أيام تفصلنا عن موعد انتخابات مجالس الإدارة المحلية، ولا جديد يذكر، لا في آلية الترشيح ولا القبول ولا الحملات الانتخابية ولا حتى القوائم الجاهزة سلفاً، آمال السوريين بمرحلة جديدة تحمل تغيير حقيقي بدأت بالتبدد، فالحكاية يختصرها المثل الشعبي «متل ما رحتي جيتي».

 «كمالة عدد»

حوالي 41 ألف مرشح يتنافسون اليوم ليصلوا إلى مجالس الإدارة المحلية، بعضهم عن إصرار في الوصول، والبعض الآخر «كمالة عدد» فقبل إغلاق باب الترشيح بيومين كانت أعداد المرشحين قليلة جداً، فطلبت الأحزاب ممن هم فوق 25 عاماً من أعضائها، الترشح ولو بصورة شكلية، إضافة إلى أن العديد من المؤسسات طلبت ذلك من موظفيها أيضاً، والحقيقة أن الأجدى كان أن تُحفّز تلك المؤسسات والأحزاب من تجد فيهم الكفاءة للترشيح لا أن تدفعهم لذلك بشكل آلي، سواء عبر الحملات التعريفية بمهام تلك المجالس أو بأهمية وفعالية وجودهم فيها، من حيث قدرتهم الفعلية على التأثير المباشر في تحسين حياة من انتخبوهم.

 «الأيام» التقت العديد من المرشحين، بعضهم رفض التحدث «ربما لأن ليس لديه ما يقوله»، والبعض بدا متحمساً رغم كل الظروف، والبعض الآخر أحبطته القوائم

عبد الرحمن التيشوري مرشح عن محافظة طرطوس، دفعه للترشح اطلاعه على قانون الإدارة المحلية حيث رأى أنه قانون متطور وتطبيقه بذهنية مختلفة يعني أنه من الممكن أن يفعل شيئاً

أكد ذلك رغم اعترافه أنه لا تغيير فعلي في مجريات العملية الانتخابية باستثناء أخبار عن أن هذه الدورة سيختار الحزب في قائمته الأكثر كفاءة من مرشحيه، بتوجيهات القيادة، وينتظر التيشوري أن يكون هذا فعلي ومطبق.

 للبعث قائمته

وبخصوص القوائم البعثية وآلية اختيار المرشحين يقول أمين فرع دمشق لحزب البعث حسام السمان: طبعاً من المؤكد أنه سيكون لحزب البعث العربي الاشتراكي قائمته الخاصة وستكون بعنوان قائمة «الوحدة الوطنية»، التي تضم مرشحي حزب البعث ومرشحي أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية نظراً لكونه حزب الأكثرية، ومن موقعه كحزب حاكم وهو الأمر الطبيعي والمتعارف عليه سياسياً لدى كل أنظمة الحكم في العالم، مؤكداً أن هناك توجهات للحزب تستند لروائز ومعايير أساسية يجب توفرها في مرشحي الحزب، وعلى رأسها الانتماء والولاء المطلق للوطن والمقومات الأخلاقية والعقائدية في شخصية الرفيق البعثي المرشح، كما يراعي مكونات المجتمع السوري والتوزع الديمغرافي للسكان وفق ما ينص عليه قانون الإدارة المحلية 107 لعام 2011، مضيفاً أن من هذه المعايير أيضاً القبول الجماهيري للمرشح ورصيده الشعبي في الدائرة الانتخابية المرشح عنها، على أن يكون من ذوي السمعة الجيدة والسيرة الحسنة، إلى جانب مراعاة المؤهل العلمي والأفضلية لحملة الإجازات الجامعية من كافة الاختصاصات، ومراعاة مشاركة مختلف الشرائح العمرية مع التركيز على فئة الشباب من الجنسين، والتأكيد على الاهتمام بمشاركة المرأة السورية، ومراعاة التوزع الجغرافي لمناطق وأحياء مدينة دمشق.

 لا مانع

ومن جهته يرى القاضي نوري فارس عضو لجنة قضائية عليا، أن لا مانع من إصدار القوائم الانتخابية من قبل الأحزاب، في النهاية الانتخاب سيكون ضمن غرف سرية والمنتخب ليس مجبرا بالالتزام بهذه القوائم إن لم يجدها تمثله فعلا.

المستقلون أيضاً متفائلون! إيهاب شريقي «مرشح مستقل عن محافظة اللاذقية»، وهو المرشح الأصغر سناً في سورية، بدا متفائلا إلى أبعد حد ويرى أن المجتمع بدأ يتفاعل مع هذه الانتخابات بشكل أفضل، شريقي مؤمن أنه لو كان الأفضل فسيصل إلى مقعد في هذه الانتخابات.

 في الوقت نفسه يشير إلى تقصير «بسيط» من المواطنين لقلة ثقافتهم حول دور هذه المجالس ومهامها، وتقصير واضح من الحكومة ومنظمات المجتمع المدني لعدم محاولتها نشر هذه الثقافة بما يكفي، مشيراً إلى وجود بعض الحملات المتلفزة والإلكترونية تشجع على الترشح والانتخاب لكنها لم تشرح شيئا، لا عن قانون الإدارة المحلية ولا عن دور مجالس الإدارة.

 وهنا يقول بسام قرصيفي مدير المجلس في وزارة الإدارة المحلية، إن الوزارة قامت بالتسويق للعملية الانتخابية وحث الناخب للذهاب لصندوق الانتخاب، إلا أن تغير الصورة السائدة مهمة شاقة جدا، وليست سهلة في سورية رغم أننا بحاجة لذلك، خاصة وأننا في ربع الساعة الأخيرة من الأزمة ويجب أن نلتفت لإعادة الإعمار، ومجالس الوحدات هي الأساس فيها، فلا يوجد تجمع سكني في سورية خارج نطاق وحدة إدارية بموجب القانون الجديد.

 بدوره يشير التيشوري إلى أنه كان من المفترض أن تقوم الحكومة بخطة إعلامية لمدة أقلها 4 أشهر تسوق فيها للإدارة المحلية وأهميتها وقانونها، لتحاول أن تقلل من انعدام الثقة لدى الناخبين، وإحساسهم أن هذه الانتخابات شكلية وأن كل من ينجح هم من أصحاب « الواسطات».

 ويضيف: الذهنية لم تتغير والحكومة لم تفعل شيئا لتغييرها، فلو بادرت ربما لكانت نسبة المشاركة في الانتخابات أكبر، ونوعية المشاركين مختلفة، فكثيرون اليوم مرشحون رغم أنهم لم يقرؤوا قانون الإدارة المحلية الجديد، لافتاً إلى تفاؤله رغم ذلك، «ليكون لدينا دافع للعمل لا لأن الواقع يدعو للتفاؤل، إذ لم تكن إجراءات الحكومة إيجابية ليشعر المواطنون أن هناك نقلة حقيقية، وكوننا في مرحلة جديدة كان من المفترض أن يترجم ذلك بخطط وأساليب عمل تبين أن هناك ما تغير».

إحباط من هم خارج القائمة

من جهتها، أكدت مريانا الحنش إحدى مرشحات حلب، وبعد صدور القوائم الانتخابية هناك، أن اسمها لم يكن ضمن تلك القوائم، وأن التمثيل النسوي لم يتجاوز 3 % فقط، موضحة: في كل ريف حلب سيدة واحدة ضمن تلك القوائم، في إعزاز مثلا ولا سيدة، وهذا كان محبطاً، وتضيف الحنش: على الأقل ليكن للذكر مثل حظ الأنثيين، أشعر أنني في السبعينات، مؤكدة أن التمثيل جاء على أساس شخصي وعشائري ومناطقي وتبعا للمصالحات وتوازنات غير مفهومة، أي أنه كان عبارة عن توزيع حصص ما بعد الحرب، أما المستقلون في القائمة فأكدت أنهم «تجارا من أثرياء الحرب أو أولادهم».

وأكدت الحنش أنها لم تجد سببا مقنعا لعدم وجود اسمها في قائمة الوحدة الوطنية رغم أنها حاصلة على ماجستير، وهي وطنية ومندفعة، إلا أنها «ما بتسمع الكلمة» كما يقال عنها، مؤكدة أنها رفضت بدايةً تقديم طلب انسحابها من الترشح مع طلب الترشيح إلا أنها عادت وأرفقته لأنها وجدت أن الموضوع من الممكن أن يتطور أكثر.

 الانسحاب مقدماً

ورغم تأكيد المرشحين من الحزبيين أنهم تقدموا بطلبات انسحابهم مع طلبات ترشحيهم، ينفي ذلك القاضي حسام رحمون عضو اللجنة الفرعية للانتخابات في دمشق، مؤكداً أنه لم يتقدم أحد بطلب انسحاب مع طلب ترشحيه، وعلى كل من يرغب بالانسحاب أن يحضر ويقدم طلب الانسحاب في وقت لاحق وقبل الانتخابات بأسبوع، لافتاً إلى أن الانسحابات بدأت لكنها قليلة «قبل إعلان القوائم في دمشق» فهناك 3 انسحابات فقط في دمشق، حتى تاريخ 6-9، مضيفاً: لا نتدخل بقوائم الأحزاب أو انسحاب مرشحيهم فهذا شأن داخلي لكل حزب.

 مرشحو إدلب أيضا لم يجدوا تغييرا في هذه الانتخابات، إلا أنهم لايزالون يظنون أن السبب استمرار الحرب في المحافظة، متوقعين كما كان يأمل مرشحو المحافظات الأخرى التي باتت آمنة، أن الانتخابات ستكون مختلفة عندما تنتهي الحرب، ويؤكد عبد القادر حاج خميس من محافظة إدلب وهو عضو مكتب تنفيذي سابق لدورتين، أن لإدلب وضع خاص، لذا لم يجد أي تغيير جدّي في الانتخابات وآليتها هذه الدورة.

 مرحلة حساسة

 من جهته يرى أمين فرع الحزب حسام السمان أن الاستحقاق القادم لانتخابات مجالس الإدارة المحلية يختلف عن الدورات الانتخابية السابقة، كونه يتزامن مع انتصارات بواسل جيشنا العقائدي والقوى الرديفة على الإرهاب وداعميه، ولما تقتضيه المرحلة القادمة، مرحلة إعادة سورية لتكون أفضل مما كانت عليه قبل هذه الحرب المفروضة علينا، الأمر الذي يفرض على عاتق المجلس القادم مهام وأعباء كبيرة للقيام بدوره وواجباته ومساهمة أعضائه في إعادة الإعمار بكل كفاءة واقتدار إلى جانب تأمين متطلبات المواطنين واحتياجاتهم الخدمية والمعيشية ولتطوير محافظة دمشق اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وعمرانيا، بما يتماشى مع التنمية المستدامة والمتوازنة في شتى المجالات، متمنياً أن يتكلل هذا الاستحقاق الديمقراطي بالنجاح وأن يبادر جميع أبناء الوطن لممارسة حقهم الانتخابي وواجبهم الوطني الدستوري واختيار ممثليهم لعضوية المجلس.

دور تنموي

وعن المختلف في هذه الانتخابات يقول مدير المجالس إن ما ينظم العمل هو قانون الإدارة المحلية الجديد، ومن المفترض تطبيقه لأن الحرب انتهت ولم تكن تتيح تطبيقه قبل ذلك، والقانون الجديد أضاف الدور التنموي لمجالس الإدارة المحلية إلى جانب الدور الخدمي، ومع الأسف ثقافتنا كمواطنين حول موضوع الإدارة المحلية ضئيلة جدا وتنحصر في الخدمات البسيطة، بينما لا نعرف بشكل عام الدور التنموي والصلاحيات المتاحة لزيادة الموارد على سبيل المثال، وأن عمل الوحدات الإدارية هو جزء من السياسة العامة للدولة ومن المفترض أن يكون لمجالس الوحدات خطة لأربع سنوات على أساسها تتم عملية التقييم والمحاسبة، وأن يكون هناك عملية تنمية متوازنة ومستدامة من الحالة المادية للوحدة إلى التربوية إلى الثقافية وغيرها، لافتاً إلى أنه تم تأسيس شركة قابضة لمجلس محافظة دمشق من خلال تطبيق المرسوم 107، أي أن لدى المجالس القادمة فرصة لتأسيس شركات والعمل الفعال في المجتمع، وهنا بالتالي يجب أن يتم اختيار أعضاء مناسبين لهذه المهمة، حيث سيكون لهم أيضاً دور الرقابة الشعبية والرسمية والكثير من الصلاحيات التي من شأنها خدمة الوحدات الإدارية، التي تمتلك بالأساس العديد من الأراضي والعقارات، ومن الممكن استثمارها ما يؤمن فرص العمل ويسهم في تحسين الوضع المعيشي للوحدة الإدارية.

 حملات خجولة

الحملات الانتخابية للمرشحين تكاد تكون معدومة، وهي لاتزال مقتصرة على المستقلين فقط على الرغم من أهميتها الكبيرة، يقول قرصيفي إنه من المفترض أن يطّلع الناخبون على أفكار المرشحين وخططهم قبل أن يصلوا للوحدات الإدارية، والفرصة ستذهب إن تلكأ المرشحون أكثر من ذلك فلم يعد هناك متسع من الوقت.

وبدوره يقول القاضي نوري فارس: بدأنا نرى بعض مظاهر الدعاية الانتخابية، لكنها ستبدو أوضح بعد صدور قوائم الحزب، فالدعاية للمستقلين تكون بتمويل شخصي أما الحزبيين فيمول الحزب دعايات مرشحيه، وكل هذا ضمن القانون، فالقانون لا يمنع إلا التمويل الخارجي للحملات الانتخابية.

لافتاً إلى أنه سيكون هناك حوالي 700 مركز انتخابي في كل محافظة حتى يتسنى لجميع المواطنين المشاركة في الانتخابات، وفي النهاية انتخاب المرشح الكفؤ وصاحب الخبرة يعني أن يكون عضو مجلس محافظة فاعل.

حملة يتيمة

الحملة الوحيدة التي حاولت أن تفعل شيئاً لتخرج هذه الانتخابات من نمطيتها حملت اسم «دورك»، لكنّ يدا واحدة لا تصفق ولا يمكن أن يكون لها ذلك الأثر العميق، ويقول بشار مبارك أحد القائمين على الحملة إن حركة البناء الوطني التي تندرج تحت المجتمع المدني أطلقت حملة «دورك» على مواقع التواصل الاجتماعي مع عدة أنشطة مرافقة للتواصل مع المرشحين وتدريبهم، بداية على إيصال خطابهم وصياغة بيانهم الانتخابي، مبيناً: تواصلنا مع حوالي 100 مرشح من الحزبيين والمستقلين لتقديم الخدمات اللازمة لهم، وليكون لديهم فرصة للتواصل مع بعضهم، وتعد الحملة المشروع الرائد في هذا المجال حيث تحاول أن تجعل الترشيح نقلة نوعية في حياة المرشح وليس حدثا عابرا، وعن ما تقوم به «دورك» يقول مبارك إنه بالإضافة إلى الورشات، توجهت الحملة لشريحة أكبر من المرشحين والناخبين من خلال فيديوهات تعريفية بمفهوم الإدارة المحلية وقانونها نشرتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وستستمر الحملة في التواصل مع المرشحين خلال السنوات الأربعة القادمة، للوقوف على ما يقدمونه ومساءلتهم لاحقاً.

 «حبال الهوا»

 على الرغم من يقيننا أن الأسبوع القادم لن يحمل مفاجآت كبيرة في مسير هذه الانتخابات الرتيبة، إلا أننا كما المرشحين نتعلق بحبال الهواء ونأمل ألا يؤثر التقصير في الحملات، أو عدم جدية الترشيح على قدرة الناجحين من المرشحين، على القيام بدور جدي في تلك المجالس، التي تعد اليوم من أكثر المفاصل الحيوية التي من شأنها أن تسهم بشكل مباشر في النهوض بسورية من جديد

سيريا ديلي نيوز- لودي علي


التعليقات