تسببت الحرب على سورية منذ العام 2011 بخسارة الاقتصاد لأكثر من 2,9 مليون مشتغل في القطاعين، العام والخاص، وذلك حتى نهاية العام 2016، توزعت بين نحو 2,46 مليون مشتغل في القطاع الخاص، أي ما يعادل 66,8 بالمئة من قوته العاملة في العام 2010، وبين نحو 438 ألف مشتغل في القطاع العام، بما نسبته 32,2 بالمئة، علماً بأن القطاع الخاص في كثير من الأحيان اضطر إلى تسريح العمال في المنشآت التي تم تدميرها وتخريبها بسبب الإرهاب وتعطل الانتاج، في حين لم تقم الحكومة بتسريح الموظفين لديها، مع استمرار الوزارات بالعمل، رغم ظروف الحرب، حيث تم نقل الموظفين في المناطق الساخنة وتوزيعهم على مؤسسات الحكومة في المناطق الآمنة، وهذا ما يجعل رقم الخسارة في القطاع العام ذا تأثير مهمّ، يحتاج للتوقف عنده بالدراسة والتفصيل من الجهات المعنية.
 
وفي التفصيل، زاد إجمالي عدد المشتغلين في العام 2010 على 5 ملايين، في القطاعين، بينما وصل العدد إلى 2,14 مليون في نهاية 2016، متراجعاً بنسبة 57,6 بالمئة، ترافق ذلك مع انخفاض بنحو 69 بالمئة في إجمالي الناتج المحلي (بالأسعار الثابتة لاستبعاد أثر التضخم)، وذلك بحسب البيانات الرسمية الواردة -صراحةً- في المجموعات الإحصائية التي نشرها المكتب المركزي للإحصاء مؤخراً على موقعه الإلكتروني الرسمي، التي تم استنتاجها بتحليل تلك البيانات، مع التنويه بأن عدد المشتغلين في القطاع العام لا يتضمن رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء ووزارة الدفاع.
وبحسب البيانات الإحصائية الرسمية، انخفض عدد المشتغلين في العام 2011 إلى نحو 4,95 ملايين مشتغل، ما نسبته 2 بالمئة تقريباً، عن العام 2010، موزعين بين 30,1 بالمئة في القطاع العام، و69,9 بالمئة في الخاص، ثم انخفض العدد في العام 2013 إلى 3,8 ملايين مشتغل، توزعوا بين 41,5 بالمئة في القطاع العام، و58,5 بالمئة في الخاص، وتواصل الانخفاض في عدد المشتغلين إلى 3,22 ملايين مشتغل في العام 2014، ما نسبته 15,3 بالمئة، عن العام الذي سبقه، موزعين بين 52,3 بالمئة في القطاع العام، و47,7 بالمئة في الخاص، واستمر الانخفاض مسجلاً مستوى 2,6 مليون مشتغل في العام 2015، ما نسبته 18,75 بالمئة عن العام الذي سبقه.
أما بيانات عدد المشتغلين في العام 2016، فقد تم استنتاجها من البيانات المتوافرة في المجموعة الإحصائية (2017) لعدد المشتغلين في القطاع العام، والبالغة 922,3 ألف مشتغل، باستخدام نسبتها التي تشكل 43 بالمئة من إجمالي عدد المشتغلين، إذ يبقى للقطاع الخاص نسبة 57 بالمئة من عدد المشتغلين، في سياق تعافٍ واضح، قياساً بالسنوات السابقة.
علماً بأن 52,5 بالمئة من إجمالي عدد المشتغلين في القطاع الخاص في العام 2016 يعملون لحسابهم (بواقع 642 ألف مشتغل من أصل 1,22 مليون)، و6,4 بالمئة هم أصحاب عمل (بواقع يزيد على 78,2 ألف صاحب عمل) و39,9 بالمئة يعملون بأجر (488 ألف مشتغل بأجر) و1,1 بالمئة يعملون من دون أجر لدى غيرهم (بواقع يزيد على 13,4 ألف مشتغل من دون أجر).
عصّة وفرصة
من الواقعي أن يتعرض الاقتصاد لخسائر بعد حرب على مدار زاد على سبع سنوات، بحجم الحرب التي شهدناها، ولعل قوة العمل هي أول الاستهدافات للحرب، إلى جانب البنى التحتية، سواء بشكل مباشر أم غير مباشر، إلا أنه بعد انفراج الأمور، واقتراب الحرب من نهايتها، بدحر الإرهاب عن الأراضي السورية تباعاً، وبشكل متسارع، تبرز أمام الحكومة تحديات، في قالب الفرص، إذ هناك حاجة لتعويض ما تمت خسارته في القوة العاملة لدى القطاعين، مع تحسن معدلات النمو الاقتصادي، بالترافق مع العودة المتسارعة لعجلة الإنتاج، بمعنى أن الخسارة البالغة نحو 2,9 مليون مشتغل، تمثل هدف حاجة الاقتصاد من عدد المشتغلين، وهو يتجه نحو تعويض ما خسره الناتج المحلي الإجمالي على مدار ست سنوات، أي فرصة لامتصاص البطالة، وخاصة أن عدد الخريجين من جميع الجامعات (العامة والخاصة بما فيها الافتراضية والتعليم المفتوح) والدراسات العليا والمعاهد (العليا والمتوسطة) والثانويات المهنية ومراكز التدريب والعائدين من الإيفاد؛ يقل عن 100 ألف خلال 2016، أي نحو 3,4 بالمئة فقط من إجمالي الخسارة في القوة العاملة، من دون احتساب نسب الالتحاق بالخدمة الإلزامية من الخريجين الذكور، والسفر، والامتناع عن العمل لدى البعض، ذكوراً وإناثاً لأسباب مختلفة.. ومن دون الحديث عن حاجات إعادة الإعمار من القوة العاملة.
كل ذلك يجعل من الحديث عن البطالة أمراً غير مقبول من الناحية النظرية، أما عملياً فيبدو أن الأمور تسير نحو تعقيد خطر، وهذا ما نستشفه من حديث وزير الصناعة مازن يوسف أمام نواب مجلس الشعب مؤخراً، إذ لفت إلى زيادة في عدد طلبات الاستقالة والإجازات من دون أجر والإجازات المرضية، مع عدم إقبال على مسابقات التعيين.
يعدّ ذلك الأمر مؤشراً خطراً عن نزوح القوة العاملة، وخاصة الخبيرة والمؤهلة، من القطاع العام إلى الخاص، وضعف القدرة على استقطاب الموارد البشرية لدى العام، والسبب الرئيس لذلك تدني الأجور وتخلف أنظمة الحوافز المعتمدة مذ كان الدولار بأقل من 5 بالمئة من قيمته الحالية مقابل الليرة السورية، وهذا ما لحظته «الوطن» خلال التواصل مع بعض الفنيين من القطاع العام، وقد بدؤوا فعلاً بالعمل لدى القطاع الخاص بأجور تزيد نحو أربعة أضعاف عن الراتب في العام، وبعضهم يفكر جدياً بالاختيار بين الاستقالة أو تقديم إجازة بلا أجر، فهل الحكومة منتبهة لهذه التحديات الخطرة؟ هذا ما نتركه في عهدة رئاسة مجلس الوزراء، ونحن على أبواب إعادة الإعمار.

الوطن

سيريا ديلي نيوز


التعليقات