لم تكن خسارة أم عدنان (68 عاماً) لمنزلها الذي تزوجت به و أنجبت أطفالها الخمس   كغيرها من السوريين ممن فقدوا منازلهم في الحرب جراء العمليات العسكرية أم عدنان كانت ضحية التزوير الذي تفاقم في زمن الانفلات الأمني الذي يسود البلاد

وصلت ظاهرة تزوير بيع العقارات في منطقة عين كرش وشارع بغداد وحوش بلاس والتضامن وغيرها من عشوائيات حيث تكثر فيها الآجارات القديمة إلى مرحلة خطرة ولا سيما أن هناك الكثير من الأشخاص هاجروا خارج البلاد تاركين وراءهم عقارات تقدر بمئات الملايين لتكون مسرحاً للنصب والاحتيال وبيع العقار الواحد لأكثر من شخص، وقد اعترفت وزارة العدل بشكل رسمي بورود شكاوى عديدة من المواطنين تتضمن وجود حالات تتعلق بوكالات مزورة تنقل بموجبها ملكية العقارات على أساسها

تقول أم عدنان لجريدة الأيام كان منزلنا بمنطقة عين الكرش سكنت به أكثر من 45 عاماً حيث استأجره زوجي رحمه الله وهو منزل عربي يخضع لقانون الإيجار القديم ولأجل غير مسمى بناء على المرسوم(111) لعام 1952

تضيف أم عدنان منذ حوالي ثمانية أشهر طلب منا الخروج من المنزل بحكم من المحكمة بموجب الدعوى التي قام برفعها شخص لديه وكالة بحق التصرف والبيع والشراء للعديد من المنازل في المنطقة حيث تم تعويضنا 10% من قيمة المنزل رغم أن حقنا هو 40%

تشير أم عدنان  الجميع امتنعوا عن استلام القضية بمجرد السماع باسم المالك، وبعد جهد كبير تمكنت من معرفة الطريقة التي تمت بها عملية البيع، وبعد مراجعة الأوراق الموجودة في أرشيف مديرية المصالح العقارية تبين أن الشخص المحتال قام بإبراز عقود بيع مزورة أمام القاضي وتوجيه دعوى قضائية بتثبيت الممتلكات

تبين أم عدنان لم يكن أمامي طريقة سوى التراضي وإرسال الوسطاء للاتفاق معه على صيغة لإعادة ما سلبه، وما كان منه إلا تهديد من يحاول متابعة هذا الموضوع بإحراق منازلهم وهدمها

رنا كناكري (42 عاماً) وقعت أيضاً في فخ التزوير خسرت خلالها منزله  بنفس المنطقة، لكن الطريقة كانت مختلفة

تقول رنا أبلغني المحامي بحكم المحكمة وأنه علينا تسليم المنزل خلال أسابيع معدودة  مما أدى  إلى دخولي أنا وزوجي بمتاهات المحاكم ، وتبين أن البائع هو صاحب مكتب عقاري قريب من المنزل، ممن لديهم معلومات عن عقارات المنطقة وأصحابها، فعمل على طلب إخراج قيد عقاري من مديرية المصالح العقارية في دمشق، أخذ منه البيانات الخاصة بهويتي الشخصية

تتابع رنا ذهب الرجل إلى مديرية الأحوال المدنية، النفوس وأحضر إخراج قيد مدني لزوجي وختم عليه صورته الشخصية، وقام بالتقديم على بدل ضائع للبطاقة الشخصية على انه صاحبها، وأتم عملية البيع والفراغ من خلال انتحال شخصية زوجي وإبراز إخراج القيد المدني الموضوع عليه صورته الشخصية.

 

2014 عام التزوير

مصدر قضائي من وزارة العدل أكد لجريدة الأيام أن عام 2014 هو أكثر الأعوام التي تم تزوير وكالات بيع عقارات به حيث وصل عدد الوكالات المزورة إلى 25 وكالة يومياً، كما ازدادت حالات تزوير الوكالات بشكل غير طبيعي في المحافظات كافة لتقل في عام 2015 إلى حوالي 15 وكالة مزورة يومياً وفي عام 2016 عادت لترتفع مقارنة مع العام الذي سبقه فوصلت إلى 20 وكالة مزورة يومياً لافتا إلى أن القرارات التي صدرت من وزارة العدل خفضت الوكالات المزورة في عام 2017 لتصل إلى 5 وكالات يومياً

وبحسب المصدر القضائي فأنه تم ضبط الكثير من الحالات لأشخاص استغلوا هذه الظروف وقد تعاونوا مع عاملين في السلك العدلي حيث كانوا يحملون وكالات تسمح لهم التصرف بعقارات لأشخاص غير موجودين وبعد التدقيق تبين أن هذه الوكالات مزورة ولاسيما في المحافظات التي تشهد أوضاعاً أمنية متوترة

 مبيناً أن تزوير الوكالة إما أن يكون تزويراً كلياً بأن يقدم المزور على إحداث وكالة جديدة مختومة من قبل كتاب بالعدل أو أن يكون التزوير جزئياً بأن يغير بالمواليد أو في الاسم وهي الحالات الأكثر انتشاراً لما في ذلك من صعوبة تزوير الوكالة بشكل كلي

50% من المنازل ذو أجارات قديمة  

وفي المسألة القانونية يقول المحامي عبد الله الصوص" لجريدة الأيام" أن الأزمة ساعدت بشكل كبير على ازدياد حالات تزوير الوكالات ولاسيما الوكالات المتعلقة بالعقارات حيث إن هناك الكثير من الأشخاص فقدوا وتركوا أموالهم العقارية ما دفع العديد من ضعاف النفوس باستغلال هذه الظروف والإقدام على تزوير الوكالات بهدف بيع هذه العقارات .

ويضيف الصوص هناك 50% من المنازل التي تم بيعها بموجب وكالات مزورة أصحابها خارج البلاد ويكون بالمنزل عائلات تقيم به بموجب الأجار القديم في سورية ومعظم الوكالات الصادرة من ريف دمشق كالتل ودوما وحرنة وغيرها نتيجة تعرض العديد من العدليات في تلك المناطق إلى التدمير والحرق أدى ذلك إلى حرق عدد كبير من أصول الوكالات.

يضيف الصوص إن استغلال العقار والانتفاع به يكون بيد المالك حصراً، ولا يحق لأي طرف القيام بذلك إلا بتفويض مباشر يتم تجديده كل ثلاثة أشهر من المالك، أما عمليات التزوير والاستعمال المزور للعقار فتسمى قانونياً بيع ملك الغير

ويوضح المحامي أن هذا الأمر جريمة تقع مسؤوليتها على الكاتب بالعدل والقاضي وموظف السجل العقاري، لكنهم لم يخضعوا في المرات السابقة للعقاب كون غالبية عمليات التزوير تكون بمشاركة أشخاص يعملون في القضاء والقصر العدلي ، والتي تملك قوائم بالمنازل الفارغة وأسماء الأشخاص الذين غادروا سورية.

النصب على المستأجر

ويقول الصوص المشكلة لا تكمل في تزوير الوكالات فقط فهناك مشكلة أخرى وهي النصب على المستأجر وهو بحكم القانون والمرسوم الرئاسي يمنح 40% من ثمن المنزل حيث تقوم لجنة بتقييمه ولكن الذي يحدث أن يتم تقيم المنزل بربع ثمنه الحقيقي ومنح المستأجر مبلغ بسيط جداُ لا يقدر بـ 10% من ثمن المنزل وهذا ما حدث من العديد من الموكلين ومن المعروف أنه تعد أحكام الإيجار جزءاً لا يتجزأ من الحقوق المدنية التي لها سمات خاصة وترتبط ارتباطاً وثيقاً بالحياة الاجتماعية والاقتصادية والتنمية العمرانية القائمة في قطرنا

وشدد المحامي على أنه لا بد من إجراءات صارمة للحد منها وحماية ملكية الناس ولا سيما أن هناك دعاوى منظورة في القضاء لعقارات بلغت قيمتها بالمليارات الليرات السورية  مبيناً أنه تمت المطالبة بتشديد جريمة تزوير بيع العقارات من جنحية الوصف أي من اختصاص محاكم بداية الجزاء إلى جنائية الوصف أي من اختصاص محاكم الجنايات باعتبار أن تشديد العقوبة ستكون رادعاً لتقليل ظاهرة التزوير ولأنها أصبحت منتشرة، معتبر أن المزور حينما يرى أن العقوبة بسيطة فإنه يرتكب فعل التزوير أكثر من مرة وهذا أمر خطر لا بد من تداركه

وزارة الداخلية تقر بمليوني دولار

وزارة الداخلية أكدت خلال السنوات الماضية سرقت الكثير من الأختام التابعة لجهات أمنية وقد تم القبض على شبكات تزوير وثائق رسمية عديدة منها وكالات للبيع والشراء وبحسب الرقم الذي صرحت به  فإن مجموع ما تم بيعه في دمشق وحدها عن طريق تزوير الوثائق والوكالات بغية بيع عقارات مملوكة للغير وأصحابها خارج البلاد يقدر بمبلغ يزيد على مليار ليرة سورية أي ما يقارب مليوني دولار أميركي.

القانون ليس مع صاحب الحق

من جهته أكد القاضي العقارات في عدلية دمشق لجريدة الأيام أنه عندما ينظر في مثل هذه الدعاوى، يقف أمام معطياتٍ مختلفةٍ ومتناقضة، فكلّ أطراف القضية يقولون إنهم على حق وهذا ما يتطلب وقتاً كافياً لدراسة القضية، والتأكد من كل الوثائق ومدى صحتها وقانونيتها. ويشير إلى أنه في حال أن أحداً ما اشترى عقاراً بطريقة مزورة ثم باعه إلى شخص آخر ليتبين فيما بعد أن المالك الأساسي لم يبع وادعى أن هناك عملية تزوير فالإجراء المتخذ حالياً هو تثبيت الملكية للشاري الأخير على افتراض حسن النية في هذه العملية من البيع والشراء ثمّ تبدأ عملية المقاضاة والتدقيق في عملية البيع الأولى بين المالك الأساسي والشاري الأول.

مؤكداً أن الشاري الأخير، الذي ثبت حسن نيته ولا علاقة له بعملية التزوير، يكون صاحب الحق ويسجل العقار باسمه أما الشاري الأول من المالك الأساسي فيحكم القاضي ضده، ويطالبه بتسديد المبلغ ثمن البيت، إضافةً إلى محاكمته بجرم التزوير.

هذا ما فعلته الحكومة

اتبعت الحكومة طريقين للتصدي لهذه العمليات، الأول من خلال إصدار وزارة العدل تعميماً يقضي بعدم اعتماد أي وكالة لدى الكاتب بالعدل إلا بعد مراسلة الجهة التي أصدرتها (أي الكاتب بالعدل ذاته) للتأكد من صحة ودقة الوكالة وضمان أن الكاتب بالعدل أصدر هذه الوثيقة فعلاً بما يضمن قانونيتها.

 والطريق الثاني وهو الأهم تعميم لرئيس مجلس الوزراء صدر في 4 آب 2015 يتضمّن عدم تنظيم أيّ عملية بيع وشراء عقاراتٍ إلا بعد الحصول على موافقةٍ أمنية

30 وكالة مزورة ربع الأول 2018

ورغم هذه الإجراءات  فأن وزارة العدل ألغت 30 وكالة مزورة خلال الربع الأول من عام 2018 وتم اتخاذ العديد من الإجراءات لوقف تزوير الوكالات من بينها أتمتتها كي لا يكون هناك أي فرصة للمستغلين بالتزوير كما يتم عملية الأرشفة محاولين بذلك القضاء على ظاهرة التزوير المنتشرة في سورية

وصرح وزير العدل في وقت سابق أنه لا مجال بعد اليوم لتزوير الأحكام القضائية ومنها تزوير الوكالات، لافتاً إلى أن الظروف الراهنة ستعجل في تطبيق هذا المشروع خلال الأيام المقبلة بعدما اعترفت بشكل رسمي بورود شكاوى عديدة من المواطنين تتضمن وجود حالات تتعلق بوكالات مزورة تنقل بموجبها ملكية العقارات على أساسها

وأصدرت الوزارة تعميماً تضمن ورود العديد من الشكاوى تتعلق بتزوير بيع العقارات بناء على وكالات مزورة، طالباً من القضاة في المحاكم المختصة بحث الدعوى العقارية المتعلقة بتثبيت بيوعها والمؤسسة على وكالات عدلية وذلك بمخاطبة كاتب بالعدل التي نظمت لديه الوكالة ذلك تتمة في سجلاته، وشدد التعميم على ضرورة إبلاغ كتاب العدل المحكمة أو الدائرة القضائية المستفسرة بالنتيجة بالسرعة الممكنة، مؤكداً أن هذه الإجراءات ستحد من هذه الظاهرة التي تشكل في المنظور القانوني جرماً جزائياً، وأشار التعميم إلى أن هذه الإجراءات تهدف إلى الحفاظ على حقوق الملكية العقارية ولحماية أصحابها أيضاً

بيع وشراء وتصرف في ملكيات الناس العقارية وأكل حق أشخاص لا ذنب لهم سواء أن القانون غير قادر على حمايتهم نتيجة ظروف الحرب في سورية فالجهات الحكومية المؤتمنة على توثيق المالك لحقه لا تملك الأدوات الكافية لضمان هذا الحق وهذا ما يشجع نشاط شبكات التزوير والفساد الموجودة على مزيدٍ من الممارسات المخلّة بالقانون نظراً للمردود المادي له

 

 

سيريا ديلي نيوز- نور ملحم


التعليقات