مشكلة السكن العشوائي من المشاكل المتعمقة وعمرها عشرات السنين  لم تستطع الحكومات المتعاقبة إيجاد الحلول المناسبة لها لأسباب موضوعية غالباً ما ترتبط بالظروف المادية والاجتماعية التي فرضت التعاطي مع المشكلة على أساس تخديم هذه المناطق وليس استبدالها بمساكن ومناطق منظمة وعدد هذه المناطق 160 منطقة سكنية عشوائية في سورية تنتظر القوننة والتنظيم وتوفير أدنى مقومات الحياة الاجتماعية والصحية والخدمية وحتى شروط السلامة العامة.
وأمام الآلية الغريبة  التي اتبعتها الحكومات التي كرست وجود هذه المناطق وعدم الاستجابة لحل هذه المشكلة تزايد عددها وأصبحت معضلة اجتماعية، تحتاج إلى حلول جذرية تتطلب إمكانات مادية وموازنات خاصة لا تتوافر في الوقت الحاضر.
و لكن المشكلة أمر واقع بحكم الظروف المتعلقة بالمواطنين والدولة على السواء وبحكم ضغط الحاجة، أي حاجة المواطن للسكن وتدني المستوى المادي الذي فرض عليه التوجه إلى تلك المناطق.
هذه المشكلة تفاقمت وازدادت بشكل غريب وزاد من خطورتها تدني مستوى الخدمات المرتبطة بالصحة العامة ومشكلات المياه والكهرباء والصرف الصحي ومشكلات التدريس والمخالفات الشخصية وغيرها من المشكلات التي جعلت من بيئة السكن العشوائي مصدر قلق للحكومات من دون أن تقدم الحلول المطلوبة..!
وبجولة على   عدد من مناطق السكن العشوائي وباستطلاع  آراء القاطنين هناك بشأن الخدمات المقدمة لهم الذين أجمع أغلبهم على سوء الخدمات وتقصير البلديات حيث انتقد المواطن إبراهيم إبراهيم المقيم في عش الورور إهمال وتقصير البلدية الواضحين، فأغلب الخدمات غير متوافرة ورغم المطالبات المستمرة «لاحياة لمن تنادي» الكهرباء على سبيل المثال، هناك نظام للتقنين لساعات تفوق ساعات التقنين في مدينة دمشق، إضافة إلى كثرة الأعطال وصم آذان الطوارئ فالمركز دائماً خطه مشغول ولا يرد على اتصالات المواطنين المتكررة.
أما حول شبكة الصرف الصحي فحدث ولا حرج، لا توجد شبكة نظامية للصرف الصحي إلا على الشارع الرئيس فقط، وهناك محاولات سابقة من الأهالي لإنجاز شبكات خاصة بهم بطرق عشوائية وبدائية ورغم الوعود نلاحظ دائما تردد المعنيين بتنفيذ شبكة للصرف الصحي، وهذا الأمر منذ سنوات، لكن حتى الآن لم نر شيئاً على أرض الواقع.
المواطنة هدى علي قالت : يوجد لدينا مستوصف صحي واحد لكنه يعاني نقص الكادر الطبي والأدوية الضرورية وخاصة أدوية الأمراض المزمنة، مثل القلب والسكري، التي لا تكفي حاجة السكان وخاصة مع ازدياد عدد القاطنين في الحي وقدوم أعداد كبيرة من المهجرين.
أما المشكلة الاكبر فتكمن في النقص الكبير بوسائل النقل، إذ يقول الطالب محمد: يومياً أتأخر عن الجامعة بسبب المواصلات وانتظر ساعات حتى أحظى بوسيلة نقل، وأضاف إن أغلبية السرافيس التي كانت تخدم خط عش الورور تحولت إلى وسائط لنقل طلاب المدارس ما زاد في معاناتنا وخاصة أوقات الذروة في الفترة الصباحية وعند الظهيرة، وهناك وسائط نقل خاصة تعمل بشكل مخالف عبارة عن فانات مغلقة مخصصة لنقل البضائع، لكنها تحل مشكلة كادت تكون مزمنة على أنها لا تصل إلى نهاية المنطقة السكنية ما يضطرنا إلى متابعة سيرنا مشياً على الأقدام، ويتدخل في الحديث المواطن منذر قائلاً: نعاني في المنطقة، وهي جبلية كما تعرفون، من طرقات شديدة الانحدار، ونحن مقبلون على فصل الشتاء وأغلبية الحارات والأحياء غير معبدة بالإسفلت وهناك مخاطر من الانزلاق مع هطول المطر، إضافة إلى انعدام شبكة الصرف الصحي وتحول الطرقات إلى برك من الطين والوحل وخاصة بالنسبة إلى طلاب المدارس.
أما بقية الحارات والشوارع فهي أزقة تضيق وتتسع حسب التعديات الحاصلة عليها والتزفيت فيها غير ممكن إلا بأدوات وطرق يدوية.
والمحافظة عبدت العام الماضي جزءاً من الخطط المتراكمة التي أقرتها لجنة الحي وهناك مشروع جديد سلمته للمتعهد، لكنه يحتاج لتعديل أمر المباشرة، لكونه يحتاج إلى تعبيد وتزفيت فقط.‏
في دف الشوك لا تختلف معاناة القاطنين هناك عن معاناة القاطنين في عشوائيات عش الورور أو حي 86 وهناك سوء في الخدمات المقدمة للحي بشكل عام، وخاصة الكهرباء فالأعطال بالجملة والتجاوزات بلا نهاية، حيث يرى المواطن مروان عبود أن مشكلة الكهرباء لا تنتهي فالأعطال كثيرة ومتنوعة وكل يوم تظهر مشكلة تزيد من هموم الناس وحالة العجز التي يعانونها حيث مركز التحويل معطل منذ سنوات، فالحي بحاجة إلى إصلاحات شاملة ولا توجد اعتمادات.
بالاضافة الى ذلك  معاناة أهالي حي 86 لا تختلف كثيراً عن بقية مناطق السكن العشوائي حيث أجمع عدد من المواطنين في حي 86 شارع أبو عماد الحداد على أن الشارع بحاجة إلى تعبيد منذ سنوات ورغم وعود البلدية بتزفيته كاملاً على شكل بساط أكثر من مرة لكنها كانت في كل مرة تكتفي بترقيعه فلم يكن الزفت كاملاً، الأمر الذي جعل الحفر التي تملأ الشارع على حالها لتصطاد المارة والسيارات في شراكها، وتالياً معاناة سحبها وإلحاق الضرر بها.
وتساءل الأهالي عن سبب قيام المحافظة بتزفيت الشوارع أمام محلات بعض التجار هناك من دون غيرهم على (مبدأ يلي معو شو يمنعو) ،ونوه  الأهالي إلى وجود حارة فرعية صغيرة في الشارع نفسه زفتت بالكامل، وعند مراجعتنا مدير الخدمات في محافظة دمشق وعدنا بتزفيت الشارع كاملاً بسبب الحركة المرورية الكبيرة فيه، وبأن قلة الزفت هي التي تتحكم بهم.
وأكدت  المواطنة سميرة خضور: إن القمامة في الحي باتت مشكلة تستوجب الحل وتؤرق الأهالي فقد بتنا نجدها مكدسة في كل مكان وساعات طويلة في الشوارع كما في معظم شوارع المخالفات.
المواطن ثائر الأحمد من سكان منطقة المزة 86 قال: يعود تكدس القمامة إلى عدم قدوم سيارة ترحيل القمامة، وعزت البلدية تقصيرها إلى نقص عدد العمال وقلة سيارات الترحيل أو قدمها إذ تجاوزت عمرها الافتراضي، ما يؤدي إلى كثرة تعطلها، إضافة إلى مشكلة أخرى تعانيها شوارعنا ضيق كبير في الساحات ما يؤخر عملية الترحيل ويسبب تالياً وجود القوارض والحشرات الضارة التي تنقل الأمراض.
ويؤكد  المواطن زهير صقر إلى أن مشكلة فيضانات الصرف الصحي تحولت إلى معاناة يومية نتيجة الروائح الكريهة التي تنبعث منها وتحولها إلى مرتع خصب للحشرات والقوارض التي تدخل المنازل وتخرب الأثاث وتنشر الأمراض، والغريب أن المحافظة تتجاهل الموضوع وكأن الأمر ليس من مهامها، رغم المطالبات المتكررة للأهالي ومعرفتها واهتراء شبكة الصرف الصحي، وحتى الآن لم يتم استبدالها بشبكات أوسع لتستوعب الضغط الناجم عن زيادة السكان.
المحامي فيصل سرور -عضو المكتب التنفيذي لقطاع الموازنة والبرامج والتخطيط في محافظة دمشق أكد أن ظاهرة العشوائيات موجودة في كل أنحاء العالم، فهي موجودة في فرنسا والمغرب وتونس ومصر وغيرها من البلدان العربية والأوروبية.
 ولكن في سورية وفي محافظة دمشق فإن الخدمات التي تقدم للمناطق العشوائية لا توجد في أي محافظة أخرى أو حتى دولة أخرى في العالم.
وأكد  سرور: خلال اليومين الماضيين قمنا بزيارة إلى حي الورود العشوائي حيث يقطن هناك ما يقارب 500 ألف نسمة، ولاحظنا التمديدات العشوائية للصرف الصحي التي مددها الأهالي هناك التي تحتاج إلى خطة تغيير واستبدال كبيرة، مع العلم بأنه يوجد خط رئيس للصرف الصحي في العشوائيات، لكن الأهالي يركّبون التمديدات بطريقة خاطئة ويعملون حفرة فنية ويقومون بوصل التمديدات إليها الأمر الذي يزيد الوضع سوءاً «ومن ثم يطالبون المحافظة بإيجاد حل ونقل الصرف الصحي من الحفرة الفنية إلى الخط الرئيس وهذا الأمر صعب ومكلف، وثانياً الصرف الصحي بحاجة إلى خطة تنظيمية، فالمحافظة لا تستطيع العمل في أرض ذات ملكية خاصة أو لا تعود ملكيتها إلى محافظة دمشق وتتبع إلى جهات حكومية أخرى مثل التربية، الإسكان، الزراعة…..الخ.. وتابع سرور: لو أن الأهالي أكملوا التمديدات إلى الخط الرئيس لما كانت هناك مشكلة.
وأشار  سرور إلى أن أساس العشوائيات هو مخالفات عمرانية وليس من المفروض أن تقوم المحافظة بتخديمها لكونها بنيت من دون علم المحافظة ومن دون العودة إليها، ومع ذلك قدمت المحافظة الخدمات الأساسية، حيث لا يوجد منزل في مناطق السكن العشوائي لا توجد فيه الكهرباء والمياه والهاتف والتي تشكل الخدمات الأساسية للعيش وهي متوافرة في كل الأحياء، ولفت سرور إلى أن الخدمات الأخرى مثل الإنارة وإزالة الإشغالات تعمل المحافظة على معالجتها والقيام بحملات لإزالة إشغالات الأرصفة التي أحدثها سكان الأحياء العشوائية بمساعدة الجهات المعنية لكن سرعان ما تعود بعد فترة وجيزة من إزالتها، وقدَّم سرور مثالاً على ذلك، الساحة الموجودة في حي الورود التي تحولت إلى ساحة لركن السيارات والسرافيس حيث تم إعداد مذكرة إلى محافظ دمشق من أجل تحويلها إلى ساحة دائرية وزراعتها بالنباتات والأزهار لمنع وجود الإشغالات فيها.
وحول  تعبيد الطرقات في مناطق السكن العشوائي أوضح سرور حسب تشرين  أنه خلال الأعوام الستة الماضية عانت المحافظة من عدم توافر مادة الزفت المخصص لتعبيد الشوارع، نتيجة الحرب لكن هذا العام تم تأمين الزفت وكانت الأولوية، للعشوائيات، وقد خصص لكل بلدية 15-20 طناً من الزفت ويتم التزفيت حسب الأولوية بدءاً من الشوارع التي تمر منها المواصلات ثم الشوارع التي توجد فيها خدمات للأهالي، منوهاً بأنه لن يتم تزفيت كل الأحياء، مع العلم  أنها معبدة لكنها قديمة ومهترئة، وسوف تقوم المحافظة بتزفيت الطرقات قدر الإمكان، ونوه سرور بأن هناك اهتماماً كبيراً من قبل محافظ دمشق بالعشوائيات ويتم تخديمها ضمن خطة المحافظة التي يضعها أعضاء مجلس المحافظة الذي يضم هو بدوره أعضاء من مختلف الأحياء، ومن بينها أحياء السكن العشوائي وبالتأكيد يتم لحظ الخدمات التي يحتاجونها.
وبين  أن لدى المحافظة خطة خدمية ترصد لها مبالغ كبيرة، إضافة إلى خطة الطوارئ وتبلغ موازنة محافظة دمشق 11 مليار ليرة و600 مليون في السنة تم رصد 10% منها للطوارئ و70% من خطة الطوارئ للعشوائيات أي أن هناك حوالي 800 مليون ليرة للعشوائيات رغم المبالغ المرصودة لهذه المناطق ضمن الخطة الخدمية التي لا يتم فيها ذكر العشوائيات إنما يتم تحديد الأحياء بشكل عام، على سبيل المثال تعبيد الطرقات في نهر عيشة وهذا يشمل بيادر نادر، أو تزفيت شوارع برزة وتشمل عش الورور، أو الميدان وتشمل دف الشوك، وأضاف: بلغت قيمة المبالغ التي صرفت على تخديم مناطق السكن العشوائي مليار ليرة من بداية العام الحالي.
وحول  تعزيل المطريات، أشار سرور إلى أنه تم البدء بتعزيل المطريات وصيانتها في مناطق السكن العشوائي ومنها حي الورود وتم إرسال ورشة إلى وادي المشاريع وجبل الرز في دمر من أجل تعزيل المطريات، هناك لتكون جاهزة قبل موسم الأمطار، وسيتم تباعاً تعزيل كل المطريات في مختلف المناطق، وختم سرور بالقول: الخدمات التي تقدم لمناطق السكن العشوائي لا تختلف كثيراً عن خدمات المناطق المنظمة علماً أنه بالقانون نحن، كمحافظة، مكلفون بتقديم الحد الأدنى من الخدمات الكافية للمعيشة لهذه المناطق لكونها مخالفة ومع ذلك تقدم لهذه المناطق خدمات أكثر من حقها لكن الأهالي لا يتعاونون مع المحافظة.
الهيئة العامة للتطوير والاستثمار العقاري في وزارة الأشغال العامة بيَّنت، وعلى لسان الدكتور أحمد الحمصي، مدير الهيئة أنه نتيجة الهجرة من الأرياف إلى المدن لأسباب متعددة، أهمها البحث عن مصادر الرزق وعدم وجود الإنماء المتوازن نشأت مشكلة السكن العشوائي التي تعانيها البلاد منذ عقود وكانت هناك محاولات لوضع حلول مناسبة.
ولهذا، أوضح الحمصي، تم تشكيل لجان مهمتها إحداث هيئة أو مؤسسة لمعالجة مناطق السكن العشوائي في القطر ولدى العرض على لجنة الخدمات والبنى التحتية في رئاسة مجلس الوزراء ارتأت تكليف الهيئة العامة للتطوير والاستثمار العقاري بمعالجة هذا الملف، وتم تشكيل لجنة قانونية فنية من العديد من الجهات لتعديل القانون 15 لعام 2008 وإعطاء حيز مناسب لمعالجة مناطق السكن العشوائي وحل الإشكاليات المتعلقة بها، فنياً وقانونياً ومالياً، بما يضمن حقوق الجميع وفقاً لثوابت تقدم للجهة الإدارية عبر اللجان المختصة وتم إنجاز مقترح القانون وإعداد رؤية المعالجة التي حددت الأولويات وطرق المعالجة واللجان الواجب مشاركتها في أعمال الجرد والإحصاءات وتأمين الحقوق لأصحابها في هذه المناطق والقانون في مراحله الأخيرة للإصدار.
وأكد  الحمصي أن صدور التعديل للقانون 15 من شأنه المساهمة في البدء بالسير في طريق معالجة مناطق السكن العشوائي مع ضرورة تضافر الجهود بين الهيئة والوحدات الإدارية التي ستكون شريكاً أساسياً في عملية المعالجة وخاصة للأمور الإحصائية والسكانية حجر الأساس الأول للعمل،بالإضافة الى ذلك إيقاف نمو هذه المناطق العشوائية أمر ضروري من قبل الجهات المختصة لأن عدم إيقاف هذا الانتشار يشكل العائق الأكبر للمعالجة.

 

التعليقات