صفعة موجعة على وجهه جاءه خبر بيع منزله في برزة.. عبد الهادي الذي خسر (وطنه الصغير) بقصة احتيال محبوكة جيداً, كان قد هاجر بسبب الحرب إلى الإمارات بحثاً عن الأمن والأمان له ولأسرته..  هذه القصة بدأت بعد أن التهبت المنطقة التي يقطن فيها , وتالياً سيطرة العصابات  المسلحة عليها فأجبرته الظروف على السفر بعد أن ائتمن أقاربه على منزله بما فيه على أمل العودة بعد استقرار الظروف الأمنية, ثم فوجئ بعد فترة زمنية ببيع بيته من قبل جاره المحامي و الذي يعلم بسفره ومغادرة بيته عنوة, إذ قام بتزوير جواز سفر من خلال وضع صورة شخص آخر على جواز السفر العائد لعبد الهادي, ليبقي على الاسم والبيانات ذاتها, إضافة إلى تزوير في الهوية الشخصية مقابل مبلغ من المال للشخص الذي انتحل صفة المالك الأصلي للعقار لينتهي الموضوع إلى القضاء.
وحال عائلة «أبو وائل» لم تختلف كثيرا فهذه العائلة تملك عقارا في منطقة خان الشيح, ثم هاجرت بسبب الأحداث الراهنة إلى ألمانيا, ليأتي أشخاص ويبيعوا العقار من خلال إخراج قيد عقاري وهذا من السهل الحصول عليه والتزوير بالبصمة وتمت عملية البيع إلى أن تواصل الجار مع «أبو وائل» عبر (الواتس آب) ليخبره ببيع منزله .. وليبدأ مسلسل الدعوة في القضاء.
حال عبد الهادي وغيره يشبه حال الآلاف ممن تم بيع منازلهم بإحدى طرق الاحتيال, إما بالنصب وإما البيوع أكثر من مرة وحتى التزوير بالبصمة أو الهويات المزورة .. فالحرب الطاحنة التي تركت ندباتها على كل تفاصيل حياة السوريين وفي أعماقهم, تركتها أيضا على بيوتهم وسياراتهم التي نهبت بأساليب مختلفة.. عبد الهادي وأمثاله تعرضوا للتشرد مرتين الأولى عند نزوحهم عنوة عن منازلهم, والثانية بسبب عمليات الاحتيال التي تعرضوا لها لتذهب بيوتهم ضحية ما يسمى بـ (تجار الحرب) إذ قدر الباحث العقاري الدكتور عمار يوسف أن الحالات المتعلقة بحالات بالتزوير والنصب في العقارات تزيد على 31ألف حالة في دمشق وتتدرج في المحافظات الأخرى، ففي حلب ثمانية آلاف حالة احتيال، بينما يؤكد مدير المصالح العقارية في ريف دمشق سالم عثمان فقدان ألف سند ملكية في داريا و ثمة حالات تزوير لا تتعدى أصابع اليد الواحد حصلت نتيجة الظروف الراهنة في الزبداني ومضايا ..
 الأمر لم يتوقف عند وجود شخص أو أكثر هنا أو هناك, وإنما تطور إلى وجود شبكات تمتهن التزوير ببيع وشراء العقارات, كالحالة التي ساقها لنا القاضي العاشر في دمشق عبد اللطيف الجبان: مجموعة من الأشخاص لجؤوا إلى الإعلان عن توافر مقاسم للبيع ضمن جمعيات سكنية في إحدى الضواحي التابعة لمؤسسة الإسكان, وقاموا بتزوير دفاتر عقود الاكتتاب وبيعها لضحاياهم, كما قاموا باستيفاء عدة مبالغ أخرى وتسجيلها على الدفاتر التي سلموهم إياها بعد تزوير أختام الجمعية والوزارة على الدفاتر المذكورة، وكذلك لجؤوا إلى إجراء تسوية مالية على عقد الاكتتاب والتخصيص برفقة الضحية أمام مديرية المالية وكذلك تم تسجيل ساعة كهرباء وعداد مياه على اسم الضحية بغية إقناعه بصحة إعلانهم وأخذ الضحية إلى موقع المشروع واطلاعه على شقته التي تخصص بها وهي على الهيكل بالاتفاق مع عدة أشخاص في الموقع حتى وصلوا إلى تسليمهم المفتاح العائد للمقسم وتم اكتشاف الأمر من قبل أحد الضحايا بمجرد مراجعته وزارة الإسكان وإبرازه الدفتر للتحقق من صحته.
 مدير المصالح العقارية لريف دمشق يتحدث بفخر عن واقع السجلات العقارية التابعة للريف الخالية من وجود أي حالة تزوير أو نصب لعقارات تمت بالتواطؤ مع أي موظف من داخل قسم السجلات أو من خارجه, باستثناء حالات لا تتجاوز أعدادها أصابع اليد الواحدة حدثت في الزبداني بعد أن عمد الإرهابيون إلى قص باب الحديد عن الدائرة والتزوير في ملكية بعض العقارات و تمت إحالة الموضوع إلى القضاء المختص، إضافة إلى فقدان ألف سند ملكية في دائرة داريا وهي المنطقة الوحيدة التي فقدت سندات ملكية فيها, موضحاً أنه لا يوجد أي ضرر من فقدان تلك السندات لأن الصحيفة العقارية محفوظة في السجلات, ولا يوجد فيها أي تزوير وفي إمكان أي مواطن الحصول على بدل ضائع وفق الاجراءات المنصوص عنها بالقانون والتعليمات النافذة.
ويؤكد عثمان أنه تم سحب كل السجلات العقارية من كل المناطق التابعة لمحافظة ريف دمشق, بمؤازرة الجيش العربي السوري باستثناء دائرتي عربين ودوما والقرى التابعة لهما, اذ لم يتم التمكن من إخراجهما برغم كل المحاولات.
وأضاف أنه في حال خرجت إحدى الدوائر عن السيطرة ولو يوماً واحداً أو حتى ساعة واحدة يتم تدقيق السجلات العقارية كلها عقاراً عقاراً وصفحة صفحة بهدف التأكد من عدم وجود أي عبث في السجلات العقارية.

بالاضافة الى ذلك نشطت أيضاً شبكات بيع السيارات عبر وكالات مزورة, وحسب ضبط الشرطة في تاريخ 4/1/2017 تم القبض على شبكة تنظيم وكالات مزورة لبيع وشراء سيارات بالتواطؤ مع الموظف في محكمة العدل بصفة كاتب عدل ع .د . د الذي اعترف بتزوير عشرين وكالة بيع لسيارات أصحابها مسافرون خارج القطر مقابل خمسمئة ألف ليرة سورية وحسب نوع السيارة وجودتها
والملفت  للانتباه أن أغلبية من تحدثوا إلينا أكدوا أن عمليات الاحتيال تتم بالتواطؤ مع عاملين من داخل الدوائر الرسمية عن طريق تزوير الإمضاء أو البصمة وغير ذلك أو عن طريق محامين عبر تنظيم وكالات عدلية مخالفة مقابل مبالغ مالية متفق عليها مسبقاً.
يؤكد المحامي عارف الشعار أن هذه المرحلة تحتاج تدخل المشرع وإعادة النظر في تعديل القوانين وتشديد العقوبات بما يتناسب والجرم, لافتاً إلى أن تدخل المشرِّع عام 2012 في جرائم الخطف ووضع عقوبات شديدة حدَّ من استفحال هذه الجريمة , وكذلك يتطلب موضوع سلب عقارات ثمنها ملايين الليرات تشديد العقوبات ليس فقط بالسجن فترة زمنية ودفع مبلغ من المال, وإنما وضع عقوبات رادعة كمصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة, ومخاطبة الأنتربول الدولي في حال هرب المجرم إلى خارج القطر, وإصدار منع سفر وغير ذلك من العقوبات التي من الممكن أن تحد من هذه الظاهرة.
والنقطة الثانية التي هي جزء من المشكلة وركز عليها الشعار أن كثيراً من هذه القضايا, على الأغلب تتم بالتواطؤ مع محامين عبر استخدامهم وكالات قديمة أو مخالفة، داعياً النقابة إلى إعادة النظر في المسائل المسلكية ورفع السرية عن المجالس التأديبية حتى تتاح مراقبتها.
يرى المحامي مازن عيد أن الحرب فاقمت من عدد الاحتيالات علماً أنها ظاهرة قديمة حديثة مؤكدا أنه كمحام لديه العديد من قضايا سلب العقارات و دعا إلى ضرورة تعديل القوانين وتشديد العقوبات بما يتناسب مع الجرم علماً أن الغرامات المادية زادت منذ بداية الحرب.
يبين المحامي نزار اسكيف نقيب المحامين أنه تم فصل أكثر من ثمانية آلاف محامٍ من النقابة بين عام 2012 وعام 2017 لأسباب عدة من ضمنها تنظيم وكالات مزورة أو مغادرتهم البلاد من دون إعلام النقابة أو تعامل البعض مع المجموعات المسلحة وغير ذلك.
وأضاف بشأن الوكالات المزورة لبيع العقارات أنه تم التعميم إلى أمناء السجل المدني في دمشق وبقية المحافظات للطلب من المحامين إبراز الوكالة النظامية وفي حال وجود أي خلل تتم ملاحقة أو الشطب النهائي للمحامي من النقابة.
وأكد أن هذا النوع من القضايا أو هذا الموضوع تتابعه النقابة متابعة دقيقة مع إدارة الأمن الجنائي ومع المحامين العامين ويتم التصدي له كما يجب .
أمام هذا المشهد المخيف ، وفي ظل هذه الظروف، ما وجهة نظر المشرِّع السوري، وما العقوبات والإجراءات المتخذة وفق الظروف الراهنة؟
يقول القاضي عبد اللطيف الجبان إن المشرع السوري عاقب كل من يستولي على عقار من دون أن يكون في حيازته سند ملكية, أو تصرف يخوله إشغاله بعقوبة جنحوية تصل إلى الحبس ستة أشهر, وتشدد في حال وقع من المستولي تهديد على الأشخاص وجعل العقوبة من شهرين إلى ستة أشهر, وقد تصل إلى ثلاث سنوات وفق المادة 723 من قانون العقوبات العام .
وقد يتطور الأمر ويلجأ المجرم من خلال ــــاستيلائه على العقار غير المشروع إلى أساليب من الاحتيال أو التزوير وقد عاقب المشرع السوري على جرم التزوير حسب وصفه إن كان جنائياً أو جنحوياً.
وبيّن الجبان أنه من بين الطرق التي يلجأ إليها المجرم في تزوير سند ملكية العقار طرق نص المشرع عليها في المواد 23 وما بعدها من قانون العقوبات العام, منوهاً بأنه عرّف التزوير بأنه كل تحريف مفتعل للحقيقة في الوقائع والبيانات التي يراد إثباتها بضبط أو مخطوط يحتج بهما, ويمكن أن تنجم عنه أضرار مادية أو معنوية أو اجتماعية, وجعل العقوبات جنائية تبعاً لذلك, تبدأ من الأشغال الشاقة المؤقتة خمس سنوات على الأقل بالنسبة للموظف الذي يرتكب تزويراً أثناء قيامه بوظيفته واستعمال إمضاء أو خاتم أو بصمة إصبع أو وضع صك أو مختوم أو ارتكاب حذف أو إضافة أو تشويه في موضوع أو إثباته وقائع كاذبة على أنها صحيحة.
يروي لنا القاضي الجبان حالات عدة جرت خلال الحرب التي مرت فيها البلاد واستغلال بعض ضعاف النفوس ظروف تغييب بعض المهجرين, وتزوير سندات الملكية والاستيلاء على عقارات من دون وجه حق مثل التزوير الذي يوصف عادة بأنه جنائي الوصف سواء كان مادياً وهو التزوير الواقع على يد موظف رسمي ضمن سجلات رسمية, أو إن كان بالتواطؤ مع موظف أو نقل ملكية بحسن نية من قبله عن طريق انتحال شخصية مالك العقار أمامه (أي أمام الموظف) وهذا ما يسمى التزوير الجنائي المعنوي أو تنظيم عقد خاص مزور وإبرازه أمام القضاء بهدف تثبيت البيع الجاري.
من تبعات هذه الحرب القذرة الجرأة على القانون واستسهال تنفيذ العقوبة واستفحال الوضع المتعلق بالتزوير والاحتيال ليتطور الأمر إلى وجود شبكات تمتهن التزوير.. يضيف القاضي وائل الموصلي القاضي الثاني في دمشق أنه تم كشف شبكة تعتمد على التقنيات عالية الدقة, لتزوير هويات أو جوازات سفر لدرجة لا يمكن التفريق بينها وبين الأصلية, إذ لجأت الشبكة إلى تزوير عدد كبير من الحالات من بينها عقارات, وكذلك تم الكشف عن
ويؤكد أن أكثر الحالات صعوبة تلك التي تحدث في مناطق العشوائيات إذ من السهل التسجيل على عداد كهرباء أو عداد مياه لإثبات ملكية العقار وتالياً الاحتيال سهل جداً في هذا الموضوع لذلك أحيانا يكون أمامنا الحل الوحيد لإثبات ملكية العقار هو سؤال الجوار لمن تعود ملكيته وفي أغلب الأحيان نختم العقار ونطلب مراجعة القضاء حسب كل حالة .
يشدد القاضي الموصلي على موضوع الثقافة القانونية ونشرها عن طريق وسائل الإعلام بهدف التوعية, وضرورة الاستشارة القانونية في أدنى تفصيل لأن هذا يحمي المواطن من رفع دعوى قضائية مستقبلاً ويساهم في تخفيض الدعاوى القضائية بنسبة 80% .
يؤكد الدكتور والباحث العقاري عمار يوسف  حسب تشرين أنه لا توجد إحصاءات دقيقة في هذا الموضوع، ولكن بشكل تقديري تزيد على /31,5/ألف حالة احتيال في بيع العقارات في محافظة دمشق بما فيها المناطق غير الآمنة بينما تتدرج في بقية المحافظات ففي حلب ثمانية آلاف حالة احتيال .
ولفت إلى أن الحرب أثرت في كل قطاعات الحياة ومن ضمنها قطاع العقارات سواء من ناحية التدمير الذي تعرضت له أو خروج عدد كبير منها من الخدمة، لكن ما طفا على السطح هو ازدياد حالات النصب والاحتيال أو التزوير في سندات الملكية وغير ذلك بسبب الظروف الأمنية السائدة, وقال: إن حالات النصب أو السطو على العقارات تتم بطرق مخالفة للقانون وعلى الأغلب عن طريق أشخاص مزورين محترفين عبر استخدام تقنيات عالية الدقة أو بالتواطؤ مع أشخاص يعملون داخل السجلات الرسمية أو بتزوير وكالات عدلية ويتم نقل الملكية في بعض الحالات بموجبها وهذه الحالة تتم بتزوير الهوية العائدة لصاحب العقار أو بتزوير الوكالات عبر طابعات متطورة أو عن طريق دخول العقار المطلوب الاحتيال عليه عنوة مستغلين وجود أصحابه خارج القطر ويتم تزوير عقد بيع عادي يوقع المحتال عليه بدلاً من المالك مقابل مبلغ من المال وهذه أكثر الحالات شيوعاً.
واقترح د .يوسف للحد من تفشي هذه الظاهرة أن يطلع الشخص المشتري شخصياً على الأوراق الثبوتية وأن تتم عملية الفراغ ودفع المبالغ الكبرى واستخراج الأوراق الرسمية أمام الموظف المسؤول.
إذاً نحن أمام واقع بالغ الصعوبة .. ففي المناطق الآمنة انتشرت فيها الفوضى وازدادت حالات النصب فكيف سيكون الحال إذاً في المناطق التي خرجت عن سيطرة الدولة, ونشطت فيها عصابات التزوير.. وما الإجراءات المتخذة من قبل وزارة العدل منعاً للتلاعب وحفظاً لحقوق المواطنين.
يؤكد القاضي عبد اللطيف الجبان أن جملة من الإجراءات اتخذتها وزارة العدل منذ بداية الأزمة منها : الدقة في معالجة جريمة غصب العقار والتزوير الجنائي أو الجنحوي أو الاحتيال في ذلك، إذ وجب الكشف الحسي على العقار, وسؤال الجوار عن مالك العقار وتكليف الشاغل ببيان مستند حيازة وإشغاله للعقار ,كما حرصت المحاكم المدنية على تطبيق إجراء المطابقة بين الوكالات الواردة مع أصلها المحفوظ لدى كاتب العدل والتدقيق في تسلسل المالكين والوكلاء عنهم .
وحرصت أيضاً على إجراء الكشف والتثبت من صفة شاغلي العقار, أثناء نظر الدعوى كما حرصت على التحقق من صحة التوقيع أو البصمة وعائديتها لمالك العقار من خلال إجراء المطابقة والمضاهاة عليها مع توقيعه وبصمته لدى سجلات الأحوال المدنية في بعض الأحوال, وكذلك تسطير كتاب إلى إدارة الهجرة والجوازات لبيان حركة مالك العقار لدى تنظيمه العقد أو الوكالة.
أرشفة السجلات العقارية
ولمديرية المصالح العقارية في ريف دمشق الدور الأهم في حفظ حقوق المواطنين، و حسب عثمان، تم اتخاذ عدد من الإجراءات منها وفقاً لتطور الأحداث: أرشفة السجلات العقارية بالكامل, إضافة إلى تنفيذ مناوبات من قبل الموظفين لحراسة السجلات, و تأمين أجهزة إطفاء لكل دائرة في حال حدوث أي حريق مفاجئ، كذلك في مرحلة لاحقة تم إخراج جميع العقود والسندات حسب خصوصية كل دائرة, إضافة إلى إرسال الوثائق والوكالات الرسمية عبر البريد الرسمي.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات