بنظرة على أسعار الألبسة الجاهزة في الأسواق، يظن من يشاهدها وكأن  حدود الدخل الشهري لأي مواطن تتجاوز 300 ألف ليرة.
في سوق الحمرا بدمشق، كما في غيره من أسواق الألبسة الأخرى، لم تعد هناك من دهشة بالأسعار المشاهدة على واجهات المحال، النسائية أو الولادية والرجالية، فجميعها متقاربة في ارتفاعها المجنون.
فعشرات الآلاف المسجلة على أية قطعة أصبح أمراً عادياً، لكنه من دون شك غير طبيعي بالمقارنة مع الدخول ومستويات المعيشة، وهو ما يوصل للجنون الحقيقي.
على سبيل المثال البلوزة النسائية يتراوح سعرها بين 5000 ليرة بالحد الأدنى في الأسواق الشعبية، وحتى في البالة، وصولاً إلى مبلغ 50000 ليرة في بعض المحال الراقية.
ربما يقول قائل: إن هناك فارقاً بالنوعية والجودة والتفصيلة، إلا أن واقع الحال يقول: إن الأسعار لا علاقة لها بهذه الحيثيات على ما يبدو لا من قريب ولا من بعيد!
فـ «حتى تلك المسعرة بعشرات الآلاف لا تجدها بالجودة المطلوبة، ولا فيها الكثير من الجهد بالتفصيلة، كما لا توجد فيها إكسسوارات إضافية»، كما قالت إحدى السيدات، مضيفة: «بأن الذوق كذلك أصبح معدوماً في بعض الأقمشة والتفصيلات».
الجاكيت النسائي تبدأ أسعاره بـ 25000 ليرة وتصل إلى أكثر من 70000 ليرة، وفي بعض المحال يتجاوز سعره الـ 100000 ليرة، أما كيف ولماذا فلا تسأل عن ذلك فحاله كحال غيره من الألبسة؟!
أما الحديث عن فساتين السهرة، أو فساتين الأعراس، فحدث بلا حرج، فتلك أسعارها فلكية تبدأ من 50000 ليرة وصولاً لمئات الآلاف، وفي بعض المحال التي تتعامل بإيجار هذه النوعية من الملابس، فليس مستغرباً أن يطلب بدل إيجار فستان العرس مبلغ 200000 ليرة، ولليلة واحدة فقط لا غير طبعاً.
الكنادر النسائية كذلك الأمر، تبدأ أسعارها بـ 8000 ليرة، وصولاً إلى مبلغ 30000 ليرة، وربما أكثر في بعض المحال، والجزادين النسائية تبدأ من سعر 5000 وصولاً إلى مبلغ 30000 ليرة.
الألبسة الرجالية ليست استثناءً، فبنطال الجنز سعره بحدود 8000 ليرة، والقماش قد يصل لحدود 30000 ليرة، والقميص بين 7000 و 20000 ليرة، أما الأطقم فسعرها يترواح بين 30000 و مئات الآلوف، وكذلك هي حال الأحذية الرجالية التي تبدأ من سعر 8000 وصولاً لعشرات الآلاف.
الاستثناء غير المسبوق في السوق هو: استمرار ارتفاع أسعار ألبسة الأطفال بشكلٍ لافتٍ بالمقارنة مع أسعار مثيلاتها من ألبسة الكبار، فأسعار هذه الألبسة لا تختلف عن أسعار ألبسة الكبار، فهي بالغالب بعشرات الآلاف، لكن ما يميزها ربما هو: المزيد من الإكسسوارات المضافة بما يتناسب مع عمر الطفل أو الطفلة.
 أغلب البائعون  يتذرعون برفع السعر من قبل المعامل والورشات، والتي تتذرع بدورها بارتفاع أسعار المواد الأولية ومستلزمات الإنتاج، وارتفاع أجور اليد العاملة، وغيرها من تكاليف الإنتاج الأخرى.
في المقابل، إن دور وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك يقتصر على تحديد هوامش الربح المضافة لصالح حلقات الوساطة، من التصنيع للمستهلك، استناداً لأسعار التكلفة التي يحددها المصنع منفرداً، وهو ملزم بوضع السعر النهائي للمستهلك بعد إضافة هوامش الربح المعتمدة على بطاقة البيان، التي من المفترض أن تشمل مجموعة من المعلومات الإضافية.
مع العلم أن الوزارة نادراً ما تتدخل بدراسة هذه التكاليف، باستثناء بعض الحالات التي تكون عبر شكوى رسمية من قبل المستهلك، والتي تُشكل من أجلها لجنة تُمثّل الوزارة بعضويتها مع غيرها من الممثلين الآخرين، من غرفة التجارة والصناعة وبعض الخبراء، وذلك حسب التعليمات المتبعة، والنتيجة المتوقعة طبعاً هي إقرار أسعار التكلفة تلك.
بمعنى أكثر وضوحاً: إن سوق الألبسة  حسب قاسيون لم يعد منفلتاً بأسعاره فقط، بل وبالمواصفة والجودة كذلك الأمر، في ظل هذا النمط من التعامل الرسمي مع تسعير هذه السلعة الاستهلاكية التي لا غنى عنها.
النتيجة  هنا أنه في ظل تلك الأسعار الفلكية في الأسواق، يضطر المستهلك للتعامل معها تحت ضغط الحاجة والضرورة، فعلى الرغم من محاولات ضغط إنفاقه للحدود الدنيا على مستوى شراء الألبسة، واقتصارها على الأبناء دون الآباء، وعلى الصغار منهم دون الكبار، وتوجهه للأسواق الشعبية أو للبالة، إلا أن المواطن لا يمكن له الاستغناء عن الكسوة الصيفية والشتوية مرة واحدة بالسنة على أقل تقدير، وهاتان المرتان كافيتان لاستنفاذ دخل 6 أشهر على حساب بقية ضرورات حياته الأخرى، بما فيها الغذائية، وذلك في حال أن كل فرد من أفراد الأسرة المكونة من 5 أشخاص اكتفى بمبلغ 15 ألف ليرة للكساء الشتوي أو الصيفي، وهو أمر في غاية الصعوبة، في ظل استمرار هذا النمط من التسعير، فهذا المبلغ لا يكاد يغطي سعر حذاء فقط.
وهذا يعني 15*2*5=150 ألف ليرة، وهي تعادل أجر 6 أشهر لأصحاب الدخل المحدود.
فهل إيمان التجار المتمثل بشعارهم «هذا من فضل ربي» قادر على تغطية هذا الكفر بالأسعار وبالمعيشة؟!.
وهل سيستمر انتظار المحاسبة الربانية لهؤلاء الجشعين في ظل استمرار الغياب الرسمي لدور حُماة المستهلك؟.
وهل ستبقى الحكومة غافلة عن حقيقة كفر الأسعار بمقارنتها مع الأجور ومستويات المعيشة، ودورها المفترض بذلك؟.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات