تخيّل (مثلا) أن لديك بقرة تحلب 20 كغ يوميا، في الوقت الذي كان فيه سعر كغ العلف 25 ليرة، ثم بدأ تجار الأعلاف بزيادة سعر العلف حتى وصل إلى تسعة أضعاف سعره.. فماذا ستتصرف؟!
هل ستفرض على البقرة أن تحلب لك تسعة أضعاف ما كانت تحلبه، أي أن تحلب لك 180 كغ يوميا بدلا من 20 كغ ؟!‏
المثال السابق يمكن إسقاطه بسهولة على موضوعنا المتعلق بالقرارات الخمسة التي اتخذتها نقابة المهندسين بين الأعوام (2013 - 2017)، (مع فارق أن النقابة زادت حصتها من الحليب رغم أن غيرها هو من يدفع ثمن العلف)!!‏
مدخل‏
قرارات النقابة تضمنت زيادة على أسعار رخص البناء التي كانت عام (2013) نحو (200) ليرة، وأصبحت عام (2017) نحو (1300) ليرة، وفي بعض الحالات (1800).. أي إن نسبة الزيادة بلغت نحو 900%، في بعض الحالات، علما أن من يدفع تلك الزيادات غالبا هم ذوو الدخل المحدود من موظفين مدنيين وعسكريين وممن يبحثون عن مسكن يؤويهم!!.‏
وسأترك ردود وزير الأشغال العامة والإسكان ونقيب المهندسين على تساؤلاتنا إلى ما بعد عرض قرارات زيادة الأسعار لأن أجوبتهم تفتح العديد من التساؤلات التي سنطرحها أيضا في ختام هذا التحقيق.‏
كما سأضع قرارات النقابة بين أيديكم مع نسخ مصورة عنها للمصداقية من جهة، ولمعرفة قيم الزيادات وتواريخها من جهة أخرى، ولكن بعد هذه التوضيحات الضرورية.‏
القرارات المسؤولة تأخذ مستوى دخل المواطن بالحسبان‏
- حتى العام 2013 كانت تسعيرة، أو أتعاب منح رخصة البناء العائدة للنقابة هي 200 ليرة سورية عن كل متر مربع طابقي..‏
أي كان على المواطن الراغب ببناء منزل مساحته (200) متر مربع - مثلا - أن يدفع نحو (40) ألف ليرة للمهندس مانح الرخصة، تضاف إليها رسوم المحافظة، أو (البلدية في حال كانت الرخصة تابعة للريف، وليس للمدينة).‏
الآن‏
أما الآن - وبعد قرارات النقابة بزيادة أسعار الرخص - فإن كل متر مربع يجب أن يضرب بمبلغ (1300) أو (1800) ليرة (حسب تصنيف المسكن)، بدلا من (200)!!.‏
وبحساب بسيط فإن كلفة الرخصة للمساحة السابقة نفسها أصبحت تحسب كما يلي: ( 200) متر مربع مساحة المنزل المراد ترخيصه ضرب 1800 ليرة أجور منح الرخصة عن كل متر مربع، فيكون الناتج 360 ألف ليرة، بدلا من مبلغ 40 ألفا هو المبلغ الذي سيدفعه المواطن الراغب ببناء منزل للمهندس مانح الرخصة!!‏
أما إذا كانت أجور المهندس التي قيمتها (1300) ليرة عن كل متر مربع طابقي فهي تحدد (حسب نوع السكن).‏
قرارات الزيادة !‏
• القرار الأول عام 2013‏
- في العام (2013) أصدرت نقابة المهندسين القرار رقم (64) وتضمن زيادة على رسوم التراخيص، فأصبحت تسعيرة ترخيص المتر المربع الواحد (325) ليرة بدلا من (200) ليرة.‏
• القرار الثاني عام 2014‏
- وفي عام 2014 صدر عن نقابة المهندسين القرار رقم (13) القاضي بزيادة رسوم رخص البناء بنسبة (35%) أيضا، فأصبحت التعرفة (440) ليرة للمتر المربع الواحد بدلا من (325) ليرة.‏
• القرار الثالث عام 2015!‏
- ثم صدر القرار (22) لعام (2015) وقضى بزيادة الرسوم بنسبة (35%) أيضا، فأصبحت التعرفة (600) ليرة بدلا من (440) ليرة!‏
• القرار الرابع عام 2016 !‏
كذلك صدرت زيادة أخرى بالقرار رقم (42) لعام (2016) بنسبة (35%)، فأصبحت التعرفة (800) ليرة للمتر المربع الواحد، بدلا من 600 ليرة !!.‏
• القرار الخامس عام 2017!‏
ثم جاء القرار رقم (34) لعام 2017 بتضمين دراسة الرخصة دراسات أخرى مأجورة، وتلك الدراسات هي:‏
(المصاعد - مانعات صواعق - عزل حراري - دراسة مرائب -إنذار حريق - تدعيم حفريات... الخ ).‏
وتضمن القرار أيضا إضافة أجور تحت البنود التالية:‏
- (تدقيق الدراسة): وكلفته ثلث كلفة الدراسة..!!.‏
(هذا البند رفع تسعيرة المتر المربع الواحد من 800 ليرة إلى نحو 1100 ليرة).‏
- الإشراف على التنفيذ: تم تحديد قيمته أيضا، سأذكرها عند الوصول إلى بند الإشراف على التنفيذ.‏
وتضمن القرار ما يلي: (لا تتم المصادقة على الرخصة إلا اذا تضمنت كل الدراسات السابقة الواردة بالقرار (34)، وبذلك ارتفعت كلفة رخصة بناء المتر المربع الواحد إلى نحو (1300)، أما للسكن الأول التجاري فارتفعت إلى نحو (1800) ليرة للمتر المربع الواحد.‏
(وللعلم فإن النقابة تأخذ نسبة 13،5 % من قيمة الرخصة، ويذهب 1،5 % أعباء لجان، فيبقى لمهندسي الرخصة 85% من القيمة الإجمالية الرخصة).‏
قرارات سابقة مجزية جدا‏
• القرار ( 29 لعام 2005)‏
وتضمن هذا القرار بنودا مجزية جدا للمهندسين، منها:‏
- تُحدد أتعاب الدراسات بجميع اختصاصاتها مع تنظيم دفاتر الشروط بنسبة( 3 % ) من كلفة المشروع الإجمالية، تعود المهندسين الدارسين.‏
- يجب ألا تقل أتعاب المهندس المشرف على تنفيذ مشاريع القطاعين العام والمشترك عن ( 3،5% ) من قيمة الأعمال !..‏
(أي إذا كانت كلفة المشروع نحو3 مليارات ليرة فإن أجرة المهندس المشرف هي (105 ملايين ليرة فقط لا غير )!!.‏
وطبعا، هذا المبلغ (105 ملايين ليرة) لن يدفعها المقاول، بل ستدفعها الخزينة العامة، لأن المقاول سيضيفها إلى كلفة المشروع قبل الموافقة على تنفيذه.‏
المهندس المقيم‏
كما حددت النقابة للمهندس المقيم على رخص البناء راتبا شهريا حده الأدنى 75 ألف ليرة، وإذا كان استشاريا فراتبه الشهري كحد أدنى (99) ألف ليرة.‏
بعض فقرات القانون 29 لعام 2005 والتوضيحات الخاصة به الواردة في القانون 34 لعام 2017 لبيان أن أتعاب المهندسين في جميع مشاريع القطاعين العام والمشترك مجدية جدا، ويحلم بها أي أستاذ جامعي أو موظف من الفئة الأولى.. فلماذا التضييق على قطاع السكن الذي يهم ذوي الدخل المحدود بالدرجة الأولى، وهم من سيدفعون قيمة أي زيادة على أجور الرخص ولن يدفعها المقاول أو تاجر البناء، بل سيضيفانها على كلفة المتر المربع أثناء بيعه للمواطن.‏
إشارة تعجب‏
• رأي وزير الأشغال العامة والإسكان..‏
السيد وزير الأشغال العامة والإسكان - الذي اتصلت به (الثورة ) وسألته عن رأيه بتلك الزيادات كونه هو من يوقع على قرارات النقابة حتى تصبح نافذة!!‏
حيث قال: «التعرفة هي هي (3%) لم تتم زيادتها، بل الزيادة تمت على كلفة بناء المتر المربع، والنقابة تأخذ أتعابها بنسبة ( 3% ) من كلفته، وقد كانت كلفة المتر المربع عام 2013 نحو 8 آلاف ليرة، وأصبحت عام 2017 نحو 38 ألف ليرة.. أي إن كلفة بناء أو تشييد متر البناء هي التي ارتفعت، فارتفعت أسعار تراخيص النقابة بشكل آلي لأنها تأخذ أتعابها بنسبة محددة كما أسلفنا!!.‏
• رأي نقيب المهندسين..‏
كلام السيد الوزير أيده، وكرره السيد نقيب المهندسين الدكتور غياث قطيني الذي تواصلت معه (الثورة) أيضا، فأعاد التأكيد أن الزيادة طرأت بناء على كلفة المتر المربع للبناء، أما نسبة أجور النقابة على المتر المربع الواحد فقد بقيت ثابتة عند 3%.‏
إشارتا تعجب‏
السيد الوزير والسيد نقيب المهندسين يستندان في تبريرهما على الرقم (3%) ويتذكرانه جيدا، ويكررانه كثيرا في حديثهما معنا، والرقم (3%) هو نسبة أجور تراخيص البناء من كلفة بناء المتر المربع الواحد.. ويتذكر أيضا أن كلفة بناء المتر المربع كانت نحو 8000 ليرة عام 2013 وأصبحت نحو 38 ألف ليرة عام 2017.. ويعلمان أيضا أن أجور الترخيص ترتفع بشكل أوتوماتيكي مع ارتفاع كلف البناء، ويشرحان لنا تلك الآلية، ولكنهما يصران على أن أجور النقابة هي هي، لم تزد!!‏
وينسيان أن مستوى دخل المواطن لم يرتفع 900% ولا 100%، بل انخفض نحو 800% بسبب الحرب والحصار الاقتصادي المفروض علينا!!‏
ونسألهما: هل يتحمل المواطن في هذه الظروف أن يدفع للنقابة تسعة أضعاف ما كان يدفعه لها عام 2013؟!‏
ونتساءل أيضا: ألا يدفع هذا الوضع بذوي الدخل المحدود والموظفين للجوء إلى المخالفات السكنية، سواء بالريف أم حول المدن تهربا من جشع تجار العقار أولا، ومن دفع رسوم التراخيص المرهقة ثانيا ؟!‏
من حقها‏
يحق لنقابة المهندسين أن تتخذ القرارات التي تحقق مصالح منتسبيها، وأن تضمن لهم دخلا يجعلهم يعيشون في رخاء.‏
ويحق لها أن تستثمر أموال صندوقها في البنوك الخاصة، وأن يكون لها أسهم في تلك البنوك، وهذا أمر تستحق عليه التحية، رغم أننا كنا نتمنى أن تستثمر أموالها في مجالات أكثر فائدة للمجتمع، كأن تستثمرها في مجال البناء، لأنه اختصاصها، وأن تنشئ مدنا وضواحي سكنية لتحقق أرباحا من جهة ولتكون مساهمة في حل أزمة السكن من جهة أخرى.‏
ولكن ما لا يحق لنقابة المهندسين ولايتناسب مع دورها النقابي والاجتماعي أن يكون تحقيق مصالح منتسبيها على حساب المواطنين الفقراء وبقية موظفي الدولة من ذوي الدخل المحدود!‏
اقتراح‏
وأخيرا نتمنى أن تتم إعادة دراسة قيم رخص البناء، وخاصة السكني منها بما يتماشى مع مستوى دخل المواطن، وألا تحتسب أجور منح الرخصة على أساس النسبة إلى كلفة البناء، لأنها نسبة متحركة وتصاعدية، بل على أساس قيمة ثابتة تعادل راتب الموظف لمدة شهر أو شهرين أو ثلاثة أشهر كحد أعلى، وحسب مساحة المسكن.‏
فهل يُعقل ان أدفع راتبي كموظف لمدة عام كامل مقابل منحي رخصة بناء مسكن !!‏
وهل يُعقل أيضا أن تتحول النقابات التي كانت علّة ومبرر وجودها هي رفع الظلم عن المواطنين إلى (سّوْطٍ) يُلهب جلودهم ويؤذي نفوسهم وقلوبهم بزيادة الرسوم عليهم بشكل جنوني دون أدنى مراعاة لظروفهم المعيشية الصعبة؟!!.‏

الثورة
هلال عون

 

سيريا ديلي نيوز


التعليقات