بلادنا السورية التي وصفت بأهميتها الزراعية كواحدة من أهم سلال غذاء الدول العربية، واعتبرت أحد محاور ارتكاز الأمن الغذائي العربي، لم ترحمها حرب السنوات السبع التي قتلت فيها معالم الحياة، وتراجعت الزراعة التي كانت تعتبر القوة الداعمة للاقتصاد السوري من حيث مساهمتها في الناتج الإجمالي، بوصفها قاطرة النمو الأولى إلى جانب الصناعة التي خربت أيضاً وتراجعت، وأصبحت سورية بلداً مستورداً للغذاء، وتحت خط الفقر بتراجع الأمن الغذائي إلى حدوده الدنيا، ولم نر خلال هذه السبع سنوات أي محاولات لوزارة الزراعة ولا خطط جديدة لتحسين الواقع الزراعي في المناطق الآمنة الخاضعة لسيطرة الدولة السورية، فوقع الفلاح السوري بين فكّي الحرب والفقر، وتفاقم غياب دعم الحكومة وإرشاد وزارتها بخطط تنموية تحقق أقل قدر ممكن للاكتفاء الذاتي، بل اتجهت إلى استيراد المنتجات الزراعية لتغطي حاجة السوق، بعدما ابتعد معظم المزارعين عن زراعة أرضيهم مكتفين بزراعة ما يؤمن معيشتهم وقوتهم، بسبب ارتفاع تكاليف الزراعة وإرهاقها للفلاحين مقابل بيع منتجاتهم في السوق  بأرخص الأسعار التي لا تكافئ التكلفة، مما يجعلهم خاسرين، فلذلك تحولت الزراعة من مشاريع زراعية على مستوى الدولة أو تدعمها الدولة إلى مشاريع الأسرة الواحدة أو الفرد، بهدف تأمين أبسط السبل لبقائهم على قيد الحياة .

الوزارة في طي النسيان

باتت وزارة الزراعة السورية كأنها وزارة منسية منذ سنوات، ليس لها وجود بعد أن كانت قبل الحرب من الوزارات المهمة جداً في البلد، فلم يكن يمرّ يوم إلا بقرار أو تصريح أو ..الخ، لكن خلال سنوات الحرب لم يعد المواطن السوري يتذكر من وزارة عريقة وقوية لبلد يتسم بأهميته وقوته الزراعية سوى اسمها، لا خطط، لا دعم، لا إرشاد، رغم أن وزارة الزراعة كان لها الدور البارز في الثمانينيات والتسعينيات من القرن المنصرم، الذي اتسمت فيه سورية بتحقيقها للاكتفاء الذاتي، وهي يجب أن تكون من الوزارات ذات الدور البارز والمهم في الأزمات والحروب، لا وزارة كالسياحة التي ليست الأهم في اقتصاد بلد كسورية، مع العلم أن  البلاد السورية تمتلك مناخاً وتنوعاً بيئياً وخاصة الأراضي الزراعية الشاسعة ما يؤهلها لإنتاج العديد من الحاصلات الزراعية كالحبوب والبقوليات والخضراوات والفاكهة وتربية الحيوان، وهذا التنوع من شأنه أن يساعد على تحقيق الأمن الغذائي باستثمار الوزارة لمناطق زراعية مهمة كسهل الغاب مثلاً الذي تقارب مساحته مساحة هولندا التي تعتبر من البلاد الأولى المصدرة للمنتجات الحيوانية والزراعية لدول العالم، ومنها بلدنا الذي يمكنه بالتخطيط التنموي الصحيح أن يصبح من أهم البلدان بتصدير هذه المنتجات، والسؤال الذي يُطرح هنا: أين وزارة الزرعة؟ ومتى تستفيق من سباتها الذي طال؟ وأين دورها الوطني التنموي!؟

الأرقام السابقة هل نستعيدها؟

وصل إنتاج المزارعين السوريين من القمح سنوياً 3,7 ملايين طن، وأكثر من مليون طن حمضيات، وما يقارب 900 ألف طن بطاطا، و2 مليون طن من الشوندر السكري، و160 ألف طن ذرة صفراء، وهناك حوالي 111 مليون شجرة زيتون مزروعة كانت تنتج مليون طن، يكفي الاستهلاك المحلي والباقي يتم تصديره إلى الدول الأخرى. وقد احتلت سورية قبل الحرب المرتبة الثانية عالمياً في إنتاج القطن العضوي بعد الهند، ووصل إنتاجها إلى أكثر من مليون طن تقريباً من مساحات 200 ألف هكتار.

هذه الأرقام، التي تبدو كبيرة للغاية مع حجم استهلاك السكان البالغ 23 مليون نسمة للعام ،2010 سرعان ما تقلصت وانخفضت بعد الحرب التي أدت إلى كارثة زراعية بفقدان الكثير من الأراضي الزراعية وخصوصاً سهول الجزيرة وحوران التي تعتبر ذات أهمية كبيرة بإنتاج القمح والقطن والشوندر السكري، إضافة إلى ضعف الخطط التنموية للوزارة ودعمها للفلاح لاستثمار الأراضي المزروعة بشكل جيد، حتى تساهم بسد أكبر قدر ممكن من الفجوة الغذائية، وابتعد اسم سورية عن سدة المراتب العالمية، إضافة إلى انقراض أصناف مهمة من القمح السوري المرغوب عالمياً.

ووفق تقرير منظمة الفاو بلغت خسائر القطاع الزراعي في سورية بين عامي 2011 و2016 نحو 16 مليار دولار، ووفق تقارير دولية بلغت خسائر القطاع الزراعي من 2011 حتى 2018 نحو 26 مليار دولار.

متطلبات... حلول ومقترحات

* يتطلب النهوض بالقطاع الزراعي في سورية لإعادة تحقيق الأمن الغذائي من جديد، العمل على وضع استراتيجية طويلة الأمد بخطة تنموية مدروسة بشكل تفصيلي، إضافة إلى خلق القدرة التنافسية لهذا القطاع والتنوع في الإنتاج وبالنوعية الجيدة والمعدة للاستهلاك المحلي أو للتصدير ضمن المواصفات القياسية العالمية، كما تساهم الاستثمارات الزراعية بتوفير فرص عمل جيدة ومتنوعة وتحسن المستوى المعيشي وخاصةً عندما تكون العوائد الاقتصادية أفضل للمنتجين في هذا القطاع.

* التركيز على تصدير المنتجات المصنعة ونصف المصنعة للاستفادة من القيمة المضافة وزيادة العائد الاقتصادي وتحقيق الاكتفاء الذاتي، فإن زيادة معدلات النمو الاقتصادي في القطاع الزراعي يجب أن تفوق معدل النمو السكاني بحيث لا تقل عن 7% سنوياً حتى يتحقق الاستقرار الكافي للمنتجين الزراعيين وخاصة الفئات الكادحة الفقيرة العاملة في هذا القطاع.

* استثمار سهل الغاب بمشاريع زراعية وحيوانية مهمة بطرحه في خطة استثمارية تشاركية.

* ليتعافى القطاع الزراعي ويستعيد دوره المحوري في الاقتصاد الوطني، لا بد من القيام بتوفير المستلزمات اللازمة، ودعمها، لأن أي زيادة في الإنتاج الزراعي تعتبر القاعدة المادية للأمن الغذائي وتأمين متطلبات الصناعة وخاصة التحويلية منها ودعم القدرة التصديرية.

إن الاهتمام بالسياسة الزراعية ومنحها أهمية خاصة يتطلب مجموعة أسس نذكر أهمها:

1- ضرورة إجراء دراسات وبحوث على المناخ لتحديد التغيرات المتوقعة مستقبلاً خصوصاً قي ظل التغييرات المناخية الحالية.

2- تطوير البرنامج الوطني لمكافحة الآفات الزراعية وخاصةً المحاصيل الاستراتيجية.

3- الاهتمام بالثروة المائية، وهذا يتطلب المزيد من الدعم، فيجب على وزارة الزراعة التعاون مع الموارد المائية السورية وتشكيل لجان مختصة بدراسة الواقع المائي بشكل جيد يساعد باسترجاع القوة الزراعية التي تملكها سورية (سنفرد لها مقالاً خاصاً في عدد قادم من صحيفة (النور)).

4- استصلاح الأراضي وتأمين متطلبات الإنتاج والاستفادة من الخبرات الزراعية وهذا ينعكس بشكل مباشر وإيجابي على وضع الاقتصاد السوري وتحسين أمور اليد العاملة في مجال الزراعة،

5-  إعادة تفعيل دور الزراعة بقوة يمكن أن تعيد لسورية قوتها الاقتصادية التي دمرتها الحرب.

فمن الأهم والمُّلح حالياً وفي القادم العمل على زيادة إنتاجية القطاعات الحقيقية للاقتصاد الوطني السوري وليس فقط على القطاعات المالية والخدمية والمصرفية والسياحية، وإعطاء قطاعي الزراعي والري والصناعة ما يستحقانه من اهتمام، فهما قاطرة النمو الحقيقية لتقدم أي بلد في العالم.

 

سليمان أمين

 

 

سيريا ديلي نيوز


التعليقات