د. عقيل سعيد محفوض

ملخص

أعطى الرئيسُ بشار الأسد مؤشراتٍ متزايدةً على أولويّةِ أو مركزيّةِ المصالحات والتسويات في خياراته وأجندته السياسيّة والعسكريّة. وقد أخذ مسارُ المصالحات والتسويات يتقدّم نسبيّاً على مسار العمليّات العسكريّة أو يوازيه، بعدما كانت إكراهات الأزمة وتعقيداتها عائقاً أمام مجرّد التفكير فيه، على قاعدة أن "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة".

ركزت سياساتُ إدارةِ الأزمةِ على التسويات والمصالحات، بوصفها مدخلاً مناسباً ورئيساً لدى النظام السياسيّ والدولة، من أجل احتواء ما أمكن من مصادر التهديد الداخلية، وتفكيك عوامل الاحتقان والاستقطاب الداخليّ والإقليميّ، وتفادي انزلاق الأوضاع في الداخل إلى حرب شاملة.

إنَّ الدخولَ في مصالحات وتسويات، يؤدي إلى "تضييق" أو "تقليص" نطاق المعارك والمواجهات التي يخوضها الجيش السوريّ وحلفاؤه. ويمثل ذلك سلاحاً ماضياً في تفكيك عدد من العقد والمقولات والصور والمدارك النمطية المشوّهة عن الوضع في سورية، وعن الأزمة والحرب، مما خلقته وأشاعته وأعادت إنتاجه فواعل المعارضة وحلفاؤها.

رفضت الأممُ المتحدةُ الاعتراف بالمصالحات، فهي تريد "انتقالاً سياسياً"، مؤكدةً أنَّ التسوياتِ والمصالحاتِ والتغيُّرَ في ميزان السيطرة والأمن لصالح الدولة أمورٌ لن تبدّلَ شيئاً من إطار العمل حول سورية، أعني عملية جنيف وأطرها المرجعية، تحديداً القرار 2254.

إنَّ المصالحات والتسويات ليست مجرّد تكتيك حرب، وإنما هي سياسة كليّة، وعمل سيكولوجيّ نفسيّ، يؤكد أنَّ الحرب والقتال ليسا هدفاً بحدّ ذاته، وإنَّ منطق الدولة في هذه المرحلة هو المطالبة بالطاعة والتزام القانون وليس الولاء للنظام السياسيّ، وإنَّ لا ثأريّةَ ولا انتقامَ من قبل النظامِ السياسيِّ والدولة تُجاه المعارضة وبناها وحواضنها الاجتماعية.

ثمة ديناميات تغلغل خارجيّة لا تزال نشطة، تحديداً بالنسبة لـ "دور" الولايات المتحدة في شرق الفرات، وتركيا في إدلب وشمال حلب، و"إسرائيل" والأردن وغيرهما في المنطقة الجنوبيّة، وهذا ما يمثل مصدر تهديد للأمن الوطنيّ، ويتطلبُ خطةَ استجابةٍ نشطة وفعّالة أيضاً. إنَّ التسويات والمصالحات و"العودة إلى حضن الوطن" أمورٌ لا تعني الدخول في علاقة ولاء للنظام السياسيّ أو الدولة.

إنَّ نمط المصالحات والتسويات وعودة سلطة الدولة، لا تعني عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل آذار/مارس 2011. وقد تغيرت الأحوال كثيراً، ولا بدَّ من إعادة تعريف وتأكيد معنى الدولة وسلطتها وقوتها، وفقاً لخبرة السنوات الماضية وخبرة الحرب، والفواعل والشبكات الناهضة في سورية، في مناطق سلطة الدولة والموالاة، والمناطق التي تمت استعادتها، وهذا يرتبط بنمط التسوية النهائيّ، وميزان المعنى والقوّة في البلاد. ويُحتملُ أن يكون العديدُ من تلك القضايا والمفردات نوعاً من استمرار للحرب ولكن بوسائل أخرى.

تتألف الدراسة من مقدَّمة وعشرة محاور، أولاً- منطق المصالحات، وثانياً- في الأهداف والاستراتيجيات، ويتضمن: تكتيكاً عسكريّاً واستراتيجيّاً، وأهدافاً نفسيّة ومخياليّة، واستراتيجيات قَبْلِيَّة، واستراتيجية بَعْدِيّة، وسياسة احتواء، وثالثاً- رهان المعارضة، ورابعاً- تطور مسار المصالحات، وخامساً- الأمم المتحدة: لا تصالح! وسادساً- السمات والأنماط ويتضمن السمات والأنماط، وسابعاً- المضامين والإجراءات، وثامناً- الإكراهات، وتاسعاً- في المسارات المحتملة، وعاشراً- الإشارات والتنبيهات، وأخيراً خاتمة.

 

 

مقدمة

أعطى الرئيسُ بشار الأسد مؤشراتٍ متزايدةً على أولويّةِ أو مركزيّةِ المصالحاتِ والتسوياتِ في خياراته وأجندته السياسيّة والعسكريّة، وكرّرَ في مناسبات عديدة ثنائيته الشهيرة حول السلم والحرب التي كان أطلقها تُجاه الإدارة الكردية في منطقة الجزيرة (31 أيار/مايو 2018)[1]، وكذلك الأمر حيال درعا والقنيطرة (تموز/يوليو 2018)، قائلاً: "إما المصالحة أو التحرير بالقوة"[2].

وقد أخذ مسارُ المصالحات والتسويات يتقدم نسبيّاً على مسار العمليات العسكريّة أو يوازيه، بعدما كانت إكراهات الأزمة وتعقيداتها عائقاً أمام مجرّد التفكير فيه، على قاعدة أن "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"، وكان هذا على جانبي الحرب.

 

لم تكن المصالحاتُ والتسوياتُ ذاتُ جاذبيةٍ كبيرةٍ لدى "الموالاة" لاعتقادها أنَّ الحلَّ الوحيد هو القضاء على الإرهاب، وتفكيك بناه وحواضنه الاجتماعية والثقافية وتكويناته المسلحة.

عندما دعا النظامُ السياسيُّ للمصالحات والتسويات، وأعلنها هدفاً رئيساً وجزءاً من أولوياته، رفضتها المعارضة وحلفاؤها، لاعتقادهم أن الأزمة السورية لا بدّ أن تنتهي بإسقاط "النظام" والسيطرة على الدولة، ثم لاعتقادهم أنَّ المصالحات لا تعدو أن تكون تكتيكاً سياسيّاً وعسكريّاً ونوعاً من ديناميات تفكيك وإجهاض للمعارضة بالمباعدة بينها وبين حواضنها وبيئتها الاجتماعية، أو بتوهين حَمَاسِ تلك الحواضن والبيئات لها، وتأكيد منطق العودة إلى حضن النظام السياسي والدولة وليس الخروج عليهما ومناهضتهما.

 

ولم تكن المصالحاتُ والتسوياتُ ذاتُ جاذبيةٍ كبيرةٍ لدى "الموالاة" لاعتقادها أنَّ الحلَّ الوحيد هو القضاء على الإرهاب، وتفكيك بناه وحواضنه الاجتماعية والثقافية وتكويناته المسلحة، ولاعتقادها أيضاً أنَّ المصالحات تُظهرُ المعارضةَ قويّةً وقادرةً على التفاوض وفرض شروطها، وتُظهر النظام السياسي والدولة أقل دافعية واندفاعاً لمحاربة الإرهاب، رغم الدماء والدمار والأضرار التي أصابت البناء الاجتماعي والدولتي طيلة مدّة الحرب[3].

تأتي غالباً تسمياتُ "المصالحات" و"التسويات" متداخلة من حيث الدلالات والمعاني اللغوية والتعبيرية والمعرفية، ومن حيث التطبيقات والإجراءات، وكأنَّ الكلمتين أو التسميتين مترادفتان أو تحيلان إلى شيء واحد تقريباً.

لا تُقدِّم الورقةُ مسحاً تفصيليّاً ولا عرضاً لإجراءات ونصوص اتفاقات المصالحة والتسويات، لكثرتها وكثرة تفاصيلها، إنما تحاول أن تتلمّسَ المشتركَ بينها، من حيث دوافعها والمنطق الكامن خلفها، وتغيُّر نطاقها والأوزان النسبية لفواعلها، وتأثيراتها في المشهد السوري.

تتناول الدراسة سياسات التسوية والمصالحة في الأزمة السورية من خلال مقدمة وعشرة محاور، أولاً- منطق المصالحات، وثانياً- في الأهداف والاستراتيجيات، ويتضمن: تكتيكاً عسكريّاً واستراتيجيّاً، وأهدافاً نفسية ومخيالية، واستراتيجيات قَبْلِيَّة، واستراتيجية بَعْدِيّة، وسياسة احتواء، وثالثاً- رهان المعارضة، ورابعاً- تطور مسار المصالحات، وخامساً- الأمم المتحدة: لا تصالح! وسادساً- السمات والأنماط ويتضمن السمات والأنماط، وسابعاً- المضامين والإجراءات، وثامناً- الإكراهات، وتاسعاً- في المسارات المحتملة، وعاشراً- الإشارات والتنبيهات، وأخيراً خاتمة.

 

 

أولاً- منطق المصالحات

إنَّ المنطق أو الدافع العميق للمصالحات –من منظور النظام السياسيّ والدولة– هو أنَّ ثمة ما أدى إلى "اختلال" في العلاقة بين الدولة والمجتمع، وانفجار الأوضاع في سورية حرباً مركبة مديدة، لا مثيل لها تقريباً أو غير مسبوقة في سياسات المنطقة والعالم[4]، وإنَّ الحلَّ لا بدَّ أن يكون في "إعادة الأمور إلى نصابها" في إطار النظام والقانون وفي ظل الدولة، ومن دون تدخل خارجيّ، إن أمكن أو ما أمكن؛ ذلك أن "حضن الوطن" يتسع للجميع.

 

كانت المصالحات والتسويات جزءاً من سياسات أمنية لتفكيك بؤر مسلحة معارضة في أحياء من مدن وفي قرى ومناطق ريفية مختلفة.

ثمة مفارقة في سياسة المصالحات والتسويات، إذ إنّها تعبير عن تحول أو انقلاب في جانب من ديناميات الأزمة السورية التي أخذت شكلَ "حراك سياسيّ" في البداية، فيما كان "الشكل المسلح" هامشيّاً، وفي وقت كان النظام السياسيّ والدولة فيه يؤكدان على أن الحوار والتسويات والمصالحات هي المدخل الرئيس للحلّ، وأما المدخل العسكري فيجب أن يكون ثانويّاً وفي حال الاضطرار بقدْرِ الإمكان.

 

وأما ما حدث بعد ذلك، فهو أن الأزمة اتخذت طابعاً مسلّحاً، وظهرت التنظيمات والشبكات الجهادية فيما سُمّي بـ "عسكرة الثورة"؛ ذلك في إطار سياسات إقليمية وعالمية ضاغطة ومناهضة للنظام السياسيّ والدولة في سورية. ثم كانت المصالحات والتسويات جزءاً من سياسات أمنية لتفكيك بؤر مسلحة معارضة في أحياء من مدن وفي قرى ومناطق ريفية مختلفة.

يتعلق الأمر بـ "انقلاب" المشهدِ الميدانيّ من سياسيٍّ إلى مسلح، وانقلاب ديناميات وتكتيكات المصالحة والتسويات من أن تكون بين النظام السياسيّ والدولة من جهة وفواعل سياسيّة مُعَارِضة من جهة أخرى، إلى مصالحات وتسويات بين النظام السياسيّ والدولة من جانب ومجموعات وفواعل مسلحة من جانب آخر.

وفي الحالة الثانية، كانت مجموعاتُ المعارضةِ السياسيّةِ مناهضةً بالتمام لتلك التسويات والمصالحات، وكذلك كان موقف حلفائها أو رعاتها الإقليميين والدوليين، الأمر الذي يحيل أيضاً إلى حالة فُصام سياسيّة وإدراكيّة بين بنى المعارضة السياسيّة والعسكريّة، وحتى مع تشكيل وفود هجينة من معارضين سياسيين وآخرين مسلحين، إلا أنَّ الكلمة العليا في تشكيلات المعارضة كانت لممثلي المجموعات المسلحة، وهؤلاء هم  الذين دخلوا في المصالحات، كما أصبحوا جزءاً من عملية جنيف، ولكن بصورة خاصة جزءاً من عملية أستانة، ثم التسويات والمصالحات التي حدثت في الغوطة بريف دمشق، والرستن بريف حمص، وفي درعا والقنيطرة في المنطقة الجنوبية.

تقع سياسة المصالحات والتسويات بين مخافتين أو جاذبيتين:

  • الأولى هي غيابها أو إبعادها أو عدم تفضيلها، ما يعني استمرار حال المواجهة، الأمر الذي يسبب المزيد من الحرب والتدمير والدماء، وهذا استنزاف للموارد الماديّة والمعنويّة.
  • الثانية هي وجودها والمُضي فيها بوصفها هدفاً بذاتها، ما يعني الدخول في تسويات مديدة وتجميداً للأوضاع يهدِّدُ باحتمال وجود "كيانيات" بعيداً عن سلطة الدولة، وفي مواجهتها، ولو أنّها ضمن حدودها وغير منفصلة عنها بالمعنى السياديّ أو الدولتيّ.

أثارت المصالحات مخاوفَ جِدِّيّةً على طبيعة "إعادة إدماج" مناطق أو مجموعات مسلحة وحواضنها الاجتماعية في بنى النظام الاجتماعيّ والسياسيّ والدولة؛ ذلك أنَّ ديناميات التغلغل والاختراق والولاء للخارج لا تزال قائمة في العديد من المناطق التي عادت إلى سلطة الدولة، كما هو حال المنطقة الجنوبية[5]، حيث زار الآلافُ من الأفرادِ "إسرائيل"؛ ويُرجّحُ أن يحدث ذلك في منطقة إدلب، حيث أعلنت جماعات وبنى اجتماعيّة وسياسيّة محليّة مطالبها بـ "فرض وصاية تركية" وحتى الانضمام إلى تركيا[6].

 

 

ثانياً- في الأهداف والاستراتيجيات

راهنَ الرئيسُ بشارُ الأسد على المصالحاتِ والتسوياتِ في لحظةٍ لم تكنْ ثمة مؤشراتٌ كثيرة على إمكان تطورها إلى خيارٍ أو مسارٍ سياسيٍّ واستراتيجيٍّ رئيس في الأزمة. وفي وقت كان الكثير من المتابعين والمتلقين وفواعل السياسة يتوقعون أن ترتفع في دمشق "رايات بيضاء" تدلُّ على استسلام النظام السياسيّ والدولة أمام موجةٍ كاسحةٍ من الضغوطِ والتدخلات السياسيّةِ والأمنيّةِ، والدخول في مرحلة انتقالية سريعة، كما أرادت دولٌ كثيرةٌ مناهضةٌ لدمشق[7]، فقد كان الرئيس بشار الأسد يتحدث عن أزمة طويلة ومعقّدة قد تجرّ الإقليم والعالم إلى مواجهة غير مسبوقة[8].

ركزت سياساتُ إدارة الأزمة على التسويات والمصالحات، بوصفها مدخلاً مناسباً ورئيساً لدى النظام السياسيّ والدولة، من أجل احتواء ما أمكن من مصادر التهديد الداخلية، وتفكيك عوامل الاحتقان والاستقطاب الداخلي والإقليمي، الذي عمل لصالح الحلف المعادي للنظام السياسي والدولة. ويمكن تركيز أهداف استراتيجية التسويات والمصالحات في النقاط الرئيسة الآتية:

تكتيك عسكريّ واستراتيجيّ

 

إنَّ الدخول في مصالحات وتسويات، يؤدي إلى "تضييق" أو "تقليص" نطاق المعارك والمواجهات التي يخوضها الجيش السوريُّ وحلفاؤه، وهذا يتيح له تكثيف وتركيز جهده العسكريّ واللوجستيّ، ما يساعده في خوض معارك ذات أهمية استراتيجية

تفادي انزلاق الأوضاع في الداخل إلى حرب شاملة أو حرب أهلية، وهذا ما أرادته ودفعت إليه عوامل التدخل الإقليميّ والدوليّ، من مَذْهَبَةٍ وتطييفٍ، وإقامة بنى وشبكات تدفق للمال والمقاتلين التكفيريين والمرتزقة من جميع أنحاء العالم، ومحاولة دفع سورية إلى حالة هوبزية (من هوبز) تشبه أحوال بلدان أخرى مثل أفغانستان والصومال، أي "حرب الكلّ ضد الكلّ". ويتضح أن ما قامت به سياسات الحكم في هذه النقطة، أي المصالحات والتسويات، يتجاوز كونه تكتيكاً عسكريّاً، لكن البعد العسكريّ والاستراتيجي فيه واضح تماماً، كيف؟

 

إنَّ الدخول في مصالحات وتسويات، يؤدي إلى "تضييق" أو "تقليص" نطاق المعارك والمواجهات التي يخوضها الجيش السوريُّ وحلفاؤه، وقد تجاوز عددها مئات المواقع، وهذا يتيح له تكثيف وتركيز جهده العسكريّ واللوجستيّ، ما يساعده في خوض معارك ذات أهمية استراتيجية، وبقدْرٍ أقل من التشتت والاستنزاف، وقد حدث ذلك بالتوازي مع اتفاقات خفض التصعيد وفق إطار أستانة.

أهداف نفسيّة ومخياليّة

على مبدأ "أثر الفراشة"، إنَّ أيَّ مصالحة أو تسوية، صغيرة كانت أم كبيرة، وأيَّ توقف للأعمال القتالية، وأيَّ أفراد يعودون إلى "حضن الوطن"، أو يمتنعون عن حمل السلاح بوجه الجيش والدولة، مهما كان عددهم قليلاً، أمورٌ تؤثرُ بصورة إيجابيّة في المزاجِ العام، نفسيّاً وإدراكيّاً وتراكميّاً، ويمثل ذلك سلاحاً ماضياً في تفكيك عدد من العُقد والمقولات والصور والمدارك النمطيّة المشوهة عن الوضع في سورية، وعن الأزمة والحرب، ممّا خلقته وأشاعته وأعادت إنتاجه فواعل المعارضة وحلفاؤها.

تخففُ المصالحاتُ والتسوياتُ الدوافعَ المخيالية والمدارك السلبيّة؛ بل العدائيّة، من أنَّ النظام السياسيّ والدّولة سوف يقومان بالانتقام من المعارضين و"اقتلاع" أو "تدمير" البنى والحواضن الاجتماعية المؤيدة لهم.

يتضح أنَّ شيئاً من تخوفات وهواجس المخيال الاجتماعيّ المعارض أو المتأثر بالمعارضة وحلفائها لم يحدث، بل إن ما حدث قد يكون العكس، أي أنَّ الدولة ربما "بالغت" –بنظر البعض– في طمأنة من كان يجب التعاطي معهم بكيفية مختلفة، بما في ذلك المسلحون منهم الذين شاركوا في عمليات عسكريّة وخطف وقتل وتدمير، إذ إنَّ تطورات الحدث كشفت عمّا كان "مسكوتاً عنه" أو "متنكراً له" في بداية الأزمة، من بعد تسليحيّ وتكفيريّ وتدخل خارجي في الأزمة، ولم يعد بالإمكان الحديث عن ناس مُغرّر بهم أو مُضلَّلَين، إلا من وقع تحت سيطرة الجماعات المسلحة، ولم يكن لديه أي خيارات جِدِّيّة في الخروج أو التملص أو التخلص من حكمها وسيطرتها.

والواقعُ أنَّ "سياساتِ الطمأنة" ركزت على هذا الجانب، وقد تكون أخفقت في تأمين أو تأهيل بيئة جذبٍ مناسبة لشريحة كبيرة من الناس؛ ذلك تحت تأثير عوامل غير مباشرة أو محيطية، مثل: الإخفاق في إصلاح السياسات والخدمات العامة، والمخاوف من نظام التجنيد الإلزامي، وصعوبات في إعادة تأهيل المساكن، إلخ... وهذا جعل التطلع إلى مغادرة البلاد أو عدم العودة إليها هو الخيار الأقرب بالنسبة لكثيرين.

استراتيجيات قَبْلِيَّة

إنَّ المُصالحاتِ والتسّوياتِ استراتيجيةٌ قَبْلِيّةٌ وبَعْدِيّةٌ بالنسبة للحرب السورية، قَبْلِيّة بمعنى أنها سابقة للحرب، إذ لجأ النظام السياسيّ والدولة للبحث عن سبل للحلّ بإرسال مسؤولين واستقبال أعيان ووجهاء وقيادات عمل أهليٍّ ومحليٍّ. وقد استقبل الرئيس بشار الأسد في الأشهر الأولى من الأزمة مجموعات ووفوداً من الفعاليات المحلية، بدءاً من درعا، وصولاً إلى مختلف المناطق السورية، ودعا إلى مؤتمرٍ تشاوريٍّ للبحث في حلٍّ ممكنٍ للأزمة (10 تموز/يوليو 2011)، وتشكلت لجان للحوار في المحافظات تم إجمال توصياتها واستخلاصاتها في تقارير قيل: إنّها مثلت الأساس في رسم البرنامج والسياسات الحكومية. 

استراتيجية بَعْدِيّة

تُعَدُّ بَعْدِيّة، بمعنى أنها بقيت مساراً موازياً للأعمال العسكرية وتواصلت بعدها، وأخذت منذ بعض الوقت تكتسب مقام الأولويّة والقوامة عليها أو على تكتيكاتها. ويُلاحظ أنَّ المصالحات والتسويات كانت أمنية في المقاوم الأول، حتى في الجوانب الفنيّة والإجرائيّة، وأما سياسات المصالحة على المستوى الوطنيّ، فتتجاوز إحداث وزارة أو هيئة للمصالحة، إلى وضع خطة استجابة عميقة وشاملة، وعلى مستوىً وطنيٍّ. وهذا باب يتطلب المزيد من البحث والتقييم والتقصّي.

سياسة احتواء

ليست المصالحات والتسويات مجرّد استراتيجية مواجهة بالمعنى العسكريّ والسياسيّ، إنما هي إلى ذلك استراتيجيةُ احتواء لمصادر التهديد الاجتماعية والثقافية، ونوعٌ من تفكيك لمدارك اجتماعيّة ودينيّة ومذهبيّة وسياسيّة سلبيّة تُجاه النظام السياسيّ والدولة وفي مواجهتهما، وقد نظرت إليها فواعل السياسة العليا للنظام السياسيّ والدّولة بوصفها استراتيجية "طمأنة" و"تخفيف" من الاحتقان الاجتماعيّ والمناطقيّ والدينيّ والمذهبيّ، إلخ... كما أنَّ النظام السياسيّ والدولة ينظران للمعارضين بوصفهم مُغَرَّراً بهم أو مُغفَّلين أو طموحين أخطأوا السبيل أو مُعارضين سياسيين واجتماعيين وقعوا في سوء تقدير خطير للأمور، ومن ثم فإنَّ السبيل الأفضل للتعاطي معهم هو استخدام ديناميات التسوية والحلّ، التي تعني أن العودة ممكنة إلى "حضن الدولة"، وأن مجرد إلقاء السلاح وإعلان الولاء للدولة وفك الارتباط للخارج كفيل بإنهاء كلِّ شيءٍ تقريباً وعودة الأمور إلى طبيعتها.

 

 

ثالثاً- رهان المعارضة

لئن كان منطقُ المصالحةِ لدى النظامِ السياسيِّ والدولةِ نوعاً من استراتيجيةٍ وتكييفٍ وإعادةِ إدراجٍ وإدماجٍ، إلا أنه لدى الجماعات المسلحة المعارضة يُعَدُّ نوعاً من "تسوية مؤقتة" وليس نهائية، وثمة خصوصية قد تكون مديدة أو دائمة لأوضاع تلك المناطق، بما في ذلك إمكان عودة تأثيرها في السياسات العامة، وربما الانقلاب عليها بوسائل سياسية، وبقائها "ورقة" يمكن تحريكها أو دفعها للانقلاب على مسارات وخيارات الحلّ النهائيّ للأزمة، وحتى في سورية ما بعد الحرب[9].

 

إنَّ تغيُّرَ الميزان العسكريّ والإقليميّ والدوليّ، وتمكينَ النظامِ السياسيِّ والدّولة، جعلا منطق المصالحات أكثر قوة وتواتراً، وهو أقل تكلفة بكثير من العمليات العسكرية.

بالنسبة للجماعات المسلحة، يتعلق الأمر بطبيعة المناطق الداخلة في المصالحات، والتجربة والخبرة المتحصّلة لدى تلك الجماعات من وجودها في تلك المناطق، حيث يكون التفاوض على بقاء من يريد البقاء من الناس ومن المسلحين "بعد تسوية أوضاعهم"، ومتطلبات واشتراطات ذلك. كما أنَّ منطق الميليشيات المسلحة والبنى الاجتماعية الموالية لها أو الخاضعة لسيطرتها، تطور من تحقيق مكاسب معنوية تتمثل بالقول: إنها أجبرت النظام السياسيّ والدولة على التفاوض معها، وإطلاق سراح معتقلين أو أسرى أو حتى مكاسب ماديّة، إلى موافقتها على نقل مقاتلين وبنى اجتماعية مؤيدة لها إلى مناطق أخرى بعامّة، وإدلب وقرب الحدود مع تركيا بخاصّة، و"تحييد" مناطق معينة من عمليات عسكريّة، إلخ... تحت عناوين وذرائع شتى.

 

ثم إنَّ تغيُّرَ الميزان العسكريّ والإقليميّ والدوليّ، وتمكينَ النظامِ السياسيِّ والدّولة، جعلا منطق المصالحات أكثر قوة وتواتراً، وهو أقل تكلفة بكثير من العمليات العسكرية. وقد وصلت الجماعات المعارضة لأن تبرّر و"تشرعن" السير في المصالحات أو التسويات وفق منطق الغلبة والقوة الذي حكم الموقف، ميدانيّاً وحتى فقهيّاً وشرعيّاً! على أساس أن لا مستقبل فعليّاً أو لا جدوى من العمل ضد الدولة في مناطق معينة، ولا أمل باستمرار الأوضاع أو تجميدها، ومن ثم فهي (الجماعات المسلحة) إزاء خيارين لا ثالث لهما، إما المصالحة/التسوية بالمعنى المشار إليه أعلاه، وإما الموت.

هذا لا يعني أن تلك الجماعات كانت تميل بالفعل للسياسة، إنما لم يكن لديها خيارات جِدِّيّة، ثمة خياران لا ثالث لهما، وفي الوقت الذي عوّلت فيه مجموعات مسلحة على دعم أمريكي وتركي وغربي، إلخ... على تغيير ميزان القوى، وتقديم دعم كبير للمجموعات المسلحة يمكنها من كسر تفوق الجيش السوريّ وحلفائه أو يضمن لها الاستمرار، إلخ... فقد كانت الحصيلة هي المزيد من الخسران والإحباط، وهذا ما حدث لتلك الجماعات في أحياء من مدينة حلب، وحرستا ودوما بريف دمشق، ودرعا والقنيطرة.

 

 

رابعاً- تطور مسار المصالحات

تُمثل التهدئة والمصالحات والتسويات المحلية –من منظور الدولة السورية– أفضل الاستجابات الممكنة للأزمة؛ ذلك بسبب "انحباس" المسار السياسي في جنيف، وهو المسار المحكوم بتدخلات خارجيّة وإرادات دوليّة. وهذا يفسِّرُ تطور تلك السياسات (التسويات والمصالحات) لتصبح أولويّة لدى سورية وحلفائها، وجزءاً من دينامية دولية وازنة كما هو الحال مع مسار أستانة، أو ما حدث في أجوائه ووفق منطقه من تسويات كبرى في ريف دمشق والمنطقة الجنوبية.

وتقع المصالحات والتسويات بين نمطين رئيسين:

  • الأول، هو تأجيل أو تجميد الأوضاع بشكل اتفاق (أو توافق) غير رسمي يشير إلى عدم تفضيل المواجهة أو الحرب، وتسكين الأوضاع مقابل التزام الأطراف بـ "عدم الاعتداء" أو عدم القيام بخروقات كبيرة، واستمرار عمليات التواصل والتبادل وحركة السلع والأشخاص، واستمرار الخدمات التي تقدمها الدولة بكيفية عامة. وهذا ما حدث في أماكن كثيرة في البلاد. والواقع أن هذا لا يدخل على نحوٍ تام في نطاق المصالحات والتسويات بالمعنى السياسيّ والقانونيّ، إنما يمكن عَدّه جزءاً من تكتيكات واستراتيجيات الحرب.
  • الثاني، هو الاتفاق الفعليّ المنصوص عليه في مذكرات وبنود، ووجود ضمانات وضامنين محليين، مثل: وجهاء وأعيان، أو إقليميين، مثل: حزب الله أو إيران أو تركيا، ودوليين، مثل: روسيا، إلى جانب مُيَسِّرين أو مراقبين وشهودٍ، مثل: مصر والأردن.

تطورت عملية المصالحات والتسويات لجهة النطاق والفاعل:

  • من محلية وجزئية، كما حدث في بعض القرى والبلدات في ريف دمشق، مثل: التل، والهامة، وقدسيا، وخان الشيح.
  • إلى مناطقية أكثر اتساعاً، مثل: أحياء شرق حلب.
  • ثم أجزاء كبيرة من منطقة القلمون،
  • ثم الرستن بريف حمص (أيلول/سبتمبر 2017).
  • وبعدها في مدن وبلدات الغوطة الشرقية بريف دمشق (نيسان/أبريل-أيار/مايو 2018).
  • وصولاً إلى درعا والقنيطرة في المنطقة الجنوبية (تموز/يوليو 2018).

وتطورات لجهة الفاعل:

  • من عملية يتم الإعداد لها والدخول فيها من قبل ممثلين للنظام السياسيّ والسُّلطات المدنيّة والعسكريّة من جهة، وممثلين عن الجماعات المسلحة والبنى الاجتماعية الموالية لها من جهة أخرى.
  • إلى عملية بين الفواعل المذكورة نفسها مع تزايد تدخُّل أو مشاركة فواعل إقليمية أو دولية.
  • وتطور الحال بزيادة الوزن النسبيّ للأطراف والفواعل الخارجيّة، سواء أكانت روسيا وإيران وحزب الله من جهة النظام السياسيّ، أم تركيا وإلى حدٍّ ما قطر والأردن و"إسرائيل" وغيرها من جهة الجماعات المسلحة.
  • ثم إن دور تلك الأطراف المذكورة أعلاه بعامة، وروسيا وتركيا بخاصّة، كان في ازدياد، لدرجة أمسى معه صانعاً أو مهندساً ومدبراً رئيساً لمصالحات أو ضامناً رئيساً لمصالحات، اتفاق دوما بريف دمشق، واتفاقات درعا والقنيطرة.

أخذت المصالحات تتخذ طابعاً دوليّاً وإقليميّاً، تراجع فيه إلى حدٍّ كبيرٍ دور الفواعل المحلية أو السوريّة. والواقع أنَّ بعضَ الفواعلِ الدوليّةِ والإقليميّةِ أخذَ يمارسُ دوراً، كما لو أنه "فاعل محليّ" أو "مُفوَّض" في ديناميات الأزمة، وهذا يتعلّق أساساً بـ روسيا، وإلى حدٍّ ما إيران، كقوتين موجودتين بشكل شرعي في سورية، وتركيا والولايات المتحدة الموجودتين بشكل غير شرعي فيها، وهي فواعل انخرطت في ديناميات الحرب، وتماهت رهاناتها ومصالحها تماماً مع فواعل داخليّة، وبرزت لكل منها بنى وفواعل اجتماعيّة مرتبطة بها أو مقربة منها، ما سوف يخلق تحديات كبيرة أيضاً للبناء الاجتماعيّ والعقد الاجتماعيّ والوطنيّ لسورية ما بعد الحرب، إذ ليس سهلاً تفكيك تلك التجاذبات والولاءات والرهانات الخارجية المنغرسة في البناء الاجتماعيّ.

 

 

خامساً- الأمم المتحدة: لا تصالح!

