بعد سبع سنوات من التزام المنزل، قرر أبو عطية أن يبحث عن حل آمن يرفهه وعائلته، وها هو يقول لـ «الأيام»: قررت وزوجتي أن نبحث عن إمكانية الاصطياف ضمن محافظة دمشق نفسها خوفا على الأولاد من خطورة الطريق، وكان القرار الأمثل باستئجار مزرعة خاصة مزودة بمسبح. بعد البحث وجدت العائلة مقصدها في مزرعة لا تبعد عن مركز دمشق سوى نصف ساعة، ويتابع أبو عطية قائلاً: رغم غلاء سعرها وافقنا، فقد طلب منا صاحبها 30 ألف ليرة سورية لليوم، فقررنا أن تكون نزهتنا عبارة عن يوم واحد، ومع تكاليف استئجار السيارة والغذاء «كلفنا المشوار 50 ألفا»، لكننا غير نادمين والمهم أنني رأيت ابتسامة أبنائي.

 رفاهية رغم غلائها

يؤكد أبو عطية أن اللجوء لهذه الحلول يعدّ رفاهية رغم غلائها، حيث أصبحت الحاجة ملحة  لنتمكن من التقاط أنفاسنا والاستمرار بحياتنا وظروفها الصعبة، مبيناً أن البحث عن أماكن سياحية ذات خدمات لائقة تعدّ غالية جداً مقارنة مع دخلنا الشهري، إضافة للمسافات الطويلة للرحلة إلى شاطئ البحر والذي يتجاوز خمس ساعات، مؤكداً أن البنى التحتية السياحية من مطاعم وفنادق ومنتجعات ومراكز ترفيه وتسوق ومرافق عامة، مازالت قليلة أو ليست بالمستوى المطلوب أو أنها ذات أسعار مرتفعة بشكل لا يتناسب مع سائح محلي، بالكاد يؤمن قوت يومه في ظل ارتفاع الأسعار الكبير، إضافة إلى الضرر الكبير الذي أصاب عدداً كبيراً من المنشآت والمواقع السياحية بشكل مباشر من حيث الأذى والتخريب.

 محمد الخياط اعتاد هو الآخر استئجار مزرعة مع عائلته كل شهر في الزبداني ليومٍ أو يومين، للترويح عن نفسه وللحصول على قسطٍ من الراحة، كما يقول، مشيرا إلى أنه يدفع 25 ألف عن كل يوم، تشمل تعبئة المسبح بمياه نظيفة، ومستفيدا من غرفتين ومطبخ ومحتوياتهما.

 أسعار خيالية…

تتراوح  التسعيرة الوسطى للغرفة في أحد الفنادق المصنفة لدى وزارة السياحة ما بين 50 إلى 80 ألف ليرة سوريّة لليوم الواحد حسب التصنيف السياحي للمنشأة، على حين تبدأ أجور الشاليهات بمبلغ 75 ألف لتتجاوز 110 آلاف ليرة لليوم الواحد حسب عدد الغرف والاتجاه والموقع، في المقابل هناك أماكن أقل تكلفةً منها في البسيط ووادي قنديل، وتبدأ أسعار «الأكواخ الشاطئية» والشاليهات فيها من 13 ألفاً، حتى 35 ألف ليرة لليوم الواحد مع بداية الموسم وترتفع تدريجياً حتى ذروته، إلا أنها تفتقر للخدمات المتكاملة، وتغيب عنها معايير النظافة نسبياً، مع انعدام وجود الحمامات والمغاسل في الكثير من المواقع. ووسطياً، تبلغ تكلفة رحلة إلى البحر ما يقارب 25 ألف ليرة كحد وسطي، من دون أجور الطريق، على حين كانت عائلات اللاذقية قبل سنوات، تقضي الصيف كاملاً على البحر بأقل من هذا المبلغ. الخلاصة أن الاصطياف في الساحل هو لخاصة الخاصة اليوم، فمن هي العائلة السورية التي تتمكن من تخصيص مبلغ 400 ألف ليرة سورية لثلاثة أيام غير متضمنة الطعام والتنقلات.

ليست الغربة في الساحل غربة انتماء فحسب، وإنما غربة مادية أيضاً، هذا ما أوضحته لنا السيدة صفاء، إذ تقول: إن المشكلة في الأسعار بالدرجة الأولى، استفسرنا عن أسعار الشاليهات فوجدنا أن الشعبي منها، وغير المصنف من وزارة السياحة، يبدأ من 15 ألف لليلة الواحدة وربما تصل الأسعار لـ 40 ألفاً لشاليه بغرفة نوم واحدة، وتتضاعف مع تحسن وضع الشاليه ووجود مولدة فيه، وتتابع صفاء القول: إن وجود مكيف أمر ضروري في الساحل الذي لا يحتمل أمام رطوبة البحر، لذلك تجد أن معظم العائلات سواء في دمشق أو في باقي المحافظات يتجهون إلى استئجار مزرعة مكونة من منزل ومسبح وحديقة واسعة، حيث باتت أسعارها مناسبة مقارنةً مع أسعار الشاليهات والفنادق فتتراوح ما بين 13 إلى 35 ألف وهذا المبلغ يعدّ مقبولاً مقارنةً مع غيرها.

 150 مزرعة مؤجرة يومياً…

أبو شادي، صاحب مكتب عقاري في دمشق يقول لـ «الأيام»، إن انخفاض دخل المواطن وارتفاع الأسعار بشكل كبير إضافة إلى وجود ضعف في الترويج السياحي للأماكن الأثرية والتاريخية، يضاف إليها أن أغلب الناس لا يملكون المعرفة والوعي الكافي بأهمية الإرث الحضاري الذي نملكه، لهذه الأسباب مجتمعة نشاهد أن هناك إقبالاً كبيراً على المزارع التي يوجد فيها مسابح أكثر من زيارة المواقع الأثرية أو التاريخية.

وبحسب أبو شادي فإن أسعار الإيجارات تختلف من مزرعة إلى أخرى وذلك بحسب نظافتها وموقعها، فأجر اليوم يتراوح من 10 إلى 50 ألف ليرة سورية تختلف حسب مساحتها أو حجم المسبح، الذي يعد أبرز أدوات التسلية والترفيه للعائلات، وهذا المبلغ يعد بسيطاً مقارنةً مع إيجارات الشاليهات في المناطق الساحلية، وذلك لأنه يقسم على عدد الأشخاص، كما أن المزرعة تتسع لأكثر من عائلة، فمعظم الأحيان يتم الاتفاق بين عدة عائلات للقيام بمثل هذه الرحلة، وبذلك فإن المبلغ المطلوب من كل عائلة لا يتجاوز 10 آلاف ليرة، مشيراً إلى الطلب الكبير على المزارع خلال فصل الصيف، والذي يزداد في أيام العطل والأعياد، ويُقدّر أبو شادي عدد المزارع المؤجرة من قبله يومياً بحوالي 150 مزرعة، وتتضمن غرفاً للمعيشة ومسابح، يقصدها الناس باعتبارها منعزلة عن العامة.

 المالك يبرر

 عبد الله، مالك إحدى المزارع في يعفور يقول من جهته إن الخدمات المقدمة ليست قليلة، فأغلب المزارع تحتوي على مسابح وتتطلب تغيير المياه بشكل يومي، عدا عن تجهيزات غرف النوم والمطابخ. وبرّر عبد الله في حديثه ارتفاع إيجارات المزارع بالقول: إن غالبية مالكيها يقطنون فيها خلال الشتاء، واعتادوا السكن في المدينة خلال الموسم لأربعة أشهر، لسد مصاريف الشتاء المقبل، في ظل صعوبة تأمين مصاريف المعيشة.

ووفقاً لمالك المزرعة، فإن بعض الأشخاص «يستغلون الناس ويطلبون مبالغ مرتفعة فوق العادة، لكن الأمر لا يشمل الجميع»، مشيرا إلى أنه «يستطيع الشخص استئجار مزرعة مقابل 10ألاف يومياً، ولكن خدماتها محدودة جداً». سبع سنوات من الحرب ويبقى المواطن السوري يبحث عن حلول وبدائل ليزرع الفرح والاطمئنان في نفسه، ولتبقى البسمة على وجهه رغم ضيق الحال وصعوبة تأمين مصاريف المعيشة.

سيريا ديلي نيوز- نور ملحم


التعليقات