مازال مصير البلاغ الذي أصدره مصرف سورية المركزي في 18 /9/ 2018 مجهولا، فالكثير همس بين أقبية المصرف من موظفين وعمال أن حاكم مصرف سورية المركزي السابق، الدكتور دريد درغام قد تم إعفاؤه من منصبه نتيجة المطالبة بتنفيذ البلاغ، في الوقت الذي لم يصدر أي قرار أو بلاغ رسمي يمنع تنفيذه، فالقرار المفاجئ وغير المفهوم في أوساط الكثير من المعنيين، والذي طالب فيه مشتري القطع الأجنبي، في الفترة ما بين 13/3/2012 ولغاية 15/10/2012، بضرورة تقديم وثائق تثبت كيفية استخدامهم للقطع الأجنبي المُشترى. وإلا، فإن عليهم دفع الفرق بالليرة السورية، بين سعر الدولار اليوم، وبين سعره في الفترة المحددة من العام 2012.

مخالف للقانون…

يشير التاجر خالد جنيدي عضو غرفة التجارة لـ «الأيام» إلى تحول الاقتصاد السوري خلال الأعوام الماضية إلى اقتصاد حرب، حيث الأولوية هي لتأمين المواد الأساسية كالوقود والغذاء والقمح والمواد الأولية، وسط تراجع في نشاط العديد من القطاعات الإنتاجية والعقوبات الاقتصادية التي فرضت على سورية، لذلك كانت الحكومة قد استعانت بالتجار لتأمين المواد الأساسية بحكم أن العمل خاص بالتاجر، وبذلك لا يفرض عليه عقوبات اقتصادية، لافتاً إلى أنه ليس من المعقول أن نعود بشكل رجعي لتنفيذ هذا البلاغ، فهذا يعد مخالفا للقانون السوري والذي ينص على أن البيع هو مراضاة ما بين البائع والمشتري فليس من المعقول أن أبيع بسعر وأنا راضٍ بحكم الظروف، وعندما تحسنت الظروف تعود وتطالب بإعادة النظر بعملية البيع .ويضيف جنيدي، لقد هربت الكثير من رؤوس الأموال خلال فترة الحرب، وقد قدرت تلك الأموال بنحو 22 مليار دولار، وكان من الأفضل محاسبة هؤلاء وليس من بقي في بلده وعمل رغم الظروف الصعبة.

المركزي يدافع عن قراره

من جهة أخرى أِشار مصدر من المصرف المركزي في تصريحه لـ «الأيام» أنه وبعد مراجعة البيانات الخاصة في الفترة التي حددها البلاغ تبين لنا أنه ورغم أن تلك العمليات حدّت من تدهور الليرة السريع حينها، إلا أنها أدت إلى إهدار احتياطي القطع الأجنبي في خزينة المصرف المركزي، لصالح تجار السوق السوداء، الذين كانوا يأتون بتبريرات عديدة، لشراء الدولار بسعر أقل من السوق، ليبيعونه لاحقاً في السوق السوداء، بسعر أعلى، لافتاً أن المركزي لديه الكثير من أسماء لأِشخاص قاموا بشراء الدولا من شــركات الصرافة مرتين وثلاث، حيث بلغ عدد الذين كانوا يقدمون على شراء الدولار في تلك الفترة  أكثر من 3600 شهرياً في محافظة دمشق فقط. مبيناً أن المركزي قام بنشر العديد من الأسماء المخالفة للقوانين بعدما تم اكتشاف تعاونها مع صاحب إحدى شركات الصرافة، والذي كان يمارس التلاعب ويرتكب مخالفات قانونية لأصول عمل شركات الصرافة، حيث كان يأتي بأقربائه مثل زوجته وأولاده وأولاد عمه وغيرهم، مما أدى إلى شراء كل شخص زيادة عن المبلغ المسموح به شهرياً وقدره عشرة آلاف دولار أمريكي، وبذلك يعد الشخص قد ارتكب جرم تهريب القطع، وغسل الأموال وغرامة مالية نسبتها 100% بعد أن تثبت المخالفة من خلال قيود المصارف ومؤسسات الصرافة.

وأضاف المصدر، تزايد عدد العاملين مباشرة أو بشكل غير مباشر، في مجال صرف العملة، ونمو السوق السوداء بفعل تجار كبار لا يمكن الاستهانة بقوتهم ومدى تأثيرهم على صرف العملة، بدليل الارتفاع الكبير الذي يعانيه سعر صرف الليرة يومياً، من دون ضوابط أو مقاييس نقدية حقيقية. مبيناً أن المصرف المركزي قام بإلغاء ترخيص 15 شركة صرافة خلال السنوات الماضية، وذلك لمخالفتهم القوانين في بيع القطع الأجنبي وتعاملهم مع أِشخاص يعملون في إطار السوق السوداء، لذلك نبين أن التجار والأِشخاص الذين اشتروا قطع من الشركات المغلقة يمكنهم مراجعة المصرف للتدقيق مع اللجنة التي تم تكليفها بهذا الموضوع.

خفايا البلاغ…

تحديد قيمة الدولار لا يمكن أن يكون بقرار، فهناك عوامل اقتصادية أخرى، وتحديد سعر الصرف إدارياً، كما يفعل المصرف المركزي، لا يعني على الإطلاق أن الصرافين وشركات الصرافة ومكاتبها ملتزمون بهذا السعر، فالواقع أو السوق السوداء لها معاييرها الأخرى الأكثر دقة، والأكثر استجابة لحقيقة الليرة وسعر صرفها الواقعي، ولكن خفايا البلاغ تعد كارثة حقيقية ستخيم على الاقتصاد السوري بحال كان كلام رئيس الحكومة عماد خميس صحيحا، عندما اعترف في تصريح له باستهلاك 15 مليار دولار من الاحتياطي النقدي من خزينة الدولة، بين عامي 2012 – 2015، تم صرف أغلبها على المستوردات النفطية والغازية بالإضافة إلى القمح، وبالمقابل كان حاكم المصرف المركزي السابق، أديب ميالة، قد أعلن منتصف العام 2011، أن سورية تمتلك احتياطياً نقدياً، يبلغ نحو 17 مليار دولار. ووفق الحسبة التي ذكرها خميس، فإن ذلك يعني تلاشي الاحتياطي النقدي الأجنبي من خزينة الدولة، بالإضافة إلى تراكم الديون، لأن أي شيء فيما يخص مستوردات القمح والوقود، لم يتغير منذ العام 2015 وحتى اليوم علماً أن الدولة تستورد سنوياً  2 مليون طن من القمح بقيمة 200 مليار ليرة، بعد أن كان إنتاج سورية 3 مليون طن، كما أن قيمة المشتريات الآن لكل ناقلة نفط تبلغ 70 مليون دولار بعد أن كان إنتاج النفط المحلي 380 ألف برميل يومياً و25 مليون م3 غاز، وتصرف الحكومة كل شهر ما بين 45 – 50 مليار ليرة لشراء الوقود، كما وتصرف في كل عام من 20 إلى 30 مليار ليرة من خزينة الدولة كرواتب لشركات وزارة الأشغال.

 ليس من أخلاقيات الاقتصاد

تؤكد الدكتورة نسرين زريق لـ «الأيام» أنه ليس من أخلاقيات المهنة الاقتصادية بيع شيء، ومن ثم المطالبة بفرق سعره بعد ستة سنوات، فهذا لا يعد عملا أخلاقيا، والأشخاص الذين اشتروا دولارا منذ عام 2012 بغاية الطبابة أو السياحة أو الدراسة، من المحتمل أن لا يتواجد لديهم أوراق ثبوتية أين صرف القطع الأجنبي، والكثيرون ممن غنموا الحصة الأكبر مستغلين فرص التدخل هربوا بدولاراتهم أو هربوها إلى الخارج، ومن بقوا في الداخل لم يكونوا واثقين من أن إجراء ما سيتخذ بحقهم، لذلك كان الإعلان الذي طرحه المصرف المركزي مطالبا المستفيدين بتقديم ثبوتيات بمثابة صافرة إنذار دفعتهم إلى عرض أملاكهم للبيع، بحيث لا يبقى لديهم ما يمكّن الجهات الحكومية من الحجز عليها، وليس خافيا على أحد أن الكثير من الصفقات التي تجري في سورية وعقود البيع والشراء، في ظل الأزمة، وأزمة الليرة بشكل أساسي، تجري بالدولار وليس بالليرة التي انحدرت قيمتها وما زالت إلى مستويات مخيفة ومهينة، فالدولارات متوفرة في الأسواق وبين أيدي التجار خاصةً أولئك الذين أثروا بسبب الحرب، وهؤلاء من   يجب أن نسألهم

 وبعد كل هذه التصريحات التي تدلي بها حكومتنا يحذّر المركزي أنه مع انتهاء المهلة المحددة للبلاغ «سيتم اعتبار جميع المتخلفين عن تقديم الوثائق (مخالفين لأنظمة القطع) وسيتم اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة بحقهم، ولن يقبل منهم لتسوية أوضاعهم مع مصرف سورية المركزي سوى دفع الفرق بالليرات السورية بين سعر القطع الأجنبي بتاريخ الشراء وسعره بتاريخ التسوية». هذا ما قاله المركزي في عهد حاكمه السابق الدكتور دريد درغام، فهل ستتغير هذه المعادلة مع حاكمهم الجديد يا ترى؟ وهل سيتغير مصير هذا القرار؟ هذا ما سوف تبينه الأيام القادمة

سيريا ديلي نيوز- نور ملحم


التعليقات