عرضت وكالة بلومبرغ مجموعة من البيانات حول أسواق العملات في الدول الصاعدة: حيث إن عمليات البيع وانخفاض الأسعار في أسواق جميع دول أطراف المركز الرأسمالي، وصلت إلى مستوى تاريخي، وتجاوزت مستويات عام 2008.

استمر التراجع في سوق الأسهم لمدة 222 يوماً، وفي أسواق العملات منذ 155 يوماً، أما في أسواق السندات النقدية فإن التراجع مستمر منذ 240 يوماً، ولم تصل السوق إلى أقل مستوى انخفاض بعد.
قبل عام 2013 كانت الأسواق المالية للدول الصاعدة في حالة نشوة، نتيجة تدفقات المال الرخيص من دول الغرب. وانقلب الحال منذ الإعلان في عام 2013، بأن سياسة التيسير الكمي ستصل إلى حدٍ، في تشرين الأول 2014.
تراجع الاستثمارات
بنسبة 84% خلال شهر
باستثناء انتعاشات مؤقتة وفردية في الأسواق المالية للدول النامية، فإن الاتجاه نحو الانخفاض هو اتجاه مرسوم، وقد وصل في عام 2018 إلى مستوياته الخطرة. تدفق الاستثمارات إلى المحافظ الاستثمارية في الدول النامية بلغ 13,7 تريليون دولار في تموز الحالي. (وفقاً لمعهد التمويل العالمي)، وقد انخفض سريعاً إلى 2,2 تريليون في شهر آب. أما ميزان تدفق رأس المال للدول النامية سالب منذ وقت طويل، حيث إن التدفقات الصافية الخارجة تفوق الداخلة بكل أشكالها (الاستثمار المباشر، الاستثمار في المحافظ الاستثمارية وغيرها).
ومقابل حالات ارتفاع استثنائية مثل: الروبية الأندونيسية التي وصلت إلى أعلى مستوى لها منذ 20 عاماً. فإن عملات أخرى كالليرة التركية، والبيزو الأرجنتيني، والروبي الهندي، والريال البرازيلي، جميعها قد انخفضت وتستمر بالانخفاض. السلطات النقدية في هذه الدول، تحاول احتواء تراجع قيم العملات، عبر رفع أسعار الفائدة، وبيع الاحتياطي الذهبي، ومحاولة تعديل التراجع عبر اقتراض قروض جديدة لسداد القروض القديمة. الأرجنتين على سبيل المثال، وافقت مع صندوق النقد الدولي على شروط الحصول على قرض بمقدار 50 مليار دولار، لسداد قروضها السابقة، وهو رقم كبير بشكل غير متوقع. كان هنالك أيضاً انخفاض في سعر صرف الروبل، ولكن بالمقارنة مع وضع العملات الأخرى، فإن مسار تراجعه ليس درامياً إلى حد بعيد. حيث في مطلع أيلول وفي العاشر منه تحديداً، فإن سعر الصرف وصل إلى 70 روبل مقابل الدولار، ثم انخفض قليلاً.
من الواضح أن الانخفاض هو الاتجاه الواضح لأسواق عملات الدول النامية، وتحديداً إذا ما استمرت السياسات النقدية القديمة. حيث إن (كعب أخيل) في هذه السياسات، هو عدم وجود أيةِ قيود تقريباً على حركة رؤوس الأموال خارج الحدود. الأمر الذي يعني إعطاء صلاحية تقرير قيمة العملات المحلية، لمصدري العملات العالمية، أو العملات الاحتياطية، وفي مقدمتها الدولار، واليورو.
ما يعني: إعطاء الدور الأساسي في تحديد قيم العملات المحلية إلى مصدري الدولار الأمريكي في البنك الفيدرالي الأمريكي.
أداتان للتأثير:
الفائدة وبيع وشراء الأصول
يعتمد الفيدرالي الأمريكي على أداتين أساسيتين في التأثير على الأسواق المالية. الأولى: هي سعر الفائدة الصادر عنه، والثانية: هي عمليات الاحتياطي الفيدرالي في السوق، أي: بيع وشراء السندات.
عشية الأزمة المالية في عام 2008 بلغ معدل الفائدة الصادر عن الفيدرالي الأمريكي 5,25%، وذلك بتاريخ آب 2007، وخلال عام تراجع المعدل إلى مستويات قياسية ليصل إلى 0,25% في آب 2008. وقد بقي السعر عند هذه المستويات المنخفضة لتسعة أعوام ونصف العام. حيث كان المال بهذه الفترة شبه مجاني، وتدفق جزء هام منه إلى المستثمرين القريبين من آلة الطباعة في الفيدرالي، ليشتروا مجموعة كبيرة من الأصول المالية في أسواق الدول النامية. في 11- 2015 بدأ السعر يرتفع واستمر الارتفاع حتى وصل في حزيران 2018 إلى 2%، حيث ارتفعت تكاليف عائدات الدَّين الأمريكي، وتكاليف الإقراض بنسبة 800%.
ومع كل ارتفاع في سعر الفائدة في الولايات المتحدة، يزداد تسارع خروج الأموال من أسواق الدول النامية، مع كل ما ينتج عن هذا من اضطرابات.
الأداة الأخرى التي يؤثر بها الفيدرالي، هي: بيع وشراء السندات والأوراق المالية. حيث إن الفيدرالي عبر سياسة التيسير الكمي، عمل كما المكنسة الكهربائية... فقام بشراء السندات العقارية والمالية وغيرها من البنوك، وقدم لها بالمقابل الدولار. وقد أدى هذا إلى ازدياد الأصول التي يمتلكها الفيدرالي بشكل فقاعي كبير. ففي عشية الأزمة كانت أصوله تقارب 0,8 تريليون دولار، وقد وصلت إلى 4,5 تريليون دولار. وكانت حاكمة الفيدرالي السابقة جانيت يالين قد أشارت إلى أنه ينبغي التخفيف من الحمل المتراكم بتريليونات السندات والأوراق المالية العقارية، عبر بيعها.
إزالة الألغام
من الفيدرالي عملية خطرة
إن عملية إزالة الألغام من الفيدرالي الأمريكي، عملية خطرة، فهي تعني: تخفيف أصول الفيدرالي، وكذلك التزاماته، وهي الدولارات المرسلة عبر العالم. وهي تعني عموماً: تقليص السيولة، التي بدورها تعتبر عملية خطرة وتؤدي إلى أزمات. ومع ذلك فقد بدأها الفيدرالي الأمريكي الذي تقلصت أصوله إلى 4,2 تريليون دولار. وكذلك بدأت عملية التقليص ببطء في البنك المركزي الأوروبي، وستبدأ في بنك اليابان. إن هذه العملية ستعمل أيضاً كالمكنسة الكهربائية، ولكنها لن تشفط هذه المرة الأصول المالية للبنوك والسندات، بل الأموال، ستسحب الدولار المتدفق عبر العالم، ما يعني: تقليص تدفق المال عبر الاقتصاد العالمي وما يثيره هذا من أزمات، وتراجع الدولار إلى الولايات المتحدة... التي يجب أن تنمو بسرعة كي لا تنخفض قيمة الدولار بسرعة كبيرة أيضاً، فهل هذا ممكن في ظل الاضطراب العالمي والمالي تحديداً؟!
يريد الفيدرالي الأمريكي عبر رفع سعر الفائدة، وتقليص التمويل العالمي بالدولار، أن يثير الاضطراب في الأسواق العالمية وتحديداً سوق عملات القوى الصاعدة، وأن يعيد تدفق الأموال إلى الولايات المتحدة الأمريكية. ولكنه بهذه العملية يحول معظم فائض الدولار إلى الولايات المتحدة، ويزيد من خطر خسارة قيمته الفعلية. والأهم: أنه يرفع مخاطر نشوب أزمة مالية كبرى لا تستثني أحداً، وتهدد قطاع المال ككل حيث توجد الهيمنة الأمريكية. ما يجعل انقلاب قوى العالم الجديد على منظومة الدولار، وخلق البديل، ضرورة لا يمكن تأجيلها، وتزداد إمكانات تحقيقها في ظل أزمة تمويل عالمي، وتراجع الدولار إلى الولايات المتحدة، وتراجع قيمته مع تراجع مساحات انتشاره.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات