قوانين سورية ما زالت تعترف بملكية السلطان الــــــــــــــــــعثماني رغم سقوطه منذ أكثر من 100 عام!!

عجزت الحكومات السورية المتعاقبة منذ قرابة 100 عام على خروج المحتل العثماني حتى الآن ونحن في الألفية الثالثة، عن إيجاد رؤية واستراتيجية واضحة لاتخاذ قرارات أو مشاريع قرارات تخص الأملاك المنسوبة للسلطان العثماني عبد الحميد الثاني، منذ بداية القرن التاسع عشر، وبالرغم من اعتبار هذا السلطان هو قائد لجيش احتلال استمر انتهاكه لحرمات الأراضي السورية قرابة 400 عام، ما زالت الحكومة السورية تعتبره مالكاً من دون إيجاد أي حل أو اتخاذ أي قرار علّها تسنده للحكومة التي تليها…

الدولة تعترف بملكية الأتراك

 فوجئ (أبو أحمد) من ريف حمص بوضع إشارة دعوى على العقار الذي يملكه، وهو أرض زراعية بمساحة 500 دونم لصالح السلطان عبد الحميد الذي سقط حكمه من أكثر من 100 عام.

يقول أبو أحمد لـ «الأيام»: حاولت إخراج قيد لأرضي لكي أقوم بنقل ملكيتها لصالح ابني أحمد، وإذ بي أتفاجأ بأن هناك إشارة دعوى على إخراج القيد لصالح الشخص الذي كان يحتل بلدنا. يضيف: في بداية الأمر ضحكت لأنه من الغريب أن تترك هذه الإشارة من قبل الدولة، فهي دليل على أن للأتراك أملاكاً في سورية، لافتاً إلى وجود دعوى من قبل أحفاده الذين يدّعون وجود وثائق يزعمون بأنها تؤكد وجود أملاك لهم في سورية.

50% من الأراضي أميرية

في سياق متصل يقول مؤيد اليوسف لـ «الأيام»: حاولت إزالة الإشارة الموجودة على أرضي باسم السلطان عبد الحميد، ولكن لم أتمكن رغم محاولاتي العديدة مع الموظفين، حتى من خلال دفع مبالغ مالية لهم، لافتاً إلى أن جميع الأراضي في محافظتي حمص وحماه هي «أميرية» وتوارثناها من أجدادنا، وكانت حصة الأنثى مثل الذكر بحسب القوانين والتشريعات التي كانت مفروضة منذ العهد العثماني.

يكمل اليوسف: يجب على الدولة النظر بهذا الوضع سريعاً، ورفع إشارة الدعوى، فجميعنا نعلم ما فعلته تركيا بنا قديماً وحديثاً، وليس من المعقول أن نبقي شيئاً لمصلحتهم، وخاصة أن حفيد السلطان عبد الحميد كان قد صرح أكثر من مرة عبر وسائل الإعلام التركية بوجود وثائق تبين عودة ملكية الكثير من الأراضي السورية لجدهم السلطان، ولكن في كل مرة نطرح الموضوع يكون الجواب أنه يجري حالياً العمل على تحديث وتعديل القانون الخاص بالتجميل وإزالة الشيوع، الذي يهدف إلى فرز الأراضي الزراعية الشائعة بين مالكيها، وإعطاء كل مالك للأراضي الواقعة خارج حدود المخططات التنظيمية المصدقة والمجزأة تجزئة مفرطة قطعة أرض واحدة أو أكثر لتسهيل استثمارها واستصلاحها بالشكل الأمثل.

إقالة مدير لمحاولته التغيير!

يضيف اليوسف، بأنه خلال فترة السبعينيات، حاول مدير السجل العقاري آنذاك، وهو محام، تغيير النوع الشرعي إدارياً، تسهيلاً لمعاملات المواطنين، وذلك بإرفاق بيان قيد عقاري مع مخطط من البلدية يوضح أن الأرض الأميرية هي داخل الحدود الإدارية، بدلاً من إقامة دعوى من المالك على وزير الزراعة والإصلاح الزراعي والمدير العام للمصالح العقارية في سورية. وتقام عادة أمام محكمة البداية المدنية ثم تقوم إدارة قضايا الدولة بالاستئناف والطعن بالنقض.‏

ولكن سرعان ما أُقيل المدير، وتم العدول عنها إلى الطريقة القضائية، على اعتبار أن تسجيل النوع الشرعي للعقار في الصحيفة العقارية تم استناداً إلى قرار قضائي ولا يمكن تعديله إلا بقرار قضائي مماثل له في القوة الثبوتية، ولتغيير النوع الشرعي أهمية كبيرة في الإرث.‏

 قوانين العثمانيين «سارية» حتى اليوم!

وحول الموضوع يبيّن المحامي بسام محفوض لـ»الأيام» أنَّ حالة هؤلاء الفلاحين تشبه الكثير من الحالات، وهي شائعة بشكل كبير في محافظات حمص وحماه وريف دمشق، وتدعى بالأملاك الأميرية، حيث قام السلطان عبد الحميد بشراء جميع الأراضي في زمن احتلاله لسورية وجعل الفلاحين يعملون بها لصالحه، وحين سقط حكمه قامت الدولة باستملاك الأراضي ومن ثم بيعها للفلاحين بأسعار رخيصة جدا لا تتعدى 2000 ليرة سورية للدونم على شكل أقساط شهرية على أن يتم إفراغ الأرض لصالح المشتري.

وأضاف محفوض: مع الأسف الشديد، القوانين لم تتغير منذ العهد العثماني والفرنسي، ما جعل أورقة قصر العدل تعج بالكثير من القضايا من هذا النوع، وهذا خطأ لا يغتفر، فمن المتعارف عليه في القانون السوري سقوط الدعوى بالتقادم، وموضوع الأراضي الأميرية والدعوى المرفوعة لها كسبت من قبل الدولة السورية ومضى عليها أكثر من 100 عام، ولذلك من الطبيعي أن تلغى هذه الإشارة التي توضع على الأراضي، ولكنها رغم ذلك لم تلغَ، وتحتاج إلى دعوى قضائية، ما يزيد المشكلة تعقيداً ويصعب اكتشاف الحقيقة.

ويوضح محفوض: يمكن إبطال الإشارة الموضوعة على الأرض، وإن كانت صعبة، إلا أنها بنيت على قدسية قيود السجل العقاري، التي تقوم على أن تلك القيود هي مصدر الأمان للمواطن في اكتساب ملكيته، وبالتالي إن الاجتهاد القضائي قد كرس هذا المبدأ وحمى الشخص المالك للأرض.

قرارات حكومية لم تنفذ

من جهته، يؤكد المحامي علاء الدروبي المتخصص بالقضايا العقارية لـ «الأيام» أنه في عام 2008 صدر قرار حكومي لتشكيل لجنة قضائية في كل منطقة بناءً على اقتراح وزيري الزراعة والإصلاح الزراعي والإدارة المحلية والبيئة للنظر بوضع هذه الأراضي وتصحيح مواصفاتها، ولكن لم يتم العمل بهذا القرار حتى اليوم.

وبحسب الدروبي فإنه من المفترض إلغاء أصناف العقارات الأميرية وإلحاقها بالعقارات الملك، لقاء بدل تحدده وزارة المالية مع وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي بما لا يزيد عن 25% من القيمة المالية التقديرية المدونة على دفاتر المالية، وإلغاء إشارات الأوقاف الموضوعة لمصلحة السلاطين العثمانيين، وكذلك الموضوعة على العقارات الأميرية لقاء رسم مقطوع لصالح وزارة الأوقاف يحدد مقداره بالتنسيق مع وزارة المالية والمديرية العامة للمصالح العقارية، من خلال توحيد المرجعية العقارية في البلاد.

وبحسب الدروبي فإن المهلة التي أعطيت لتنفيذ هذه القرارات هي خمس سنوات على أن تعطى سلطة تغيير النوع الشرعي من أميري إلى ملك لمدير المصالح العقارية وذلك بموجب قرار يصدر عنه، و»لكن الفساد المنظم الذي ينتشر في العديد من المؤسسات الحكومية، وخاصة التي تتعامل بالأموال، كالعقارات والسيارات، يعد فساداً محمياً ومغطى من بعض أجهزة الرقابة والتفتيش لذلك لا نجد من يطبق القوانين والقرارات بشكل واضح وصريح».

الإشارة تبقى…

يؤكد مصدر من المديرية العامة للمصالح العقارية في حديثه إلى «الأيام» وجود سجلات تحتوي على ما كان يملك السلطان عبد الحميد الثاني في سورية، حيث  يقدر عدد الطابوهات التي كان يمتلكها السلطان عبد الحميد بـ 4280 طابو لافتاً إلى أنه لا يوجد معلومات كافية حول ما آلت إليه هذه الأراضي، ولكن من المتعارف عليه قانونياً أن الإشارات السابقة تبقى على الصحيفة العقارية، ويعدّ المشتري قابلاً بها وبنتائجها حكماً و قانوناً علماً أن وجود إشارات على صحيفة العقار لا يمنع مالكه من التصرف به ما دام البطلان الذي ينجم عنه نسبياً لمصلحة غيره من أصحاب الحقوق.

وأوضح المصدر أن تدقيق الوثائق أمام كاتب العدل، يتطلب تطبيق القوانين والأنظمة والقرارات والتعاميم والبلاغات الناظمة أصولاً، ولكن الخطأ الذي وقعت به المحاكم هو تركها نصوص القانون المدني الواضحة المعالم، والذي يعد جزءاً لا يتجزأ من الإرث القانوني الحضاري، لتطبق تعاميم وأوامر إدارية تعيق توثيق عقود البيوع والرهن والإيجار، الأمر الذي يعدّ شكلاً من أشكال هدر الحقوق المصانة بالدستور والقانون، فلا يوجد حتى تاريخه لجان لحل الخلافات، متسائلاً إذا ما كان على المواطن أن ينتظر قروناً لتتشكل وتنهي مهامها؟

الأرقام تتكلم…

بحسب الإحصائيات الصادرة عن وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، فإن هناك حوالي 38.48% من المساحات القابلة للزراعة في محافظة حماه هي تحت تصنيف «أراض أميرية»، في حين يوجد أكثر من 8.48 % من المساحات القابلة للزراعة في محافظة حمص ضمن هذا التصنيف، و7.8% من الأراضي الأميرية في محافظة دمشق وريفها، بينما في مناطق الساحل السوري فنسبة الأراضي الأميرية.

هل تتحرك حكومتنا؟

الكثير من المشاكل التي تعج بها أورقة القضاء، تعود بأسبابها إلى قدم القوانين السورية، فمن المعروف أن القانون يلامس الغالبية العظمى من المواطنين السوريين، ورغم مرور  قرابة قرن على سقوط الاحتلال العثماني عن سورية، وتحررها من القوانين والتشريعات التي كانت تمارس في زمن السلاطين، إلا أن الفاجعة الكبرى هي في عدم تعديل العديد من القوانين والتشريعات التي ما زالت تعد المرجع الوحيد في القضاء السوري، وفي يومنا هذا وبعد ما شهدناه من أعمال إجرامية من قبل الجانب التركي، والذي تمثل في دعمه الممنهج للإرهاب المسلح في سورية، هل سيكون هناك من ينهي هذه المهزلة التي تمس بسيادة البلاد قبل أن تمس بحقوق الآلاف من المواطنين السوريين، الذين تتعطل مصالحهم نتيجة قرارات احتلالية للباب العالي العثماني، لم تستطع عشرات الحكومات السورية المتعاقبة من إبطال مفعولها ووضع حد لذيول الاحتلال والذي يعود اليوم للظهور في مناطق جديدة في شمال سورية اعتماداً على نفس العقلية الاستعمارية البائدة، فكيف سنحل هذا الاحتلال الجديد ونحن ما زلنا عاجزين عن بتر ذيله القديم؟!

سؤال كبير نضعه في رسم حكومتنا وقضائنا… فهل من مجيب؟!

نور ملحم

 

 

سيريا ديلي نيوز


التعليقات