طيور الحمام وسط العاصمة دمشق ترسم  لوحات فنية جميلة في سماء المدينة وتحديداً في الساحة المقابلة للمهد الأمامي لجامع بني أمية الكبير، حيث تتزاحم تلك الطيور التي استوطنت منذ القدم في تجاويف وجدران هذا الجامع والساحات الخارجية للحرم الأموي، وباتت مع مرور السنوات الأكثر تجمعاً للحمام وطيرانه، بينما اتخذت من بعض الأبنية المحيطة كنوافذ سوق الحميدية أبراجاً لاستراحتها بعد عناء الطيران.
ومن باب الحرص على عدم تناول الطيور لكل ما يلقى أمامها وكسب الرزق، فتح المهتمون بالحمائم بسطات تبيع أكياس القمح للزائرين مع اهتمام قلَّ نظيره بحمامات باتت تجتمع مع من يطعمها ويعتني بها بصداقة متينة.
ووفق زكي النابلسي صاحب محل جانب الجامع الأموي فإن هناك بائع قمح يتخذ من إحدى الزوايا في الساحة مكاناً دائماً له تأتي إليه الطيور فرادى وجماعات وكأنها تعرفه، وهو الذي يتردد على هذا المكان منذ أكثر من عشر سنوات، في ثقة مطلقة يحاول الطرفان أن يحافظ على استمراريتها ودوامها طالما الحياة مستمرة.
ويشير النابلسي الذي يرصد من موقع محله أن طيور حمام الأموي باتت تتعرض في الآونة الأخيرة لاعتداء جائر من خلال صيدها من مجهولين غير آبهين بالأنظمة والقوانين، التي تحد من منع الصيد وتنص على حماية الحيوانات والطيور البرية من خطر الانقراض.
وينوه  المشرف العام للجامع الأموي عصام سكر إلى أن حمائم الأموي ليست كغيرها من الحمائم، أو حمائم السلام كما يسميها الدمشقيون بل السوريون ككل، فهو يدون حكاياته مع مصلى الجامع الأموي منذ أن تم بناء الجامع في عام 705 م على يد الوليد بن عبد الملك بن مروان.
وأكد سكر في تصريح خاص : تكاثرها المضطرد لم يحولها إلى طائر هجين، ولونها الرمادي مع زرقة خفيفة عند العنق هي ذاتها في جميع سلالاتها أينما كانت، فلا تختلف حمامة عن أختها على الإطلاق سواء في الحجم أو الشكل أو اللون كما لا تختلط أيضاً بغيرها من أنواع الحمام.
وطواف الحمام الأكبر في محيط الجامع الاموي، وفي ساحة المرجة، فالبعض منه يجوب فضاء دمشق ليتلمس الرزق خاصة في الساحات الخارجية للحرم الأموي الذي يعتبر أكبر تجمع لطيور الحمام في دمشق، فقد انتشر هذا النوع من الحمام بداخل دمشق بالذات وأصبح عددها كبيراً إذ يقدر بالآلاف.
وهذا ما ترك معاناة كبيرة لدى العاملين في المسجد، حيث تقدر كمية روث طيور حمائم الأموي يومياً بــ 1000 كغ، وهذا ما حدا بالإدارة المشرفة على الجامع –والكلام لسكر- أن تطلب من محافظة دمشق ترحيل تلك الطيور إلى الحدائق والمحميات الطبيعية، إلّا أن المحافظة لم تستجب إلى نداءاتنا وظلت معاناتنا قائمة حتى هذه اللحظة.
ويلاحظ كل من يزور ذاك المكان كيف أن إدارة الجامع تقوم بواجب الضيافة لحمائم الحرم الأموي وذلك بتنظيف أبراج إقامتها.
ونوه  المشرف الإداري على الجامع خالد عيسى إلى أنه يتم يومياً تقديم ما يقرب من 15 إلى 20 كغ قمح من إدارة الجامع كواجب ضيافة لتلك الطيور، بالإضافة إلى كميات القمح المقدمة من المواطنين والتي تصل في بعض الأحيان إلى 300 كغ يومياً.
وأكد عيسى حسب الايام أن عمال النظافة يقضون يومياً أكثر من 4 ساعات وهم يقومون بغسل حرم الجامع، لإزالة مخلفات الحمام، ما يستنفد جهداً كبيراً بالإضافة إلى رش الجامع بالمبيدات للمحافظة على نظافته خوفاً من نقل الأمراض التي يكون الحمام سبباً مباشراً في نشرها، منوهاً الى أن مساحة الجامع تبلغ 15 ألف متر مربع وإن عدد العاملين فيه 300 عامل.
فيما أشار فضيلة الشيخ مأمون رحمة خطيب جامع بني أمية الكبير إلى أنه من المعروف لدى الناس وهي شبه عقيدة تتشبث بأذهانهم ونفوسهم أن الطير هو دائماً يرمز إلى السلام والمحبة، ونحن في "الأموي" بشكل خاص وفي مدينة دمشق بشكل عام نجد أن طيور الحمام لا تغادر هذا المكان منذ مئات السنين.. وهذا فأل خير كما يقولون.
وأضاف: إن الشيخ عبد الرزاق الحلبي المدرس الديني سابقاً في المسجد عمل جاهداً على إخراج هذه الطيور من الجامع لأنها تسيئ من خلال مخلفاتها، لكنه لم يستطع صراحة وقال حينها للناس "من يريد أن يطعم الطيور ليكن في صحن الجامع حتى تخرج الطيور من الحرم إلى أروقته في ساحة المسكية"، وهكذا تم الأمر وعلى الرغم من ذلك مازالت الطيور تعشعش على مآذن الجامع وفي أكنافه وفي الأماكن التي تأنس وتأمن إليها، حيث تأوي بعد أن تغرب الشمس بعد كل عصر وتعتبر المكان مناسباً للسكن لها ومع كثرة أعدادها كان هذا المأوى مناسباً لها، وهذه الظاهرة التي نراها في دمشق وخاصة في الجامع الأموي، فكل الناس يأنسون لهذه الطيور حتى إن النساء يأتين بأطفالهن لكي يشاهدوا طيور السلام والمحبة والصفاء، فالطفل عندما يأتي إلى المسجد المبارك يأنس بأمرين سعة المكان ورحابته والأمر الآخر رؤيته لطيور الحمام التي تأنس وتتودد إليه، وتمنى رحمة إيلاء هذه الطيور الاهتمام والرعاية وفي ذات الوقت المحافظة على نظافة الجامع.
 من ناحيته المذيع جمال الشيخ بكري الذي يقدم منذ 34 عاماً برامج دينية كمذيع ناقل لوقائع صلاة الجمعة من رحاب مسجد بني أمية الكبير وليالي السحر في رمضان ومناسبات دينية مختلفة قال خلال تسجيل برامج دينية للقناة الفضائية نور الشام: "لقد كنا نأتي إلى الجامع منذ نعومة أظفارنا لمشاهدة هذه الطيور الجميلة الرائعة برفرفة أجنحتها وهديلها"، ونرى كيف يكون احترام الناس لها، من الطفل الصغير إلى الشيخ الكبير، عندما يقومون بشراء الحبوب من أجل إطعامها لطيور الحمام الأموي. معتبرين ذلك قرباناً لمن يطعم الطير.
والملاحظ أن لا أحد يعمل على إيذاء هذه الطيور لإيمانهم بأنها مكرمة عند الخالق وهي من طيور الجنة، فالجامع الأموي له خصوصيته وقدسيته وتزداد بوجود طيور الحمام في رحابه.
فيما يقول عبد الستار حمزة طالب يمني يدرس في سورية: عندنا في اليمن كان أجدادنا ومازالوا يقومون بأوقاف خاصة وهذه الأوقاف بجلب الحبوب والغلال لمصلحة حمام المساجد أينما كانت.
إقبال المصلين على ذر الحبوب وطرحها لإطعام طيور الحمام تحول عند البعض وخاصة خلال أوقات الصلاة إلى تجارة رابحة، حيث يباع كغ القمح بــ 500 ليرة، وهذا ما يدفع بالبعض إلى جمع الحبوب بأكياس كلما تكاثرت في الساحة الخارجية للجامع ليصار إلى بيعها مرة ثانية لمن يرغب بإطعام الحمام ويجري ذلك أمام الجميع.

 

سيريا ديلي نيوز


التعليقات