لعل تقرير السياسة الوطنية للبحث العلمي وضع إصبعه على جرح التهريب النازف من خاصرة اقتصادنا الوطني وذلك لدى تشخيصه لواقع التجارة الخارجية، إذ برز الفساد في الحدود والعوائق الجمركية وغير الجمركية كأحد نقاط إعاقة التصدير والاستيراد في سورية، إضافة إلى ارتفاع التكاليف أو التأخير في النقل الدولي والمحلي، إلى جانب البنى التحتية للاتصالات غير المناسبة، وتقانات ومهارات الإنتاج غير المناسبة، وارتفاع التكاليف أو التأخير في النقل، وصعوبة تلبية متطلبات المشترين من حيث الكم والجودة.

رقم صاعق

ورغم أن التقرير لم يتطرق إلى واقع التهريب كآفة اقتصادية يستلزم استئصالها بأي شكل كان، نجد أن تناوله لهذه العوائق تشي بشكل أو بآخر بأنها أحد أهم أساب التهريب، ولقد سبق لنا وأن أشرنا إلى أنه وخلال متابعتنا لحيثيات التهريب وخفاياه برز لدينا رقم مرعب لقيم المواد المهربة شهرياً، إذ قدرته بعض المصادر الرسمية بنحو 250 مليون دولار شهرياً، ويشمل المواد الخاضعة لأقصى درجات الترشيد المطبقة من قبل وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، وفي مقدمتها (الألبسة– الدخان– الأجهزة الخليوية– المشروبات الكحولية– العطورات– مواد التجميل)!. وبغض النظر عن دقة هذا الرقم من عدمه، إلا أننا يمكننا وضعه في خانة الاستئناس للتصدي لهذه الآفة الاقتصادية الخطيرة الكفيلة بتدهور –إن لم نقل تدمير- اقتصادنا الوطني، فلو اعتبرنا أن هذا الرقم مبالغ فيه وهو أقل بنسبة 50% في أحسن الحالات، فذلك يعني أنه 125 مليون دولار، وبالتالي لا يزال كبيراً ويشكل ضغطاً لا يستهان به على تحسين سعر صرف الليرة أمام الدولار، كون أن التجار المهربين يشترون الدولار من السوق السوداء ما يشكل بالنتيجة طلباً كبيراً عليه، وبالتالي ارتفاع سعره!

مقترحات
وبالعودة إلى تقرير السياسة الوطنية للبحث العلمي والذي أعدته لجنة القطاع المالي لدى الهيئة العليا للبحث العلمي، فقد ساق مقترحات تطويرية علمية لقطاع التجارة الخارجية، منها مقترحات تطويرية بحثية على المدى القصير وتتمثل بزيادة منح المرونة والسيولة لمؤسسة التجارة الخارجية لتأمين متطلبات الجهات العامة والخاصة من كافة المواد التي تتعامل بها، ودراسة المنعكسات السلبية للأزمة الحالية على القطاع التجاري ومقترحات لتخفيفها، وكذلك دراسة سياسة التوجه شرقاً وآثارها على الاقتصاد الوطني السلبية والإيجابية والانضمام إلى بعض التكتلات الاقتصادية، إضافة إلى كيفية حماية الصناعات المحلية التقليدية والناشئة من التدفق غير المرغوب والمنافسة غير العادلة للمستوردات في السوق المحلية، وما هي الصناعات التي ستخضع للحماية المؤقتة والدعم الحكومي، إلى جانب آليات تعزيز تنافسية الصادرات السورية، وزيادة فرص نفاذها إلى الأسواق الدولية وتطوير الأداء التجاري لسورية وكيفية إزالة معوقاته وتبسيط إجراءاته، وتحسين أداء وكفاءة المراكز الحدودية من جهة البنية التحتية الملائمة، وجودة الخدمات، وسرعة تنفيذ الإجراءات، والمستودعات المناسبة، ومنها أيضاً اعتماد السياسة المثلى في تمويل مستوردات السلع الاستراتيجية والأساسية والمواد الأولية ومستلزمات الإنتاج من قبل الجهاز المصرفي، ولعل الأهم هو وضع دراسة للرسوم الجمركية وآثارها على المستوردات وخزينة الدولة بما يتناسب مع الرسوم المطبقة في دول الجوار، ودراسة سبل تعزيز موقع سورية في الاقتصاد العالمي، وآثار انضمام سورية إلى منظمة تعاون شنغهاي وإلى اتفاقية للتجارة الحرة مع الميركوسور، وإلى مجموعة البريكس، وتطوير آليات الرقابة الفعالة على الصادرات والمستوردات. ودراسة تبسيط إجراءات الشحن والتخليص الجمركي والتخلص من الفساد الجمركي. مع دراسة تطوير الانفتاح الاقتصادي والتجاري لسورية مع العالم الخارجي وتحديد الشراكات المستقبلية، وكذلك دراسة الإجراءات اللازمة لتخفيف حجم القيود التي تواجهها الشركات في تمويل التجارة والمستوردات من جراء الأزمة، ووضع معايير علمية لأولويات تمويل المستوردات.

تحديد الثغرات
أما على المدى المتوسط والطويل فقد اقترح التقرير اعتماد سياسة تحرير التجارة بما يتناسب ومصالح الاقتصاد السوري خاصة بعد الأزمة وإعادة الإعمار، وتطوير هيكلة الصادرات السورية القطاعية والجغرافية لتصبح أكثر توازناً وفاعلية، ووضع سياسة متكاملة لتنمية قطاع التصدير في سورية، وجذب الاستثمار المحلي والأجنبي، وتطوير آليات تمويل المستوردات السورية من قبل الجهاز المصرفي، وآليات دعم الصناعات التصديرية ذات الميزة النسبية وكيفية حماية الصادرات من الإجراءات الحمائية المتخذة من قبل الشركاء التجاريين بسياسات الإغراق، إضافة إلى سبل تنمية الموارد البشرية في قطاع التجارة وتكوين المهارات الملائمة المواكبة لمتغيرات العصر، وإجراء دراسة شاملة عن نظام المناطق الحرة وتحديد الثغرات التشغيلية الأساسية ووضع تدابير لتعزيز مساهمتها في الصادرات غير النفطية والتوظيف وتخفيض الأعباء الضريبية، ودراسة الآليات المؤسسية المطلوبة لاسترداد الرسوم والضرائب على التجارة والبضائع المخزنة، وآليات وطرق التعويض الممكنة والإيرادات البديلة المطلوب تأمينها بدلاً من إيرادات الضرائب على الاستيراد عبر الحدود “نظام الدور باك”. إلى جانب إعادة النظر ومراجعة وإصلاح الحواجز غير الجمركية والتراخيص المتعددة والاحتكارات التجارية للعديد من السلع، ودراسة إعادة تقييم اتفاقيات التجارة الخارجية القائمة ودورها خلال الأزمة ومقارنتها مع دورها السابق، مع دراسة دور الصناديق المقترح إنشاؤها في عملية التنمية، مثل صندوق تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة في وزارة الاقتصاد، وصندوق الوحدات الإدارية وصندوق دعم المؤسسات المنتاهية في الصغر، وكذلك دراسة تقييم فعالية عمل صناديق الدعم الزراعي وصندوق الكوارث، وإجراء دراسات حول أهمية توسيع وتطوير الخدمات المتعلقة بالتجارة الخارجية في مجالات تحويل الأموال والنقل والشحن والتسويق.

نقاط قوة
وضمن سياق تحليله لواقع التجارة الخارجية لم يغفل التقرير نقاط القوة التي يتمتع بها هذا القطاع والمتمثلة بالعمل الدائم على تعديل أحكام التجارة الخارجية، وتعديل القائمة السلبية للمستوردات، وأنه يتم التعاون مع الجهات المعنية، بما يتناسب والمصلحة الاقتصادية، إضافة إلى السعي لتطوير العلاقات التجارية والاقتصادية مع تكتلات إقليمية، مع تعزيز وتطوير علاقات التعاون مع دول آسيا وإفريقيا ودول صديقة “جنوب إفريقيا– روسيا- بيلاروسيا– كازاخستان”، وتأسيس مركز مشترك للتعاون الثنائي الجيوسياسي التجاري الاقتصادي العلمي والتقني والمالي؛ بالتعاون بين وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية والمركز الدولي للتحليل الجيوسياسي والتعاون التجاري في موسكو، يضاف إلى ذلك العمل على انضمام سورية إلى منظمة شنغهاي وإلى مجموعة البريكس، إلى جانب استيراد مواد وسلع استراتيجية لصالح الجهات الحكومية وخاصة الرز والسكر والذرة الأدوية واللقاحات والمبيدات، والسماح باستيراد العديد من السلع والمواد كالحليب السائل والفروج المجمد والمازوت، ومن نقاط القوة أيضاً تشكيل مكتب التدخل السريع بالوزارة لمعالجة الشؤون التجارية العالقة، وتقديم الدعم التصديري من قبل هيئة تنمية الصادرات في مجال الألبسة الجاهزة والصناعات الغذائية وزيت الزيتون، إضافة إلى أنه تم إعداد وتحديث أحكام التجارة الخارجية لتراعي التطورات خاصة جداول التعرفة الجمركية الجديدة المنسقة، والتدرج بتحرير التجارة الخارجية من القيود والعوائق وإزالة أو خفض الحواجز والتعريفات الجمركية وغير الجمركية والحواجز التجارية بين سورية والدول الأخرى، وإلغاء العمل بنظام تسديد قيم المستوردات من القطع الناجم عن التصدير و توحيد طرق تسديد القيمة لمواد البند الواحد، وإصدار القائمة السلبية للمستوردات التي تتضمن المواد التي مازالت ممنوعة من الاستيراد لأسباب أمنية أو صحية أو بيئية أو دينية، وإلغاء الوكالة الحصرية للوكيل المعتمد في سورية، وفك الارتباط بين الاستيراد والتصدير في عام 2003، وإلغاء التعهد بإعادة قطع التصدير، وانضمام سورية إلى المركز الدولي لحل نزاعات التجارة والاستثمار ICSID.

نقاط ضعف
وأشار التقرير إلى عدد من نقاط الضعف التي يعاني منها قطاع التجارة الخارجية منها تضارب صلاحيات الوزارة وقطاعها الاقتصادي والتجاري مع الجهات العامة الأخرى في عمل العلاقات العربية والدولية ومعظم اللجان المشتركة باتفاقيات التعاون التجاري والاقتصادي التي تبرمها وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية مع الدول الأخرى، وعدم استقرار أسعار الصرف –خلال المرحلة السابقة- وتأثيره على العارضين الداخليين خوفاً من الخسارة عند تقديم هذه العروض بأسعار صرف متقلبة وأسعار بضائع متقلبة، وتقليص مهام وأعمال مؤسسة التجارة الخارجية وذلك بسبب الإيعاز لجهات عامة أخرى تأمين احتياجاتها بشكل مباشر دون الرجوع إلى المؤسسة.

فرص
بالمقابل ثمة العديد من الفرص أمام هذا القطاع كسياسة التوجه شرقاً وفي كل الاتجاهات والانضمام إلى بعض التكتلات الاقتصادية، وعقد اتفاقات التجارة الحرة فرصة لتعزيز موقع سورية في الاقتصاد العالمي، وتوسيع نطاق وحجم وأنواع الدعم المقدم للصادرات السورية، لمساعدتها على اكتشاف الفرص التصديرية وزيادة قدرتها التنافسية في الأسواق الخارجية. وإقامة منطقة حرة جديدة أو تطوير واحدة قائمة تتمتع بمزايا منافسة جداً، تفوق المزايا الممنوحة لنظيرتها المحلية، ومنافسة لنظيراتها في المنطقة، كي تستقطب الأعمال الاستثمارية والتجارية المحلية والأجنبية، إضافة إلى مراجعة الاتفاقيات التجارية الموقعة، بهدف تعظيم الاستفادة منها، وتقييم آثارها، وتجاوز كافة معوقاتها، وتسليط الضوء على الفرص المتاحة ضمنها، والاتفاقات الأخرى المزمع اقتراحها، لتحديد مجالات التعاون الممكنة، وآثارها على الاقتصاد الوطني، لتحقيق أعظم المنافع والمكاسب للاقتصاد الوطني. واستكمال إحداث مؤسسة ضمان وتمويل الصادرات، وذلك لتغطية مختلف أنواع المخاطر المصاحبة لنشاط التصدير من خلال أنظمة التمويل والضمان والتمويل.

تحديات
وأشار التقرير إلى التحديات أمام قطاع التجارة الخارجية كالتفاقم في نقص السيولة وصعوبة إصدار الكفالات وفتح الاعتمادات وعدم تبليغها للشركات الموردة من قبل المصارف المراسلة. وزيادة صعوبات ومشاكل النقل، سواء أكانت في العثور على بواخر تقبل الشحن إلى الموانئ السورية، أو توفر الشاحنات الكافية للنقل من أرض الميناء إلى مستودعات الجهات الطالبة عبر المحافظات، إضافة إلى صعوبة النقل الجوي، وصعوبة الحصول على تأشيرات الدخول إلى دول الاتحاد الأوروبي وغيرها، وصعوبة تحويل الأموال، وصعوبة الإيفاد لتنفيذ المشاركات في المعارض الخارجية.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات