على الأقل مياه الشرب في دمشق نظيفة ولا يوجد ضرائب إضافية على الكهرباء والدخان والمياه»، تقول معلمة الفرنسي اللبنانية فاطمة، البالغة من العمر 30عاماً لـ «الأيام» عن سبب تفضيلها للتسوق من سورية مقارنةً بلبنان،  فهي تتيح صناعاتها الوطنية أمام السياح الأجانب أو الوافدين من دول مجاورة، وخاصة لبنان، بأسعار رخيصة بكافة المقاييس، سواء صناعات الأقمشة أو القطنيات والتي تميزت بها مدينة حلب لعصور، أو الصناعات الغذائية والصناعات الدوائية، فجميعها توفر للمواطن اللبناني بديلاً أقل سعراً عن السلع المستوردة في بلده وموازيةً في الجودة أحياناً.

وتضيف فاطمة، الحلويات التي تجدها في سورية لا بديل عنها في العالم، البرازق وحلاوة الجبن، والغريبة والمعمول بسفرجل، وشراب الورد، والجميع في بيروت من جيران وأصدقاء ينتظرون حصتهم بعد كل زيارة، تتابع «بعض البضائع باتت أقل توافراً بالمقارنة بالماضي ولكن ما زال تأمينها يستحق العناء».

كل شيء بألف دولار

رغم الدمار الذي لحق بالبنى التحتية في المدن المختلفة، وهجرة الصناعيين وأصحاب رؤوس الأموال، وخطورة الظروف الأمنية، كان من المتوقع أن تصبح الحركة الحدودية محدودة جداً، ولكن كانت المنفذ الأنسب لمواجهة التدهور الاقتصادي للكثير من السوريين، فعلى الرغم من ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية إلى عشرة أضعافه في الماضي، مازالت البلاد بأسواقها أكثر رحمةً للسياح على اختلاف إمكانياتهم المالية وطبقاتهم الاجتماعية، وهنا  يقول العراقي عبد الله (40 عاماً) لـ «الأيام»: البعض وجد أن الموضوع فيه نوع من الجنون، ولكن برأيي الجنون هو ألا تتجاوز مصاريف إجازتي هنا متضمنةً أجور المواصلات والطعام والتسوق، أجور الدخول إلى أحد المطاعم في بلدي الأم، حيث أقوم بالتسوق وشراء الملابس للأطفال والصابون والمفارش والقطنيات التي تميزت بها سورية، بمبلغ لا يتجاوز 1000 دولار لذلك أقوم بالتسوق من دمشق كل فترة حين زيارتنا للأماكن الدينية المعروفة .

بزنس جديد للشباب اللبنانيين

أما اللبناني محمد (33 عاماً)، والذي يعمل كمرشد سياحي، وكون والدته سورية، فيشير إلى أنه كان يذهب لزيارة نصف عائلته المقيم في سورية بشكل دائم، ولاحظ خلال هذه الزيارات انتشار محلات الألبسة ذات الصناعة السورية  وثمن القطعة لا يتجاوز 20 دولارا، في الوقت الذي يكون أرخص سعر حذاء 100 دولار، وها هو يقول: لقد اعتدت على اقتناء ملابسي كلها من المحلات  السورية سواء في حمص أو اللاذقية، وفي لبنان كنت دوماً أحظى بالإطراء والثناء على هذه الملابس، المشكلة أنه كلما كشفت سر مصادري لأحد الأصدقاء أصبح مضطراً للتسوق لهم أيضاً خلال زيارتي، ويقول محمد ضاحكاً: أفكر جدياً في الفترة القادمة أن أستثمر مع أخي في بزنس يعتمد على ما نجلبه من بضائع وملابس من سورية.

وعلى الرغم من انتشار محلات الألبسة والماركات في لبنان إلا أن بضائعها في سورية أرخص بكثير، والسبب الرئيسي في ذلك يعود إلى الاختلاف في دخل الفرد بين البلدين، أو اختلاف أسعار الضرائب المفروضة على شحن هذه البضائع عبر البحر.

حتى اللحوم لم تنجُ

 أبو رامي، 49 عاماً، عمل سائقاً بين سورية وبيروت لنصف حياته تقريباً، وتزوج صغيراً من سيدة سورية انتقلت للعيش معه في لبنان، مع ذلك يؤمن الزوجان أغلب احتياجات عائلتهم من سورية، يقول لـ «الأيام»: زوجتي تبتاع كثيراً من ملابس وحاجيات أولادنا عند زيارتها لعائلتها في سورية، ولم يتغير هذا الحال حتى بعد الحرب»، ويضيف: أنا أحاول دوماً ابتياع حاجيات المنزل اليومية الأقل سعراً من سورية أثناء نقلي للركاب من وإلى بيروت، سواء الخضراوات أو الحلويات أو حتى اللحوم.»

لا ينكر أبو رامي ازدهار عمله خلال فترة الحرب من خلال نقل البضائع والمواد الغذائية للسوريين المقيمين في لبنان، إذ يؤكد أنه بعد تلغيم مساحات كبيرة من الأراضي السورية المحاذية للحدود، وهي الطرقات التي اشتهرت بتهريب الكثير من البضائع التي يحتاجها اللبنانيون، فقد ازدهر نقل البضائع عبر الحدود الرسمية ذاتها على شكل مهربات، ويقول أبو رامي  «طعمي التم تستحي العين ويصبح كل شيء مباح» ، بدءاً من الجيش اللبناني ومديرية مخابراته، وصولاً إلى قوى الأمن الداخلي، وانتهاء بجهاز الضابطة الجمركية المولج بمكافحة ظاهرة التهريب، حتى أن الأمر يحدث بعلم الجهات الجمركية السورية التي تغض النظر عن السائقين باعتبار أن ما يحملونه معهم يندرج تحت بند الحاجات الشخصية.

ويبدي أبو رامي أسفه لتساهل الجمارك مع مهربين لبنانيين معينين ومعروفين بولائهم للدولة السورية، مقابل تشددهم مع نظرائهم السوريين.

لا يوجد سقف للبضاعة المسموح بها

وحول موضوع خروج البضاعة مع المسافرين، أكد مصدر مسؤول من مديرية الجمارك لـ «الأيام» أنه لا يوجد سقف للبضاعة التي تخرج بصحبة المسافر، لافتاً إلى أن  حكايات التهريب لا تنتهي أبداً لذلك من الاستحالة مكافحة التهريب، والسبب في ذلك عدم وجود المقوّمات والبنى التحتية والتجهيزات التي تساعد على مكافحة التهريب بشكل كامل .

وأضاف المصدر، أن التفاوت في الأسعار بين البلدين والاختلاف الكبير في متوسط الدخل، جعل معظم القادمين لزيارة سورية يقومون بشراء كميات كبيرة من الأغراض، لافتاً إلى أن أهم السلع التي نلاحظها بحوزة السائح هي الشمع والبطّاريات والشواحن والّلدات، إضافة للأدوية، وعدد كبير من السلع الغذائية والمشروبات الروحية ومشروبات الطاقة، الملابس والحلويات وأغطية الأسرّة.

وبحسب المصدر فإنه يوجد قرار يمنع عبور الشاحنات المغلقة الصغيرة من الطرف اللبناني إلى خارج الحدود، لكي لا تهرّب المواد المدعومة من قبل الحكومة، ولكن يقوم العديد من السائقين بالتحايل على عناصر الجمارك وذلك بعد دخول الحدود السورية فيقومون بفك المقاعد ووضعها بمنطقة السوق الحرة لوضع أكبر كمية من البضائع في الشاحنة حيث يكون عدد السائحين الذين يرافقون سائق الميكرو اثنين أو ثلاثة لا أكثر، وبذلك يتهربون من دفع الضرائب الجمركية على الحدود للبضائع التي تحتاج إلى جمركة.

وأكد المصدر، أنه وعلى الرغم من تشديد الإجراءات الأمنية على بعض المعابر، والتعميمات المتتالية الصادرة، ولكن لا نستطيع مصادرة أغراض أي سائح عائد من سورية وبحوزته بضائع وحلويات ومواد غذائية وأغراض تذكارية لاصطحابها لعائلته .

هو تهريب …

يرى الباحث الاقتصادي محمود كمال الدين في تصريحه لـ «الأيام» أن التهريب هو تهريب سواء كان من شخص يعمل بشكل منظم على الخطوط المتعارف عليها، أو السائح الذي يزور سورية ويسمح له أن يصطحب الكميات الزائدة من البضائع بحجة أنها هدايا للأصدقاء والعائلة .

وأضاف كمال الدين بأن الانفلات في الرقابة الجمركية، يساعد على انتشار هذه الظاهرة بشكل كبير، وهي مشكلة خطيرة تضر باقتصاد البلاد، لذلك يجب العمل الجاد على فرض وتنفيذ عقوبات مشددة لكل من يعمل في التهريب أو يسهّل نشاطه، إلى جانب ضبط المنافذ الجمركية بوسائل تقنية حديثة والتعامل بالمثل مع الدول المجاورة، فنحن دولة خرجت من الحرب وعانت كثيراً، لذلك علينا أن نولد من جديد بطريقة صحيحة، لنكون أقوى اقتصادياً.

وفي النهاية ورغم الحرب، ما زالت دمشق مركزًا للسياحة الدينية بالنسبة للكثير من اللبنانيين والعراقيين والإيرانيين الذين يزورون سورية بانتظام سنوياً وتربطهم بالمدينة علاقة حميمية وبالوقت نفسه هي فرصة للتسوق وشراء كميات لا بأس بها من الملابس والأحذية وغيرها.

وبالنتيجة فهي مفيدة للتاجر السوري الذي يبيع السلعة بضعف السعر بحكم أن الشخص سائح وسيدفع بالدولار إذا لزم الأمر، ولكن السؤال الذي يسأل هنا: هل يعد هذا النوع من التهريب تهريبا منظماً من قبل الجهات المسؤولة عن حماية اقتصاد البلد؟

نور ملحم

سيريا ديلي نيوز


التعليقات