قال مؤسس شركة علي بابا الشهيرة، وأغنى رجل في الصين جاك ما ” إذا وضعت أمام القرود بعض الموز وبعض النقود، فإن القردة سيختارون الموز، وتفسير ذلك أن القردة لا تعرف أنه بواسطة النقود يمكن شراء الكثير والكثير من الموز.
وبالتالي.. إذا قمت بعرض وظيفة و مشروع على الناس، فإن أغلبهم سيختارون الوظيفة، لأن أغلب الناس لا يعلمون أن المشروع يمكن أن يوفر المال أكثر من المرتب الذي يتقاضونه من الوظيفة.
إن أحد الأسباب كون الفقراء يعيشون الفقر والحاجة، هو أن الفقراء ليسوا مدرّبين على التعرّف على الفرص في مجال الأعمال واقتناصها.
فالناس يقضون الكثير من الوقت في المدرسة، حيث يتعلّمون فيها أن يعملوا ويجتهدوا من أجل مرتّب شهري.. لا أن يعملوا من أجل أنفسهم.. فالربح والفائدة من العمل على مشروعك أو شركتك هو أكثر وأفضل من المرتّب الذي بالكاد يضمن لهم الحياة.. ولكن الأرباح من مشروعك الخاص أو شركتك يمكن أن يحقق لك ثروة”.
بالفعل لا تقوم التنمية عادةً على مجرّد الحكومات، خصوصاً في البعد المجتمعي بتشعّباته الكثيرة والمتداخلة، فثمة مسؤوليات أخرى يتوزعها الجميع، من اتحادات وهيئات ومنظمات المجتمع الأهلي، إلى قطاع الأعمال بفعّالياته وشخوصه، وصولاً إلى المواطن المعني أولاً بالخروج من “عنق زجاجة” الأحوال المعيشيّة، والنجاح باستثمار موجودات بيئته.

بالنسبة لنا نحن السوريين بتنا اليوم فعلاً على بوّابة الانفراج الحقيقيّة.. وهذا ليس طرحاً تعبوياً، بل ثمة وقائع تتسارع في الميدان وفي أروقة السياسة، تؤكّد أن ثمة أفقاً آخر مشرق لبلدنا، ستوافينا بملامحه البيضاء السنة الجديدة التي شرعنا للتو بولوج فضائها الرحب، بكل ما يحمل لنا، نحن السوريين، من مخارج خلاص بعد حرب السنوات الثماني.

ولعلّنا سنجد أنفسنا قريباً أمام جردة حساب عفويّة في دفاتر الخسائر، سنتولاها فرادى كمواطنين، وهي حالة ليست خارجة عن المألوف بالنسبة لمواطن ضحّى وصبر ونافح بكل ما يملك عن سيادة بلده.

إلّا أن لائحة المهام الجديدة تملى علينا جميعاً ما يتعدّى استحضار مخزون الذاكرة المتعبة والمتخمة بصور المأساة، فهذا لن يزيدنا إلا قنوطاً وارتكاساً، حيث لا ينفعنا إلّا الإصرار على المقاربة الفاعلة لاستحقاقات المستقبل الكثيفة، فأجندتنا – دولة وأفراد – تبدو بالفعل مزدحمة إلى حدّ غير تقليدي.

ففي مثل التجربة المريرة والحرب التي خضنا جميعاً كل تفاصيلها ولحظاتها الصعبة، دروس مدفوعة الثمن، وكان ثمنها باهظاً جداً، سنكون أمام أزمة أخرى إن لم نستفد منها في إعادة ترتيب أنفسنا وأعمالنا على أسس مختلفة، ولا نظن أن أحداً يجهل ضروب السلبيّة المفرطة التي استحكمت بالمشهد الاقتصادي والاجتماعي العام لبلدنا قبيل الحرب، ولا سيما خصلة الاستهلاك التي حوّلت اقتصادنا إلى ريعي، ومواطننا إلى مستهلك وقع في غواية الهروب نحو مساحات الرخاء والترف الأجوف والمزيّف.. فباتت بطالتنا بطالة وسائل إنتاج أكثر مما هي بطالة قوى عاملة ؟؟!!

لقد أمست صفة الاقتصاد الخام تهمة غليظة، في زمن ودّع فيه العالم حقبة الغذاء الرخيص، وغدت معضلة الأمن الغذائي من أكبر التحديات التي تواجه الدول، حتى الدول الكبرى تخلّت عن مكابراتها المزمنة، وبدأت تفصح عن فاتورة إنفاق باهظة تتكبدها أمام شعوبها.

الحالة الخاميّة فعلاً تهمة قاسية بالنسبة لبلد كبلدنا، باقتصاده متنوّع الموارد والمصادر، والاتهام يتعدّى أروقة التخطيط والقرار الرسمي إلى المواطن وقطاع الأعمال، ولا سيما في المضمار الزراعي، حيث العدد الهائل من المشتغلين في القطاع، والفرص واسعة الطيف للمبادرات الخلّاقة باتجاه تحقيق قيم مضافة دسمة في الشقّين النباتي والحيواني.

ويمكن أن نلخّص الرؤية المفترضة بكلمتين اثنتين ” التصنيع الزراعي”، وهي تعني بالنسبة لبلد كبلدنا ” تحويل التراب إلى نقود”.. عبارة كفيلة بتطبيقاتها على الأرض أن تنعش مساحات مترامية، ومئات آلاف الأسر بملايين فرص العمل، وهذه ليست تهيؤات، بل حقائق لأننا بلد زراعي بامتياز، والصناعة تأتي بالمرتبة التالية، وكي تكون صناعة حقيقية ذات مخرجات رائجة في أسواق الداخل والخارج يجب أن تكون تحويلية مادتها الأولية المنتج المحلّي.

بلدنا حافل بالميزات، بعضها نسبي، والباقي مطلق، لأنه يشكل إحدى الخصوصيات السورية، لكنها ميزات مهدورة وفرص ضائعة في زحام ” وصمة الخام” التي لا بد من التخلّص منها، وبداية رحلة الاستدراك تبدأ من الأرياف وضواحي المدن، عبر المشروعات متناهية الصغر المؤسسة والمنظمة والمختصّة باستثمار ” الخصوصية السورية”.

من هذه المشروعات يمكن الانطلاق نحو صناعات أكثر وزناً.. هي تلك التي نسميها صناعات متوسطة، فما تنتظره منّا أسواق العالم هو صناعات الميزة السورية، لا صناعة برمجيات ولا منتجات اقتصاد المعرفة، ففي هذه الأخيرة حسبنا أن نحقق كفايتنا، وإن حصل فهي حدود النجاح الحقيقي.

لعلّها ثقافة الحياة الجديدة التي يجب أن تكون علمتنا إياها الحرب وطقوس الحصار ومحاولات التجويع.. فكم تغنينا بأننا بلد عصي على الحصار بإمكاناته وتنوع خيراته.. لابد أن نسعى فعلاً لأن نكون ” شبعى، بل ونطعم الآخرين”، وهذا ليس بمستحيل على بلد وشعب صمد وانتصر في أصعب أنواع الحروب وأشرسها.
 

سيريا ديلي نيوز- ناظم عيد


التعليقات