أرخت الحرب بظلالها القاسية على معظم السوريين، لكن شريحةً منهم طالها من المآسي ما يفوق الجميع نظراً لهشاشتها وعدم امتلاكها أية آليات دفاعية تمكنها من تجاوز المحن التي مرت بها طيلة السنوات السبع الماضية . إنهم الأطفال، هذه الفئة التي فعلت الحرب فعلتها بها، فبتنا نرى الأطفال المتسولين والمشردين بأضعاف مضاعفة عما قبل الحرب، وهؤلاء معرّضون لشتى أنواع المخاطر في الشوارع التي باتت مستقرهم الوحيد. وبما أن التسول والتشرد والتسرب من المدرسة والجوع والحرمان يكفي لمعرفة أي واقع ظالم يعيشه هؤلاء الأطفال، إلا أنه يستتبع أيضاً سلوكيات وممارسات قد تكون أخطر على هؤلاء الأطفال من كل سابقاتها، فثمة ظواهر جديدة لم نكن لنراها من قبل وباتت اليوم ممارسات يقوم بها هؤلاء الأطفال !
 

صحيفة تشرين الحكومية رصدت ظاهرة غريبة، "في أحد شوارع دمشق نرى طفلين أكبرهما لم يتجاوز الثالثة عشرة من العمر، والآخر يصغره ببضع سنوات منتشياً وبغير وعيه، ممسكاً بيده كيساً يحوي مادة "الشعلة" ويقوم بشمه.

مشكلة جديدة وليدة الأزمة كما أوضحت لـلصحيفة إحدى مؤسسي "مشروع سيار" لمى النحاس، وهي إدمان أطفال الشوارع على مادة "الشعلة"، وعند سؤال أحد المتعاطين منذ عامين، لماذا تقوم بذلك قال: لأنسى همومي، ذاك الجواب الكبير على طفل يعي مضار ومخاطر هذا الفعل الذي ساعده "مشروع سيار" على معرفتها، وهو يعمل على التوقف عن تعاطيها، طفل آخر عمره 10 سنوات تراه يعاني سعالاً شديداً، إضافة لعلامات واضحة على وجهه نتيجة شم "الشعلة" بشكل كبير، بيّن أن هذا الفعل يساعده على رؤية أبويه المتوفين.

والتخوف الكبير الذي أعربت عنه لمى النحاس، هو انتشار هذه الظاهرة بشكل كبير في المجتمع، لأن فعل الشم يتم في الحدائق العامة، أي بين الجميع، ولاسيما الأطفال الذين لديهم حب الاستطلاع ومحاولة تجريب كل شيء يمكن أن يصادفهم.

وتلفت "تشرين" إلى ما يقوم به الفريق التطوعي لإبعاد أطفال الشوارع عن هذه السلوكيات ، حيث يعمل فريق "مشروع سيار" ساعتين كل أسبوع على برنامج توعوي يضم محاولة "فك الأمية" لدى هؤلاء الأطفال، وتعريفهم بأهمية المدرسة التي لا يعرفها أغلبهم، كذلك توعيتهم لحماية أجسادهم والتنشيط من خلال الرياضة، وأخيراً العلاج عن طريق الفن، هذا ما أوضحته المعالجة عن طريق الفن، سامية نحاس، ففي إحدى قاعات المدرسة نجد مجموعة من الأطفال منهمكين بالرسم واللعب مع عدد من الطلاب الجامعيين أو المتطوعين الذين تبدأ أعمارهم من 30 إلى 50 عاماً والذين يشكلون الفسيفساء السورية بأجمل تشكيلها، هم من أحد الفرق التطوعية لـ"مشروع سيار" المنتشرة في دمشق ضمن سبعة مراكز، ويتنقلون إلى بقية المحافظات السورية.

وبالنسبة للنتائج التي حصدها "مشروع سيار" من عمله على امتداد السنوات، أكدت لمى النحاس أنه تمت مساعدة ما يقارب 250 طفلاً، والحاجة هنا -كما أضافت- هي وجود مراكز رعاية متخصصة تكون ملاذاً آمناً للأطفال وتحوي كل ما يحتاجونه، وهذا ملقى على عاتق الجمعيات والمنظمات الدولية، كما أشادت بالدعم المقدم من الوزارات مثل وزارة الشؤون الاجتماعية والصحة والثقافة الذين قدموا كل التسهيلات الممكنة.

دكتور الأطفال علي موسى أوضح ل"تشرين" أن مادة الشعلة من حلقة البنزين "البتروكيماويات" وعند شمها تؤثر في الأعصاب وتعطي نشوة وفرط نشاط، وممارسة الفعل يؤدي للإدمان، وهي منتشرة لدى الأطفال لسهولة توافرها، كما تسبب "الهمود العصبي"، حيث يصبح الطفل كسولاً وغير قادر على الحركة.

وعلاج تعاطيها يتم -كما أوضح الدكتور موسى- بالعلاج النفسي في الدرجة الأولى، لأنها ليست كبقية المواد المخدرة الأخرى "ليس لها أعراض سحب"، حيث تقتصر آثار معالجتها على الهياج والعصبية. وأخيراً أضاف الدكتور موسى أنه لابد من علاج هؤلاء أطفال بشكل سريع لأن الإدمان يبدأ بقصص صغيرة قد تتحول إلى إدمانات كبيرة، حسب تعبيره.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات