الكتابة عن روسيا تثير شؤوناً وشجوناً كثيرة، وقد كتبت عنها مراراً، من منظور كاتب يحاول أن يطرح الأسئلة التي يجب طرحها، لا مدافعة ولا مناهضة. وهذا موجود في مقالات تحليلية نشرتها، مثال المقاربة التي نشرتُها لدى مركز دمشق للأبحاث/مداد بعنوان "التفكير كدريدا والتصرف كـ بوتين"، وعدد من مقالات الرأي التي أنشرها في موقع مركز مداد أو موقع "الميادين"، وكذلك الأمر بالنسبة لعدد من الدراسات والأوراق البحثية والمؤتمرات العلمية التي شاركتُ فيها.

كتبت مؤخراً قراءة بعنوان "بانتظار الجنرال سليماني؟ روسيا إزاء الأزمة السورية، الدوافع والإكراهات"، وهو نص قَرَأَتْهُ وحكَّمَتْهُ قبل نَشْرِهِ هيئةٌ علميةٌ تضم عدداً من العقول اللامعة والجديرة والمشهود لها في هذا البلد المشرقي الجميل، وصدر عن مؤسسة أبحاث تعمل بجدية وعمق ووضوح وتحترم عقول الناس، وأخذت تمثل علامة فارقة في فضاء البحث والكتابة في البلد.
وقد قرأتُ في صفحة رأي بجريدة الوطن (8-3-2018) مقالاً يحاول الرد على ورقتي المذكورة التي صدرت عن مركز مداد بتاريخ (1-3-2018). ولكن المحاولة لم تكن موفقةً إلا في الكشف عن نمط القراءة والتلقي لدى كاتبها، وهو نمط أقل ما يقال عنه أنه ساذج ومشوه، ويبدو أن ورقتي وقعت على صاحب التعليق كما لو أنها وقعت على منظار شديد التّقَعُّر أو شديد التَحَدُّب. ولن أُفصِّل في ذلك. فقد يكون هذا النمط من الكتابة وربما نمط الكتابة السياسية في هذا البلد المشرقي الجميل موضوعَ قراءة نقدية موسعة ومعمقة تصدر لاحقاً.
المشكلة مع النص الذي نشرتُه، ومع أي نص، هي أنه تابع لقراءته وتلقيه، ومهما كان النص كبيراً وعميقاً إذا قرأه عقل صغير سوف يتحول هذا النص الى نص صغير وسطحي! وهذا مما لا يستطيع الكاتب، أي كاتب، حياله أي شيء، إلا أن يحتسب، وخاصةً تجاه هذا النمط من القُرّاء أو الكتّاب الذي ظن أنه ختم العلم، وأنّ بإمكانه أن يتحدث عن الموقف الروسي "الحقيقي"! معرفة الواثق مالك الحقيقة المطلقة، وهل تجد كاتباً في هذا العالم يقول أنه يمتلك الحقيقة المطلقة؟ هذا يحيل إلى أنماط من العطب في الفهم والتلقي.
لا بد من التأكيد أنه ليس لدي أي وهم حيال روسيا أو غيرها، وأقرأ المواقف والسياسات بأكبر قدر ممكن من الموضوعية والتدقيق والتقصي، ولا شأن لي بمحاباة أو مجاملة، ولا التطبيل والتزمير لأحد أياً كان. والمزاودة هنا لا معنى لها، ولا فائدة علمية ترجى منها، وأما الفوائد أو الريوع التي يرتجيها كاتب التعليق المنشور في الوطن، فلا أعلم عنها شيئاً، ولا شأن لي بها ولا بكاتبها. ومن يقرأ الورقة التي كتبتُها والنص الذي أشرت إليه سابقاً عن دريدا وبوتين، لا بد أنه سوف يفهم جيداً ما أقول.
ومن باب التوضيح، فورقتي تتناول الدوافع والإكراهات في سياسة روسيا إزاء الأزمة السورية، وعلى أي قارئ أو كاتب حصيف، أن يتنبه إلى المقولة الرئيسة للورقة، أي الإكراهات، أي حدود وعوائق السياسات، وبحث هذه الأمور ليس حراماً، ولا مخافة منه، وسوف يجد أن ورقتي لم تقلل من أهمية ودور روسيا، ولا يخطر لكاتبها أن يفعل ذلك، لا تجاه روسيا ولا غيرها، إنما أرادت أن تتقصى وتدقق، وتطرح الأمور التي يهجس بها كثير من المهتمين في سورية والخارج، وعندما نتحدث عن الإكراهات فنحن لا نختلق ولا نَتَقَوَّل، إنما نحاول الإضاءة على ما نعده أصلاً في الموضوع، لا فرعاً،  ولا مزاودة، لا مرافعة ولا منافحة.
كلمة أخيرة، ثمة تراث كبير عن أدب الكاتب والكتابة، وطبقات الكتّاب، وقديماً قالت العرب: رحم الله إمرأً عرف حده  فوقف عنده.
 

مركز مشق للابحاث والدراسات - د.عقيل سعيد محفوض

 

سيريا ديلي نيوز


التعليقات