مرّة جديدة ربما لن تتكرّر كثيراً، يقف رجالات قطاع الأعمال السوري على عتبة اختبار استثنائي، يتجاوز حدود مفاهيم رأس المال، إلى أخرى ذات صلة بالانتماء و اعتبارات ما يُسمى بـ”البُعد الثالث” في العلاقة بين رجل الأعمال وأعماله، وهو البعد الوطني الذي طالما كان باهت الحضور في أدبيات المال والأعمال السورية.

ولا نظن أننا نهوّل المشهد بتوصيفه كـ”اختبار” ، فالأفكار التي يجري تداولها في كواليس القرار ،على شكل حزمة مشروعات من النوع الاستراتيجي الثقيل، لا تبدو مجرّد تسريبات أو عرض للاطلاع و “إبداء الرأي وإمكانية التطبيق “، وإنما فُرص لازمة وضرورية مطروحة للتبنّي والتنفيذ، وهذه إشارة لسنا على يقين جيّد من كفاءة متمولينا في التقاطها، ليس اتهاماً أو طعناً في الولاء، وإنما نرى ذلك من منطلق إدراكنا الأكيد لخصلة استسهال الفرص التي تستحوذ على ذهنيّات النسبة العظمى من حائزي المال الكبار في بلدنا، وهي خصلة غير مُتعمّدة ، نشأت بالاكتساب في كنف التهميش المزمن لمسؤوليات القطاع عن استحقاقات تنموية نهضت بها الدولة وحسب، لردحٍ طويلٍ من الزمن..!!

الواقع أننا نسجّل رؤيتنا هذه ونحن ندرك أنها ستبدو ضرباً من السوداوية في أعراف المتفائلين، وكم كنا نرغب بامتلاك معطيات كافية، تتيح لنا الحديث في اتجاه مختلف، لكن ثمة إشارات التقطناها من شأنها إثارة ما يعترينا من توجّسات، وربما لدى من يتابع التفاصيل اللاحقة لملتقى الاستثمار- خصوصاً المعنيين بالمتابعة في المقصورة التنفيذية الرئيسة – لديه الهواجس ذاتها، بالتالي لا بد من الاستدراك منذ بداية الطريق التي ستكون طويلة نوعاً ما ، وهذه مهمة حكومية في الحقيقة، وعلينا ألّا ننتظر من يبادر إلى التصويب طواعيّةً.

فقد كان لافتاً ومدهشاً أن يستثمر بعض رجال الأعمال الفرص المتاحة ، ليطلب التمويل أولاً – وبشكل يشبه المساومة – وبعضهم طلب العودة إلى قانون الاستثمار رقم 10 وهو قانون إعفاءات وامتيازات ولم يعد قانون استثمار وفق المفاهيم الراهنة، وخصوصية المرحلة الراهنة والقادمة ، و طروحات من هذا القبيل هي ما شجعنا للظن بأن هؤلاء لم يلتقطوا الإشارة بشكلها الصحيح وبمراميها الإستراتيجية..؟!!

على مسارٍ ثانٍ كان بعض رجال الأعمال “أكثر حذاقةً” فلاذوا بالاستثمار السياحي كخيار ربما ظنوه “أهون الشّرين”، وعلى الأرجح وجدوا في قوام الفريق التنفيذي من يحابيهم ، وإن بقي الحال على هذا المنوال سيحوّل ورشات الإعمار و الاستثمار – بكل الجهد الحكومي الذي بُذل – إلى مجرّد ورشة استثمار سياحي وكرنفالات تصفيق وقص أشرطة حريرية، وليالي سهر وطرب ورخاء، أو “دكاكين” على شكل مولات تحاكي أسواق بلدان لها مالها من خصوصيات واستقرار و تاريخ تجاري وترفي مفرط، رغم أن تجربتنا كبلد مع هذا النوع من التوظيفات الرأسمالية تؤكد أنها “أبغض الحلال الاستثماري”، فقد أصابها الشلل التام مع أول رصاصة أُطلقت في معمعة الحرب على سورية، وهي كانت جاهزة للشلل على كل حال لأنها موصومة بـ”خلع الولادة” ..؟؟!

من المفيد الآن بل من الحكمة أن تنبّه الحكومة رجال الأعمال السوريين، إلى أن الفرص المعروضة أمامهم اليوم، كانت ممنوعة ومحرّمة على الرساميل الخاصة لعقود طويلة سبقت، وهي فرص ذات لون وطعم استراتيجي فيها ما فيها من استدامة عائدات كفيلة بإغراء أي مستثمر خارجي.

ونعتقد أنه كان من واجب الحكومة أن تطرحها أولاً أمام رأس المال الوطني، وأغلب الظن لو فُتح الباب أمام الرساميل الخارجية لكانت التدفقات هائلة بدون مطالب واشتراطات وتململ، لأنها ليست مجرد استثمارات بل امتيازات حقيقية يدرك أهميتها المستثمرون الحقيقيون، أما “تجار الشنطة” فلهم حساباتهم الرخوة بعد أن اعتادوا صيد العلاوات الحكومية من تحت الطاولة، وحسبنا ألّا يكون في ديارنا المزيد منهم لأننا سنكون في مشكلة حقيقية، وأغلب الظن أننا الآن في خضم مشكلة من هذا النوع.

الخبير السوري

سيريا ديلي نيوز


التعليقات