انخفض وسطي نصيب المواطن السوري اليومي من إجمالي الإنفاق الحكومي بنسبة 70 بالمئة تقريباً خلال خمس سنوات من عمر الحرب (من 2012 حتى 2016)، مقوماً بالدولار الأمريكي، وذلك قياساً بنصيبه من إنفاق الحكومة عام 2011، مما يشير إلى تداعيات الحرب على أولويات الإنفاق الحكومي، وإلى مدى ضعف الخدمات والدعم المقدم له، ومن ثم ارتفاع مستويات الفقر، خارج عن إمكانية الحكومة للحدّ منه.

بالأرقام، بلغ وسطي نصيب الفرد اليومي من إجمالي الإنفاق الحكومي (على الاستهلاك والاستثمار) بين (2012- 2016) نحو 114.4 ليرة سورية (0.67 دولار وفق وسطي أسعار الصرف بحسب كل سنة من الفترة بين (2012 و2016)، بينما كان 102.5 ليرة (2.11 دولار) في العام 2011، أي بانخفاض 70 بالمئة مقوماً بالدولار، وذلك من أجل إظهار أثر انخفاض سعر الصرف في الانفاق، على حين أن وسطي نصيب الفرد اليومي من إجمالي الموازنات العامة للدولة خلال فترة السنوات الخمس (2012-2016) قارب 209 ليرات (1.38 دولار وفق وسطي أسعار الصرف بحسب كل سنة من الفترة بين 2012 و2016)، باستخدام تعداد وسطي 20 مليون مواطن سوري، بين التقديرات الرسمية التي وصفت بالمبالغة، وبين التقديرات غير الرسمية، علماً بأن الأرقام لجهة نصيب الفرد لن تتغير بشكل ملموس مع تغير التقديرات لتعداد السكان، قياساً إلى حجم المشكلة التي سببتها الحرب بشكل رئيس.

وأنفقت الحكومة على الاستهلاك والاستثمار خلال الأعوام الخمسة من 2012 وحتى 2016 نحو 4177 مليار ليرة سورية، وذلك بناء على بيانات وتقديرات المجموعات الإحصائية المنشورة على الموقع الرسمي للمكتب المركزي للإحصاء، وهذا ما يعادل نحو 24.5 مليار دولار أمريكي، وذلك بشكل تراكمي، بناء على وسطي سعر الصرف الرسمي في كل عام، على حين بلغت القيمة التراكمية للموازنات العامة للدولة في تلك الفترة نحو 7633.5 مليار ليرة سورية، أي إن إجمالي الإنفاق الفعلي يقل عن 55 بالمئة عن تقديرات موازنات الدولة، وهذا ما ينسجم مع نتائج قطع حسابات الموازنة العامة للدولة 2012 مؤخراً في مجلس الشعب، لجهة نسب التنفيذ الفعلي، كؤشر للاستئناس، إذ بلغت نصف المقدر فقط.

أرقام خلبية

رأى الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق الدكتور شفيق عربش (وهو المدير العام السابق للمكتب المركزي للإحصاء) أن التنفيذ الفعلي لنحو 55 بالمئة فقط من الموازنات العامة خلال الفترة 2012 و2016 يؤكد أن تقديرات تلك الموازنات غير دقيقة، وأنها تعدّ في وقتها تنفيذاً للاستحقاق الدستوري الملزم بتقديم موازنة كل عام، إضافة إلى أنها تدّل على انخفاض نصيب الفرد الحادّ من الإنفاق الحكومي، ومن ثم التدني الكبير في مستوى الخدمات التي يحصل عليها المواطن.

وشدّد على أن الحكومة كانت تبالغ في تقديراتها عند إعداد الموازنات، علماً بأنه لا يمكن الاعتماد على الموازنات لحساب الإنفاق الحكومي الفعلي، وإنما يجب الاعتماد على قطع الحسابات، لكن ريثما تتوافر بيانات القطع، يمكن الاعتماد على الإنفاق الحكومي على الاستهلاك والاستثمار في إجمالي الناتج المحلي.

وأشار عربش إلى أن جلّ الإنفاق الحكومي هو للجاري أو الاستهلاك، مقابل نسبة بسيطة جداً للاستثمار، علماً بأن الجزء الأكبر من الإنفاق الجاري هو لكتلة الأجور والرواتب، مما يكشف عن وهمية أو خلبية أرقام الدعم التي كان يصرّح عنها كل عام، وقت مناقشة الموازنة، وإقرارها، لأنه لو كانت تلك الأرقام حقيقية، لكانت برزت في قطع الحسابات أو الإنفاق الفعلي للحكومة، مؤكداً أن هذا ليس تقشفاً، بل أسوأ من ذلك، لأن التقشف يكون خياراً مدروساً لحلّ أمر مفروض، على حين أن الحكومة تعيش لحظتها، في إدارة الشؤون العامة، أي تدير الأمور كل لحظة بلحظتها.

كما لفت عربش إلى أن الوقوف بدقة على حقيقة نصيب الفرد من الإنفاق الحكومي، يقتضي تحريره من الفساد والهدر، والتباين في الإنفاق، بين مختلف شرائح المجتمع، وهو ما يعمق حالة تدني مستوى الخدمات التي يحصل عليها المواطن، مشككاً بصورة أساسية في العديد من البيانات والتقديرات التي يصدرها المكتب، خاصة المتعلقة بتعداد السكان.

أرقام مفصّلة

بالعودة إلى تفاصيل الإنفاق الحكومي، فيقدّر إنفاق الحكومة على الاستهلاك والاستثمار خلال العام 2012 بنحو 542 مليار ليرة سورية، وذلك بناء على جداول الإنفاق على الناتج المحلي بالأسعار الجارية وبالأسعار الثابتة، ضمن الحسابات القومية، في المجموعة الإحصائية للعام 2017، المنشورة على موقع المكتب المركزي للإحصاء، وهو ما يعادل نحو 8.4 مليارات دولار أمريكي بحسب وسطي سعر الصرف الرسمي في حينها (64.5 ليرة سورية للدولار)، علماً بأن الموازنة العامة للدولة قدّرت في ذلك العام بنحو 1326.5 مليار ليرة، تعادل نحو 20.6 مليار دولار أمريكي، بحسب سعر الصرف نفسه.

وانخفض تقدير إنفاق الحكومة على الاستهلاك والاستثمار إلى ما يعادل 5.7 مليارات دولار (625 مليار ليرة سورية) في العام 2013، على حين قدّرت الموازنة العامة للدولة حينها بمبلغ 1383 مليار ليرة سورية، تعادل 12.6 مليار دولار، حيث كان وسطي سعر الصرف الرسمي وقتها 109.5 ليرة للدولار تقريباً، واستمر انخفاض تقدير الإنفاق الحكومة مقوماً بالدولار الأمريكي إلى ما يعادل أكثر من 4 مليارات دولار عام 2014 (786 مليار ليرة) على حين قدّرت الموازنة العامة للدولة حينها بمبلغ 1390 مليار ليرة، تعادل نحو 7.2 مليارات دولار، حيث سجل وسطي سعر الصرف الرسمي 194 ليرة للدولار تقريباً.

ووصل انخفاض تقدير الإنفاق الحكومي عام 2015 إلى ما يعادل 3.7 مليارات دولار (999 مليار ليرة سورية)، بينما قدّرت الموازنة العامة للدولة وقتها بمبلغ 1554 مليار ليرة سورية، ما يعادل نحو 5.8 مليارات دولار، حيث بلغ وسطي سعر الصرف في ذلك العام نحو 269 ليرة للدولار تقريباً.

واستمر الانخفاض أخيراً إلى ما يعادل 2.7 مليار دولار عام 2016 (1225 مليار ليرة) على حين قدّرت الموازنة العامة حينها بمبلغ 1980 مليار ليرة، تعادل 4.3 مليارات دولار، حيث بلغ وسطي سعر الصرف في ذلك العام نحو 458 ليرة للدولار تقريباً.

يشار إلى تدني نسب الإنفاق الحكومي على الاستثمار مقارنة بإجمالي الإنفاق العام، إذ يقل على نحو ملحوظ عن 20 بالمئة، على حين انخفض أحياناً إلى ما دون 10 بالمئة، لتتراوح نسبة الإنفاق الجاري أو الإنفاق على الاستهلاك؛ بين 80 و91 بالمئة من إجمالي الإنفاق العام، جلّه للأجور والرواتب، لنسأل الحكومة في الختام: أين مبالغ الدعم والإنفاق على المشاريع وإعادة البناء… وغيرها التي لم يهدأ المسؤولون عن تردادها والتغني بها خلال سنوات الحرب؟ وكيف ينسجم هذا المستوى الضعيف جداً من الإنفاق الحكومي مع إطلاق شعارات التنمية التي ارتقت إلى مستوى التنمية الشاملة في العام الجاري (2018) دون وجود إشارات عملية ملموسة لتحسن واقع الانفاق؟.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات