هنا يقف المعسكر المهدّد ليطرح مقايضة عبّرت عنها افتتاحية لوموند ليوم 6 أيلول : ” المعادلة بسيطة، الولايات المتحدة تنسحب، موسكو تصبح الحكَم، بوتين يريد منا أن نساهم في إعادة الإعمار في سوريا التي يبقي على رأسها بشار الأسد. إذن أمام الأوروبيين رافعة واحدة: أن يوظفوا ذلك لأجل الحصول على أمرين : تفادي هذا السيناريو ( الفوضى واللاجئين) ولفرض الانتقال السياسي في دمشق”. “تحديد التوازنات الكبرى لمرحلة ما بعد الحرب على سوريا ” هذا ما تعتبره الصحف الأطلسية جوهر القمة التي ستعقد يوم 7 أيلول في طهران بين الرؤساء الروسي والتركي والإيراني . من هنا يبدو واضحاً تركيز الدبلوماسية والإعلام الغربيين على الدور الروسي ، حد وصف فلاديمير بوتين ب “الحكم” في هذه التوازنات ، فيما يشكّل تراجعاً كبيراً عن الخطاب الذي ساد منذ بداية الحرب العالمية على سوريا. مقابل التركيز على الروس دبلوماسياً وخطابياً، يتصاعد التركيز على الإيراني والتركي عبر نوعين مختلفين من الضغوط الصعبة ، وبالطبع استمرار الضغط على الدولة السورية بكل الأساليب. “آخر معركة وأول أزمة بعد الحرب” تقول لوموند الفرنسية عن معركة إدلب . فيما تتحدّث جميع وسائل الإعلام الغربية عن عجز غربي ، أو سلبية غربية إزاء هذه المعركة . خاصة في وصف تغريدات دونالد ترامب وتصريحات وزير دفاعه، التي تركّز على الجانب الإنساني في المعركة ، من دون أن تنسى التهديد في حال استعمال الأسلحة الكيماوية. ما يعني التسليم بإنهاء جيب إدلب ولكن مقابل ثمن محدّد، يتحدّد في القمّة الثلاثية المذكورة . من دون أن يعني ذلك أن هذه القمة نفسها ستمرّر قراراتها من دون تنسيق مع دمشق. ولأجل ذلك لا بد من تفعيل الضغوط والإغراءات. ضغوط امتدت من اغتيال رجل روسيا في أوكرانيا ، إلى تحريك الساحة العراقية في أكثر من اتجاه سيّىء ،أسوأها شبح الحرب الأهلية وأقربها تفعيل الصراعات بحيث أصبح الكرد بيضة القبّان في تحديد الكتلة الأكبرإلى العدوان العسكري المباشر على سوريا. على طاولة القمّة: الروسي يعتبر نفسه ستالين بعد الحرب العالمية الثانية ، والإيراني يعتبر نفسه رأس المحور المستهدف والذي تمكّن من الانتصار في معركة كبرى، لكن الحرب عليه مستمرة وهي في أشد مراحلها، بينما يعرف التركي أن خياره الحربي قد هزم. ولكنه يقارب الأمر بالبراغماتية التي أدار بها أردوغان حكمه منذ وصوله إلى السلطة ( وهي سمة الأخوان المسلمين عامة) . هو يعتبر أنه سحب من جانبه أوراقاً ساعدت في حسم نهاية الحرب ، وعليه فهو يريد أمرين : الأول ثمناً اقتصادياً – سياسياً لتعاونه ، والثاني محاولة خبيثة حثيثة لأن يحقّق في السلم ما لم يحقّقه في الحرب ، عن طريق إبقاء نفوذه الكبير داخل سوريا ، عبر الحفاظ على التيار المرتبط به أيديولوجيا وتمكين نفوذه ومشاركته في الحُكم والقرار السوري. وذلك ما تؤمنه له الانتخابات التشريعية التي تشكّل حتمية مُطلقة لمرحلة ما بعد الحرب. ما يعني أنه سيركّز جهده على نشر التيارات الأخوانية مسمّاة أم غير مسمّاة في المجتمع السوري. غير أن الغائبين عن قمّة 7 أيلول ليسوا أقل تأثيراً فيها . دونالد ترامب ، التاجر الحاذق ، لن يخرج من اللعبة من دون ثمن – ربما يكون قد اتفق عليه أو على الأقل طرحت بنوده – وعليه يمد جزرة التغاضي عن تحرير إدلب ولكنه يحتفظ بعصاة الكيماوي . ويطلق صفّارة البُعد الإنساني فتنطلق وراؤه جميع الأبواق الأطلسية التي لم تقلّ ضحايا أياً منها عن الملايين من حروب الأفيون إلى راوندا إلى العراق . الأوروبي لا يتأخر عن ممارسة براغماتيته : معركة إدلب نهاية الحرب ولكنها معركة تهدّد بموجات هجرة لن تتحّلها تركيا ، ولن تتأخر عن بلوغ أوروبا في موعد خطير : عشية انتخابات البرلمان الأوروبي ، ما يعني هزيمة، أو على الأقل تراجعاً خطيراً، لكل من تبنّى استقبال اللاجئين ، وأيضاً لكل من تبنّى الحرب التي كانت سبباً في ذلك. وصعوداً كبيراً لجميع الذين وقفوا ضد هذه الخيارات. هذا التحوّل في الانتخابات ، وبالتالي في الخريطة السياسية سيعني إضعافاً لسياسيي الشركات المتعدّدة الجنسيات ، ولخط العولمة وعودة إلى خط الاستقلالية الأوروبية إن لم يكن إلى خط الحمائية الوطنية. هنا يقف المعسكر المهدّد ليطرح مقايضة عبّرت عنها افتتاحية لوموند ليوم 6 أيلول : ” المعادلة بسيطة، الولايات المتحدة تنسحب، موسكو تصبح الحكَم، بوتين يريد منا أن نساهم في إعادة الإعمار في سوريا التي يبقي على رأسها بشار الأسد. إذن أمام الأوروبيين رافعة واحدة: أن يوظفوا ذلك لأجل الحصول على أمرين : تفادي هذا السيناريو ( الفوضى واللاجئين) ولفرض الانتقال السياسي في دمشق”. هنا نصل إلى العقدة الأصعب : لماذا الإصرار على الانتقال السياسي وهل لذلك علاقة بالعدوان العسكري الذي يمكن أن يتكرّر على سوريا بل وهدّدت به إسرائيل في العراق ؟ العقدة هي الإسرائيلي ، فهو الذي يفرض وجوده على الغربي ، وهو الذي يحسبها ببساطة أيضاً : لقد وقف عاملاً محركاً أساسياً في جميع الحروب التي دمّرت الدول المحورية المعادية له في العالم العربي . وفعّل إلحاق دول ما كان يسمّى بمحور الاعتدال وأصبح الآن محور التآمر و التطبيع المعلنين . لكن الوضع السوري شذّ عن القاعدة . صحيح أن مقدّرات كبرى قد دمّرت ولكن بقاء الدولة بمؤسّساتها ، والأهم ، بخطها السياسي الذي ما يزال يربطها بمحور يمتد من طهران إلى بيروت ثابت في عدائه لسرائيل ، هو الهدف الرئيس الذي لم يتحقّق. وهو ما يفرض بالتالي الحؤول دون تمكين الدولة السورية من عادة بناء قوّتها العسكرية ، بالدرجة الأولى . وهنا نفهم كون الغارات التي عبرت الخاصرة الرخوة قد استهدفت مواقع عسكرية منها ما هو قيد الترميم والإنجاز ومنها ما يتعلق بالبحوث العلمية العسكرية . هنا أيضاً نفهم ما حصل من تفجير للساحة العراقية استهدف الحشد الشعبي ، بالدرجة الأولى. هنا أيضاً نفهم التطوّرات المُتسارعة على الساحة الفلسطينية ، التي تهدّد بإنهاء القضية، بفصل غزّة نهائياً، بطرح كونفدرالية لن يكون من شأنها إلا تفجير حرب أهلية بين الأردن وفلسطينييها، وهنا أيضاً نفهم التضييق المتفاقم على إيران .وبدرجة أقل أهمية تأخير تشكيل الحكومة اللبنانية. باختصار ، كل الحروب تنتهي إلا حرب هذه الأمّة مع إسرائيل وصهيونيتها. لأن جميع الحروب هي حروب مصالح وربما أيديولوجيات، أما هذه فحرب وجود .


الميادين

 

سيريا ديلي نيوز


التعليقات