رفضت الأممُ المتحدةُ الاعتراف بالمصالحات، وقد كانت لها رؤيةٌ وسياساتٌ حول الحدث السوريّ مختلفةٌ جذريّاً عن رؤية النظام السياسيّ والدولة، وهذا واضح منذ أول مبعوث أُممي خاصّ بالأزمة السوريّة كوفي عنان وحتى اليوم، إذ إنَّ المطلوب من منظور المنظمة الدوليّة هو "انتقال سياسيّ"، ونقطة على السطر، لكنَّ مسارات الحدث وإكراهاته تجاوزت كلّ ذلك.

ما حدث هو أنَّ عملَ المبعوثين الدوليين، بدءاً من عنان، وصولاً إلى دي مستورا، كان محكوماً بإكراهات الحدث وتفاعلاته الداخليّة والإقليميّة والدوليّة، والواقع أنَّ هندسة الأزمة وإدارة جانب كبير منها تَمَرْكَزَتا لدى فواعل رئيسة، مثل: روسيا والولايات المتحدة على المستوى الدوليّ، وإيران وتركيا على المستوى الإقليميّ، والنظام السياسيّ والدولة على الصعيد الداخلي، وهذا ما جعل عملية جنيف –التي ترعاها الأمم المتحدة– متغيّراً تابعاً وهامشيّاً لمتغيّر رئيس هو التفاهمات والتجاذبات بين الفواعل الإقليمية والدولية المذكورة!

توصّل المبعوثُ الدوليُّ ستيفان دي مستورا في تشرين الثاني/نوفمبر 2014 إلى قناعة مُفادها أنَّ الحلَّ الكليَّ للأزمةِ السوريّةِ يكاد يكون مستحيلاً، واقترحَ أن تكون ثمة هُدن محليّة أو جهويّة/مناطقية، يتم اختبار وقف إطلاق نار أو تجميد القتال فيها، ومن ثم يمكن نقل التجربة أو توسيع نطاقها إلى مناطق أخرى من سورية[10]. ورأى أن تكون البداية في حلب، لكن احتدام الأمور جعل دي مستورا يتعامل مع واقع بالغ التعقيد، وقد كان مصرّاً على تجاهل تغيُّرات ميزان القوة وخرائط السيطرة في سورية.

 

تعوقُ الأممُ المتحدة والمنظماتُ التابعة لها سياسات الدولة السورية وروسيا الرامية لعودة اللاجئين، وهذا يتناغم بالتمام تقريباً مع اشتراطات الولايات المتحدة وحلفائها.

ثمة ما يمكن مقارنته والبحث فيه، معرفيّاً وتحليليّاً، بين ما اقترحه دي مستورا بشأن تجميد القتال في حلب وإقامة "مناطق خفض التصعيد" التي تم التوافق عليها لاحقاً في إطار عملية أستانة، وقبل ذلك وبعده، بين المصالحات واتفاقات التسوية الجزئيّة والجهويّة/المناطقيّة التي أقامتها السلطات السوريّة مع فواعل معارضة.

 

يمكن ملاحظة نمطين رَئيْسَي التكرار في خطاب وسلوك الأمم المتحدة حيال ما يجري في سورية[11]:

  • من حيث الموضوع، أي تكرار ما يقوله عن أولويّة جنيف على المسارات الأخرى، مثل: أستانة وسوتشي، بما في ذلك –وفي القلب منه– المصالحات والتسويات، وأنَّ أيّ اتفاقات وتفاهمات يجب أن تمرّ عبر الأمم المتحدة، وهو متوافق في ذلك تماماً مع ما تقوله الولايات المتحدة وحلفاؤها بهذا الخصوص.
  • من حيث الزمن، إذ يخرج مسؤولو الأمم المتحدة في لحظات يتم تخيُّرها بعناية –وهذا بات معروفاً ويمكن توقعه– ليقولوا الشيءَ نفسه تقريباً –مما ذكرنا أعلاه– تحديداً في معرض إجراء مفاوضات التسوية ومفاوضات اتفاقات خفض التصعيد، والأهم هو قبيل أو وقتَ قيام عمليات الجيش السوريّ وحلفائه لاستعادة مناطق من سيطرة الجماعات المسلحة، كما حدث حينما استعاد الجيش السوريّ السيطرة على الغوطة بريف دمشق مثلاً.

اللافت أن المنظمة الدوليّة وتوابعها، تُكرر التعبير عن مخاوفها من أمور تعرف أنَّها لن تحصل، فهي تخوَّفَت على المدنيين في أحياء من مدينة حلب، ثم على المدنيين في دوما وحرستا، وقالت "الشيء نفسه تقريباً" بشأن درعا والقنيطرة، وتفعل "الشيء نفسه تقريباً" حيال إدلب. وهذا الموقف هو جزء من ديناميات الحرب السورية.

وتعوقُ الأممُ المتحدة والمنظماتُ التابعة لها سياسات الدولة السورية وروسيا الرامية لعودة اللاجئين، وهذا يتناغم بالتمام تقريباً مع اشتراطات الولايات المتحدة وحلفائها التي ربطت الموقف من الحلّ في سورية بـ "التحوّل السياسيّ" ثم بـ "إخراج" إيران منها.

تؤكِّدُ الأممُ المتحدةُ على أنَّ التسوياتِ والمصالحاتِ والتغيّرَ في ميزان السيطرة والأمن لصالح الدولة أمورٌ لن تُغيّر شيئاً من إطار العمل حول سورية، أي أنَّ عملية جنيف على أساس أُطرها المرجعيّة بعامّة، والقرار 2254 بخاصّة، سوف تتواصل بصرف النظر عن تطورات الوضع الميدانيّ، بل بالضد من تلك التطورات[12]. وهكذا "تسكت" المنظمة الدولية عن الأثر الاجتماعيّ والسياسيّ للمصالحات والتسويات[13]، وعن دعوة الدولة السورية وحلفائها للتعاون في موضوع اللاجئين، وترفض مساعدة اللاجئين الراغبين بالعودة، بل إنَّ منظماتها أعلنت أنها بصدد إعداد خطط استجابة للاجئين حتى العام 2022، ولن يجد القارئ صعوبة في تلمُّس الأهداف العميقة والبعيدة لهذا الأمر!

هذا ليس مجرّدَ نمط قراءة وتقدير لتعقيدات الحلّ في سورية، ولا حرصاً على تحقيق مصالحات وتسويات عادلة ومتوازنة، أو عودة طوعية وآمنة للاجئين، إنما هو نوع من التأكيد على أنَّ الحدثَ السوريّ لا يزال –من منظور المنظمة الدوليّة والولايات المتحدة– تحت احتمال حصول نكوص فيه إلى ما كان في بداية الأزمة، وأنه لم يتجاوز عتبة التهديد العميق للدولة السوريّة.

وكانت للمبعوث الدوليّ إلى سورية ستيفان دي مستورا مواقف مناهضة لعمليات المصالحات والتسويات، وتردد كثيراً قبل حضور جلسات أستانة وحتى مؤتمر سوتشي. ثم إنه عمل جاهداً بحدود قدرته ودوره –مع فواعل أخرى– لعرقلة الاتفاق على التسوية في الأحياء الشرقية من حلب، وحاول الشيء نفسه تجاه اتفاق الرستن (أيلول/سبتمبر 2017) والغوطة (نيسان/أبريل 2018)، وحتى درعا والقنيطرة (تموز/يوليو 2018)، وهذا على أية حال يتوافق مع إرادة ورهانات الولايات المتحدة تجاه الأزمة السورية[14].

المفارقة أنَّ الأممَ المتحدة بمنظماتها ومسؤوليها ومبعوثيها لم تتمكن من مراجعة مداركها النمطيّة حول الأزمة السوريّة، ولا مداركها حول الحلّ، تلك المستمدّة من نماذج وخبرات المنظمة الدوليّة في البلقان (صربيا والبوسنة والهرسك) وأفريقيا (رواندا وبوروندي، ليبيريا، وغيرها) وجنوب شرق آسيا (تيمور الشرقية)، وحتى خبرات العراق بعد الاحتلال الأمريكي له (2003 وما بعد). وهذا من الأخطاء الإدراكيّة والمعرفيّة والسياسيّة، فضلاً عن خطأ الارتهان لمواقف الدول الكبرى بعامّة، والولايات المتّحدة الأمريكيّة بخاصّة، وربما تأثر عدد من الموظفين والفواعل الدوليين بالمال الخليجي، وارتباطهم باستخبارات وجماعات الضغط لعدد من الدول المناهضة للنظام السياسي والدولة في سورية ولحلفائهما في المنطقة والعالم.

 

 

سادساً- السمات والأنماط 

يمكن البدء بإيراد توضيح بسيط حول "السمات" و"الأنماط"، إذ المقصود بالسمات العامة للمصالحات والتسويات أنها تتم صياغتها وتنفيذها، في ظلّ حالة من عدم اليقين التام تجاهها، وربما عدم القناعة التامة بها، واختلاف التقديرات حول السبل والكيفيات اللازمة، وموضعتها في سياق استراتيجية المواجهة من قبل النظام السياسي والدولة، وموقف المجموعات المسلحة والفواعل المؤيدة والداعمة لها.

وأما الحديث عن أنماط المصالحات والتسويات، فيستند إلى تقدير أوليّ يقول: إنَّ السياسةَ تتسم بخصائص متميزة، تحدث بطريقة تكراريّة يمكن تتبُّعُها والتدقيقُ فيها، وهذا يضع الدراسات السورية أمام مهمة ملحة، وهي تقصي الأنماط التكراريّة القائمة أو المفترضة في الحدث السوريّ، بما في ذلك أنماط المصالحات والتسويات. ولابد من الإشارة إلى أن السمات هنا تحيل إلى المنطق والرؤية والإطار العام للمصالحات والتسويات، فيما تحيل الأنماط إلى الطريقة والأسلوب وإلى السياق، والمكان والزمان، والعمليّ والإجرائيّ فيها. ولو أن الحديث هنا لا يعطي صورة كاملة العناصر عن الموضوع.

السمات

 

لا ثأرية ولا انتقام من قِبَلِ الدّولة والنظام السياسيّ تجاه المعارضة وبناها وحواضنها الاجتماعية، المكون السوريّ منها على الأقل.

