ثمّة “جديد” يستحوذ على اهتماماتنا نحن السوريين هذه الأيام، وبات موضوع ما يشبه مذكرة بحث، أُعلنت على مستوى كل مواطن، كجزءٍ من يومياتنا التي ندرك جميعاً أنها صعبة، مع إيقاع أزمة أبت أن تستثني من إسقاطاتها الموجعة ولو حبة تراب من تراب هذا البلد الصامد.

جديد الحكومة وجديد السوق… ومعطيات أيضاً جديدة قادمة من ميدان الحرب ضد الإرهاب ومن أروقة السياسة، ومستجدّات معيشيّة، كلّها تشكّل مادّة التداول اليومي على المستوى الشعبي الأفقي، بكل ما يعتري ذلك من خصائص حالة الانتظار والترقّب.

واعذرونا هنا لو زعمنا سلبية المواطن في مجمل هذا المشهد، رغم أنَّه – المواطن- محور كل ما يجري من حراك على المستوى العام بل وهدفه، فكما أنَّ الدولة والحكومة تستهدفه بالعناية والرعاية، كان ثمّة من يستهدفه بالقذائف والقتل، ومن هذه الزاوية بالتحديد لا يبدو مريحاً النظر إلى تفاصيل منظومة تقاليدنا المجتمعيّة ، لا سيما ” الخصلة التراحمية” التي تبدو وصمة حقيقية، منظومة تغصّ بأشكال وألوان التحديات المتدفقة من كل حدبٍ وصوب، وهي بالتحديد السلبية التي لفتتنا ونعتقدها مثار توجّس لكل مُتابع وطني يراقب التفاصيل عن قرب!!.

مع تزاحم الأمثلة سنختار الفساد الذي هو حديث الساعة وشاغل الجميع، ولعلّنا اخترنا مادّةً ذات وزن، لجهة آثارها وإلحاح علاجها، لكن إن تحدثنا عن هذه الظاهرة اعتدنا التوجه إلى الحكومة أو الدولة بنظرات استفسار عن سيناريوهات المكافحة الموعودة، ونتجاهل “وصمة تظريف الفاسدين بيننا” في زمن تسللت فيه ثقافة الفساد إلى المستوى الشعبي من قوام مجتمعنا، وهذه حقيقة علينا الاعتراف بها، إن زعمنا التصالح مع الذات، وإن نظر كل متحفّظ على ما نقول إلى نفسه متحرّياً بصدق عن ضروب الفساد التي يمارسها ولو بمستويات متواضعة، سيوافقنا الرأي، ولا نعتقد أنَّ في ذلك اتهاماً باطلاً، بل هو اعتراف بالمشكلة، والاعتراف دوماً هو بداية العلاج أو الحل.

غريب ومريب أن ننحّي أنفسنا عن مجرد الإشارة إلى مرتكب، ونترك المهمة خالصةً إلى السلطات المختصّة، بل قد يعمد بعضهم إلى “مناهضة” المساعي الحكومية في هذا الاتجاه، والشواهد كثيرة ليس أقلها في المناطق الحدودية، حيث يُنبذ من يشي بمُهرّب محروقات يستنزف موارد البلاد وحقوق العباد، فيما يحظى الفاعل برأفة شعبية منقطعة النظير!!. وفي أوساط مدننا وأريافنا عموماً، إن وشى مكتوٍ بلفح تاجر مُدلّس ومتلاعب، خوّنه آخرون مكتوين من ذات المصدر، وتبقى الأنظار مشدودة إلى ما ستفعله الحكومة بحق المرتكبين، مع الإلحاح البالغ على ضرورة الإسراع بإجراءات “حماية المواطن”!!.

في البلدان التي نجحت ولو جزئياً في مكافحة الفساد، اعتمدت الحكومات على طريقة “المواطن المحلّف والموظف المحلّف” للإبلاغ والإشعار بسلوكيات تستوجب الضبط والردع، ونسأل نحن عن موقفنا “الشعبي” ممن سيكونون محلّفين بيننا لو لجأت حكومتنا إلى مثل هذا الخيار، كيف سيكون موقف المحلفين، وأية نعوت سوف تنتظرهم، في مجتمع يدّعي التراحم؟!.

السلسلة تطول لو اتسع المقام لسرديات تتعلق بخصال غير حميدة تستحكم بأعداد كبيرة من قوام مجتمعنا، قد تكون مرجعيتها إلى آثار الدور الأبوي، الذي مارسته الدولة من خلال مظلات الرعاية الحانية التي أفردتها فوق مواطنيها، إلّا أن استحقاقات المرحلة الجديدة لم تعد تحتمل هكذا دور وتتطلب مبادرات “مواطنية” خلّاقة، وإيجابية وتفاعلاً وتشاركية في البناء بين الحكومة والمواطن.

نحن اليوم في موقف لم يعد يحتمل ولا أبسط تجليات سلبية مواطن أو موظف، فإن كانت الغالبية تدرك تماماً ماهية المطلوب من الحكومة كممثل للدولة، هذه حالة وعي تستحق الثناء، إلّا أنًّ الأهم أن يعي كل مواطن ماهية المطلوب منه، عندها نحن على يقينٍ من أن الأمور ستكون على أحسن حال.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات