عدوان بالسلاح على سوريا، تزامن ليل الاثنين الماضي، مع عدوان ناعم على البقية الباقية من مصادر القوة المصرية، ليطرح التوحد السوري، القوي، خلف قيادته السياسية الحل والأمل، ويثير موقف المتصدرين للعمل العام في مصر الأسى والحزن، على بلد منكوب، تفتقد لأقل درجات إدراك أنها وطن في أزمة.
مفتاح النصر في سوريا واضح جلي، يتمثل في قدرة متعاظمة على تهيئة الأرض والمناخ السياسي لإنهاء حرب كونية، مستمرة منذ 2011، انخرط فيها المال الخليجي، مع الوكيل الإقليمي في تركيا، والتخطيط الأمريكي، والعامل الصهيوني، لضمان إخراج سوريا من معادلة الصراع العربي الصهيوني، وكسر محور المقاومة بتحطيم درة التاج، دمشق.
الصمود السوري حوّل من الضربات الصهيونية، والغربية مؤخرًا، إلى رصيد إضافي، يخصم من المتقولين بأن هناك ثورة سورية، وبأن الصراع بين نظام ومعارضة، وبات معسكر المقاومة ـ على المستوى الشعبي ـ يكتسب مزيدًا من المساحات، وبالتالي باتت سوريا في موقف أفضل مما كانت عليه، ومكاسبها مرشحة للتصاعد، بعد النصر على الوكلاء، وما تثيره غارات العدوان من غضب.
أما في مصر المنكفئة على ذاتها، السائرة في التيه بكل حماس، تدفعها إليه سلطة لا تريد إلا تعزيز مواقعها، ولو على حساب حاضر الوطن ومستقبله، ومعارضة تتحرك بالضوء الأخضر من منظمات مشبوهة، ممولة بالكامل من دول وأجهزة غربية، لم يُعرف عنها أنها تمنح الأموال مجانًا أو لمصلحة الشعوب، فقد وقعت في أزمة فضحت مدى ما وصلنا إليه في عهد السلام الصهيوني الدافئ.
اللاعب المصري، محمد صلاح، النجم الساطع مؤخرًا في مجتمع يفتقد الإنجاز، كقيمة ومعنى، أثار الكراهية في الشارع المصري ضد سلطة الحكم، التي ما إن تحاول علاج أي أزمة حتى تشعلها، ثم تفشل حتى في حصر آثارها، تاركة الحريق يتخذ مجراه، ليأكل الانتماء في قلوب جيل شاب يعاني في كل لحظة نتائج الفشل والفساد والإهمال.
شركة اتصالات حكومية مصرية، وعن طريق وكيل إعلاني، وضعت صورة للاعب على طائرة المنتخب الوطني، واعتبرتها شركة أجنبية تملك حقوقًا إعلانية للاعب، افتئاتًا على التعاقد، وتهدده بتوقيع غرامة ضخمة واردة في عقده، ليهاجم اللاعب اتحاد الكرة المصري، ويتبعه سيل من الغاضبين، رأوا في الاتحاد والشركة المصرية، كممثلين عن نظام حكم يكرهونه، هدفًا مطلوبًا.
في النهاية انتصر صوت الغاضبين على رؤية النظام المصري، وأجبر مرتادو مواقع التواصل الاجتماعي، وزير الشباب المصري، خالد عبد العزيز، على الوعد بإغلاق الموضوع، واضعًا مصلحة اللاعب فوق أي اعتبار.
الشركة الأجنبية خرجت فائزًا وحيدًا في ليلة الغضب المصري، بعد حملة للمطالبة بكسر شرائح تشغيل الشركة المصرية، وتواجد مكثف لاسمها وعلامتها التجارية، المرتبطة باللاعب، بما حقق لها حملة إعلانية مجانية، سيطرت على الإعلام ووسائل التواصل ليومين كاملين، وستحصل إما على غرامة، ستدفعها الحكومة المصرية، أو على ترضية ما، تضمن عدم استخدام اللاعب من قِبل مسؤولي الرياضة المصرية إعلانيًا.
المصري العادي الغاضب للاعبه المفضل، سار وراء حملة علاقات عامة، ذكية الطابع، ليكتب نزيف المال العام أن المعارضة بدون وعي هي خيار مدمِّر، مكمل للمشروع الاستعماري، الهادف لقصقصة مصادر القوة المصرية، تمهيدًا لاستمرار السقوط المريع، في أحضان قوى السيطرة الدولية.
الشركة المصرية الحكومية وصمت خلال هجوم المصريين بأنها شركة للجيش أو المخابرات، وهو اتهام مصنوع، فالشركة تأسست في 1854، كأول وأقدم شركة اتصالات في الشرق الأوسط وإفريقيا، وكان تحولها إلى مشغل هاتف محمول مطلبًا شعبيًا، للوقوف أمام استغلال رأس المال الأجنبي للسوق المصرية، وجمع أموال المصريين مقابل “خدمة”، لا تضيف للاقتصاد الوطني، بل تضغط دومًا على سعر الدولار، لمواصلة تحويل أرباح الشركات الثلاث العاملة بمصر للخارج.
الشركات متعددة الجنسيات، تعمل على نزح فائض القيمة إلى الغرب، وبالتالي زيادة حدة الإفقار المنظم للعمالة، وزيادة الهوة بين المترفين والمعدمين على نحو ينعدم معه أي معنى للعدالة، وكل هذا وفق شروط تشغيل تشبه العبودية، والعاملون في بعض شركات الاتصالات يضطرون لشراء الخطوط لأنفسهم، لمجرد تحقيق الهدف “التارجت”، وبالتالي البقاء ضمن منظومة العمل، في غياب ضمان اجتماعي، أو قانون عمل موحد وحاسم.
الغريب حقًا في أزمة مصر، أن الدولة تخلت عن دورها الرئيس، في توفير مناخ يحترم ويقدر المعلم والعالم والمهندس والعامل والجندي، وتركت مواطنيها فرائس أمام “بيزنس صناعة النجوم” على الطريقة الغربية، فلاعب الكرة أصبح واجهة إعلانية، وبقدر ما يفيد منتخب بلاده، يستفيد من ارتفاع قيمته التسويقية، وعقود رعايته.
نقطة أخيرة
طرد لبنان الحقوقي المصري سعد الدين إبراهيم، منذ أيام، ولم تسمح له السلطات بوطء أرض لبنان الطاهرة، وهو المُدنس بزيارة الكيان الصهيوني، وإلقاء المحاضرات للطلبة في الجامعات الصهيونية، ولم ينفعل أي مصري، لأننا على المستوى الشعبي، نرفض التعامل مع الكيان، ونعتبره عدوًا، رغم العلاقات الرسمية، والسلام الدافئ، الذي ترعاه أنظمة كامب ديفيد الحاكمة.
محمد صلاح مثل سعد الدين إبراهيم، مطبّع، زار الكيان الصهيوني، من أجل مباراة كرة قدم، وسبقه إلى الزيارة عدد من لاعبي منتخب مصر، لكن الإعلام يتعامى عن زيارته، ويبرز سجوده في تل أبيب، لمغازلة الشعور الديني، وكأن اللاعب زارها للقيام بمهمة مقدسة، وربما هذا ما دفع وزير صهيوني لطرح فكرة تجنيد “صلاح” في الجيش الصهيوني، لتحقيق ما قال إنه التقارب بين الشعبين.
الإعلام الممول غربيًا، والمعارضة المتصدرة للمشهد، تقوم في مصر بدور يماثل ما قامت به في سوريا، مع الفارق أن الهجوم هنا يعتمد على وسائل ناعمة، لا تستثير الحساسية، ويسهل الدفاع عنها، بمحاذاة الهجوم على النظام، وتذكيره بضعفه أمام التنظيمات الإرهابية في سيناء، ما يضاعف الجهد المطلوب لفضح مخططات الغرب.


العهد

 

سيريا ديلي نيوز


التعليقات