توسعت أسواق ما يسمى بـ«اقتصاد الحلال» (أي المنتجات التي تتوافق مع تعاليم الشريعة الإسلامية) توسعًا ملحوظًا خلال السنوات القليلة الماضية في كثير من دول العالم، سواء على مستوى المنتجات الغذائية، أو السياحة، أو مستحضرات التجميل، وكذلك الصحة والقطاع المالي والطاقة، وهذه الأسواق غير قاصرة على الدول العربية والإسلامية فقط، بل في بعض الأحيان تكون أنشط في دول أوروبية.

تتحدث السطور التالية عن سوق المنتجات الحلال إجمالًا، فقد انعقدت قبل أيام النسخة السادسة لمعرض المنتجات الحلال «القمة العالمية للحلال» تحت عنوان «الحلال والمعيشة الصحية: توعية واستدامة»، والذي يعتبر الأكبر في العالم من ناحية عرض المنتجات الحلال، وذلك برعاية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وبمشاركة مؤسسات وهيئات من أكثر من 70 دولة، ونحو 250 شركة مختصة في مجالات الغذاء والتمويل والسياحة والمستحضرات التجميلية والصحة والتغليف والكيمياء والأزياء.
حجم سوق المنتجات الحلال في العالم

تقول وزيرة التجارة التركية، روهصار بكجان: إن حجم سوق المنتجات الحلال في العالم يبلغ حاليًا نحو 4 تريليونات دولار، بينما يوجد نحو 400 مؤسسة حول العالم تمنح شهادات «حلال»، ويكشف معرض المنتجات الحلال المقام في تركيا عن مدى توسع هذه السوق في كثير من دول العالم؛ إذ إن مشاركة 70 دولة تعني وصول هذا النوع من المنتجات إلى هذه الدول، وسط توقعات بزيادة العدد في المستقبل القريب، فالعام الماضي كان عدد الدول التي شاركت في المعرض التركي نحو 57 بلدًا فقط، ما يعني انضمام نحو 13 دولة إلى سوق المنتجات الحلال خلال العام الماضي.


يشار إلى أن منظمة التعاون الإسلامي، لا تسيطر إلا على 20% من هذه السوق، بينما تسيطر الدول غير الإسلامية على 80% من السوق؛ إذ إن كثيرًا من الدول الرائدة فيه من خارج المنظمة، وأبرزها: النمسا، سريلانكا، كوسوفو، فرنسا، بريطانيا، هولندا، إسبانيا، الهند، كوريا الجنوبية، غانا، بنجلاديش، نيجيريا، الكاميرون، كرواتيا، تايلاند، روسيا، سيراليون.

وبحسب توقعات منظمة التعاون الإسلامي، فإن حجم سوق المنتجات الحلال العالمية سيصل إلى 6.4 تريليون دولار في 2019، بعد أن بلغ نحو 3.7 تريليون دولار في 2012، ووفقًا لمدير عام «المركز الإسلامي لتنمية التجارة»، الحسن حزين، فإن قطاع الأغذية الحلال فقط يمتلك إمكانات تزيد على تريليون دولار في العالم.

جدير بالذكر أن تقريرًا حديثًا يحمل اسم: واقع الاقتصاد الإسلامي العالمي لعام 2018– 2019، صادرًا عن «مركز دبي لتطوير الاقتصاد الإسلامي»، ووكالة تومسون «رويترز»، بالتعاون مع «دينار ستاندارد»، و«مركز دبي المالي العالمي»، أظهر أن إنفاق المسلمين على قطاعات المأكولات والمشروبات وأسلوب الحياة في عام 2017 نحو 2.1 تريليون دولار، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 3 تريليونات بحلول 2023.

وتشير التوقعات كذلك إلى أن إنفاق المسلمين على المأكولات والمشروبات فقط قد يصل إلى نحو 1.9 تريليون دولار بحلول عام 2023، وهو ما يعني أن هناك فرصًا كبيرة للاستثمار، وإنشاء علامات تجارية عالمية للأطعمة الحلال.
سباق المليارات.. تركيا تستهدف المقدمة

تتنافس العديد من الدول على الاستحواذ على النسبة الأكبر من سوق المنتجات الحلال، خاصة أن نسب نمو هذه السوق كبيرة، والتوقعات المستقبلية تعزز من فكرة الإقبال على السوق، إلا أن تركيا تسعى بقوة للتميز عن باقي الدول في هذا القطاع، فبعيدًا عن المعرض الدولي الأكبر من نوعه، أسست البلاد مؤخرًا ما يسمى بـ«هيئة اعتماد الحلال-HAK» التي تشارك لأول مرة في معرض على مستوى عالمي.


وتوضح بكجان طبيعة عمل هذه الهيئة الجديدة من نوعها، إذ ستعمل على تحديد المعايير الخاصة بالمنتجات الحلال في تركيا (المحلية والمستوردة)، ومراقبة المؤسسات المانحة لشهادات الحلال، فكما ذكرنا يوجد نحو 400 مؤسسة حول العالم تمنح شهادات «حلال»، لكن لا يوجد هيئات للرقابة عليها، وهي إحدى المشاكل الجوهرية التي تواجه سوق المنتجات الحلال كما سنوضح لاحقًا.

وبحسب الوزيرة التركية فعمل «هيئة اعتماد الحلال» لن يكون محليًّا فقط؛ إذ إنها تأمل في ملء الفراغ العالمي الموجود في مجال المراقبة، وتهدف لأن تكون مركزًا عالميًّا في هذا القطاع، إذ ستشارك في وضع تعريف واضح لمفهوم «الحلال»، بالإضافة إلى أنها ستساهم في تذليل العقبات التي تعيق التصدير، وذلك في الوقت الذي تشهد فيه سوق المنتجات والخدمات الحلال، حالة من الفوضى، بحسب المراقبين.


تشير التوقعات إلى أن تركيا قادرة على الاستحواذ على ما قيمته نحو 400 مليار دولار من حجم سوق المنتجات الحلال، ففي قطاع البنوك تمتلك البلاد ما نسبته 5% من المصارف التي تتوافق مع الشريعة الإسلامية، ولديها ما قيمته 55 مليار دولار من سوق التمويل الإسلامي، بالإضافة إلى قطاع السياحة الحلال، وهو القطاع الواعد الذي ينمو في تركيا بقوة حاليًا.
حضور أوروبي وآسيوي لافت

السيطرة التي تسعى إليها تركيا ليست مفروشة بالورود، فدول مثل البرازيل وأستراليا وماليزيا وبريطانيا تتصدر أسواق الأغذية الحلال العالمية، بينما حصة تركيا في هذا المجال أقل كثيرًا، وتسعى ماليزيا على سبيل المثال إلى مضاعفة صادراتها من المنتجات الحلال، وتدعو المصنّعين المحليين للاستفادة من الفرص الكبيرة التي لم تُستغل في صناعة الحلال الماليزية، بالإضافة إلى إنتاج ماليزيا الكبير من زيت النخيل، وهي مادة يمكن استخدامها في المنتجات الحلال على نطاق واسع.


بينما تحقق ماليزيا نموًا كبيرًا في ما يخص التمويل الإسلامي، فهي أكثر الدول التي منحت مواطنيها قروضًا متوافقة مع الشريعة الإسلامية في عام 2017، إذ إن التمويل الإسلامي هناك يعتبر المحرك الرئيسي لنمو النظام المصرفي المحلي.

على الجانب الآخر، سبق أن أعلن «مركز علوم الحلال» في تايلاند عمله على وضع استراتيجيات جديدة في قطاع المنتجات والخدمات الحلال؛ لزيادة استفادة البلاد من هذه السوق، إذ تطمح لأخذ حصة من هذا القطاع عن طريق افتتاح مطاعم وفنادق تتمتع بشهادة الحلال، تتطلع لجذب السياح من البلدان الإسلامية، وتصميم الخدمات الجديدة بما يتناسب مع غير المسلمين أيضًا.

وفي اليونان تسعى البلاد لتقنين المنتجات الحلال لتصديرها إلى الدول العربية؛ لتنشيط قطاع الثروة الحيوانية، وخلق فرص عمل جديدة في البلاد، بينما يقام في العاصمة الإسبانية مدريد معرضًا دوليًّا سنويًّا للمنتجات والخدمات الحلال، بمشاركة نحو 100 عارض من إسبانيا ودول عديدة.

وبعيدًا عن أوروبا، فإن بنك البوسنة الدولي في العاصمة سراييفو نظم معرضًا دوليًّا للمنتجات الحلال، في سبتمبر (أيلول) الماضي، وقدم فرصًا استثمارية جديدة للبوسنة والهرسك، بمشاركة أكثر من 100 ممثل عن شركات تصنع المنتجات الحلال من 36 دولة.

وتعد معظم هذه الأسواق حديثة نسبيًّا، وذلك بخلاف الإمارات التي تعتبر من أبرز المساهمين في صناعة الحلال، فقد أسست «المنظومة الوطنية للحلال»، وانضمت إليها نحو 46 دولة من جميع أنحاء العالم، في مساعي البلاد لوضع إطار عالمي موحد لمنظومة الحلال، كما أنها صاحبة المركز الأول عربيًّا والثاني عالميًّا من حيث أدائها الشامل على المؤشر العالمي للاقتصاد الإسلامي للعام 2016- 2017.
أبرز التحديات التي تواجه المنتجات الحلال

بالرغم من هذا النمو الملحوظ والمنافسة الكبيرة على صناعة الحلال حول العالم إلا أنها ما زالت تواجه العديد من المشاكل أو التحديات التي يجب حلها قريبًا؛ لتعزيز انتشار هذه المنتجات، فقد شهدت عدة تجاوزات، وهذه التجاوزات قد تتسبب في هز الثقة في كثير من هذه المنتجات، لذلك يتطلب الأمر وضع أنظمة رقابية صارمة، بهدف التأكد من أن جميع المنتجات تتوافق مع تعاليم الشريعة الإسلامية، وبالرغم من أن الإمارات وتركيا يمتلكان الآن منظمات رقابية، لكن الأمر يحتاج إلى ما هو أوسع من ذلك.

إذ يذكر أن ماليزيا لها تجربة رائدة في مجال الرقابة الشرعية على صناعة المنتجات الحلال عبر جميع المراحل الإنتاجية، من خلال نظامها الرقابي الأكثر تقدمًا في العالم الإسلامي، وذلك لتميزه بمعايير صارمة تضمن ثقة وحماية أكثر للمستهلكين المسلمين، لكن مع اتساع السوق من الضروري كذلك زيادة المنظمات الرقابية.


وعلى هامش «القمة العالمية للاقتصاد الإسلامي 2018» التي عقدت في الإمارات بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أفاد المشاركون أن ابتكار أدوات ومنتجات إسلامية سهلة الانتشار هو التحدي الأكبر الذي سيواجه قطاع الاقتصاد الإسلامي والمنتجات الحلال في الفترة المقبلة، وأبرز هذه التقنيات الجديدة هو «البلوك تشين»، إذ إن دخول هذه التقنيات إلى المنتجات الحلال سيزيد من ثقة المتعاملين وإقبالهم على المنتج «الحلال».

لكن يبقى حتى الآن تحدي توظيف التقنيات الجديدة لابتكار منتجات إسلامية قادرة على المنافسة في قطاعات مثل البنوك والصناعة والصحة وغيرها من القطاعات الحيوية، هو التحدي الأبرز وسط قلة الخبرات العاملة في القطاع، والعوائق التي تتعلق بانتشار المنتج المالي الإسلامي.

 

التعليقات