريكية من سورية من جانب واحد، رفض الزعماء الأوروبيون المطالب الأمريكية بإبقاء قواتهم هناك لضمان استقرار منطقة آمنة بين تركيا وسورية في شمال البلاد، مهددين بالانسحاب الكامل تبعاً لواشنطن.

     بمقابل ذلك، ذكر مسؤولون في الدّفاع الأميركيّ رفيعو المستوى أن قرار ترامب التخلي عن خطته الأصلية وإبقاء جزء من القوات في سورية جاء استجابة لمطالب الأوروبيين، وأشاروا إلى أن فرنسا هي الحليف الوحيد للولايات المتحدة الذي أكد نيته إبقاء قوات في سورية، فيما قال مسؤولون فرنسيون في وقت سابق من الأسبوع الجاري: إنَّ باريس لا تزال تنتظر مزيداً من التفاصيل حول الخطة الأمريكية.

     وذكر مسؤولون في "البنتاغون"، أنَّ الخطة الأمريكية في نسختها الحديثة تقضي بإبقاء ثلاث مجموعات من الجنود الأمريكيين في سورية، أولاها في مدينة منبج عند الحدود مع تركيا، حيث ستواصل القوات الأمريكية تسيير دوريات مشتركة مع القوات التركية، وأما المجموعة الثانية فستبقى في شرق الفرات، داخل "المنطة الآمنة" المزعومة، وفيما يتعلق بالمجموعة الثالثة فستبقى في قاعدة التنف عند الحدود مع الأردن. (وول ستريت جورنال، 7و8-3-2019)

     بموازاة ذلك، عاد آكار ليحذر، الولايات المتحدة وأوروبا من إمكانية تعرض قواتهما لهجمات في "المنطقة الآمنة" حال نشر عسكرييهما هناك للإشراف عليها، وأكد أن تركيا ترى أنه من الضروري إنشاء "منطقة آمنة" شمال سورية عمقها من 30 إلى 40 كيلومتراً بمحاذاة الشريط الحدودي الذي يبلغ 440 كيلومتراً من شرق الفرات وحتى الحدود العراقية، وأفاد بأن ذلك يعني إقامة "منطقة آمنة" بمساحة نحو 13 ألف كيلومتراً مربعاً، ولا يمكن تأمينها ببضع مئات من الجنود.

     ولفت أكار إلى استخدام المسلحين الأكراد طائرات مسيرة محملة بمتفجرات في الآونة الأخيرة، لاستهداف المواقع العسكرية والمدنية داخل تركيا، انطلاقاً من الشريط الحدودي، وشدد أن هذا الوضع يظهر أحقية تركيا في المطالبة بـ"منطقة آمنة" لإبعاد "الإرهابيين" عن حدودها، وختم بالقول: "سنبذل ما بوسعنا للحفاظ على أمن دولتنا بأنفسنا لأن حفظ الأمن لا يمكن أن يقوم به وكلاء... القوات المسلحة التركية ستقوم باللازم من أجل أمن شعبها ووطنها في المكان والزمان المناسبين". (الأناضول، 8-3-2019)

     والأسبوع الفائت، أعلنت "قسد" البدء بالمرحلة النهائية لطرد مسلحي تنظيم داعش الإرهابي من بلدة الباغوز آخر  جيب له في منطقة شرق الفرات، بعد يومين من كشف التنظيم عن "اتفاق" مع "قسد" و"التحالف الدولي" يقضي بخروج من يرغب من جيبه الأخير شرق الفرات، وبينت تقارير إعلامية، أن قوات خاصة أجنبية تشارك في العملية، ولفتت إلى أنه "لا نعلم ما تبحث عنه القوات الخاصة في مزارع الباغوز هل هم قادة من الصفين الأول والثاني أم تبحث عن أموال وثروات أو أسباب أخرى".

     في غضون ذلك، جرت اشتباكات عنيفة بين الجيش والقوات الرديفة له من جانب ومسلحي تنظيم داعش من جانب آخر، وذلك في هجوم للتنظيم عند محاولة مسلحيه عبور ضفة نهر الفرات قرب مدينة البوكمال بالقطاع الشرقي من ريف دير الزور، في وقت قصف طيران "التحالف" بالفوسفور الأبيض المحرم دولياً منطقة مزارع الباغوز بريف دير الزور الشرقي. (سانا، 2-3-2019)

     في هذه الأثناء ذكرت تقارير إعلامية أن "نحو 400 من مسلحي داعش بينهم إرهابيون من جنسيات غربية، جرى نقلهم وتسليمهم لقوات الجيش العراقي، حيث نقلوا على متن شاحنات التحالف الدولي"، في سياق متصل، أوضح رئيس مجلس إنقاذ الأنبار حميد الهايس، أن أي مسلح من داعش يسلم نفسه إلى «قسد» يتم نقله إلى العراق بغض النظر عن جنسيته، مبيناً أن "هؤلاء من مختلف جنسيات العالم"، وأضاف الهايس: إن "عددهم (الدواعش) مع أطفالهم ونسائهم يصل إلى نحو 1000 شخص"، مشيراً إلى أن "بلدان هؤلاء تبرأت منهم وتمنع وصولهم إليها لمحاكمتهم". (السومرية نيوز، 6-3-2019)

     في غضون ذلك، لا يزال ملف الدواعش الأجانب في سورية عالقاً، إذ إنَّ "حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي" و"الحزب الديمقراطي الاشتراكي"، شريكه في الائتلاف الحاكم، اتفقا على خطة لسحب الجنسية من بعض الألمان الذين قاتلوا في صفوف التنظيم، وذكرت مصادر بالحكومة الألمانية: أنه ينبغي وجود ثلاثة معايير حتى تتمكن الحكومة من نزع الجنسية عن الألمان المنضوين في صفوف داعش، وهي أن يكون لهم جنسيات أخرى، وأن يكونوا بالغين، وقاتلوا في صفوف التنظيم. (سودويتشه تسايتونج، 4-3-2019)

     من جانب آخر، أكدت مصادر كنسية سورية أن "الشائعات حول مصير مؤسس رهبنة دير مار موسى الأب باولو دالّوليو، تبدو هذه المرة جديرة بعدم رفضها كأخبار لا يُعتمد عليها، لأنها تستند الى إفادات رهائن أكراد تمكنوا من الخروج أحياء من الأراضي التي لا تزال بأيدي داعش"، وأضافت: أن "هؤلاء الرهائن أكدوا أنهم رأوا الأب باولو على قيد الحياة، إلى جانب رهائن آخرين، من بينهم الصحفي البريطاني جون كاتلي وممرضة الصليب الأحمر النيوزيلندي". (آكي، 4-3-2019)

     وبموازاة قرب القضاء على تنظيم داعش  شرق الفرات، قال مصدر عسكري في غرفة عمليات ريف حمص الشرقي:  إنَّ وحدات من الجيش وبالتعاون مع القوات الرديفة على وشك أن تبدأ عملية عسكرية في بادية السخنة بأقصى ريف حمص الشرقي، تهدف إلى تمشيط تلك المحاور والجيوب من مسلحي داعش وضبط تحركاتهم والبحث عن أي أوكار محتملة للتنظيم. (الوطن، 2-3-2019)

     يأتي ذلك، في وقت أعلن فيه رئيس مركز التنسيق الروسي في قاعدة "حميميم" الفريق سيرغي سولوماتين، أن الولايات المتحدة الأميركية تواصل منع خروج المهجرين السوريين القاطنين في "مخيم الركبان"، وقال: إن "الولايات المتحدة رفضت الاستجابة لنداء مقر التنسيق المشترك بين الهيئات في روسيا وسورية لتنظيم عودة وإقامة اللاجئين والسماح بمرور قوافل النقل إلى منطقة التنف لنقل المهجرين السوريين من داخل مخيم الركبان". (روسيا اليوم، 2-3-2019)

     وفي الشأن ذاته، قال متحدث باسم الخارجية الاميركية: "إنَّ الولايات المتحدة تؤيد دعوة الأمم المتحدة لإيجاد حل مستدام لمشكلة الركبان وفقاً لمعايير الحماية وبتنسيق الجهود مع كافة الأطراف المعنية، غير أنَّ المبادرات الروسية التي تنفذ من جانب واحد لا تفي بهذه المعايير"، وأكد استعداد واشنطن والأمم المتحدة "لجهود منسقة لضمان المغادرة الآمنة والطوعية والواعية لمن يرغبون في ذلك". (روسيا اليوم، 2-3-2019)

    على خط مواز، قال وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي: إن هناك محادثات أردنية أميركية روسية بشأن كيفية عودة سكان مخيم الركبان للنازحين إلى قراهم ومدنهم داخل سورية، التي تحررت من قبضة تنظيم داعش، وأضاف: أن "مخيم الركبان هو مخيم للنازحين السوريين على أرض سورية، وبالتالي فهو قضية سورية وأممية وليس قضية أردنية"، وشدد على أن الحل الوحيد لقضية الركبان يكمن في عودة قاطنيه إلى مناطقهم، ذلك أن المخيم يوجد في منطقة صحراوية، لم يحدث أن شهدت وجوداً مجتمعيّاً منظماً. (سكاي نيوز عربية، 2-3-2019)

     وعادت موسكو ودمشق، لتؤكدا أن الاحتلال الأميركي يواصل عرقلة خطوات غير مسبوقة تتخذها الحكومة السورية لحل مشكلة "مخيم الركبان"، وجاء في بيان مشترك للهيئتين التنسيقيتين الروسية والسورية لشؤون عودة اللاجئين: أن الأميركيين عبر ممارساتهم "غير البناءة" يواصلون عرقلة خطوات غير مسبوقة تتخذها الحكومة السورية لحل مشكلة مخيم الركبان وإجلاء قاطنيه،  ما يؤدي لسقوط مزيد من الضحايا وتفاقم معاناة السوريين المحتجزين قسراً في منطقة الـ55 كيلومتراً في التنف، الخاضعة للاحتلال الأميركي.

     ودعا البيان واشنطن لترك الشعارات الشعبوية جانباً والشروع في الخطوات العملية المتمثلة في إخلاء سبيل سكان"الركبان" وضمان حقهم في الخروج الحر إلى ديارهم وضمان سلامة القوافل الإنسانية، وحثّ الأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى على كسر صمتها واتخاذ موقف واضح لتخفيف معاناة النازحين السوريين. (روسيا اليوم، 6-3-2019)

     كما أشار البيان إلى أن الأسئلة الأميركية التي سلمت إلى الجانب الروسي، والتي تزعم واشنطن أنها دون إجابة تحمل طابعاً استفزازياً بحتاً، وتهدف إلى إرباك المجتمع الدولي والتشكيك بالإجراءات التي تتخذها روسيا وسورية للوصول إلى تسوية لقضية «الركبان"، وأوضح البيان أن الحكومة السورية كانت قد أعطت إجابات لا لبس فيها عن معظم هذه الأسئلة. (سبوتنيك، 6-3-2019)

التعليق:

      أكّد الباحث في الشأن السياسيّ، الدكتور أحمد الدرزي، أنَّ جملة الأحداث والتصريحات المتبادلة بين الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة في شرق البلاد، ما زالت تعبر عن طبيعة المأزق الكبير الذي يمر به الجميع، ويغيب عن المشهد ظاهريّاً، دمشق التي اعتمدت الصمت، ريثما تتبين نتائج الصّراع السياسي بين كل القوى الفاعلة، بالإضافة إلى "مجلس سورية الديمقراطية –مسد" التي تشكل الفاعل السياسي الأبرز في شرق البلاد .

     وأوضح الدرزي، أن أوراق القوة تتوزع بين الأطراف الدولية والإقليمية تبعاً للموقع الجيوسياسي لكل بلد من البلدان، وقدراته الاقتصادية والعسكرية، وهي أوراق متداخلة لأبعد الحدود، ويصعب حتى الآن فك خيوطها المتشابكة في المصالح المباشرة، والرؤى المستقبلية لسورية، التي تخفي في خلفيتها تطورات ومآلات الصراع الدولي الكبير، ومحاولات ملء الفراغ التدريجي الناجم عن الانحسار الأمريكي القسري، بفعل عوامل الصراع الداخلي في الولايات المتحدة بين تيارين مختلفين حول رؤيتهما لمستقبلها، والصعود الكبير لقوى دولية وإقليمية تنازعها على موقعها وحصصها .

     وأردف، من الواضح حتى الآن تشدد الموقف التركيّ الذي يستخدم احتياجات المصالح الأميركية والروسية له وتشابكها، وهو يستخدم أوراقه بذكاء وإصرار كبير لتحقيق مشروع الميثاق الملِّي لتركيا عام ١٩٢٠، وتعتمد أنقرة على إمكانية تحويل جذب كل من موسكو وواشنطن لها، إلى إقرار  روسيّ أميركيّ بأولويتها بالفوز بالملف السوريّ، بعد أن تحقق الجزء الأكبر من المصالح الروسية في سورية، وهي تراهن على القبول الروسيّ والأمريكيّ بالاستحواذ على أهم منطقة في الشمال السوريّ، كما حصل في مناطق جرابلس والباب وعفرين، وبالمقابل فإن الموقف الإيرانيّ يبدو أكثر تبايناً عن الموقف الروسيّ والتركيّ والأميركيّ، وأكثر قرباً من دمشق وبما يحفظ وحدة الأراضي السورية واستقلالها، وهو يدرك تمام الإدراك أنَّ معركة الشمال السياسية وتبعاتها، قد تكون على حساب إيران وسورية،  كما تعرف إيران أنَّ "حزب الاتحاد الديمقراطي"، والذي يشكل العمود الفقري لـ"قوات سورية الديمقراطية – قسد" و"مسد" يمكنه أن يلعب دوراً أساساً في ترجيح كفة الصراع نحو دمشق، ومن هنا تأتي التصريحات الإيرانية المتتابعة، بدءاً من الرئيس حسن روحاني الذي دعا في قمة سوتشي للقبول بدور الكرد السوريين في صياغة مستقبل سورية كشركاء، وكجزء أصيل من الشعب السوري، وتدرك إيران تمام الإدراك أنَّ نجاح أنقرة بالتفاهم مع موسكو وواشنطن حول "المنطقة الآمنة"، سيجعل من دمشق وطهران وبغداد في موقع الخسارة الكبرى ولمصلحة "إسرائيل" الصامتة عن كل ما يجري، وتترقب نتائج تطورات شرق البلاد، حتى تبني على الشيء مقتضاه  .

     ورأى الباحث الدرزي، أن "حزب الاتحاد الديمقراطي" يبقى الطرف الأضعف حتى الآن في معادلات شرق البلاد، وقد تغيرت به الأحوال بعد الإنقلاب الأميركي الذي كان يتوقّعه هذا الحزب في المحصلة، لكن كان يخفى عنه توقيته، وهو يدرك تمام الإدراك حجم المخاطر المحدقة به، حيث تتنامى العداوة له في البيئة العربية المحيطة به، والبيئة الكردية الداخلية السورية العراقية، وهو ما زال يراهن على إمكانية اللقاء بدمشق وإجراء حوار معها، وقد بقيت لديه ورقة قوة وحيدة يستطيع  بوساطتها أن يحافظ على وجوده، وينال دوراً مهماً في الحياة السياسية، وبخاصّةٍ في شرق البلاد، وهذه الورقة تأتي من إدراكه أنَّ مصير الكرد السوريين ومصير دمشق متعلق ببعضهما البعض، ولابد من لقائهما، وهم في الوقت نفسه ينتظرون المبادرة من دمشق التي لم تقطع علاقتها معهم حتى الآن .

     وأكد على أن المأزق الدوليّ والإقليميّ شرق البلاد، لا أفقَ زمنياً محدداً له، ووحده دخول الجيش العربيّ السوريّ إلى المنطقة، وتمركزه على الحدود السورية التركية، سيربك الجميع ويعيد خلط الأوراق لمصلحة سورية، وبالتأكيد فإن دخوله مرحب به من غالبية القوى العربية والكردية والسريانية في شرق البلاد.

    

ملف الشمال:

     واصل الجيش العربي السوري، الأسبوع الفائت رده على خروقات تنظيم "جبهة النصرة" الإرهابي والمليشيات المسلحة التابعة له، لـ"اتفاق إدلب" وقضى على العشرات من مسلحيه ودمر عتادهم، بينما واصلت "النصرة" تخبطها إثر حرب تصفيات شنها مجهولون ضدها في مدينة إدلب.

     وعلى خلفية خروقات الإرهابيين لاتفاق إدلب، قال مصدر مسؤول في وزارة الخارجية والمغتربين: إن "الجمهورية العربية السورية إذ تعرب عن إدانتها الشديدة للسلوك الإجرامي المستمر للمجموعات الإرهابية وخروقاتها الدائمة لاتفاقيات خفض التصعيد تؤكد على الجاهزية العالية والتامة للجيش العربي السوري في التصدي لهذه الجرائم والخروقات وعلى أنها لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه هذه الجرائم"، وشدد على أن سورية "لن تسمح للإرهابيين ومن يقف وراءهم بالتمادي في اعتداءاتهم على المواطنين الأبرياء وقوات الجيش"، وأكد على حقها في الدفاع عن سيادة ووحدة أراضي الجمهورية العربية السورية وسلامة مواطنيها على كامل التراب السوري. (سانا، 3-3-2019)

     في غضون ذلك، أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على "أهمية الحيلولة دون تعزيز الوجود الإرهابيّ تحت ستار وقف إطلاق النار الذي تم الاتفاق عليه مع تركيا"، وأضاف: إن "بنود الاتفاق التي تنص على إعلان إدلب منطقة منزوعة السلاح، وسحب جميع العناصر الراديكالية والأسلحة الثقيلة منها، لم تنفذ بالكامل حتى الآن"، وحذّر من أنه بالرغم من تحقيق استقرار ملحوظ على الأرض في سورية، والقضاء على تنظيم داعش، من السابق لأوانه الحديث عن زوال خطر الإرهاب عن سورية نهائياً، مشيراً إلى ضرورة بذل جهود كبيرة لتحييد الخلايا النائمة التابعة للتنظيمات الراديكالية.

     وشدد على أن صيغة أستانا أثبتت فاعليتها، وقال: "نتيجة للقرارات التي تبنتها الاجتماعات الدولية حول سورية في "أستانا"، تم إعلان مناطق "خفض التصعيد" في البلاد، وانخفض مستوى العنف بشكل ملموس، وتهيأت الظروف لعودة اللاجئين والنازحين"، وتابع: "وبناء على مخرجات مؤتمر الحوار الوطنيّ السوريّ في سوتشي الذي عقد بمبادرة "ثلاثي أستانا" أيضاً، انطلقت العملية السياسية بين السوريين"، مشيراً إلى أن روسيا تواصل العمل بنشاط مع شركائها الإيرانيين والأتراك على تنفيذ مقررات مؤتمر سوتشي.

     وشدد لافروف على أن الوضع "استقر بشكل ملحوظ" في سورية بفضل العمليات الناجحة للجيش العربي السوري بدعم من القوات الجوية الروسية في مواجهة التنظيمات الإرهابية، لكن من السابق لأوانه الحديث عن القضاء التام على التهديدات الإرهابية في سورية فما زال هناك الكثير الذي يتعين القيام به لتحييد خلايا التنظيمات الارهابية النائمة". (كونا، 3-3-2019)

     على صعيد متصل، ترددت أنباء عن نية أنقرة إجراء عمليات تغيير لأدواتها في المناطق التي تحتلها في شمال البلاد، تحت تسمية "سلطة مدنية" جديدة، أشارت إليها استقالة رئيس ما يسمّى "الحكومة المؤقتة" جواد أبو حطب التابعة لـ"الإئتلاف" المعارض، ولفتت التقارير إلى تزامن استقالة أبو حطب مع الحديث عن نية تركيا "تنظيم المنطقة الممتدة من ريف حلب الشمالي إلى إدلب بإدارة مدنية واحدة بعد حل عقدة ما يسمى "حكومة الإنقاذ" والمشاكل المتعلقة بها كونها متهمة بتبعيتها لـ "هيئة تحرير الشام"، الواجهة الحالية لـ"النصرة".

     ويذكر أنه منذ المرحلة الأولى التي تلت دخول الاحتلال التركي إلى مناطق ريف حلب الشمالي، عن طريق المشاريع وما يسمى "الإدارات المدنية" التي شكلتها في عدة بلدات وقرى، أُعطيت "المجالس المحلية" التي تتبع لتركيا هناك صلاحيات فردية بعيدة عن "المؤقتة"، وكان لها ارتباط مباشر بتركيا، وأكدت، أن سلطة "المؤقتة" كانت "شكلية"، فكل "مجلس محلي" أتيحت له صلاحيات فردية بعيداً عن "المؤقتة"، تمكن من خلالها إبرام العقود مع الولايات التركية، سواء بمواضيع الخدمات أو المشاريع التي دخلت بموجبها شركات تركية المنطقة (كهرباء، إنشاءات، إعادة إعمار، طرق واتصالات)".

     هذا، وعلى مدار العامين الماضيين تمكن النظام التركي من ربط "الإدارة المدنية" في ريف حلب الشمالي وعفرين بشكل مباشر بالولايات التركية، إذ تتولى ولاية لواء اسكندرون السليب الأمور الخاصة بعفرين، بينما ولاية غازي عنتاب ترتبط بإدارة قرى وبلدات الريف الشمالي لحلب من اعزاز إلى مدينة الباب.

     في هذه الأثناء، أعلنت الناطقة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، أن موسكو تتطلع إلى إحداث انعطاف جذري في وضع منطقة إدلب نتيجة مشاورات العسكريين الروس والأتراك، وقالت: "الوضع الحالي في سورية، بشكل عام، يمكن تقييمه بأنه مستقر. وتبقى بؤر التوتر الرئيسة قائمة في محافظة إدلب، في شمال شرق سورية وجنوبها والوضع خطير للغاية في منطقة خفض التصعيد بإدلب".

     وأضافت قائلة: "في ظل هذه الظروف، واصل ممثلوا وزارتي الدفاع في روسيا وتركيا عملهم للتوافق على مجموعة من التدابير من أجل التنفيذ الفعال والكامل لمذكرة سوتشي المؤرخة في 17 أيلول 2018، وأكدت زاخاروفا أن روسيا تتطلع إلى أن يؤدي تنفيذ الاتفاقات التي تم التوصل إليها بين العسكريين، إلى انعطاف واستقرار الوضع في إدلب وحولها، وكذلك إلى تحييد التهديد الإرهابي القادم من هناك. (نوفوستي، 7-3-2019)

     من جانبه، وفي سياق متصل، أعلن وزير الدفاع التركي، خلوصي آكار، أن تركيا وروسيا بدأتا الجمعة عملية مشتركة لتسيير دوريات في إدلب في إطار اتفاق سوتشي بين الطرفين، وقال: إن "الدوريات التركية والروسية في محيط إدلب تعد خطوة هامة لحفظ الاستقرار ووقف إطلاق النار"، وبيّن أن دوريات روسية تنطلق في المنطقة الحدودية بمحيط محافظة إدلب السورية وأخرى للقوات المسلحة التركية في المنطقة منزوعة السلاح التابعة للمحافظة، وأضاف: "ننسق مع روسيا وإيران بشأن إدلب، وتفاهم سوتشي أسهم في منع كارثة إنسانية كبيرة"، وتابع: "أكبر شكوى لدينا من النظام خرقه لوقف إطلاق النار.. ننتظر منهم الالتزام به، ونطلب من الروس إيقاف النظام في إدلب".

     وشدد على أنه "إذا استمرت الهجمات وبدأت الهجرة فإن لجوء 3.5 ملايين شخص لن يكون فقط إلى تركيا وأوروبا وإنما إلى الولايات المتحدة أيضاً"، وأوضح في هذا السياق: "لا يوجد أي تواصل لنا مع النظام السوري وتواصلنا قائم مع روسيا وعند الضرورة مع إيران". (الأناضول، 8-3-2019)

     من جهته، أشار رئيس لجنة الأمن القوميّ والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني، حشمت الله فلاحت بيشة، إلى أن محافظة إدلب فيها 100 ألف من الإرهابيين المتطرفين، ولذلك فإن منطقة شمال غرب سورية التي تشكل ما بين 10 إلى 15 بالمائة من الأراضي السورية تواجه مشاكل جمة، وأكد ضرورة حل مشاكل هذه المنطقة سياسيّاً، لأنها ستواجه كارثة إنسانية لو اندلعت الحرب فيها. (إرنا، 8-3-2019)

التعليق:

    تمكنُ على أساس التصريحات الروسية والتركية والايرانية الواردة بخصوص الوضع في شمال إدلب في منطقة خفض التصعيد التي نصّ عليها اتفاق سوتشي ملاحظة تراجع من قبل حلفاء سورية روسيا وإيران بخصوص التحضيرات لعملية عسكرية مرتقبة لاجتثاث التنظيمات الإرهابية والمليشيات المسلحة التابعة لها من المنطقة.

    ولعلَّ تركيا نجحت في ترويض الموقف الروسيّ ودفعته للتراجع عن شن عملية عسكرية واسعة في المنطقة، وكسبت أنقرة المزيد من الوقت، عبر الدفع باتجاه تنفيذ الخطوة الثانية من اتفاق إدلب الموقّع بين الرئيسين الروسي فلاديمر بوتين والتركيّ رجب طيب أردوغان، ذلك على أساس الإعلان عن تسيير دوريات روسية وتركية داخل المنطقة العازلة التي نصّ عليها الاتفاق من قبل تركيا بموازاة تسيير دوريات روسية بمحيطها.

    ويمكن تفسير التراجع الروسي على أنه مرتبط بإعادة أنقرة الى صف موسكو في مواجهة التراجع الأميركي عن قرار الانسحاب من شمال شرق البلاد، ومن جانب آخر  قد يكون الأمر مرتبطاً برسائل روسية إلى دول الخليج وبخاصّةٍ (الإمارات والسعودية) بأن تركيا ستواصل لعب دور أكبر في سورية في حال بقيت مرتهنة للموقف الأميركي الذي يمنعها من التطبيع مع دمشق.

     ومن اللافت أيضاً، مواصلة تركيا تهديد أوروبا بورقة اللجوء في حال شن أي عملية عسكرية لطرد التنظيمات الإرهابية من إدلب، وهذا الأمر هدفه التأثير في الموقف الأوروبي بخصوص "القوة المشتركة" التي طلبت واشنطن من حلفائها الأوربيين المشاركة فيها على أن تكون مهمتها القادمة ضبط "المنطقة الأمنية" المزعومة، والتي تسعى واشنطن لإقامتها شمال البلاد.

     أما بالنسبة إلى الموقف الإيراني الذي ينخرط بشكل ما مع الطروحات التركية، فلعلَّ إيران ترغب بالحفاظ على ودية علاقتها مع تركيا من جهة، ومن جهة ثانية ترسل إشارات بأنها قد لا تشارك في العملية العسكرية على إدلب في ما لو اتخذ قرار البدء بها.

 

سيريا ديلي نيوز - مركز دمشق للأبحاث والدراسات "مداد"


التعليقات