ثمة نوع من السمات والأنماط التكرارية لعمليات المصالحة والتسويات في سورية، سواء أكان ذلك في التكتيكات العامة والأمور الإجرائيّة، أم في المفردات والبنود الرئيسة التي تتضمنها الاتفاقات، ويمكن تركيز سمات المصالحات والتسويات في النقاط الرئيسة الآتية:

 

  • استراتيجية كليّة، وليست مجرد تكتيك حرب. وقد سبقت الإشارة إلى أن الرئيس بشار رأى أنَّ المصالحات والتسويات هي الباب الأمثل لحل الأزمة في أبعادها الداخلية. وهذا شيء، ومحاربة الإرهاب شيء آخر، بما في ذلك احتواء وتفكيك مصادره الإقليمية والدولية. 
  • هي عمل سيكولوجي نفسيّ، على المستويين الجمعيّ والفرديّ. أما المستوى الجمعيّ، فيهدف لتفكيك الاحتقان الداخليّ، وتأكيد أن الدولة هي فوق الجميع وللجميع، ولو أنَّ السياسات ربما أخفقت حتى الآن في إقناع المتلقي بذلك، ولاتزال ثمة لدى كثير من الناس مخاوف وشكوك ومصادر تهديد كبيرة.
  • الحرب والقتال ليسا هدفاً بحدّ ذاته، وهذا يفسّر أنَّ الأعمالَ العسكريّة تبقى الخيار الأخير، وبعد إخفاق جميع محاولات الحلّ والتسوية، وما يمكن تحصيله بالسياسة لا يعود ثمة داع لتحصيله بالحرب.
  • تمت المصالحات في لحظة "تفوق" القوة للدولة، لكنها فضَّلَت الحلّ وعودة المسلحين إلى "حضن الدولة" على قتالهم وقتلهم. ولو أن ذلك يفتح الباب على مصادر تهديد كبيرة في مرحلة ما بعد الحرب، لأنَّ الأمورَ لا تقف هنا، ولا بدَّ من سياسات وإجراءات تتبع لـ "إعادة إدماج" المسلحين وبناهم وحواضنهم الاجتماعية في النظام العام والعقد الاجتماعيّ، إلخ.
  • منطق الدولة في هذه المرحلة هو المطالبة بالطاعة والتزام القانون، وليس الولاء للنظام السياسيّ. 
  • لا ثأرية ولا انتقام من قِبَلِ الدّولة والنظام السياسيّ تجاه المعارضة وبناها وحواضنها الاجتماعية، المكون السوريّ منها على الأقل.
  • تأثير "الدومينو"، بمعنى تأثير دخول أي منطقة أو مجموعة لإجراء مصالحة أو تسوية في المناطق والمجموعات الأخرى، وقد حدث ذلك في درعا والقنيطرة، إذ تسابقت المجموعات والقرى والبلدات للدخول في اتفاق التسوية كـ "أحجار الدومينو".
  • الأثر المُحبِط والقاهر لأنماط المصالحات في بعض المناطق على المناطق الأخرى. وقد ظهرت تداعيات نفسية ثقيلة لاستعادة ريف دمشق ودرعا والقنيطرة والرستن وغيرها، على المناطق الأخرى في إدلب وريفها ومناطق شمال حلب قرب الحدود مع تركيا التي تسيطر عليها مجموعات مسلحة موالية لتركيا.
  • التطور العكسيّ للأمور، بمعنى أن الخروج على سلطة الدولة بدأ في مناطق صغيرة، وامتد نطاقه وأثره إلى مساحات كبيرة من الجغرافيا السورية، وها إنَّ الشيء نفسه تقريباً يحدث في موضوع المصالحات والتسويات التي بدأت في مناطق صغيرة، وامتد نطاقها وأثرها إلى مساحات كبيرة.
  • "تتمفصل" المصالحات والتسويات مع اتفاقات "خفض التصعيد" وفق عملية سوتشي، وانفتاح الدولة على البنى الاجتماعية التي تقع خارج سلطتها، وإمدادها لها بالموارد والحاجات وحتى رواتب الموظفين، إلخ.

الأنماط

 تُمثّلُ المصالحات والتسويات جزءاً من سياساتٍ مركَّبةٍ تتبعها الدولة السورية، بمعنى أنها يتم الإعداد لها والبدء بها والمُضي في ترتيباتها بالتوازي والتزامن مع العمل العسكري. وقد يتم تأجيل أو تجميد العمليات العسكرية من أجل المساعدة في "إنضاج" تسوية أو مصالحة؛ ويمكن أن يحدث العكس، أي أن يتم رفع وتيرتها كنوعٍ من الضغط النفسيّ والميدانيّ؛ ذلك للغرض نفسه. وتتخذ سياساتُ المصالحاتِ والتسوياتِ تكتيكاتٍ وأنماطاً متشابهةً تقريباً:

  • تتم في منطقة معينة وضمن نطاق محدّد، ثم يتم الانتقال إلى منطقة أخرى، قريبة أو بعيدة.
  • ينظر إلى المناطق المرشحة للدخول في مصالحات وتسويات العمليات بوصفها "جزراً" و"فواعلَ منفصلة". وهذا ما حدث في المنطقة الجنوبية.
  • يتم إعداد جدول أعمال ونصوص وبنود حسب كل حالة.
  • وجود وسطاء وضامنين مثل حزب الله وإيران، ثم أخذت روسيا موضع الصدارة في هذا المجال، لاعتبارات عديدة منها، علاقاتها مع تركيا ودول الخليج والأردن الراعي السياسيّ والماليّ والعسكريّ لعدد كبير من الجماعات المسلحة والمجموعات المعارضة السياسية.

ويمكن تركيز أنماط الاتفاقات في النقاط الرئيسة الآتية:

  • اتفاق البلدات الأربع، الذي قضى بنقل السُّكان من قرى كفريا والفوعة بريف إدلب من محيط تحت سيطرة الجماعات الجهاديّة التكفيريّة المسلحة، إلى مناطق داخل سيطرة الحكومة في ريف حمص، مقابل إجلاء مسلحين وعائلاتهم وموالين لهم من قرى الزبداني ومضايا بريف دمشق إلى إدلب ومناطق سيطرة الجماعات المسلحة وتركيا في شمال سورية.   
  • إخلاء مؤقت للمكان، كما في حالة داريا التي كانت مصدر تهديد واعتداء مستمر على العاصمة دمشق ومطار المزة العسكريّ. وسبق أن تم فتح معابر لخروج السكان بهدف تجنيبهم الأعمال العسكرية؛ بينما بقيت مجموعات من السكان (عدة آلاف) بمثابة دروع بشرية، أو بنى اجتماعية حاضنة للجماعات المسلحة أو موالية لها.

وتوجّه قسمٌ من مسلحي داريا إلىّ إدلب، وقسم آخر توجه إلى مخيم إيواء يقع قرب قرية حرجلة جنوب دمشق. وبدأ سكان داريا بالعودة إليها تدريجياً، بعد أن تم إنهاء جميع جيوب المعارضة المسلحة في منطقة دمشق. وحدثَ شيءٌ مشابهٌ لأحياء في مدينة حمص، مثل: بابا عمرو.

  • اتفاقات تضمنت إخراجَ المقاتلين الرافضين للتسوية ومن معهم إلى إدلب، وفكَّ الطوقِ الأمنيّ والعسكريّ، وعودة الخدمات، وحلّ التنظيمات المعارضة والمجالس المحلية، وإدماج من يشاء من المقاتلين في مجموعات مسلحة موالية، وإدماج رجال الدّين والوجهاء والناشطين في البنى والمؤسسات الحكومية، كما حدث في قدسيا، الهامة، التل، مضايا، ضواحي دمشق الشرقية، وغيرها.

مثلاً؛ في بلدة يلدا جنوب دمشق؛ انضم إمام مسجد الصالحين الذي كان قاضياً في محكمة شرعية مع المجموعات الإسلامية، إلى جانب الجيش والدولة، ومثله إمام مسجد بيت سحم الكبير، الذي كان قائداً لـ "سرايا الشَّام" التابعة للواء "شام الرسول"، وعمل بعضهم كوسطاء لإجراء المصالحات والتسويات، وإدارة عمليات عودة السكان، وتوزيع المساعدات وتسوية الأوضاع، إلخ...

  • اتفاق يقضي بإيقاف العمليات العسكريّة، ونزع السلاح الثقيل، ورفع الحصار، وعودة المهجّرين، واستعادة الخدمات العامة. ومثال على ذلك اتفاق برزة في برزة في حزيران/يونيو 2014، حيث بقي مقاتلو "الجيش الحرّ" في مناطقهم، وتحولوا اسمياً إلى "قوة محلية شعبية" مسؤولة على حفظ النظام، وقد تغير الحال في أيار/مايو 2017، حيث تم إخلاء مئات المقاتلين وعائلاتهم بعد أن قرروا إلقاء أسلحتهم والمغادرة إلى إدلب. وقد حدث مثل ذلك في جيرود بريف دمشق.
  • اتفاقات ابتزاز ومساومة نتجت بسبب سيطرة مجموعات مسلحة معارضة على موارد رئيسة، مثل: مياه الشرب من نهر بردى، كما حدث في الزبداني ريف دمشق، إذ نصَّ هذا الاتفاق على عدم قيام الجيش بأعمال عسكريّة في المنطقة، مقابل استمرار ضخ مياه الشرب إلى مدينة دمشق، ودفع أموال، وأحياناً المطالبة بإطلاق سراح أسرى أو معتقلين على خلفية الحرب. لكن الجيش سيطر لاحقاً على منطقة وادي بردى، في إثر قطع المجموعات المسلحة مياه الشرب عن مدينة دمشق بشكل متكرر. ومثل ذلك حدث مع المجموعات التي كانت تسيطر على مناطق مرور أنابيب النفط والغاز في جيرود بريف دمشق، والمحطة الحرارية في ريف حلب.

 

 

سابعاً- المضامين والإجراءات

عقدت مئات الاتفاقات للمصالحة والتسوية، ولو أنَّ الكثير منها، بل أكثرها، لم يتخذ تسمية اتفاق، على أنَّ ما اتخذ منها تسميةً كان قد تركّز حول إيقاف العمل العسكريّ، وعدم الاعتداء، وتطور بعضها إلى فتح الطرق والبوابات، وبعضها إلى تسليم السلاح ونقل المسلحين، وإدماج مقاتلين في مجموعات تحت إشراف الجيش أو جزءٍ منه، وغير ذلك مما تتناوله الدراسة في غير فقرة منها. وهذا ما يتطلب نصوصاً تعكس ما تم الاتفاق عليه، تثبته، وتمثل ضمانةً وإطاراً مرجعياً للأطراف.

ويمكن الحديث عن عناصر مشتركة بين الاتفاقات الرئيسة للتسويات والمصالحات، وفق النقاط الرئيسة الآتية:

  • قضايا تتعلق بالخدمة الإلزامية والاحتياط، وغالباً ما تضمنت مهلة سماح مؤقتة من أجل تمكين المكلفين من تسوية أوضاعهم.
  • الأحكام القضائية والملاحقات.
  • المساعدات الغذائية والطبية والخدمات العامة والمجتمع المحلي.
  • الحصول على الوثائق الشخصية، بما فيها وثائق السَّفر، وكلّ ما يساعد في عودة المنضمين للتسوية إلى "حياة طبيعية وقانونية".
  • إعفاء من الضرائب والغرامات الماليّة والبلدية والجمركية وغيرها.

بالإضافة إلى عدة نقاط حول الأمور الإجرائية المتعلقة بـ:

  • العلاقة بين المجتمع المحلي ومؤسسات الدولة، بما فيها الأمن والقضاء والإدارة المحلية، والتابعية والإشراف وتتبع الأوراق والطلبات وآجالها الزمنية.
  • الإشراف الأمنيّ والعسكريّ للجيش السوريّ والشرطة العسكريّة الروسيّة.
  • تنظيم حيازة السلاح والذخائر في منطقة الاتفاق، والإدلاء بالمعلومات إلى السلطات عن مخازن السلاح والمسلحين وأي عمليات عسكرية سابقة.
  • التسويات الخاصة بالعسكريين الفارين، والذكور المتخلفين عن الخدمة الإلزامية والاحتياطية.
  • عودة الموظفين الحكوميين "المنشقين" إلى وظائفهم، مع احتفاظهم بـ "حقّ" المطالبة بالرواتب والتعويضات بأثر رجعيّ، وكذلك بالحقوق التقاعدّية.
  • طرق وإجراءات فضّ الخلافات أو النزاع حول تفسير أحكام اتفاقات التسوية والمصالحات.

مثّلَ اتفاق التسوية في درعا جُمَّاعَ خبرة الاتفاقات والتسويات السابقة في الأزمة السورية، وتضمن تفصيلات وشروطاً وأحكاماً أكثر دقة وإحكاماً، وقد تضمن إلزامَ كلِّ فردٍ يرغبُ بتسوية وضعه بأن يتقدم بطلب تسوية وضع يتضمن (13) بنداً أو تعهداً، يؤدي الإخلالُ بها أو بواحدةٍ منها إلى تعرُّضه للمُساءَلة.

 

سوف تعمل روسيا على خلق أواصر ثقة وأمان بينها وبين الجماعات المسلحة، وبناها الاجتماعية المحلية في المنطقة الجنوبية.

ومما يتعهدُ به كلُّ راغبٍ بتسويةِ وضعه، ألا يقوم بأيِّ أعمالٍ تخلُّ بالأمن العام، بما في ذلك الاحتجاج والتظاهر خارج إطار القانون، أو الاتصال بالأجنبيّ أو الترويج لأي أفكار مناهضة للدولة، وضرورة الإبلاغ عن مخزن السلاح وأي أعمال يمكن أن تخلّ بالأمن، بما في ذلك من يعرف وما يعرف عن الجماعات المسلحة، إلخ[15].

 

ويُلاحظ أنَّ أطراف الاتفاق كانت تؤكد على ضمانات من قبل أطراف ثالثة، وعادة ما كانت تركيا من جهة الجماعات المسلحة، وروسيا وإيران من جهة النظام السياسيّ والدّولة السورية. وأحياناً كانت الأطراف الضامنة تتولى البحث في الخطوط العامّة للاتفاقات والالتزامات بتفويضٍ من أطراف الاتفاق المزمع عقده، ومثال ذلك اتفاق المدن الأربع، واتفاق إخراج الجماعات المسلحة من الأحياء الشرقية لمدينة حلب.

وقد قامت روسيا بدور الوسيط والضامن لاتفاقات دوما بريف دمشق واتفاقات درعا والقنيطرة، ولم يقابلها أي أطراف أخرى من جهة الجماعات المسلحة، وهذا تطور جديد ولافت، إذ أصبحت روسيا ضامناً لطرفي المواجهة (الدولة – الجماعات المسلحة). وسوف تعمل روسيا على خلق أواصر ثقة وأمان بينها وبين الجماعات المسلحة، وبناها الاجتماعية المحلية في المنطقة الجنوبية، ولا يتضح إذا كانت روسيا قد قدمت ضمانات لرعاة تلك الجماعات بصورة مباشرة. وهذا موضوع يتطلب المزيد من التدقيق والتقصي.

 

 

ثامناً- الإكراهات

تجري المصالحات والتسويات في ظلّ مواجهات ورهانات محتدمة، وظروف ضاغطة، ولذلك فهي تتخذ في أكثر الأحيان طابعاً مُلحّاً وحَرِجَاً، وسوف تتطلب الأمور عملاً دؤوباً ومديداً حتى يمكن عدّها جزءاً من مصالحات مديدة ومستقرة، أو جزءاً من الحلّ النهائيّ على المستوى الوطنيّ. وثمة تحديات وإكراهات كثيرة يمكن الإشارة إلى أهمها في النقاط الرئيسة الآتية:

  • تحديات الارتباط بين البعد الاجتماعيّ والجهويّ أو المناطقيّ للمصالحات والتسويات من ناحية، والبعد السياسيّ على مستوى سورية من ناحية أخرى، تحديداً ما يتصل بالعلاقة المحتملة بين البنى الاجتماعية والمناطق والجهات من جانب، والنظام السياسيّ والدولة في مرحلة ما بعد الحرب من جانب آخر.
  • تحديات الارتباط بين البعد العسكريّ والبعد السياسيّ على مستوى الدولة، وكذلك الأمر بالنسبة للموقف الإقليميّ والدوليّ، بمعنى أنَّ الغرب مثلاً يربط الاعتراف بالحلّ والمشاركة في إعادة الإعمار بـ "الانتقال السياسيّ".
  • ثمة ديناميات تغلغل خارجيّة لا تزال نشطة؛ ذلك بالنسبة لـ "دور" الولايات المتحدة في شرق الفرات، وتركيا في إدلب وشمال حلب، و"إسرائيل" والأردن وغيرهما في المنطقة الجنوبية، وهذا ما يمثل مصدر تهديد للأمن الوطني، ويتطلب خطة استجابة نشطة وفعالة أيضاً.
  • إنَّ التسويات والمصالحات و"العودة إلى حضن الوطن" أمورٌ لا تعني الدخول في علاقة ولاء للنظام السياسيّ أو الدولة أو حتى مجرد الالتزام المستقرّ بسلطة القانون، وإذا تواصلت ديناميات التدخل الخارجيّ من الفواعل المشار إليها أعلاه أو من غيرها، فقد تبرز تحديات ومصادر تهديد على هذا الصعيد[16].
  • يمثلُ "الاستعجالُ" في عمليّة المصالحات والتسويات مشكلة بذاتها، إذ إنَّ بعضها كان يتم بشروط "متساهلة" إلى حدٍّ كبير، ومنها ما كان على حساب الدولة أو "الموالين لها" إذا أمكن الحديث بهذا المستوى؛ ذلك أنَّ اتفاق البلدات الأربع مثلاً، وهو اتفاق تسوية ذو بعد دوليٍّ، تم تحت ضغوط وخروقات متكررة من قبل جبهة النصرة وتركيا.

وتولت روسيا اتفاق التسوية أو الحلّ في دوما، مع أنه "أغفل" أو "تجاهل" آلاف المخطوفين في "سجن التوبة" ومخطوفي مدينة عدرا العمالية، الذين كان أهلهم قد وُعدوا من قبل مسؤولين حكوميين بأن تحريرَهم جزءٌ من اتفاق التسوية. ولم يتضح للرأي العام بعد كيف حدث ذلك. ويبدو أن الروس –وهذا مجرد تقدير ولا يستند إلى معطيات يمكن التحقق منها– لم يولوا هذا الجانب أهمية في عملية الاتفاق. وهذا لا يعني إخلاء المسؤولية عن المعنيين بذلك في الدولة.

  • حدثت في بعض الأحيان تحولات مفاجئة، من قبيل انتقال أفراد ومجموعات مسلحة بكاملها من صف المعارضة إلى صف الجيش والنظام السياسيّ والدولة، صحيح أن ذلك كان يتم بشكل أفراد أو مجموعات صغيرة، إلا أنه تحوَّلَ إلى ظاهرة واسعة الانتشار في المنطقة الجنوبية. وعلى سبيل المثال، فقد أعلنت فصائل مسلحة تابعة للجيش الحرّ، كانت تسيطر على 11 بلدة في منطقة وقف التصعيد جنوبي سورية، أعلنت عن "انتقالها إلى جانب الحكومة السورية" في (23 حزيران/يونيو 2018)[17].

هذا على أهميته، إلا أنه ينطوي على مخاطر عدم انضباط أو قلة تماسك وانسجام داخل البنية العمليّة للجيش. وقد قامت قوى، مثل: روسيا وإيران وتركيا وحتى حزب الله بتشكيل بنى مسلحة قوامها سوريون يعملون تحت سلطتها ورايتها، وهذا ما يمكن أن تكون له تداعيات أمنية ماثلة وعميقة في المستقبل.

  • أيّ سبيل أو نمط للقوة لا يمكن أن يُفصل أو ينعزل عن توازنات القوّة واتجاهات المعنى في الحدث السوريّ، تحديداً ما يتعلّق بالبعدين الإقليمي والدولي، لذلك يَصْعُب توقّع كيف يمكن استخدام القوة كبديل للمصالحة مع الفواعلِ الكرديّة في شرق الفرات، بوجود القوات الأمريكيّة، وفي ظلّ الصعوبات والإكراهات التي تحول دون التوصل إلى تفاهم كاملٍ ومستقرٍ بين الولايات المتحدة وروسيا حول شرق الفرات وسورية ككلّ! وهذا يُفَسِّر كيف أنَّ اتجاهات الحوار بين دمشق وكردها تصطدم بجدران أمريكية وغربية وتركية وسعودية خليجيّة، وربما إسرائيلية أيضاً؛ ولو أن النظام السياسي والدولة في سورية حدّدا أولوياتهما وخياراتهما بهذا الخصوص، وهي استعادة منطقة الجزيرة، بالتسوية أو القوة، حتى بوجود القوات الأمريكية.

 

 

تاسعاً- في المسارات المحتملة

إذا واصل الرئيس بشار الأسد سياساته نفسها في التعاطي مع تحديات الأزمة السورية والدفع بها إلى الحل، يُحتمل؛ بل يُرجّح أن تركز المؤسسة الأمنية والعسكرية –والحلفاء– على إعطاء المصالحات والتسويات، وديناميات التأثير النفسي والسياسي والاستخباراتي وغير ذلك، قوامة وأولويّة على العمل العسكريّ من أجل "تفكيك ما تَبَقّى" من أزمات وعقد كبرى.

وسوف يواصل الروس العمل على خلق بيئة مناسبة لاستقطاب المزيد من الراغبين بالتسوية، بوصفهم (الروس) شريكاً في محاربة الإرهاب، وضامناً لعدد من أهم وأعقد التسويات التي حصلت كما في درعا والقنيطرة (تموز/يوليو 2018)، وهذا يمثل عاملَ ضمانٍ وأمانٍ للدولة السوريّة من جهة، ولعدد من المجموعات المسلحة وبناها الاجتماعية وحلفائها الإقليميين والدوليين من جهة أُخرى.

 

إنَّ سياسات التسوية والمصالحات لم تتجاوز بعد "عتبة" أو "نقطة اللاعودة"، ولا يزال أمام فواعلها الكثير مما يجب القيام به.

ويُحتمل أيضاً؛ بل يُرجّح أن تتواصل سياسات المصالحة والتسويات، لأنها أثبتت جدواها لمختلف الأطراف، وساعدت في عودة الأمن والاستقرار لأجزاء واسعة من الجغرافيا السوريّة، ولو أنَّ جهد التسوية والمصالحة لا يزال تحت ضغوط الحرب ضد المجموعات المسلحة المصنفة إرهابيّة، والأهم أنّها تتم في بيئة إقليمية ودولية ضاغطة على المشهد السوري ولا تزال تعرقل مسار الحلّ السياسيّ.

 

تتم المصالحات والتسويات تحت إكراهات الواقع، وانسداد الأفق أمام المسلحين، وضعف الخيارات أمام حلفائهم وداعميهم، وليس نتيجة تغيير ومراجعات للمواقف والتقديرات السياسية. وهذا يعني أنَّ سياسات التسوية والمصالحات لم تتجاوز بعد "عتبة" أو "نقطة اللاعودة"، ولا يزال أمام فواعلها الكثير مما يجب القيام به.

يُرجّح أن تُواصل الولايات المتحدة وحلفاؤها سياساتها ورهاناتها في الأزمة السوريّة، تحديداً في شرق الفرات، واشتراط خروج إيران وحزب الله من سورية، وضمان أمن "إسرائيل"، والتدخل في طبيعة الحل النهائي في سورية، وهذا يعني –وهو ما تتكرر الإشارة إليه– استمرارَ وجود صعوبات وتحديات أمام التوصُّل إلى حلّ أو تسوية بين دمشق وكردها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى إدلب، ومثله بالنسبة لقضايا عودة اللاجئين، وإعادة الإعمار والحلّ النهائي. 

 

 

عاشراً- الإشارات والتنبيهات

  • في وقت كان الكثير من المتابعين والمتلقين وفواعل السياسة يتوقعون أن ترتفع في دمشق "رايات بيضاء" تدل على استسلام النظام السياسيّ والدولة، كان الرئيس بشار الأسد يتحدث عن أزمة طويلة ومعقّدة قد تجرّ الإقليم والعالم إلى مواجهة غير مسبوقة.
  • أخذ مسارُ المصالحات والتسويات يتقدم نسبياً على مسار العمليات العسكرية أو يصير موازياً له، مرتبطاً به، ومتمفصلاً معه؛ بعدما كانت إكراهات الأزمة وتعقيداتها عائقاً أمام مجرد التفكير فيه، على قاعدة أن "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة".
  • رفضت المعارضة سياسة المصالحات؛ ذلك لاعتقادها أن الأزمة السورية لا بدَّ أن تنتهي بإسقاط "النظام" والسيطرة على الدولة، ثم لاعتقادها أنَّ المصالحات لا تعدو أن تكون تكتيكاً سياسيّاً وعسكريّاً ونوعاً من ديناميات تفكيك وإجهاض للمعارضة.
  • لم تكن المصالحات والتسويات ذات جاذبية كبيرة لدى "الموالاة" لاعتقادها أن الحلّ الوحيد هو القضاء على الإرهاب، وتفكيك بناه وحواضنه الاجتماعية والثقافية وتكويناته المسلحة، ولاعتقادها أن المصالحات تُظهر المعارضة قوية وقادرة على التفاوض وفرض شروطها، وتُظهر النظام السياسي والدولة أقل دافعية واندفاعاً لمحاربة الإرهاب.
  • إن الدخول في مصالحات وتسويات، يؤدي إلى "تضييق" أو "تقليص" نطاق المعارك والمواجهات التي يخوضها الجيش السوري وحلفاؤه، وهذا يتيح له تكثيف وتركيز جهد العسكري واللوجستي، ما يساعده في خوض معارك ذات أهمية استراتيجية.
  • إن أي مصالحة أو تسوية، صغيرة كانت أم كبيرة، وأي توقف للأعمال القتالية، وأي أفراد يعودون إلى "حضن الوطن"، مهما كان عددهم قليلاً، أمورٌ تؤثر بصورة إيجابية في المزاج العام، نفسيّاً وإدراكيّاً وتراكميّاً، ويمثل ذلك سلاحاً ماضياً في تفكيك عدد من العقد والمقولات والصور والمدارك النمطية المشوهة عن الوضع في سورية، وعن الأزمة والحرب.
  • إن سياسات الطمأنة قد تكون أخفقت في تأمين أو تأهيل بيئة جذب مناسبة لشريحة كبيرة من الناس؛ ذلك تحت تأثير عوامل غير مباشرة أو محيطية، مثل: الإخفاق في إصلاح السياسات والخدمات العامة، والمخاوف من نظام التجنيد الإلزامي، وصعوبات في إعادة تأهيل المساكن، إلخ، وهذا جعل التطلع إلى مغادرة البلاد أو عدم العودة إليها هو الخيار الأقرب بالنسبة لكثيرين.
  • رفضت الأمم المتحدة الاعتراف بالمصالحات، وهذا يتناغم على نحوٍ تامٍ تقريباً مع اشتراطات الولايات المتحدة وحلفائها، التي ربطت الموقف من الحلّ في سورية بـ "التحول السياسيّ" ثم بـ "إخراج" إيران منها.
  • إنَّ منطق الدولة في هذه المرحلة هو المطالبة بالطاعة والتزام القانون وليس الولاء للنظام السياسي. ولا ثأرية ولا انتقام الدولة والنظام السياسيّ تجاه المعارضة وبناها وحواضنها الاجتماعية، المكون السوري منها على الأقل.
  • ثمة ديناميات تغلغل خارجية لا تزال نشطة؛ تحديداً بالنسبة لـ "دور" الولايات المتحدة في شرق الفرات، وتركيا في إدلب وشمال حلب، و"إسرائيل" والأردن وغيرهما في المنطقة الجنوبية، وهذا ما يمثل مصدر تهديد للأمن الوطني، ويتطلب خطة استجابة نشطة وفعالة أيضاً.
  • إنَّ التسويات والمصالحات و"العودة إلى حضن الوطن" أمورٌ لا تعني الدخول في علاقة ولاء للنظام السياسيّ أو الدولة، أو حتى مجرّد الالتزام المستقرّ بسلطة القانون، وإذا تواصلت ديناميات التدخل الخارجيّ من الفواعل المشار إليها أعلاه أو من غيرها، فقد تبرز تحديات ومصادر تهديد على هذا الصعيد.
  • سوف يواصل الروس العمل على خلق بيئة مناسبة لاستقطاب المزيد من الراغبين بالتسوية، بوصفهم (الروس) شريكاً في محاربة الإرهاب، وضامناً لعدد من أهم وأعقد التسويات التي حصلت كما في درعا والقنيطرة (تموز/يوليو 2018).
  • يُرجّحُ أن تُواصل الولايات المتحدة وحلفاؤها سياساتها ورهاناتها في الأزمة السورية، تحديداً في شرق الفرات، واشتراط خروج إيران وحزب الله من سورية، وضمان أمن "إسرائيل"، والتدخل في طبيعة الحلّ النهائيّ في سورية، وهذا يعني –وهو ما تتكرر الإشارة إليه– استمرارَ وجود صعوبات وتحديات أمام التوصل إلى حلّ أو تسوية بين دمشق وكردها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى إدلب، ومثله بالنسبة لقضايا عودة اللاجئين، وإعادة الإعمار، والحلّ النهائي.

خاتمة

أخذت ديناميات التسوية والمصالحات مقاماً رئيساً في أجندة الدولة السورية وحلفائها، وتحدث الرئيس بشار الأسد مراراً عن المصالحة بوصفها أولويّة في سياسته طوال الأزمة، ويتواتر لديه التعبير عن المصالحة والحوار، ولو أنه يوردهما في سياق المفاضلة بين السلم والحرب، فإذا لم تكن التسوية؛ فإنّ القوة هي السبيل للحل.

غير أن تغيّر ميزان القوى في سورية لصالح النظام السياسيّ والدولة لا يعني أن البلاد تجاوز مرحلة اللاعودة، على الأقل من منظور خصومه وأعدائه، وثمة الكثير من التحديات الملازمة للمشهد السوري، بتداخلاته وتفاعلاته الإقليمية والدولية، الأمر الذي يتطلب احتواء أي مصادر تهديد في الداخل، وتفكيك ديناميات التغلغل الخارجيّ ما أمكن، ذلك أن الداخل لا يزال "قابلاً" لتلقي تأثيرات الخارج، وثمة شواهد لا تُحصى على ذلك!

مثّلت سياسات المصالحة والتسوية مدخلاً مناسباً لتغيير مدارك التهديد، وعززت صورة النظام السياسي والدولة في الداخل والخارج، وفككت المدارك والصور النمطية عن ثنائية صراع بين دولة–مجتمع، أو نظام سياسيّ–مجتمع، أو مواجهة دينيّة ومذهبيّة، وهذا ما يجب تعزيزه وتحصينه باتباع سياسات عامة نشطة وفعالة، وتستطيع الاستجابة لتطلعات ومخاوف مختلف الأطراف.

إنَّ نمط المصالحات والتسويات، وعودة سلطة الدولة على المجال، أي المكان والسكان، لا يعني عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل آذار/مارس 2011. وقد تغيرت الأحوال كثيراً، ولا بد من إعادة تعريف وتأكيد معنى الدولة وسلطتها وقوتها، وفقاً لخبرة السنوات الماضية وخبرة الحرب، والفواعل والشبكات الناهضة في سورية، في مناطق سلطة الدولة والموالاة، والمناطق التي تم استعادتها، وهذا يرتبط بنمط التسوية النهائيّ، وميزان المعنى والقوة في البلاد. ويُحتملُ أن يكون العديد من تلك القضايا والمفردات نوعاً من استمرار للحرب، ولكن بوسائل أخرى.

 

 

المراجع

الكتب

  1. كليب، سامي. الأسد بين الرحيل والتدمير الممنهج: الحرب السورية بالوثائق السرية. بيروت: دار الفارابي، 2016.
  2. ........... خطاب الأسد: من الإصلاح إلى الحرب: أسرار-تحليل-توثيق. دمشق: دار الفرقد، بيروت: دار الفارابي، 2017.
  3. محفوض، عقيل سعيد. خط الصدع في مدارك وسياسات الأزمة السورية. بيروت: دار الفارابي، 2017.

الدراسات

  1. محفوض، عقيل سعيد. الحدث السوري "مقاربة تفكيكية". دراسة، الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، حزيران/يونيو 2012.
  2. ........... تحديات ماثلة: حول المسارات والإكراهات الرئيسة في الأزمة السورية. دراسة، دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2018.
  3. ........... سُوريّة والكُرد: بين المُواجَهَة والحوار، أي أَجِندة مُمكِنَة؟. دراسة، دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2018.

المواقع الإلكترونية

  1. "11 تعهداً يوقع عليه الراغبون بالتسوية في درعا"، عنب بلدي، 20 تموز/يوليو 2018. https://www.enabbaladi.net/archives/242003
  2. "الأسد يتحدث للعالم عن الحضور الإيراني ومنظومة S300 و.."، قناة العالم، 13 حزيران/يونيو 2018. https://goo.gl/B7Vjkp
  3. "دي ميستورا من دمشق: الحل سياسي"، الأخبار، 12 شباط/فبراير 2015.
  4.  
  5. "مصالحات تحت النار في الجنوب وتوتر في الرقة"، الأخبار، 24 حزيران/يونيو 2018. https://al-akhbar.com/Syria/252830
  6. "مقابلة الرئيس بشار الأسد مع قناة روسيا اليوم"، يوتيوب، 31 أيار/مايو 2018. https://www.youtube.com/watch?v=ae87CXwMqO8
  7. علاء الدين، نسرين. "بين الحنين و"وصمة التعامل مع العدو": أبناء القنيطرة في انتظار الفرح"، الأخبار، 17 آب/أغسطس 2018. https://al-akhbar.com/Syria/256287
  8. علي، عدنان. "خطة ديمستورا: حلب أولاً"، العربي الجديد، 10 تشرين الثاني/ نوفمبر 2014. https://goo.gl/eKDc8m
  9. محفوض، عقيل سعيد. "أن تقول الشيء نفسه تقريباً"، مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 27 آب/أغسطس 2018. https://goo.gl/1tCgXj
  10. ........... "عودة حبلى بالمخاطر"، مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 21 آب/أغسطس 2018. https://goo.gl/ZqSiaE

 

 

عقيل سعيد محفوض

  • كاتب وأستاذ جامعي سوري.
  • تتركز اهتماماته العلمية حول المنطقة العربية وتركيا وإيران والكرد.
  • رئيس قسم الدراسات السياسية في مركز دمشق للأبحاث والدراسات-مداد.
  • يكتب تحليلات ومقالات رأي في عدد من المنابر الإعلامية والسياسية والبحثية.
  • صدر له:
  • كتب
  • جدليات المجتمع والدولة في تركيا: المؤسسة العسكرية والسياسة العامة، (أبو ظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، 2008).
  • سورية وتركيا: الواقع الراهن واحتمالات المستقبل، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2009).
  • السياسة الخارجية التركية: الاستمرارية – التغيير، (بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2012).
  • تركيا والأكراد: كيف تتعامل تركيا مع المسألة الكردية؟ (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2012).
  • تركيا والغرب: "المفاضلة" بين الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة، (أبو ظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، 2013).
  • الأكراد، اللغة، السياسة: دراسة في البنى اللغوية وسياسات الهوية، (بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2013).
  • خط الصدع؟ في مدارك وسياسات الأزمة السورية (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2017؛ بيروت: دار الفارابي، 2017).
  • كورد نامه: في أسئلة السياسة والحداثة لدى الكرد (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2018؛ بيروت: دار الفرقد، 2018).

 

 

 

  •  مخطوط:
  • الأمن في عصر الحداثة الفائقة: المفاهيم، الأبعاد، التحولات، (مخطوط تحت النشر).
  • ليفياثان المشرق: حول نشوء "الدولة الوطنية" أو "دولة ما بعد الاستعمار" في سورية، مقاربات تفسيرية، (مخطوط).
  • دراسات وأبحاث
  • سورية وتركيا: "نقطة تحول" أم "رهان تاريخي"؟ (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2012). (إلكتروني).
  • الحدث السوري: مقاربة "تفكيكية"، (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2012). (إلكتروني).
  • الخرائط المتوازية: كيف رسمت الحدود في الشرق الأوسط؟ (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2016).
  • دروس الحرب: أولويات الأمن الوطني في سورية، مقاربة إطارية، (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2016).
  • صدوع الجزيرة: في تحديات وتحولات المسألة الكردية في سورية، (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2016).
  • مفهوم الأمن: مقاربة معرفية إطارية، (الرباط: مؤسسة مؤمنون بلا حدود للأبحاث والدراسات، 2016).
  • مراكز التفكير: المحددات، الكيفيات، التحديات، (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2017).
  • القنفذ والثعلب: الولايات المتحدة إزاء الأزمة السورية، (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2017).
  • العنف المقدس: في الأسس الثقافية لعنف الجماعات التكفيرية، (الرباط: مؤسسة مؤمنون بلا حدود للأبحاث والدراسات، 2017).
  • ضفدع نيتشه؟ مقاربات معرفية في قراءة الأزمة السورية، (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2017).
  • حيث يسقط الظلّ! الولايات المتحدة إزاء الأزمة السورية، (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2018).
  • عودة المسألة الشرقية تحولات السياسة والدولة في الشرق الأوسط، (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2018).
  • سُوريّة والكُرد: بين المُواجَهَة والحوار، أي أَجِندة مُمكِنَة؟، (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2018).
  • الجبهة الجنوبية: هل تسعى إسرائيل لتعديل اتفاق الفصل 1974؟،(دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2018).

 

  • أوراق بحثية في مؤتمرات أو كتب جماعية:
  • "العرب في تركيا": محور تواصل أم تأزيم؟ بحث في مؤتمر العرب وتركيا نُشِرَ في كتاب جماعي (2012).
  • سياسات إدارة الأزمة السورية: "الإدارة بالأزمة"؟ بحث في كتاب جماعي، (2013).
  • الشرق الأوسط بعد 100 عام على الحرب العالمية الأولى: من "المسألة الشرقية" إلى "الدولة الفاشلة"، هل هناك سايكس-بيكو جديد؟ (مؤتمر بيروت 19 -22 شباط/فبراير، 2015).
  • من المظلومية إلى الفعل: تحديات فواعل المقاومة في عالم ما بعد الأحدية الغربية، في مؤتمر: (غرب آسيا في عالم ما بعد الأحادية الغربية: تحديات المرحلة الانتقالية، بيروت، 7 أيلول/سبتمبر 2017).
  • في ثقافة الكراهية: الظاهرة الدينية، الحرب، التوحش، (المؤتمر الدولي الأول لحوار الأديان، بيروت، 12-13 أيلول/سبتمبر 2017).
  • العبور إلى الهوية: في الاستجابة الممكنة لتحديات ما بعد الحرب في سورية، (مؤتمر الهوية الوطنية: قراءات ومراجعات في ضوء الأزمة السورية، دمشق، 20-21 كانون الثاني/يناير 2018).

 

 


[1] "مقابلة الرئيس بشار الأسد مع قناة روسيا اليوم"، يوتيوب، 31 أيار/مايو 2018. https://www.youtube.com/watch?v=ae87CXwMqO8

عقيل سعيد محفوض، سُوريّة والكُرد: بين المُواجَهَة والحوار، أي أَجِندة مُمكِنَة؟، دراسة، دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2018.

[2] "الأسد يتحدث للعالم عن الحضور الإيراني ومنظومة S300."، قناة العالم، 13 حزيران/يونيو 2018. https://goo.gl/B7Vjkp

[3] تنطلق هذه الدراسة من مقالة نشرها الكاتب بالعنوان نفسه في مجلة "مستقبليات" التي تصدر عن معهد الدراسات المستقبلية في بيروت.

[4] عقيل سعيد محفوض، الحدث السوري "مقاربة تفكيكية"، دراسة، الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، حزيران/يونيو 2012؛ وعقيل سعيد محفوض، خط الصدع في مدارك وسياسات الأزمة السورية (بيروت: دار الفارابي، 2017).

[5] نسرين علاء الدين، "بين الحنين و"وصمة التعامل مع العدو": أبناء القنيطرة في انتظار الفرح"، الأخبار، 17 آب/أغسطس 2018. https://al-akhbar.com/Syria/256287

وعقيل سعيد محفوض، تحديات ماثلة: حول المسارات والإكراهات الرئيسة في الأزمة السورية، دراسة، مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2018.

[6] عقيل سعيد محفوض، "عودة حبلى بالمخاطر"، مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 21 آب/أغسطس 2018. https://goo.gl/ZqSiaE

[7] سامي كليب، الأسد بين الرحيل والتدمير الممنهج: الحرب السورية بالوثائق السرية (بيروت: دار الفارابي، 2016).

[8] انظر: سامي كليب، خطاب الأسد: من الإصلاح إلى الحرب: أسرار-تحليل-توثيق (دمشق: دار الفرقد، بيروت: دار الفارابي، 2017).

[9] عقيل سعيد محفوض، تحديات ماثلة: حول المسارات والإكراهات الرئيسة في الأزمة السورية، مرجع سابق.

[10] "دي ميستورا من دمشق: الحل سياسي"، الأخبار، 12 شباط/فبراير 2015.

https://al-akhbar.com/Syria/15625

عدنان علي، "خطة ديمستورا: حلب أولاً"، العربي الجديد، 10 تشرين الثاني/ نوفمبر 2014. https://goo.gl/eKDc8m

[11] عقيل سعيد محفوض، "أن تقول الشيء نفسه تقريباً"، مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 27 آب/أغسطس 2018. https://goo.gl/1tCgXj

[12] المرجع السابق.

[13] رفضت الأمم المتحدة المساعدة بعودة اللاجئين، وتركز عمل منظماتها الإغاثية –مع منظمات أخرى– في مناطق خارج سلطة الدولة، ثم إنها وسعت عملها –في بعض الأحيان– في مناطق ضمن سيطرة الدولة، حتى لا تتهم بالتحيز وبأنها تعمل وفق "أجندة معادية للمجتمع".

[14] عقيل سعيد محفوض، "أن تقول الشيء نفسه تقريباً"، مرجع سابق.

[15] "11 تعهداً يوقع عليه الراغبون بالتسوية في درعا"، عنب بلدي، 20 تموز/يوليو 2018. https://www.enabbaladi.net/archives/242003

ويتضمن صورة للاستمارة المفترضة التي على طالب تسوية وضعه أن يتقدم بها إلى الجيش.

[16] انظر فيما يتعلق بمنطقة إدلب وشمال سورية: عقيل سعيد محفوض، "عودة حبلى بالمخاطر"، مرجع سابق؛ وفيما يتعلق بالمنطقة الجنوبية والشرقية: عقيل سعيد محفوض، تحديات ماثلة: حول المسارات والإكراهات الرئيسة في الأزمة السورية، مرجع سابق.

[17] "مصالحات تحت النار في الجنوب وتوتر في الرقة"، الأخبار، 24 حزيران/يونيو 2018.

https://al-akhbar.com/Syria/252830

 

 

مركز دمشق للأبحاث والدراسات

مِداد

 

 

 

سيريا ديلي نيوز


التعليقات