رغم المؤشرات الإيجابية لقطاع الصناعة، من حيث توسع عدد المنشآت في القطاع الخاص بنسبة 82% بين عامي 2016- 2017، كما نما الناتج الصناعي العام بمعدل نمو 6,7% خلال الفترة ذاتها تقريباً، وتوسع وصول الطاقة للمعامل، وتوقفت عملية التدهور الصناعي السريع خلال سنوات الأزمة. ولكن المعارك ونقص الطاقة لم تكن يوماً العدو الألد للصناعة السورية، بل إن المنافسة غير الشريفة مع الاستيراد السهل، ومحاباة القرار الاقتصادي للتجارة هو المعضلة الأصعب.

خلال أسبوع واحد، ثلاثة أنواع من الصناعات السورية التي لا تزال عاملة، توجه نداءات لأصحاب القرار بالمنع والرفض، بأن يوقفوا منافسة بضائعهم، وأن يقدموا لهم حماية تجارية على الأقل، رغم أن المطلوب دعم للتكاليف وليس منع استيراد فقط…

السيراميك معامل متوقفة ومنتجات مكدسة

يبلغ عدد منشآت صناعة السيراميك والغرانيت والأدوات الصحية والخزفية 22 شركة مرخصة في سورية، يعمل منها حالياً 9 منشآت فقط، والباقي متوقف، وتشير تقديرات أخيرة إلى أن المعامل العاملة فعلياً هي ستة بعد توقف ثلاثة معامل في الآونة الأخيرة. بعض المعامل متوقف بشكل نهائي كما في شركة الريف وإشبيليا وسيسيكو، وبعضها الآخر لا يعمل بطاقته الكلية، كما في شركة بلقيس، التي تشغل خط إنتاج واحد من أصل أربعة خطوط إنتاج، وأيضاً يتباطأ الإنتاج في معمل زنوبيا الذي وسع أعماله إلى حد كبير في المرحلة الماضية، ولكن وفق تقديرات، فإنه من أصل 18 خط إنتاج تعمل 5 فقط، وتتكدس المنتجات فيه كما في غيره. ويجمع الصناعيون على أن السبب الحاسم في التوقف الحالي هو: السماح باستيراد المنتجات المثيلة منخفضة التكلفة، والمدعومة من دولها.

غرفة صناعة دمشق وريفها، وجهت كتاباً للحكومة منذ شهر 11- 2017، تطلب فيه بوقف استيراد المنتجات المماثلة، مع إمكانية السماح باستيراد المقاسات والأنواع التي لا تنتجها المصانع الوطنية، أي: المطالبة بحماية تجارية. كما أشار رئيس اللجنة، إلى أن تحدي الاستيراد يسبقه تحديات أخرى مثل: ضرورة تخفيض أسعار المواد الأولية ورسومها المستجرة عن طريق المؤسسة العامة للجيولوجيا، وأسعار حوامل الطاقة، وتحدث أيضاً عن ضرورة إيصال خط الغاز إلى المنطقة ذات الكثافة الصناعية في الكسوة، وخصوصاً لقربها من دير علي حيث يصل خط الغاز، ومع الحديث عن إيصال خط غاز إلى منطقة المشروع 66 الاستثمارية العقارية.

الطاقة الإنتاجية للمعامل تبلغ 44 مليون متر مربع من السيراميك، و 740 ألف متر مربع من النعلات والأميال، وأكثر من 335 ألف قطعة صحية خزفية مختلفة، ومع هذا فإن هذه القدرات الإنتاجية التي تكفي لسد حاجات السوق المحلية كما تشير غرف الصناعة، فإن الاستيراد مستمر، ويهدد هذه الصناعة وأكثر من 5 آلاف عامل قد يتم فصلهم!

القطاع النسيجي جدل لا ينتهي

يستمر كذلك السجال بين الصناعة النسيجية، وبين الحكومة، حول تشميل الأقمشة بمرسوم الإعفاء من 50% من الرسوم، واعتبرها مدخل إنتاج، الأمر الذي أضر كثيراً بصناعة النسيج السورية. وفي آخر زيارة للحكومة إلى حلب، لم يتم التوصل إلى تفاهم بعد، وقد طالب الصناعيون بأن يتم تفصيل المشكلة للوصول إلى حل. فيجب ألّا تعد أقمشة الستائر والمفروشات والسجاد مدخلات إنتاج، وبالتالي يجب أن يمنع استيرادها لمدة على الأقل، حتى تستعيد صناعتها قدراته الإنتاجية والتصديرية، ولا تتوقف ورشها ومعاملها. ومن جانب آخر طالب الصناعيون، بأن تخفض أسعار الغزول بحدود 20% لدعم مئات المنشآت التي تستخدم خيوط الغزول، بما يجعلها قادرة على تأمين حاجة السوق، وتخفيض أسعاره، وتقليل استيراد الأقمشة القطنية. وأخيراً، السماح باستيراد الأقمشة التي لا تنتج محلياً، وبأسعار استرشادية للصناعيين، ما يجعل صناعة الألبسة منافسة للمستورد، وأكثر عوائد تصديرية.

وقف استيراد السليكات

كذلك الأمر في الصناعة العامة، حيث طالبت الشركة العامة للصناعات الزججاجية والخزفية، الجهات الحكومية، وخاصة وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، ووزارة الصناعة، بضرورة وقف استيراد مادة السيليكات التي تؤثر سلباً على إنتاج الشركة من هذه المادة. وبالمقابل دعم هذه الصناعة لتستطيع أن تخفض من تكاليفها، وتصبح أكثر جدوى من المستورد. وأيضاً أكد مدير عام الشركة: أن لديها القدرة على تأمين حاجة السوق المحلية من المادة، ووفق المواصفات والمقاييس الدولية وبالأسعار المناسبة، ولكن بشرط وقف الاستيراد، ودعم جزءٍ من التكاليف. والمسألة تتطلب تشغيل فرن السيليكات بالغاز الطبيعي، وتوفيره بصورة مستمرة، ودعم حوامل الطاقة، ما قد يخفض كلف الإنتاج، ويحقق ريعية كبيرة لتشغيل الفرن، وتصنيع المادة، بأسعار أقل من المستورد.

مشيراً أيضاً، إلى أن الشركة تخسر ملياري ليرة سنوياً من عمليات الاستيراد، ويمكن تعويضها بتشغيل الفرن بالشكل المجدي اقتصادياً، أي: بإيصال الغاز الطبيعي للشركة، وبصورة مستمرة.

تقول التصريحات الحكومية: أن إنتاج الطاقة محلياً قد تضاعف بنسب كبيرة خلال الفترة بين نهاية 2016- 2017 فإنتاج النفط ازداد بنسبة 1000%، وإنتاج الغاز الطبيعي بنسبة 128%! ومع ذلك فإن هذا لم يشكل أي حافز حكومي لتخفيض أسعار حوامل الطاقة على الصناعات التي تحاول جاهدة أن تستمر، وبالمقابل فإن التجارة تتوسع وتزداد إجازات الاستيراد، وتتوسع حدود السماح باستيراد المواد، حتى التي تنافس الصناعة المحلية منها. وفي المقابل لا يخجل أحد من تكرار التصريحات والشعارات الفارغة حول دعم الصناعة الوطنية!

قاسيون

سيريا ديلي نيوز


التعليقات