باتت الحوالات الخارجية مصدرا مهما من مصادر دعم مستوى المعيشة للأشخاص، حيث تزيد تلك الحوالات من قدرة الأشخاص على الإنفاق، أي أنها تزيد من الدخل المتاح للإنفاق، وبالتالي يمكن اعتبار الحوالات من الناحية الاقتصادية البحتة مصدرا من مصادر دعم الطلب الكلي في الاقتصاد، كونها تحرك الاستهلاك بالدرجة الأولى. ومن الناحية النقدية البحتة فإن الحوالات تسهم في تحقيق الاستقرار النقدي كونها تدعم سعر الصرف بشكل مباشر. أما من الناحية الاجتماعية فيمكن اعتبارها أداة مهمة لتقليص حدة الفقر وخاصة في فترات الحروب والنزاعات، عندما يفقد الكثير من الأفراد مصدر كسبهم، فهي بهذا المعنى تعمل كمظلة للحماية الاجتماعية للفئات الفقيرة ومحدودة الدخل. وبالتالي فإن للحوالات دور اقتصادي اجتماعي في آن معا.

 العمل الأسود للقرش الأبيض

 تنتظر أم خالد اتصال ابنها المقيم في ألمانيا بفارغ الصبر مع بداية كل شهر لتدفع إيجار المنزل ومصاريف الطعام. سافر خالد إلى ألمانيا قبل ثلاث سنوات، ولم يتمكن من إتقان اللغة كما يجب وترك الدراسة بعد ثلاثة أشهر، وبدأ بالبحث عن عمل، خالد كبير أخوته الأربعة باعت والدته مصاغها كي يسافر، لذلك لم يكن أمام خالد كما تقول والدته سوى البحث عن عمل وإيقاف دراسته، لكنه علق بموضوع تأمين المصروف بعد وفاة والده. تقول أم خالد: منذ سنة تقريبا استقر ابني في عمل لدى ورشة لتصليح السيارات يعطيه صاحب العمل 300 يورو إلى جانب السكن. يوفر خالد النقود ليرسلها لنا ونسي نفسه فلم يكمل دراسته وهو يعيش حالة قلق من اكتشاف عمله من قبل السلطات الألمانية، فهو يعمل بطريقة غير شرعية.

 يشترط سوق العمل في ألمانيا إجراء تدريب مهني لمدة ثلاث سنوات بغية إدماج اللاجئين الحرفيين في سوق العمل. ورغم كفاءة الكثير من اللاجئين إلا أن بعض القوانين، ومشكلة اللغة تشكل عائقا في تسريع هذه المهمة، مما يضطر معظم الشباب لعدم الخوض في هذه المهمة منغمسين في أعمال غير شرعية كخدمات المطاعم والمقاهي والمنازل وقطاع البناء، بهدف تأمين دخل جديد يستطيع خلاله إعانة عائلته.

 انتظار الفرج

 تقف سهام (22سنة) أما باب أحد شركات الحوالات وسط العاصمة دمشق إلى جانب طابور طويل من الأشخاص. أصبح بين سهام وبين عدد من النساء معرفة وثيقة نتيجة هذه الوقفة التي تتكرر مرة كل شهر، فجميعهن ينتظرن الفرج عبر بضع عشرات أو مئات من اليورو أو الدولار تصلهن من الخارج.

 تقول سهام: سافر زوجي منذ أربع سنوات وتركني مع طفلين على أمل أن يتم لم الشمل بعد أقل من سنة، ولكن لليوم لم يتحقق ذلك. وتضيف، يرسل زوجي مبلغ خمسين ألف ليرة كل شهر كمصروف لي ولأولادي، لكنه لا يزال يقيس المصروف الذي يرسله على الواقع الذي كان قبل مغادرته، ومهما تحدثت إليه عن ارتفاع أسعار المعيشة هو لا يزال غير مقتنع. تتابع سهام، حاولت البحث عن عمل كي أتمكن من سداد إيجار المنزل وجزء من المصروف لأن عمل زوجي غير مستقر، فهو كان يعمل في صناعة الحلويات ولكنه يعاني من اللغة وبالتالي يستغله أصحاب العمل ويخشى من الترحيل، في حال تم إلقاء القبض عليه وهو يعمل بالأسود (شكل مختلف من أشكال العمل).

 عوائق

 يحظى الحرفيون السوريون بفرص ضئيلة بالعمل بصفة شرعية، لما تحمله من صعوبات كاللغة، والوقت الطويل في مراكز التدريب المهني غير المعتمد أصلاً في سورية لمزاولة المهن، مما اضطر هؤلاء للبحث عن أعمال لا تشترط اللغة ولا تحتاج للمهارة الفنية. يضاف إلى ذلك وجود صعوبات أخرى قد تشكّل عائقاً أمام هؤلاء لإيجاد فرص عمل بصفة شرعية. أبرز هذه المعوقات هي اللغة، وشروط التسجيل في مكتب العمل التي تستغرق وقتاً طويلاً، وفي حال وجد اللاجئون فرصة عمل، عادة ما يكون المردود المالي قليلاً جداً، ولا يزيد عما يتقاضونه من الدولة كمعونة. لذلك، يلجأ البعض إلى العمل بطرق غير قانونية أو ما يسمى بالعمل «الأسود» أي من دون التسجيل في مكتب العمل، ولكون هذا الأمر غير شرعي، فإن مرتكبه يحاسب عليه في حال انكشف أمره. وعلى الرغم من معرفة اللاجئين بخطورة الأمر، يصرّون على القيام به طمعاً في الحصول على مزيد من المال، (المساعدة الاجتماعية التي تقدمها لهم الدولة، وما يتقاضونه من عملهم).

 سوق سوداء

 يرسل السوريون حوالاتهم النقدية عبر عدد من شركات الصرافة التي انتشرت وازدادت فروعها في الآونة الأخيرة لتشمل كل حي وحارة. ورغم ذلك يقوم مصعب بإرسال نقوده عبر شبكة أحدثها عدد من السوريين تبدأ بألمانيا وهولندا لتنتهي عند باب أهله في حي الميدان. يقول مصعب الذي كان يعمل في صياغة الذهب: أفضل أن يستلم أهلي النقود التي أرسلها لهم بيدهم وأن يقوموا هم بتصريفها بالسعر الذي يناسبهم. ويتابع: في بعض الأحيان كان يوجد فرق كبير بين سعر صرف السوق السوداء، وبين السعر النظامي للصرف، وكل ليرة تفرق بالنسبة لأهلي بعد أن فقدنا محلاتنا في مخيم اليرموك. وأنا لم أتمكن من إيجاد عمل يناسب مهنتي التي كنت أعمل بها. ويضيف مصعب: إن تكاليف إرسال النقود عبر هذه الشبكة هو تقريبا ذات التكاليف التي تأخذها شركات الحوالات. ويوضح بأن أحد القائمين على هذه الشبكة كان يعمل في تصريف العملة في سورية، وعندما لجأ إلى ألمانيا قام بجمع عدد من الأشخاص الذين كان يتعامل مهم في سورية وصرنا نرسل نقودنا عبرهم.

 

باليد…

 

في حركة خفيفة يضع أحد سائقي سيارات السفر بين دمشق وبيروت مبلغ مائتي ليرة في يد أحد أفراد الحواجز على طريق بيروت دمشق، وبالتالي لا تخضع السيارة للتفتيش. يتقاضى عبد الله مبلغ خمسة آلاف ليرة عن كل مائة دولار يقوم بنقلها إلى سورية، ويقول: عدد من الناس لا يحبون إرسال النقود إلى أهلهم عبر شركات الحوالات، لذلك يرسلوها معنا ونحن نوصلها لهم. ويضيف: نحن لا ننقل سوى مبالغ لا تتجاوز الألف دولار لكل شخص، حيث نخاف أن يتم الإبلاغ عنا ونحاكم بمحاكم اقتصادية.

 

الأثر المنظور

 

يقول أمين سر جمعية العلوم الاقتصادية فؤاد اللحام لـ «الأيام»: إن الحوالات التي يقوم السوريون بإرسالها إلى ذويهم في سورية، تركت أثراً إيجابياً على العملية الاقتصادية، حيث يتم تداول أن السوريين يحولون بشكل يومي ما بين ثلاثة ملايين دولار إلى خمسة ملايين. ويتابع اللحام أن قيام السلطات المعنية والمصرف المركزي برفع سعر الحوالات الخارجية إلى سعر مجزي نوعا ما أدى إلى زيادة تدفق الحوالات عبر الطرق الشرعية، ما ساعد في ارتفاع احتياطي سورية من العملة الأجنبية. وعن الأثر الاجتماعي الاقتصادي لهذه الحوالات، يقول اللحام: إن هذه الحوالات ساهمت في رفع المستوى المعيشي لذوي اللاجئين، على رغم أن حجم الحوالات صغير من 100 إلى 200 يورو، وهذا مبلغ صغير يقتطعه اللاجئون من معوناتهم ليرسلوه لذويهم. لكنه مبلغ يبقي الأشخاص الذين يتلقونه بمستوى لا بأس به، وينتشلهم من الضغط الاقتصادي والنفسي اللذين يعيشهما السوريون نتيجة الظروف المحيطة.

 وعن سؤالنا إذا من الممكن أن تعتمد سورية على الحوالات كجزء داعم للاقتصاد وثبات سعر صرف الدولار؟! قال اللحام: هناك عدد من الدول العربية كلبنان ومصر إضافة إلى دول آسيوية يعتمد الناس فيها على هذا النوع من الحوالات. ويتابع اللحام وجود عرض في السوق للعملة الأجنبية نتيجة حاجة الناس لصرف هذه العملة ودفع ثمن مستلزماتهم اليومية، ساهم كثيرا في ثبات سعر الصرف نتيجة وجود عرض في السوق. وأضاف اللحام أن وجود سعر عادل ومجز للحوالات، يكون قريب من سعر السوق السوداء سيدفع بالناس لإرسال نقودهم عبر البنك، لأنه أكثر أمانا وهذا يساعد على ضبط العملة الصعبة التي تتدفق إلى البلاد.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات