أكدت وسائل الإعلام الروسيّة والسوريّة أنَّ الدفاعات الجويّة السوريّة "صدّت" الهجوم الذي شنّته "إسرائيل" يوم الأحد. ووفقاً للمتحدث باسم مركز إدارة الدفاع الوطنيّ الروسيّ، استخدم السوريون أنظمة الدفاع الجويّ بانتسير وبوك. وقد وجّهت "إسرائيل" ضرباتٍ على منظومة دفاع بانتسير ردّاً على ذلك يوم الاثنين. ولكن، لماذا لم تكن منظومة S-300، التي منحتها روسيا لسوريّة في أيلول/سبتمبر، هي التي استخدمتها دمشق؟
إنَّ الهدوء المستمر الذي يخيّم على قاذفات الـ S-300 هو لغز محيّر يعزز الصّراع المظلم والفتاك الذي يتكشّف في السماء السورية. في أواخر أيلول/سبتمبر، أعلنت روسيا أنها ستعطي "النظام" السوريّ منظومة S-300 عقب إسقاط الدفاع الجويّ السوريّ لطائرة روسية من طراز (Il-20) عن طريق الخطأ.
في الثاني من تشرين الأول/أكتوبر، أعلنت روسيا أنها أتمّت تسليم صواريخ S-300. وقد تم إرسال 49 وحدة من "المعدات، بما في ذلك الرادارات، وعربات للتحكم وأربع قاذفات"، بحسب وزير الدفاع سيرغي شويغو.
كما تمَّ إرسال منظومات حربيّة إلكترونيّة جديدة إلى سورية، بما في ذلك منظومات مصمّمة لمراقبة "منطقة قريبة" على بعد 50 كم من المنظومة ومنطقة بعيدة على بعد "200 كم" من المنظومة والتي من شأنها أن تحمي من الهجمات الإسرائيليّة، وفقاً لتقريرٍ نشره معهد (Janes) للدراسات الأمنيّة والعسكريّة.
منذ نشر منظومة S-300، كان هناك فجوة في الهجمات بين تشرين الأول/أكتوبر وأواخر كانون الأول/ديسمبر. ومع ذلك، كانت الدفاعات الجويّة السوريّة في حالة تأهب، وقيل: إنه قد تم التشويش على راداراتها في 30 تشرين الثاني/نوفمبر. وقد أدى ذلك إلى [خلق] تكهنات بأن الدفاع الجويّ السوريّ قد تمّ اختباره عدّة مرّات ما بين تشرين الأول/أكتوبر وكانون الأول/ديسمبر.
لقد أبلغت وسائل الإعلام السورية عن غارة جوية في 25 كانون الأول/ديسمبر ثم في 12 كانون الثاني/يناير. وتقول سورية: إنها تمكنت من إسقاط صواريخ إسرائيلية في 12 كانون الثاني/يناير. ولكن، يبدو أن بطاريات S-300 الثلاث ظلت في حالة سُبات. هناك جزء من قصة الـ S-300 يمكن إدراكه، بحسب تقارير وسائل الإعلام الروسية، التي أكدت أن سورية لم تستخدم [منظومة S-300] أو أشارت إلى استخدام منظومات قديمة أخرى.
هل سبب ذلك هو أنَّ السوريين غير مُدرَّبين على المنظومة؟ أشارت وسائل الإعلام السوريّة إلى أنَّ الكتائب الثلاث لمنظومتي S-300  وPMU-2 جميعها كانت نشطة في أوائل تشرين الثاني/نوفمبر. وأشار تقرير إلى أن "الأخصائيين التقنيين الروس أتموا إعادة تشكيل المنظومة ليستبدلوا رموز الحروف الروسية والترددات بما يتوافق مع رموز الحروف وتردّدات الرادارات السورية".
 لاحظ مراقبون للشأن السوريّ أنَّ القضيّة ليست عدم فعالية S-300. إذ يشير أحد الخبراء الذين يغرّدون على تويتر الذي يُعرف باسم توم كات (@TomTheBasedCat) إلى أنَّ «أولوية [الدفاع الجويّ السوريّ] هي اعتراض غالبية المقذوفات لتقليل الخطر على المدنيين في الضواحي المحيطة». في هذا التحليل، يبدو أنَّ هدف سورية ليس "استخدام الدّفاع الجويّ لضرب الطائرات الإسرائيليّة".
مع ذلك، انحرفت المقذوفات الدفاعيّة السوريّة تجاه "إسرائيل" في وقت سابق. وفي آذار/مارس 2017، أُطلق صاروخ من طراز S-200 وتمّ اعتراضه فوق وادي الأردن بصاروخ آرو. وكانت هناك طائرة من طراز F-16 عائدة من غارة جوية، تمّ تعقبها بواسطة صاروخ من نوع S-200 في شباط/فبراير وتحطمت في شمال "إسرائيل". وكذلك تم استهداف صاروخ سوريّ متجه نحو "إسرائيل" من قبل الدفاع الجويّ الإسرائيليّ في 26 كانون الأول/ديسمبر.
والآن، بوجود منظومة S-300 في سورية، السؤال هو لماذا لم تُستخدم؟ يشير توم كات إلى أن «منظومة الـ S-300 هي للدفاع الشامل ضد أهداف جوية كالصواريخ الباليستية وطائرات العدو، وليس لغاية الدفاع عن نقطة محددة[1] كما حصل ليلة [11 كانون الثاني/يناير] وفي المرات السابقة». في هذا التحليل، لا تستخدم الدفاعات الجوية السورية منظومة S-300 لأنها ليست المنظومة المناسبة لإيقاف هذا النوع من التهديد المتضمن. «سوف تتغير قواعد اللعبة عندما يتم تحريك S-300 نحو الجنوب، لأن المنظومة حينها ستتعقب وتستهدف الطائرات بشكل فعلي» بحسب ما غرّد الخبير في 13 كانون الثاني/يناير.
وتكهّن آخرون بأن المكلفين باستخدام منظومة S-300 غير مُدَربين بالكامل، وأنهم سيكونون جاهزين لذلك بحلول شهر شباط/فبراير من هذا العام. وهذا يتماشى مع الاتهامات عبر الإنترنت بأن منظومة S-300 لم تكن فعالة أو أنه لم يتم استخدامها بسبب المخاوف من عدم عملها بالشكل المخطط له، إذ سيكون ذلك إحراجاً لـ "النظام" السوريّ وحليفه الروسيّ الذي وضع بعضاً من عظمته على المحك، بسبب تزويده لسورية بمثل هذا المنظومة لردع الضربات الجوية.
وهناك جانب مهم آخر فيما يتعلق بمنظومة الـ S-300 يرتبط بالعلاقات العامة وبقوة الردع التي تشكلها. بعد ملابسات الضربة الجوية في كانون الأول/ديسمبر، تبنت "إسرائيل" الضربات الجوية التي وقعت في 12 و20 كانون الثاني/يناير. حتى أن رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي السابق غادي إيزنكوت قال في مقابلة معه إن "آلاف الأهداف" قد ضُرِبَت «في عام 2018 فقط، أسقط سلاح الجو 2000 قنبلة على سورية، وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز. يبدو أن هذا يثير مخاوف جدية بشأن الدفاع الجوي السوري و"عدم قدرته" على ردع الضربات أو اعتراضها أو استخدام تكنولوجيا جديدة أكثر تطوراً.
يكرر الإعلام السوري الحكومي "مزاعم" اعتراض الصواريخ الإسرائيلية مراراً وتكراراً. وتلعب وسائل الإعلام الروسية هذه اللعبة أيضاً، إذ ادّعت وكالة "تاس" في 20 كانون الثاني/يناير أنه تم اعتراض سبعة صواريخ موجهة من الطيران الإسرائيلي. وذلك بهدف إظهار أن منظومتَي بوك وبانتسير تقومان بعملهما. ومع ذلك، فإن إشارة الاستفهام حول منظومة S-300 لا تزال قائمة.
عندما نُشِرَت المنظومة الصاروخية S-300، تم تصويرها على أنها ستُغيّر قواعد اللعبة. لكن وكالة رويترز ذكرت في عام 2015 ومجدداً في تشرين الأول/أكتوبر 2018 أنَّ "إسرائيل" أجرت تدريبات [عسكرية] ضد منظومة S-300 في اليونان.
تراقب الدول الإقليمية [ما يجري]، وكذلك القوى الدوليّة، لأنَّ الصّراع السوريّ ليس مجرد صراع، بل هو اختبار لمنظومتين دفاعيتين وحربيتين مختلفتين، فإحداهما في "إسرائيل" وهي مرتبطة بالتكنولوجيا المتقدمة والصناعة الدفاعية لـ "إسرائيل" والغرب، والأخرى مُقدمة من روسيا. إن أصداء الحرب الباردة –عندما دخلت التكنولوجيا الممنوحة من الغرب للقوات الإسرائيلية في صراعها مع الجيش السوريّ في الأعوام 1967 و1973 و1982– تطغى على ما سيأتي لاحقاً.


[1]الدفاع الشامل بالمفهوم العسكري هو دفاع عن منطقة واسعة بغض النظر عن الأهداف التي يتم استهدافها، أما الدفاع عن نقطة فهو دفاع عن نقطة معينة فقط دون تدخّل بالمناطق الأخرى التي يتم استهدافها. فعندما يكون الهجوم على دمشق دون تحديد أي هدف معين يتم الدفاع بطريقة الدفاع الشامل، بينما يكون الدفاع عن نقطة عندما يستهدف الهجوم مكاناً معيناً بحد ذاته ولا تتدخل الدفاعات الخاصة بالدفاع الشامل. [المترجم]

مركز دمشق للأبحاث والدراسات "مداد"

ترجمة محمود حرح

سيريا ديلي نيوز


التعليقات