يُعَدُّ ملفُ اللاجئين من أعقد الملفات التي نجمت عن الحرب في سورية؛ نظراً لتبعاته السياسية والاجتماعية والإنسانية وحتى الاقتصادية، ولتداخل الفاعلين المحليين والإقليميين والدوليين فيه لأهداف وغايات قد تكون متناقضة إلى حدٍّ بعيدٍ.

لقد تم استثمار قضية اللاجئين كورقةٍ سياسيةٍ من قبل كافة الأطراف، بما يخدم أهداف وأغراض كلّ طرف منها، واستطاع الخارج توظيف الورقة ضد مصلحة السوريين وضد مصلحة الدولة. وتمت المتاجرة بهذه القضية علنيّاً وعلى نحوٍ واضح، فضلاً عن وجود جانب اقتصاديّ، إذ بالغت الدول المضيفة بعامّة، والمجاورة لسورية بخاصّة، بأعداد اللاجئين لديها لتحصيل دعمٍ ماليٍّ ومساعدات من الأمم المتحدة وغيرها. كما وتتعقد مشكلة الأرقام أكثر في لبنان، فالحدود شبه مفتوحة، وينتقل الناس عبر الحدود ذهاباً وإياباً، دون المرور على المعابر الحدودية دائماً! إضافة إلى وجود كم كبير من العمالة السورية في لبنان قبل الأزمة، ويبدو أن الحكومة اللبنانية عدّتهم لاجئين أيضاً لتحصيل مساعدات دولية.

وفي الحقيقة هناك خلاف اليوم على أرقام وأعداد وأماكن توزع اللاجئين السوريين في العالم. فلدى الأمم المتحدة تصوّر معلن، ولكن تقديراتها مختلفة عن تقديرات الحكومة السورية والمؤسسات الوطنية المعنية بموضوع الهجرة والسكان. وآخر تقديرات الأمم المتحدة تقول بوجود 6.7 ملايين لاجئ سوري في العالم، منهم نحو 4 ملايين في تركيا ولبنان، ويتركز الباقي في الأردن والعراق ومصر عربياً، ثم في ألمانيا ودول غربية أخرى. أما الأرقام الوطنية فتقول بوجود 4.5 ملايين سوري هاجروا بشكل نظامي، هذا إلى مليونين وخمسمئة ألف مواطن خرجوا دون وجود أي ذكر لهم في السجلات الرسمية، إضافة إلى 6.2 ملايين نازح داخلياً.

وتجري حالياً محاولات لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم والنازحين إلى مناطقهم في ظل تجاذبات إقليمية ودولية وأممية كبيرة، للإمساك بهذا الملف الكبير، والمرشح ليكون من أهم أوراق التفاوض في المستقبل القريب؛ ذلك في ظلِّ تراجع دور العديد من الأوراق الأخرى كالعسكرية والأمنية. وتحاول هذه الورقة تقديم بعض المقترحات والإجابات حول مواقف الدول من هذا الملف، وما الأولويات بالنسبة للدولة السورية المطلوب التصدي لها لمعالجة هذا الملف، وأخيراً تقديم مجموعة من المقترحات والشروط اللازمة لتسريع عملية عودة اللاجئين والنازحين.

أولاً- الصراع على العودة

يعدّ ملف اللاجئين من أخطر نتائج الحرب ومظاهرها، فبعد توقف معظم العمليات العسكرية في البلاد، يظهر بصفته أكثر الملفات خطورة على مستقبل البلد وبنيته؛ ذلك خلافاً للتقديرات التي تؤكد على بقاء الملفِ الأمنيّ على قائمة أولويات الدولة السورية. ما يقودنا إلى تلك النتيجة هو ما يقوم به العديد من الأطراف الدولية المعادية للدولة ليكون ملف اللاجئين أداة لمواصلة الحرب واستمرارها، وبالتالي فهناك من يقوم على إدارة هذا الملف لجعله عائقاً لتحقيق الاستقرار والسلام، وقد ظهر ذلك جلياً في العمل على إفشال المبادرة الروسية لعودة اللاجئين السوريين، تحديداً من دول الجوار، إلى ديارهم. إذ من الواضح أن موضوع اللاجئين سيكون عنواناً رئيساً للصراع مستقبلاً، إلى جانب ملفي إدلب والمنطقة الشرقية. وسيكون عنواناً للتجاذبات في المرحلة القادمة ليكون ورقة ضاغطة على قضايا الحلّ النهائيّ (اللجنة الدستورية، طبيعة الدولة، طبيعة التسوية...........).

مربع نص: إنَّ للتوافق الإقليميّ والدوليّ دوراً كبيراً في تسهيل أو عرقلة عودة اللاجئين لبلدهم، كما أن طبيعة استجابة الدول الإقليمية في التعاطي مع ملف اللاجئين لا ينفصل عن مواقف المجتمع الدوليّ ومواقف الأمم المتحدة في هذا المجاللقد كان للتنسيق السوريّ الروسيّ دور وأثر كبير في دفع قضية اللاجئين السوريين وإعطائها الأولوية والاهتمام على المستوى الدوليّ السياسيّ والإعلاميّ، في حين كان الحديثُ عن اللاجئين السوريين قبل هذا التنسيق ينتابه الكثير من التردد والإشارات المبهمة. ولكن أصبح الملف وضرورة معالجته أكثر وضوحاً، ويجري العمل من قبل شركاء الدولة السورية على إنضاج الظروف الموضوعية لحله، ومنع استخدامه كورقة ضغط سياسية وأمنية بيد الدول الغربية.

وفي الحقيقة إنَّ للتوافق الإقليميّ والدوليّ دوراً كبيراً في تسهيل أو عرقلة عودة اللاجئين لبلدهم، كما أن طبيعة استجابة الدول الإقليمية في التعاطي مع ملف اللاجئين لا ينفصل عن مواقف المجتمع الدوليّ ومواقف الأمم المتحدة في هذا المجال، تحديداً موقفها الأخير المثير للريبة، إذ صرّحت بأنها خصصت تمويلاً لتغطية احتياجات اللاجئين حتى العام 2021، وهذا الأمر في الحقيقة يأخذ طابعاً سياسيّاً بحتاً، وكأنهم يقولون للسوريين لا تعودوا إلى بلادكم. وهذا يعاكس الموقف الروسي الذي أظهر في المدة الأخيرة حماساً لعودة اللاجئين.

يحاول العديدُ من المحللين الربط بين تعاطي الدول مع ملف اللاجئين والرهان على الانتخابات القادمة في سورية لتكون هي أداة التغيير لبنية ونظام الدولة السورية، وهو الأمر الذي عجزت الدول المعادية عن تحقيقه بالحرب. ومن هنا يأتي التكالب الدولي والإصرار على عدم عودة اللاجئين. حيث تعتقد كل الأطراف المتصارعة (تركيا، فرنسا، أمريكا...) بأن احتفاظها بأكبر كم من اللاجئين يعني ضمان ولائهم والسيطرة على قرارهم، وهذا في الحقيقة ما يدفع الروس والدولة السورية إلى استعجال موضوع إعادتهم، بهدف إسقاط الرهان الغربيّ على دور اللاجئين المؤثرِ في نتيجة الانتخابات القادمة.

ومن الواضح أنَّ الأمم المتحدة تقفُ في صف الدول الغربية، وتبرّر حتى الآن عدم دعوتها اللاجئين السوريين إلى العودة لبلادهم لعدم توافر الشروط الموضوعيّة للعودة الطوعية الآمنة للاجئين السوريين حسب زعمها، بحسبان أنَّ سقفَ المعايير الخاصة بالعودة الطوعية الآمنة لدى الأمم المتحدة عالٍ جداً، ويتطلب شروطاً لم تتحقق في أي دولة تاريخياً. فحتى اليوم، لم تتحقق هذه الشروط في العراق مثلاً بعد أكثر من خمس عشرة سنة على انتهاء الحرب هناك. لذلك فهي "تغض البصر" عن عودة بعض اللاجئين، تحديداً من دول الجوار، وتتركهم ليعودوا على مسؤوليتهم الشخصية، وبالتالي تحرر نفسها من المساعدات التي يفترض أن تقدمها لهم فيما لو بقوا كلاجئين. كما تتعرض الأمم المتحدة لضغوط، فعندما تشجع عودة اللاجئين تتعرّض لضغوط وإزعاجات من قبل الدول الأوروبية، وعندما تفعل العكس تحتج عليها الدول المضيفة للاجئين بعامّة، ولبنان والأردن وتركيا منها بخاصّة، وهذا قد يفسّر أيضاً التباس موقف الأمم المتحدة وتقلّبه. أمرٌ آخرٌ أيضاً يأتي ضمن هذا الإطار وهو وجود تيارين ضمن موظفي الأمم المتحدة: تيار واقعي يقول إن الوضع في سورية يتحسن تدريجياً، وإذا أبقينا على المعايير والشروط العالية للعودة فلن يعود أحد من اللاجئين مطلقاً؛ أما التيار الثاني الأوروبي وهو الأقوى، فإنه يعمل على تنفيذ تعليمات حكوماته في محاولة تسييس الملف، واستخدامه كورقة ضغط في مفاوضات الحلّ المرتقب للأزمة السورية.

أما بالنسبة لدول الجوار، باستثناء تركيا، فإنّ كافة الدول تبدي رغبة في إعادة اللاجئين لبلدهم، ولكن لتحقيق عودة حقيقية فلا بد أن يتم ذلك عن طريق اتفاقية ثلاثية بين الدولة المضيفة والدولة الأم، سورية، والأمم المتحدة، ولكن حتى الآن ترفض كافة دول الجوار الاتفاق مع الحكومة السورية، بما فيها الأردن ولبنان.

مربع نص: تقوم الدولة التركية بحملة تجنيس واسعة بين اللاجئين السوريين وتطالبهم في الوقت نفسه بالعودة إلى الداخل السوريّ قبل غيرهم من السوريين تطبيقاً لمقولة (نريدكم أتراكاً في سورية وليس في تركيا).وفي الحقيقة لهذا التناقض الغريب بين تصريحات هذه الدول ومواقفها سببان: الأول اقتصادي، إذ تريدُ الإبقاء على شريحة من السوريين لديها لاستغلالهم اقتصاديّاً، واستجداء المساعدات الدولية بحجة تأمين احتياجات اللاجئين لديها؛ والثاني، إن سماح هذه الدول بعودة اللاجئين يعني الإقرار بانتصار الدولة السورية وتأكيد شرعيتها. وهذا قرار مازالت الدول تكابر على الإقرار به حتى الآن. أما الأوروبيون فهم يؤكدون داخل الاجتماعات المغلقة للأمم المتحدة أنهم يشجعون عودة اللاجئين، في حين مازالت أفعالهم تتناقض مع ذلك، فمؤخراً أصدرت ألمانيا قانوناً أعفت فيه اللاجئ السوري من مراجعة السفارة السورية لتجديد جواز السفر، ويشمل العسكري أو المنشق أو الموظف أو كل من له قريب في مناطق سيطرة الدولة السورية، أي كافة اللاجئين تقريباً.

كما لعب "المجتمع المدنيّ السوريّ" لعبةَ التمويل مع الأوروبيين، وأصبح هنالك مئات منظمات المجتمع المدني، التي تضغط على الدول الأوروبيّة، وترفع الدعاوى على الدول التي تستضيفهم لئلا تُلزم اللاجئين السوريين بالعودة، رغبة منها في استغلال هذا الملف للإبقاء على التمويل المقدم من الدولة الغربية لهذه المنظمات.

تُعَدُّ تركيا الدولة الأكثر خطورة على الدولة السورية من حيث استخدامها لملف اللاجئين، إذ تقوم الدولة التركية بحملة تجنيس واسعة بين اللاجئين السوريين[1]، وتطالبهم في الوقت نفسه بالعودة إلى الداخل السوريّ قبل غيرهم من السوريين تطبيقاً لمقولة (نريدكم أتراكاً في سورية وليس في تركيا)، ويمكن لتركيا على أساس ذلك التدخّل لتغيير البنية والتركيبة السكانية في الشمال السوريّ، وهذا في الحقيقة يشكل خطراً كبيراً، تحديداً في المناطق القريبة من تركيا (ريف حلب، ريف إدلب...)، إذا تمت فيها انتخابات تشريعية أو رئاسية. كما يمكن لتركيا العمل على محاولة ضم هذه الأجزاء لتركيا على أساس استفتاء شعبي لفرض أمر واقع. وبالتالي يصبح ضرورياً العمل على دراسة هذه القضية وتجهيز آليات للتعاطي مع هؤلاء مستقبلاً، لأنهم قد يكونوا أداة لتنفيذ سياسات تركيا من الداخل السوري.

 

 

ثانياً- اللاجئ أم النازح... الأولوية لمن؟           

لا بدّ بدايةً من التمييز بين مفهومين أو مصطلحين مختلفين وهما: اللاجئ والنازح الداخلي. وفقاً لاتفاقية عام 1951[2] وبروتوكولها لعام 1967 بشأن اللاجئين، يُعَرَّف اللاجئ على أنه كل شخص "يوجد خارج دولة جنسيته بسبب تخوّف مبرر من التعرّض للاضطهاد لأسباب ترجع إلى عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه لعضوية فئة اجتماعية معينة أو آرائه السياسية، وأصبح بسبب ذلك التخوّف يفتقر إلى القدرة على أن يستظل بحماية دولته أو لم تعد لديه الرغبة في ذلك".

مربع نص: تمثل مشكلة النزوح الداخلي تهديداً اجتماعياً وأمنياً مستمراً للدولة السورية، مما يستدعي العمل على إنهائها أو التخفيف منها قدر الإمكان.أما النازح الداخليّ فغالباً ما تطلق عليه على نحو خاطئ تسمية "لاجئ". وعلى خلاف اللاجئ، فإنَّ النازح داخلياً لا يعبر أي حدود دولية بحثاً عن ملاذ آمن، وإنما يبقى داخل بلده الأصليّ. حتى وإن كانت أسباب فرار النازحين مماثلة لتلك التي تدفع اللاجئين إلى مغادرة بلدانهم (نزاعات مسلحة، عنف معمم، انتهاكات لحقوق الإنسان)، إلا أن النازحين يبقون من الناحية القانونية تحت حماية حكومتهم. ويحتفظ النازحون كمواطنين بكامل حقوقهم، بما في ذلك الحقّ في الحماية، وفقاً لقوانين حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي.

لقد أجرت الأمم المتحدة دراسة، قالت فيها: إنَّ نحو 82% من النازحين داخلياً يريدون العودة إلى مناطقهم الأصلية؛ لكنهم يتساءلون عن مدى وجود مقوّمات العيش والعمل. وبدون توفير الحدّ الأدنى لهذه المقومات لا يمكن أن تتم هذه العودة، وإن تمت فسيكون العائدون عبئاً على غيرهم، وستكونُ هذه المناطق بؤراً للمشاكل الاجتماعية وحتى الأمنية. وتفيد بعض التقارير الصادرة عن الجانب الروسي أنه تم إعادة نحو مليون نازح إلى مناطهم الأصلية. وهذا في الحقيقة وارد نظراً لعودة الكثيرين من الساحل إلى مناطقهم في حلب، أو من السويداء إلى درعا. ونعتقد أن عودة النازحين ستزداد تدريجيّاً مع تحسّن كلّ من الوضع الاقتصاديّ والأمنيّ في البلاد.

في الحقيقة إن حلَّ مشكلة النزوح الداخلي تعدّ أكثر أهمية من حلّ مشكلة اللاجئين السوريين في الخارج، ويمكن أن تعطى الأولوية وذلك لعدة اعتبارات، وهي:

  1. تمثل مشكلة النزوح الداخلي تهديداً اجتماعياً وأمنياً مستمراً للدولة السورية، مما يستدعي العمل على إنهائها أو التخفيف منها قدر الإمكان. لقد نتج عن ظاهرة النزوح العديد من المشاكل الاجتماعية الخطيرة (زواج القاصرات، زيادة معدلات الطلاق، التسول، عمالة الأطفال، الدعارة...). على عكس مشكلة اللجوء التي تعدّ مشكلة للبلد المضيف أكثر منها لبلد الهجرة.
  2. يقع النازح الداخلي، عكس اللاجئ، تحت مسؤولية الدولة، ويبقى من الناحية القانونية تحت حمايتها، ويتمتع بحقوقه وعلى الدولة حمايته.
  3. إن عملية إعادة النازحين السوريين هي عملية أبسط، ولا تتداخل فيها الاعتبارات السياسية الإقليمية والدولية. فيكفي العمل على توفير الأمن والحد الأدنى لمتطلبات المعيشة الأساسية حتى يبدأ النازحون بالعودة لأماكن سكنهم الأولى.
  4. العمل على توفير متطلبات عودة النازحين سيؤدي بطبيعة الحال إلى تسهيل عودة اللاجئين السوريين في الخارج، بحسبان أن ذلك يعطي اللاجئ شعوراً بالأمان وعودة الحياة إلى طبيعتها. بالإضافة إلى توفير البنية التحتية اللازمة للعودة الكريمة.

كما لا بدّ لواضعي السياسات من التمييز بين اللاجئ في دول الجوار (لبنان، الأردن، العراق....) والذي لن يبقى إلا مكرهاً واللاجئ في الدول الأوربية والذي لن يعود إلا مكرهاً؛ ذلك بسبب التباين الشديد بظروف المعيشة بينهما، لذلك فإن الفصل بين السياسات والإجراءات التي تتعامل مع ملف اللاجئين على أساس بلدان اللجوء يصبح ضرورياً، وبالتالي تقسيم اللاجئين إلى قسمين رئيسين:

  1. لاجئو أوروبا: لن يعودوا إلا قسراً. فمنهم من خرج نتيجة ظروف الحرب أو للبحث عن فرصة الحياة في أوروبا، وكان أمامهم فرصة تاريخية. وأغلبهم وجد طريقة ما للاندماج بالمجتمعات التي لجؤوا إليها.
  2. لاجئو دول الجوار: يعاني اللاجئون في دول الجوار من ظروف معيشية سيئة؛ بل بعضها سيء جداً، لذلك يمكن للحكومة العمل على توفير الشروط اللازمة والضرورية الأساسية للمعيشة ليعود هؤلاء من تلقاء أنفسهم.

ثالثاً- مقترحات لتسريع العودة

يقول متابعون كثيرون: إنّه لا يمكن الحديث عن عودة حقيقية للاجئين دون توقف الأعمال العسكرية بشكل دائم وعودة الاستقرار إلى مناطقهم، بتسوية أو بوسيلة أخرى، في حين لاحظنا توقف الأعمال العسكرية في كثير من المناطق السورية، لكن لم تحدث عودة. إذن، هناك عوامل أخرى لا تتصل بعوامل عسكرية مباشرة، أو حتى بتبعاتها، ففي المنطقة الجنوبية مثلاً، حدثت تسويات لكن لم تنشأ بيئة جاذبة تدفع الناس إلى العودة، حتى مع وجود ضمانات روسية مباشرة. هذه النقطة تستدعي التدقيق، ومعرفة ما يمكن للقائمين على هذا الملف فعله من سياسات عامة لجذب اللاجئين الراغبين فعلاً بالعودة إلى مناطقهم. فقسم كبير من اللاجئين يعتقد أن هناك الكثير من العقبات أمام عودته، في حين يصرح قسم آخر بعدم توافر الإمكانيات المادية لعودته، أو للاستقرار مجدداً في مدينته. وهنا، نقدم مجموعة من المقترحات لحل مشكلة اللاجئين  التي نقترح على الحكومة السورية أن تعمل عليها، وهي:

  1.  العمل والإسراع في الانتقال من التسويات القريبة والمباشرة والآنية إلى المصالحة المجتمعية الأوسع، التي تضمن الاستقرار والتماسك الاجتماعي، وهو الهدف الأبعد من معالجة موضوع اللاجئين؛ ذلك أنَّ التسويات التي تمت في مناطق كثيرة والمصالحات على المستوى الضيق، على أهميتها في تجنّب خوض المعارك، إلا أنها لم تصل إلى مستوى المصالحة المجتمعية العميقة، أي لم تتمكن من إزالة ما يعتمل في النفوس من ضغائن وتخندق... إذن، نحن بحاجة، على المستويين النفسي والفكري، إلى تحويلها لمصالحات مجتمعية واسعة وعميقة وقابلة للبقاء.
  2. العمل على تأمين البنية التحتية اللازمة والضرورية للحياة الكريمة من سكن وماء وكهرباء وصرف صحي وتعليم وصحة في المناطق التي سيعود إليها اللاجئون.
  3. العمل على تحقيق مرونة في الأنظمة والقوانين المتعلقة بمعالجة مشكلة النازحين واللاجئين، إذ قد نحتاج لتشريعات وقوانين جديدة مناسبة للتعامل مع هذه القضايا الناشئة، في حال تم التوافق على تسهيل عودة اللاجئين من الخارج.
  4. العمل على تسوية أوضاع اللاجئين من الناحية الأمنية والقانونية، بالإضافة إلى تسوية موضوع الشباب ممن هم في سن الخدمة العسكرية والذين يشكلون القسم الأكبر من أعداد اللاجئين، والذين بمعظمهم غادروا البلاد هرباً من تأدية الخدمة العسكرية. ربما قد حُلَّ هذا الموضوع جزئياً بوساطة المراسيم الرئاسية الأخيرة. ولكن العودة السريعة للمطالبة بدفعات جديدة من الاحتياط أضرّ بهذه الحركة.
  5. العمل على صيانة وضمان حقوق اللاجئين وملكياتهم، وإيجاد حلّ للمشكلات التي قد تترتب جراء غيابهم لمدة طويلة عن البلاد.
  6. هناك مخاوف على مستوى السيكولوجيا الجمعية وعلى مستوى إحساس الناس من "مقولات إعلامية" تتحدث عن "التهجير القسري" و"الانزياح الديمغرافي" و"التشيع" وإجبار الناس على ترك مناطقهم و"استبدالهم" بآخرين... المطلوب هو تدخل السياسات الحكومية لتوضيح هذه المسائل، وإرسال رسائل مطمئنة للناس، والحديث عن حدود هذه الظواهر إن حدثت بهذه الطريقة.
  7. هناك جانب له علاقة بالتوافق الإقليمي، لما له من دور في تسهيل أو عرقلة عملية عودة اللاجئين، لكن الإقليم لا ينفصل عن المجتمع الدولي ومواقف الأمم المتحدة، والتي تثير مواقفها بخصوص اللاجئين الريبة.
  8. العمل على تحقيق رؤية موحدة داخل المؤسسات الرسمية المعنية بملف اللاجئين، إذ أن البعض ما زال ينظر إلى اللاجئين على أنهم خونة وفارّون. وهذا أمر يتطلب وقتاً، لكن يمكن البدء به للوصول إلى أنسنة هذه القضية. هناك من لا يقدر الخطوات التي تتم (كمرسوم العفو الأخير مثلاً) فيعترض من باب وضع الضرورات العسكرية أمام أي ضرورات أخرى. نحن فقدنا رأسمالنا الاجتماعي وهو الثقة. المطلوب بعد الأزمات إعادة بناء الثقة، فبعض القرارات تُفقِد الثقة بالدولة وسياساتها المستقبلية، ذلك أنَّ كل قرار يصدر اليوم بات يصل إلى جميع الناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
  9. مربع نص: علينا الاقتناع والقبول بفكرة وجود أمة سورية في الخارج، والتعامل معهم على أنهم مواطنون سوريون، والعمل على إنشاء روابط معهم، ورعايتهم ودعمهم كدولة أو عبر المجتمع المدني.إيجاد بدائل حقيقية للتواصل مع اللاجئين، فحالياً نحن في فجوة اتصالية أو ما يسمى المركز والتخوم، فمثلاً يمكن العمل بفكرة الدبلوماسية الرقمية، فإذا لم نستطع مثلاً فتح سفارة في ألمانيا، يمكن إنشاء موقع إلكتروني تفاعلي واحد يضم كل ما يخصّ ويتعلق باللاجئين من قوانين ومراسيم وآليات لتكون وسيلة للتواصل مع من يريد من اللاجئين. في الحقيقة تقوم الدولة بخطوات جيدة في ملف اللاجئين؛ لكنها لا تجيد تسويقها، وغالباً ما تفسر القرارات عبر مواقع التواصل الاجتماعي تفسيرات خاطئة ومسيئة. ويمكن لهذا الموقع أن يلعب هذا الدور بحيث يقدم وجهة النظر الحقيقية للحكومة فيما يتعلق بملف اللاجئين.
  10. العمل مع الجهات في الخارج والتي نلتقي معها في موضوع اللاجئين السوريين، فهناك تيار صاعد وانتخابات للبرلمان الأوروبي، فنحن نلتقي مع اليمين المتطرف وهو مقرب لروسيا، وقد حصل على أصوات وأصبح شريكاً في حكومات مثل النمسا وألمانيا. بالإضافة إلى استمرار التنسيق السوري الروسي.
  11. الإضاءة على الانتهاكات والتجاوزات التي يتعرضُ لها اللاجئون في دول الجوار وحتى في أوروبا، فالكثير من الدول لم تُعطِ السوريين صفة لاجئ، وهذا يتناقض بشكل صارخ مع القوانين والمعاهدات الدولية ومع حديثهم عن حقوق الإنسان. كما يمكن التركيز على عوامل طرد اللاجئين من دول اللجوء والتي قد تؤدي إلى عودة اللاجئين حتى لو كانت عوامل الجذب هنا ضعيفة.
  12. مراعاة خصائص اللاجئين عند وضع السياسات العامة للتعامل مع هذا الملف، أي التمييز ليس فقط على أساس بلدان اللجوء، بل من حيث المهارات والخبرات. فالسياسات الحالية والمتبعة حالياً لن تعيد اللاجئين من ذوي التعليم العالي وأصحاب الكفاءات، وهؤلاء هم الذي تفتقدهم البلاد، وبالتالي نحن لا نحتاج إلى عودة اللاجئين بالمعني الكميّ (العددي)؛ ولكن نحتاج عودة بالمعنى الكيفي (النوعي)، فليس الهدف من العودة هو تحقيق وإعادة التوازن الديمغرافي للمجتمع. فعلى عكس النظرة السائدة لم يُحدِث اللجوء من الناحية السكانية أي مشكلة؛ بل كان لدينا فائض سكاني وفائض بالبطالة والعمالة –ولا نتحدث هنا من الجانب الإنساني طبعاً. لم يُحدِث اللجوء أزمة أو مشكلة في التركيبة الديمغرافية لسورية حتى على صعيد ذكور/إناث. والتوازن لايزال موجوداً ولا يتجاوز الفارق ما نسبته 1%. حتى الفئة العمرية، أساساً كان هناك تضخم هائل في هذه الفئة العمرية، ولم تختل التركيبة العمرية لا سيما وأن الهجرة لم تكن في معظمها لأفراد؛ بل كانت هجرة أسر. الخلل الذي خلقته ليس كبيراً ويمكن استيعابه.
  13. الاقتناع والقبول بفكرة وجود أمة سورية في الخارج، والتعامل معهم على أنهم مواطنون سوريون، والعمل على إنشاء روابط معهم، ورعايتهم ودعمهم كدولة أو عبر المجتمع المدني. الدولة مسؤولة عنهم ويجب أن تدافع عنهم، والعمل على ربط اللاجئ بوطنه سواء عاد أم لم يعد، فهو قوة للبلد في الخارج، ويمكن أن يشكّلَ رأياً عاماً خارجيّاً مهماً يمكن الاستفادة منه لاحقاً.
  14. العمل على الرأي العام المحلي وإزالة التقييمات المسبقة تجاه اللاجئين، فهم ليسوا خونة وإرهابيين كلهم، وقد تتكالب الدول وتعيدهم دفعة واحدة، يجب أن يتم التحضير لاستيعابهم، وأن يكون هناك قبول رسمي وشعبي لهم، وإلا سنكون مقبلين على مشاكل اجتماعية وأمنية جديدة.
  15. العمل على إجراءات بناء الثقة، ووضع تشريعات واضحة ودقيقة تحترمها كافة المؤسسات الوطنية ذات الصلة. كل من أراد العودة، فسورية بلده، والباب مفتوح له، ومن لا يريد فهذا حقه وخياره، والتعامل معهم بهدوء لئلا يذهب الصالح بالطالح. فالبقاء عند الكثيرين هو خيار اقتصادي وليس سياسيّاً.

 

 


[1] يمكن بالرجوع إلى موقع وزارة الداخلية التركية معرفة أسماء كل المجنسين السوريين.

[2]  المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR

سيريا ديلي نيوز - مركز دمشق للأبحاث والدراسات "مداد"


التعليقات