خضر الماغوط
 قيلَ بأنَّه لو كان قرار بناء الأهرامات يوم ذاك متروكاً لمؤسسات وهيئات محلية لكان المشروع حتى الآن على الورق، محشوراً في درج مكتب السكرتيرة الحسناء، بانتظار طلب توقيعه من المدير العام أو من الوزير المختص، الذي سيصدر قراراً بتشكيل لجان للدراسة، ولجان لمطابقة المواصفات، ولجان للتنفيذ، ولجان للإشراف، ولجان لمراقبة عمل اللجان السابقة، ولجان ولجان ولجان، إلى سلسلة لا تنتهي من اللجان، ومن جديد ستعاد أوراق المشروع إلى درج مكتب السكرتيرة لعرضها على المسؤول من جديد.

منذ أن وعيتُ من صغري على تصفح الجرائد حتى الآن، بعد مرور عقود عديدة من السنوات، وأنا أقرأ في صفحات المواضيع المحلية في تلك الجرائد، عن المشاكل والهموم الخدمية نفسها.

 تلك المشاكل والهموم التي يبدو أنه لا علاج لها رغم بساطتها، وهي في الواقع لا تحتاج إلا إلى عمل جدِّي ومتابعة حقيقية من الإدارات والمؤسسات المسؤولة عن متابعتها.

من تلك الأمور وعلى سبيل المثال لا الحصر، مشكلة تحسين مواصفات الرغيف، ومشكلة هندسة وضبط خطوط المواصلات والنقل الداخلي، ومشكلة إشغال الأرصفة، ومشكلة الأعلاف، ومشكلة السماد، ومشكلة الروتين في تسيير المعاملات، ومشكلة وضع الرجل المناسب في المكان المناسب.

تلك القضايا التي يقرؤها القارئ يومياً في الجرائد، إنما يصعب حلها رغم بساطتها، ربما بسبب الضعف أو عدم المتابعة من قِبَلِ المسؤولين المتربعين في المناصب الإدارية بلا اهتمام بوظيفتهم وأهداف إداراتهم.

 طبعاً ليس المقصود بهذا المقال الحديث عن القضايا الكبيرة المهمة التي تعاني منها الدولة، فتلك لها أحاديث في أمكنة غير هذه، بل تعمدت الحديث هنا عن الأمور البسيطة والمستفحلة فقط، تلك التي شغلت الصفحات المحلية من الجرائد، وبشكل يومي منذ صدور العدد الأول منها حتى الآن، بعد مرور أكثر من نصف قرن من الزمن.

لا بد أن البعض ما زال يذكر تلك الواقعة الحقيقية، التي تناقلها الناس حول الوزير الجديد، الذي وجد في أحد أدراج مكتبه قراراً للبدء بتنفيذ أحد المشاريع الحيوية المهمة (ميترو دمشق)، ويعود تاريخ البدء في تنفيذ ذاك القرار
إلى الفترة التي كانت أم الوزير الحالي حاملاً به، ولم يعمل على تنفيذه الوزراء السابقون المتعاقبون على هذه الوزارة، وبالأسلوب نفسه أعاد هذا الوزير القرار إلى الدرج الذي كان فيه، ليتركه ورثة لمن سيأتي بعده من الوزراء مستقبلاً.

أقرب مثال على عدم اهتمام الإدارات والوزارات ومتابعتها لعملها وبكل بساطة، يوم قررت وزارة التموين تخفيض أسعار بعض المواد المحددة، فقام التجار والمنتجين بإخفاء هذه المواد، وصرنا نشتريها من السوق السوداء بزيادة عن السعر المحدد بعدة أضعاف.

هكذا يتمُّ التعامل مع القرارات والتعليمات التي أغلبها ما يُتَّخَذْ في جلسات واجتماعات ومهرجانات دورية تقليدية إعلامية استعراضية كمظهر تمثيلي لنشاط هذه الإدارة أو تلك، أو هذه الوزارة أو تلك، ثم تصنف القرارات في الأدراج، بعد أن يصنع منها الإعلام المحلي طنة ورنة، ومن ثم تُنسى وتهمل تلك القرارات سهواً أو عمداً، لسبب لا يعلمه حتى العالمون في بواطن الأمور
ولا يكون السبب إلا الإهمال، وعدم الأهلية للمنصب، وقضاء وقت المسؤولين في متابعة الحصول على المنافع الشخصية من إداراتهم، على حساب إهمال المصالح العامة للدولة والمجتمع، وأظن أن كل الحق واللوم يقع على السكرتيرة الحسناء
التي تجعل المسؤولين يهتمون بنوعية أدوات الزينة ووسائل التجميل التي في درج مكتبها، أكثر من اهتمامهم بالقرارات المصنفة والمركونة في زوايا مهملة من هذا الدرج نفسه. وربما صار من المفروض أن تصدر الجهات العليا قراراً حاسماً ونافذاً فوراً بأن تكون السكرتيرات غير جميلات، ربما يتفرغ المسؤولون لمتابعة بعض القضايا والقرارات المصنفة في الأدراج.

النور

 

 

سيريا ديلي نيوز


التعليقات