لم تفلح الإدارات المتعاقبة والتغيير الذي طال الجهة المعنية بقطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة خلال فترة العقدين الماضيين في إرساء أسس لدعم وتطوير هذا القطاع، أو على الأقل استكمال المنظومة المؤسساتية الضرورية لتمكين هذه المشروعات من التوسع في الإنتاج والتشغيل، والانتقال به من حالة الفوضى والعشوائية إلى قطاع منظم، ولاسيما بعد تعرض الاقتصاد السوري خلال المراحل السابقة إلى خضات متتالية، وضرورة العمل على تحسين واقعها المتردي والاستفادة من تنمية الطاقة الإنتاجية لتحقيق الاستثمار الأمثل للموارد الطبيعية والبشرية المتاحة فيه.

لعل أولى الإشكاليات التي حدت من نمو وازدهار القطاع أن هذه المشروعات خلال سنوات الأزمة وما قبلها، لم تحقق شروط الجدارة الائتمانية التي تتطلبها المصارف عادةً؛ مما جعلها بعيدة عن التمويل، واستناداً إلى إحدى الدراسات التي أعدتها هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، تبين أن نحو 88% من هذه المشروعات تعتمد على المدخرات الشخصية لأصحابها، وما يعني أنها لا تستفيد من مصادر تمويل عامة أو مصرفية.

فائدة مخفضة

لكن في ظل إقرار بند تمويلي في الموازنة العامة للدولة بنحو 40 مليار ليرة لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة ضمن التوجه الداعم من الحكومة، يمكن القول إنه تم وضع اللبنة الأولى باتجاه إنعاش القطاع والتغلب على إشكالياته التمويلية، بشرط أن تستطيع الهيئة لعب دور رئيسي في رسم ملامح المرحلة المقبلة من خلال اعتمادها لبرامج ومعايير تتيح الحصول على التمويل المناسب لكل منها، وبحسب ما بينه مدير عام الهيئة إيهاب اسمندر أن الهيئة أعدت برنامجاً سيمكن أصحاب المشروعات من الحصول على التمويل من المصارف المشاركة فيه، كما ستقوم بدور منسق رئيسي للعلاقة مابين المصارف وأصحاب المشروعات المستفيدة من جهة، على أن تتحمل نسبة من الفوائد المطبقة على القروض من جهة أخرى، لتقديمه بالحد الأدنى لصاحب المشروع، وبالتالي يكفل البرنامج تقديم فرصة لاستثمار أموال المصارف وتوسيع شرائح المستفيدين وارتفاع أعدادهم؛ مما ينعكس إيجابياً على العمل المصرفي، كاشفاً أن نسبة تحمل الهيئة لا تقل عن 50% حتى الآن؛ كون القرار لا يزال قيد الدراسة، وسيكون هناك تخفيض على الفائدة المطبقة للقروض الممنوحة ضمن البرنامج بما لا يقل عن 20 إلى 30% من الفائدة المطلوبة في المصارف للقروض التقليدية، وبالتالي يضمن المشروع تخفيض الفائدة إلى مادون 70%، منوهاً إلى أن الاتفاقات لا تزال جارية لتحديد المصارف الداخلة ضمن برنامج التمويل، كما سيكون لوزارة الصناعة والشؤون الاجتماعية والعمل والزراعة بإشراف وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية دور في تحديد المشروعات التي يمكن أن تستفيد من هذا البرنامج.

معايير محددة

وتتصدر المشروعات المستفيدة من البرنامج، تلك المشاريع التي تقدم منتجات مطلوبة في السوق السورية أو المستوردة حالياً للحد من استيرادها، أو لها منتجات يمكن أن توجه نحو التصدير، كما يمكن تمويل المشروعات التي تعمل في معالجة المخلفات الزراعية ومعالجة النفايات، ومشروعات الطاقات المتجددة، والمخولة بإنتاج تكنولوجيا عالية المحتوى، كما سيتم توجيه الدعم بشكل رئيسي إلى المشاريع المتعثرة التي تضررت خلال الحرب، والمشروعات التي ستنفذ في المناطق الفقيرة وتقدم فائدة حقيقة، أو التي تعاني من مشكلات اقتصادية كالبطالة وضعف الدخل.

تحديد الاحتياجات

ولفت اسمندر إلى أنه يجب على المستفيدين من البرنامج، أن يكونوا مسجلين ضمن برنامج التسجيل في الهيئة، والذي يتضمن معلومات عن صاحب المشروع وآلياته، وعن طبيعة الإنتاج وأهم الصعوبات التي تواجهه، وكيفية تصريف منتجاته، حيث تتمكن الهيئة بناء على هذه الوثائق من دراسة واقع المشروعات وتحديد احتياجاته بدقة، وبالتالي تقديم الحلول المناسبة لمعالجة إشكالياته سواء عن طريق تأمين اليد العاملة الخبيرة أو تمويلها، أو العمل على الترويج لها من خلال مشاركتها ضمن معارض تسويقية، مع الإشارة هنا إلى أن آلية التسجيل غير مقعدة، ويمكن لأصحاب المشروعات التسجيل لدى الهيئة أو فروعها في المحافظات أو عبر موقعها الإلكتروني.

سقوف مرتفعة

وبين اسمندر أن تمويل المشروعات متناهية الصغر سيتم من إحدى مؤسسات تمويل الصغير، كبنك الإبداع أو المؤسسة الوطنية أو الصندوق الوطني للمعونة الاجتماعية والذي يقدم قروضاً بسقف يصل إلى ثلاثة ملايين ليرة، أما المشروعات الصغيرة والمتوسطة والتي تنطبق عليها المعايير المعتمدة وتحقق شروط الجدارة الائتمانية، فسيتم منحه وثيقة الجدارة وتمويله من المصارف المشاركة في برنامج التمويل بالفائدة المدعومة، بسقوف مرتفعة قد تصل إلى 300 مليون ليرة، مشيراً إلى أنه يمكن أن يتم منح قروض متلاحقة وكأنها أجزاء من قرض كبير بحسب حاجة المشروع، ويحق للهيئة بموجب برنامج التمويل والتسجيل متابعة المشروعات بشكل دائم طيلة فترة سداد القرض وما بعده، وذلك حرصاً على سلامة هذه المشروعات واستمرارها ولتحقيق الغاية منها.

ابدأ مشروعك

وفي ذات السياق أشار اسمندر إلى أن الهيئة تعمل على برامج أخرى، كبرنامج “أبدأ مشروعك” الذي يكفل تقديم فرص حقيقة لأصحاب الاختراعات والابتكارات وتحويلها إلى مشاريع واقعية، بالإضافة إلى تشبيك ووصل هؤلاء المخترعين مع أصحاب المشكلات الصناعية لمحاولة حلحلة تلك الإشكاليات.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات