لا شك أن ولادة طفل مع تشوهات خلقية تعتبر فاجعة للأهل، خاصة إذا كانوا قد أجروا بعض الفحوصات خلال أشهر الحمل. فقد تداولت بعض وسائل الإعلام نهاية الأسبوع الماضي خبراً مفاده ولادة طفل برأسين وذلك في منطقة جبل الزاوية بريف إدلب الشمالي، واستتبع الخبر بأن الطفل قد فارق الحياة بعد ساعات على ولادته.

وبحسب ما نقل عن مصادر طبية في المنطقة، أن السبب يعود لتشوه جيني أثناء فترة الحمل، حيث تصنف حالة ولادة طفل برأسين بأنها حالة طبية نادرة الحدوث.

ويشار بهذا الصدد إلى تسجيل العديد من الولادات المشوهة في المناطق الشرقية والشمالية، حسب ما تم تداوله عبر بعض وسائل الإعلام خلال السنوات الماضية.

أنواع وأسباب

حسب المختصين فإن التشوهات الخلقية في الأطفال المولودين حديثاً تنقسم إلى عدة أقسام، منها: في العمود الفقري- في جهاز الدوران- في الجهاز الهضمي- نقص أو تشوه في الأطراف العليا أو السفلى أو الأصابع والأقدام والساعد والساق- الطفل المنغولي- شفة الأرنب- استسقاء الدماغ..

كما تُعزا التشوهات للعديد من الأسباب، منها: زواج الأقارب- تناول الأم الحامل للأدوية دون استشارة الطبيب- سوء تغذية الأم- مرض الأم ومعاناتها من بعض الأمراض- العامل الوراثي.. ويمكن إضافة عوامل أخرى قد تكون مسبباً لظهور تشوهات في الأطفال حديثي الولادة، منها: عمر الأم- عدد الولادات السابقة- عدد الولادات بتشوه خلقي- الإصابة بأمراض مزمنة للأم..

أخيراً، يمكن أن يضاف عاملاً مستجداً قد يكون مؤثراً على ظهور حالات التشوه الجنيني، وهو ظروف البلد والحرب والتلوث، وخاصة استخدام بعض أنواع الأسلحة التي تحوي مواد مشعة أو كيماوية وغيرها، أو ما شاع من تكرير بدائي للنفط في بعض المناطق، مع ما يخلفه من ملوثات كثيرة.

3% نسبة التشوهات للأطفال حديثي الولادة

ورد في التقرير السنوي لبرنامج الطفل الصادر عن وزارة الصحة نهاية عام 2015، «أن عدد إعاقات الولادة المكتشفة التي تم رصدها بين أعوام 2010-2014 بلغ نحو 3830 إعاقة بمختلف أنواعها، توزعت على مختلف المحافظات السورية منها 2896 إعاقة تتعلق بالوزن والطول و430 خلع ورك و85 تشوهات في الجهاز الحركي و42 آفة حسية بصرية و220 حالة تأخر في المشي و150 إعاقة عقلية».

وفي تصريح لمدير قسم الأطفال في مشفى الأطفال بدمشق بداية عام 2016، «أن التشوهات الخلقية التي يستقبلها المشفى تشمل مختلف أنواع التشوهات ومصدرها من جميع المحافظات السورية باعتبار مشفى الأطفال بدمشق المشفى التخصصي المركزي الوحيد في القطر حيث ترد إليه أكثر من 80% من حالات التشوهات الخلقية على مستوى سورية».

كما قال عميد كلية الطب بجامعة دمشق نهاية عام 2016 عبر إحدى الصحف المحلية: «أن نسبة التشوهات للأطفال حديثي الولادة بلغت في سورية نحو 3%، معرباً عن تخوفه من ازديادها نتيجة عدم وجود بيئة صحية سليمة في بعض المناطق السورية ولاسيما الشمالية والشرقية».

وأضاف: «أن ما تقوم به المجموعات المسلحة من تكرير النفط بشكل بدائي يؤثر بشكل كبير في زيادة نسبة التشوهات للأطفال، وخاصة في محافظات المنطقة الشرقية والشمالية لقيامها بتكرير النفط بشكل بدائي جداً لاستخراج مشتقاته المازوت والبنزين وبيعها للأهالي أو تهريبها إلى خارج البلاد».

اليورانيوم المنضب

اعترفت الولايات المتحدة، بداية عام 2017، باستخدامها آلاف القذائف التي تحتوي على اليورانيوم المنضب، في كل من دير الزور والحسكة، ولا ندري ما تم استخدامه بعد هذا التاريخ من هذه الأسلحة وسواها من قبل الولايات المتحدة أو القوات المتحالفة معها، سواء على هاتين المدينتين أو غيرها من الرقعة الجغرافية الواسعة التي طالتها قذائف التحالف الأمريكي، ولعل التشوهات الخلقية للمواليد الجدد في هذه المناطق مرتبطة بهذه المواد الملوثة.

فبحسب الأخصائيين: إن تعرض الأم الحامل لليورانيوم المنضب في الأسابيع الثلاثة الأولى من الحمل قد يؤدي إلى خلل في تكون الأنبوب العصبي، ما يؤدي إلى ظهور آفات خلقية، منها: غياب الجمجمة والقيلة السحائية في الرأس والظهر وغيرها، ناهيك عما يمكن أن يصاب به الأطفال المعرضون لليورانيوم المنضب من سرطانات مميتة، بالإضافة إلى تأثيره على أنحاء الجسم كافة، أو تأثيراته المؤدية إلى اضطرابات هرمونية وأنزيمية.

فاليورانيوم المنضب تدخل ذراته إلى جسم الإنسان عن طريق الاستنشاق والابتلاع والملامسة، وهي قادرة على عبور الغشاء المشيمي، والتراكم في أنسجة الجنين المختلفة (الكلى والدماغ والكبد والطحال والغدة الدرقية والثديية والعظام) مسببة تلفها، وتغيير تركيبها الجيني، ومؤدية إلى طفرات تتمظهر لاحقاً باضطرابات وظيفية.

كما أن اليورانيوم المنضب له خصائص مُطفرة ومُسرطنة، وبحسب الأخصائيين فإنه يبقى في المناطق الجافة التي تعرضت للقصف على شكل غبار، ينفذ بعدها إلى باطن الأرض عند هطول الأمطار، لتصبح التربة الزراعية ملوثة به، بالإضافة إلى المياه الجوفية، وعند استهلاك الماء والغذاء الملوثين تستمر مخاطر التلوث على الصحة، وخاصة على الأطفال.

وتشير بعض الدراسات، التي تؤكدها اللجنة الدولية للحماية النووية، إلى أن النساء يصبنّ بمضاعفات التعرض لليورانيوم المنضب أكثر بـ 50% من الرجال، كما أن الإشعاعات المؤينة تسبب أذى حقيقياً للانقسام الخلوي الذي يكون متسارعاً في المرحلة الجنينية، وكذلك لعمليات تمايز الخلايا والعمليات البيولوجية داخلها.

مسؤوليات وواجبات

حرصاً على صحة وسلامة المواليد الجدد ومستقبل أبنائنا، ومن أجل الحد من الزيادة المطّردة بأعداد التشوهات الخلقية، ومنعاً من تسجيل المزيد من الفجائع لدى الأمهات والآباء، نختم لنقول: بعض الأسباب المؤدية لحالات التشوه الجنيني قابلة للعلاج أو من الممكن تلافيها، وذلك من خلال القليل من الجهود على مستوى الكشف المبكر عنها، مع المزيد من التوعية، مع عدم إغفال أهمية تحسين المستوى المعيشي المرتبط بالغذاء وبالصحة وبظروف الحياة عموماً، وهذه تعتبر من المهام والواجبات الحكومية من كل بد.

لكن ما لا يمكن تلافيه، أو اكتشافه مبكراً، هو: مضاعفات التعرض لليورانيوم المنضب، وأشباهه من الأسلحة الكيماوية، ذات المفعول والأثر المديد التي استخدمتها قوات التحالف الأمريكي على الأراضي السورية والسوريين خلال السنوات الماضية، وما زالت، لتضاف هذه المضاعفات والآثار ونتائجها على جرائم هذا التحالف الكثيرة، وهو ما يجب رصده ومتابعته وتوثيقه، وتحميل مسؤوليته الآنية والمستقبلية لهذا التحالف، مع غيره من المسؤوليات عن الجرائم الكثيرة الأخرى، للمحاسبة عليها وفقاً للقوانين الدولية، بالتعاون مع المنظمات الأممية ذات الصلة.

ولعل الأهم آنياً ومرحلياً، هو: وقف استمرار هذه الجرائم، والسعي إلى إخراج قوات التحالف الأمريكي، وغيرها من القوات الغازية من سورية، ولعل ذلك مفتاحه الأساس، هو: الوصول للحل السياسي، عبر تنفيذ القرار الدولي 2254، الذي يعتبر المقدمة الوطنية المشروعة والمتاحة من أجل تحقيق ذلك، بالإضافة إلى ما يحققه على مستوى وقف الكارثة الإنسانية عموماً، والتمهيد للتغيير الديمقراطي العميق المطلوب شعبياً ووطنياً

سيريا ديلي نيوز


التعليقات