كشف مركز «مداد» للدراسات والأبحاث الاقتصادية في دراسة مالية بالنظر إلى النتائج المالية الأولية للمصارف السورية الخاصة (14 مصرفاً) أن عام 2017، تحقيق القطاع المصرفي زيادة في إجمالي الموجودات (أصول) من نحو 1790 مليار ليرة في العام 2016 (ما يعادل نحو 3,46 مليارات دولار أمريكي تقريباً، بسعر صرف 517 ليرة للدولار الواحد) إلى 1898 مليار ليرة في نهاية العام 2017 (أي ما يزيد على 4,35 مليارات دولار أمريكي، ذلك على أساس سعر صرف 436 ليرة للدولار الأمريكي الواحد). وبالتالي فقد وصل معدل نمو الموجودات المصرفية بالليرة السورية في العام 2017 إلى 6% في حين بلغ معدل نموها مقوَّمة بالقطع الأجنبي 25,7%. ويعود هذا الفرق بين المعدلين إلى التحسن في سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي بين عامي 2017 و2016، إذ انخفض سعر الصرف من 517,43 ليرة في العام 2016 إلى 436 ليرة أمام الدولار الأمريكي في العام 2017 (أي بنسبة 15,7%). وهذا يؤشر على وجود علاقة إيجابية بين تحسن سعر صرف الليرة السورية ومعدل نمو الموجودات المصرفية.
إلا أن هذا التحسن في قيمة الليرة قد أثر سلباً في النتائج المالية للمصارف العاملة، فقد تحولت الأرباح التشغيلية للمصارف إلى خسارة بعد إضافة الخسارة الناتجة عن إعادة تقييم مركز القطع البنيوي نتيجة تحسن سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي، وبالتالي حتى يظهر الأداء التشغيلي الحقيقي للمصارف العاملة، كان لابد من عزل هذه الخسائر (غير المحققة)، ذلك لإظهار الأداء الفعلي لها، بما يعكس كفاءتها وفعاليتها التشغيلية وربحيتها الحقيقية.

خسائر مالية
لقد حقق 12 مصرفاً خاصاً خسائر مالية سنوية زادت على 28,7 مليار ليرة (65,8 مليون دولار أمريكي) متضمنة خسائر إعادة تقييم مراكز القطع البنيوية التي بلغت نحو 51,15 مليار ليرة. ولكن عندما نستثني خسائر القطع البنيوي من الأرباح الإجمالية لتلك المصارف، فإن الخسائر السابقة تتحول إلى أرباح صافية تصل إلى نحو 14,16 مليار ليرة سورية (32,47 مليون دولار أمريكي).
كما أنَّه للوقوف على ما تعنيه تلك البيانات المالية، يستخدم المُتَخصِّصون العديدَ من المؤشرات والنسب المالية (Financial Ratios) لتقييم الأداء المالي لها. لكن ونظراً لعدم صدور البيانات المالية السنوية النهائية، فإننا سنعتمد على نموذج تحليل (DuPont) الثلاثي لقياس ربحية المصارف العاملة الذي يجزِّئ العائد على حقوق المساهمين إلى ثلاثة مكونات رئيسة هي: نسبة هامش الربح؛ ومعدل دوران الأصول؛ ونسبة الرفع المالي، على أن يساوي العائد على حقوق المساهمين حاصل ضرب تلك المكونات الثلاثة التي تُعَدُّ مهمة جداً، تحديداً بالنسبة لكل مساهمٍ ومتابعٍ ومَعْنِيٍّ ومتخصّص في الشأن المالي والمصرفي.
نلاحظ بالاعتماد على نموذج التحليل السابق أن المصارف الخاصة الـ12 قد حققت طوال عام 2017 عائداً على حقوق المساهمين بلغ 4,7% ذلك بعد استبعاد خسائر إعادة تقييم مراكز القطع البنيوية من نتائجها المالية، وتشير النسبة المذكورة إلى قدرة المصرف على توليد أرباح صافية كنسبة مئوية من حقوق الملكية (أي كل 100 ليرة من أموال المساهمين حققت ربحاً قدره 4,7 ليرات).
هذا، وعند مقارنة أداء كل مصرف بنسبة ربحية القطاع ككل (4,7%) نجد أن ستة مصارف حققت عائداً على حقوق الملكية أعلى من متوسط عائد القطاع (4,7%)، في حين حققت المصارف الخمسة المتبقية عائداً موجباً، ولكن أقل من عائد القطاع، في حين كانت النسبة سالبة لمصرف واحد فقط، وهذا مبيّن بالتفصيل في الجدول المرفق.
 

مؤشرات ربحية
هذا، ولفهم أعمق لما تعنيه تلك الأرقام للعائد على حقوق المساهمين، نبدأ بأول مكون لها وهو هامش الربح الصافي؛ إذ تُعَدُّ هذه النسبة من أهم مؤشرات الربحية، وهي تقيس نسبة الربح الصافي إلى إيرادات المصرف الصافية (يمثل رقم المبيعات في قطاعات الصناعة والتجارة والتأمين.. إلخ)، والتي كانت نتيجتها (للـ12 مصرفاً، باستثناء أثر تغير سعر الصرف طوال عام 2017) 29,8 بالمئة، إذ بلغَ إجمالي الإيرادات الصافية ما يزيد على 47,5 مليار ليرة (نحو 109 ملايين دولار أمريكي) ولّدت ربحاً صافياً بنحو 14,16 مليار ليرة، وسوف تعتمد هذه النتيجة كمعيار داخلي للقطاع.
 

معدلات جيدة
تكشف حسابات هامش الربح الصافي عن تحقيق خمسة مصارف لمعدّلات جيدة، أعلى من المعيار الداخلي للقطاع (29,8%)، في حين سجلت خمسة مصارف معدّلات متدنية، ومصرف واحد سجّل معدّلاً سالباً.
إنَّ المكون الثاني في التجزئة معدّل دوران الأصول، وهو أحد مؤشرات كفاءة إدارة الأصول المهمة، إذ يقيس قدرة الأصول على توليد الإيرادات، وتشير النسبة المنخفضة إلى ضعف في الكفاءة، أو إلى سياسات استراتيجية تقتضي الدخول في استثمارات تتطلب كمية كبيرة من رأس المال.
تكشف حسابات معدل دوران الأصول للمصارف الـ12 تدني نسبتها بشكل ملحوظ، إذ تتراوح بين 0,02 و0,04 مرة، بمعنى أن الإيرادات أقل من وسطي الموجودات (الأصول) المحسوبة للعامين 2016 و2017، ما يعني أن كل مئة ليرة سورية في أصول المصارف توّلد إيراداً صافياً بين ليرتين وأربع ليرات سورية فقط، علماً بأن معيار القطاع المصرفي يصل إلى 0,03 مرة فقط.
وهذا مردّه بشكل رئيس إلى تدني منح القروض والتسهيلات الائتمانية، وتركُّز النشاط في مجالات التمويل المحدود نسبياً لإجازات الاستيراد، ذلك نتيجةً للتداعيات الاقتصادية والمالية للحرب التي تشنّ على سورية منذ أكثر من سبع سنوات.
 

مخاطر الوفاء
المكوّن الأخير في تجزئة (DuPont) هو نسبة الرفع المالي (Equity Multiplier)، وهو مؤشر مهم للجدارة الائتمانية، إذ يقيس درجة اعتماد المصرف على الدين في تمويل موجوداته، إذ تحتسب بقسمة وسطي الموجودات على وسطي حقوق المساهمين (استخدمنا بيانات نهاية العام 2016 ونهاية 2017)، فكلما ارتفعت النسبة، دلّ ذلك على اعتماد المصرف الكبير على الدين في تمويل موجوداته، ما يقتضي فعالية في توظيفاته لتوليد الدخل، وإلا سوف تزيد مخاطر الوفاء بالالتزامات، علماً بأن القطاع المصرفي يتمتع بخصوصية في هذا الجانب، إذ إن جوهر عمله يقوم على الدين، في الاتجاهين (قروض/ إيداعات).
كما أنه بوساطة حساب نسب الرفع المالي لوحظ وجود تباين واضح بين المصارف، إذ هناك مصارف متحفظة، وأخرى تعتمد على نسب رفع مالي كبيرة، وبشكل عام، فإن نسبة الرفع المالي للـ12 مصرفاً (للقطاع) تبلغ 5,64 مرات، بمعنى أن كل 5,64 ليرات من الموجودات تموّلها ليرة واحدة من حقوق الملكية، والبقية دين، وهذا الرقم يمثّل معياراً داخليّاً للمصارف الخاصة، إذ سجلت سبعة مصارف نسب رفع مالي أعلى نسبة القطاع ككل، والباقي أقل منه. كما نلاحظ أن المصارف التي لديها رفع مالي عالٍ كان مؤشرُ كفاءة إدارة الأصول لديها مرتفعاً (انظر الجدول أدناه).
ربح صافي
مما سبق، نجد أن هامش الربح الصافي (باستثناء أثر تغيّر سعر الصرف) للمصارف هو المساهم الرئيس في العائد على حقوق المساهمين، في ظل انخفاض قدرة الأصول على توليد الإيرادات نظراً للظروف الراهنة، والمعدلات الجيدة للرفع المالي، ذلك بصورة عامة، علماً بأن مزيداً من التفصيل للوقوف على حقيقة مساهمة هامش الربح الصافي؛ تقتضي تجزئة إضافية لهامش الربح الصافي، إلى ثلاثة مكونات رئيسة، تضم نسب العبء الضريبي وعبء الفوائد وهامش الربح التشغيلي (قبل الضريبة والفوائد)، وهذا غير ممكن حالياً لعدم صدور الإفصاحات النهائية للمصارف الخاصة العاملة.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات