الدور التنموي الفعلي والمتوقع للطبقة الوسطى السورية يستند إلى خصائصها التي تتسم بالانفتاح والاعتدال، مقارنةً مع الطبقات الفقيرة والميسورة ،صحيح إن الطبقة الوسطى لا تملك وعياً طبقياً متبلوراً وناضجاً، ينقلها من طبقة بذاتها إلى طبقة «لذاتها» إلا أن ذلك لا يُغيِّبُ حقيقة تحصيلها العلمي، وامتلاك نخبها لوسائل التفاعل مع الثقافات والتجارب الأخرى، وعصرية ثقافتها، وكلّ ذلك مكّنها من الاحتكاك بالتجارب العالمية أكثر من سواها.
وحسب دراسة حديثة لمركز «مداد» جاء فيها أن ما زاد الأمر سوءاً في الطبقة الوسطى، وجعلها تفقد أعداداً متزايدة من أفرادها امتداد مدّة الأزمة والحرب على سورية، وتداعياتهما الكبيرة، سواء أكان ذلك بسبب اللجوء والتهجير والنزوح داخل البلد وخارجها، أم بسبب التخريب وحرق ونهب المنشآت الصناعية والخدمية والتجارية، إلى جانب مفاعيل الحصار والمقاطعة التي أسهمت في انتقال فئات واسعة من أبناء الطبقة الوسطى إلى الفئات المهمشة والفقيرة أو المهددة بالفقر، وإذا أضفنا إلى العوامل السابقة، قضايا الغلاء، وتراجع سعر صرف الليرة السورية، والتضخم، وتدني الأجور الفعلية للعاملين في القطاعين العام والخاص الذي تجسد في انخفاض المستوى المعيشي لأغلبية السوريين، نستطيع أن نفهم كيف كانت الطبقة الوسطى في سورية تشكل نحو 60% من السكان قبل عام 2011، وكيف أصبحت تشكل نحو 15% من السكان في عام 2016 وفقاً لمعظم التقديرات، مع ملاحظة أن معظم الشرائح المُفْقَرة من الطبقة الوسطى في سورية، بسبب الأزمة، واستناداً إلى مقياس فقر القدرات، فقيرة في دخلها، لكنها ما زالت تملك الكثير من القدرات والمهارات والمزايا التعليمية، أي إن فقرها ليس عميقاً، وتحتاج توسيع فرص النمو الاقتصادي كي تستعيد عافيتها.
يُعَدُّ النمو الاقتصادي عنصراً لا غنى عنه حسب «الدراسة»، في تحقيق إنجازات على مستوى التعليم، وتحسين نوعية الحياة، ولا يمكن إنكار أهمية النمو، فالدخل هو مؤشر مختصر يقيس مدى الحصول على الموارد الهامة لتطوير إمكانات الإنسان وتوسيع خياراته، ويجب حسبانه هدفاً على صعيد السياسة العامة.
 سورية حققت معدلاً مرتفعاً للنمو في المدة الواقعة بين عام 2006 وعام 2009، إذ وصل معدل النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي حسب تشرين إلى 6% عام 2009، وانخفض إلى 3.2% عام 2010، إلا أنه حسب تقديرات صندوق النقد الدولي، كان معدل النمو سلبياً عام 2011 وبلغ -2%. بالإضافة إلى ذلك كان معدل النمو لسورية أقل من متوسط الدول العربية في تلك المدة، عدا عام 2009، نظراً لتداعيات الأزمة المالية العالمية، إذ كان معدل نمو متوسط الدول العربية 2.6% للناتج المحلي الإجمالي لسورية، مقارنةً مع متوسط الدول العربية في المدة الواقعة بين عام 2006 وعام 2011 .
وفي الوقت الذي تحسنت فيه حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي تحسناً طفيفاً في العشرية السابقة على الأزمة، فقد ارتفعت لتصل إلى 2.877% بالأسعار الجارية للدولار الأمريكي عام 2010، إلا أنها بقيت ضمن مستوى أقل من نصيب الفرد في أغلب بلدان المنطقة، بما في ذلك البلدان التي لا تمتلك مقومات النمو الموجودة في الاقتصاد السوري، إذ بلغت في الأردن مثلاً 4،500 دولار أمريكي، وفي لبنان 10،044 دولارات أمريكية، وفي تونس 4,200 دولارات أمريكية، وبلغت في تركيا نحو 10,399 دولارات أمريكية.
وإذا أضفنا للعوامل السابقة التأثيرات السلبية للأزمة والحرب بعد العام 2011، فهمنا مقدار الضرر الذي لحق فئات وشرائح واسعة من الطبقة الوسطى السورية، وذلك على صعيد ارتفاع تكاليف المعيشة عشرة أضعاف بالمتوسط مع بقاء رواتب الموظفين بحدود 28.000 ل.س، أي أن راتب الموظف المتوسط يجب أن يكون أكثر من 180 ألف ل.س كي يتمكن من العيش في الشروط نفسها التي كان يعيشها قبل العام 2011. الأمر الذي يفسر سقوط شرائح واسعة ممن انتمت تاريخياً للطبقة الوسطى إلى الطبقات والشرائح الفقيرة، ولولا بقايا الدعم الذي تقدمه الدولة في الصحة والتعليم وبعض السلع الأساسية، الأمر الذي حافظ على الحد الأدنى من المستوى المعيشي، لكان وضع هذه الفئات أكثر سوءاً، علماً أن متوسط الدخل هو أحد معايير الانتماء للطبقة الوسطى وليس المعيار الوحيد.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات