الإحصائيات الدولية والرسمية والمحلية والوقائع كلها تؤكد ازدياد أعداد الفقراء في سورية يوماً عن يوم، وبات الملايين يحتاجون للمساعدة بسبب الغلاء واستمرار السياسات الاقتصادية الليبرالية الإفقارية، وليس المهجرين نتيجة الأزمة فقط.. ومع ذلك تتراجع نسب المساعدات الإنسانية الغذائية الدولية، ولكن حتى هذه المساعدات قسم كبير منها لا تصل لمستحقيها بسب الفساد وتراجع الدولة عن دورها الإشرافي وتوكيل قسم كبير من توزيعها للجمعيات الخيرية.

 

حسب الأرقام المعلنة رسمياً من قبل مديرية الجمارك العامة مؤخراً، والمتداولة إعلامياً:
_ ارتفعت إيرادات مديرية الجمارك العامة إلى 250 مليار ليرة خلال 2017، مقارنة مع 175 مليار ليرة حققتها في عام 2016، بزيادة 75 مليار ليرة.
_ مصالحات الجمارك تدخل واردات للخزينة العامة بنحو 100 مليون ليرة وسطياً كل أسبوع.
عموماً، فإن أرقام الإيرادات المحصلة لصالح الخزينة العامة من قبل مديرية الجمارك العامة لها ثلاثة مصادر رئيسة: عمليات الاستيراد_ عمليات التصدير_ ضبط المهربات.
الميزان التجاري هو الحكم
طبعاً، لا يمكن اعتبار زيادة رقم الإيرادات جراء زيادة عمليات الاستيراد والتصدير وكمياتها حالة إيجابية بالمطلق، إلا من خلال الميزان التجاري الذي يعتبر مؤشراً هاماً على المستوى الاقتصادي، فإما أن يكون هناك فائض في هذا الميزان (إيرادات الصادرات، أعلى من إيرادات المستوردات) وبالتالي فإن هذا الرقم يعتبر إيجابياً، وإما أن يكون هناك عجزاً في هذا الميزان (إيرادات المستوردات، أعلى من إيرادات الصادرات)، وبالتالي فإن هذا الرقم يعتبر سلبياً.
بالإضافة إلى أهمية الكثير من التفصيلات التي لها علاقة بهيكلية الصادرات والمستوردات، والتي لها دلالاتها ومؤشراتها كذلك الأمر.
أرقام وشرور
على مستوى المستوردات، لا بد من معرفة نسبة المواد الأولية المستوردة بالمقارنة مع نسبة المواد نصف المصنعة أو المصنعة بشكلٍ كاملٍ، وغيرها من التفصيلات الأخرى المتعلقة بالنوعية والمواصفة والضرورة والأهمية وموقع المنافسة مع البدائل المحلية وغيرها، كمؤشرات إضافية يتم من خلالها التقييم النهائي لأرقامها.
وعلى مستوى الصادرات، لا بد من معرفة نسبة المواد الخام المصدرة بالمقارنة مع نسبة المواد نصف المصنعة والمصنعة بشكلٍ كاملٍ، ونسبة ما تحمله كل منها من قيمة مضافة، بالإضافة إلى انعكاسات عمليات تصدير بعض المواد على احتياجات الاستهلاك المحلي لها، كنسبة وتناسب، وغيرها من المؤشرات الإضافية لتقييم أرقامها بشكلها النهائي أيضاً.
فزيادة الإيرادات الناجمة عن زيادة عمليات الاستيراد وكمياتها، ليست مؤشراً إيجابياً غالباً، بل ربما تكون محملة بالكثير من الشرور على المستوى الاقتصادي العام، والمعيار الحقيقي لذلك، هو: نتيجة الميزان التجاري السنوي إن كان فيه فائضٌ أو عجزٌ كما سلف، مع الأخذ بعين الاعتبار الهيكلية والمؤشرات السابقة.
أما الأرقام الناجمة عن المصالحات جراء ضبط المواد المهربة (تصديراً أو استيراداً)، وعلى الرغم من تسويقها كمؤشرٍ إيجابي على مستوى تقييم الجهد والنشاط، إلا أنها بالمقابل مؤشر سلبي على مستوى تقييم ضبط المواد المهربة عبر الحدود بداية، باعتبار أن المواد المهربة استيراداً هي الغالبة في عمليات الضبط والمصالحة، خاصة في ظل كثرة البضائع المهربة الواصلة للأسواق داخلاً والمتداولة فيها، والتي تعتبر مؤشراً عن حال الفلتان الكبير الجاري في عملية ضبط الحدود والطرقات، والذي زاد واستفحل خلال السنين الأخيرة، نفوذاً وفساداً، وبذريعة الحرب والأزمة.
الأرقام ومصلحة الكبار
واقع الحال، يقول: إن الميزان التجاري السوري فيه عجز كبير ومزمن، جراء السياسات الليبرالية المعتمدة منذ عقود وحتى الآن، وبالتالي فإن رقم الإيرادات أعلاه، بصيغته المطلقة تلك، والذي يتم تسويقه وكأنه إنجاز، ما هو إلا أحد أشكال التعبير عن الكارثة الاقتصادية، نتيجة الاستمرار بتلك السياسات، والتي يمكن تلخيصها على هذا المستوى بأنها مشجعة للاستيراد ومضرة بالإنتاج بشكل عام.
مع الأخذ بعين الاعتبار، أن عمليات الاستيراد والتصدير الجارية لا تُعنى غالباً بموضوع التفصيلات الهيكلية أعلاه، بقدر عنايتها بمصلحة حيتان الاستيراد والتصدير، وبما تحققه تلك العمليات من أرباح في جيوب هؤلاء، أولاً وآخراً وأهماً.
أما التباهي بأرقام المصالحات على عمليات التهريب فهو طامة أخرى كبيرة، خاصة مع التقدير بأن ما يتم ضبطه من مواد وكميات يعتبر أقل بكثير مما يتم تهريبه استيراداً، والسوق حكم ومؤشر فاصل وعملي على هذه الحال، ناهيك عن النوعية والمواصفة المتدنية.
وبكلتا الحالتين، فإن الأرقام أعلاه كـ «إيرادات»، مع غيرها من الأرقام المعلنة والمتداولة على مستوى عمليات الاستيراد والتصدير والتهريب، ربما تشير بشكل مباشر إلى ما يصب في جيوب الكبار (مستوردين_ مصدرين_ مهربين) من أرباح ولمصلحتهم، على حساب مصلحة البلاد والعباد.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات