ما إن بدأت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بالتدخل إدارياً في السوق لتخفيض أسعار بعض السلع عن طريق إصدار قرارات تعد ملزمة من وجهة نظرها ويجب تطبيقها فوراً كونها نابعة عن دراسة علمية معمقة للأسعار وتعطي هامش ربح مقبول للتجار، حتى أتبعت ذلك بتهديد صريح لمن لا يلتزم منهم بتلك القرارات والدخول كتاجر مستورد منافس في السوق .
من الناحية العملية هذه الخطوة يجب أن تطبق حتى بدون تهديد ، بل وتأخرت فيها مؤسسات الدولة في ظل الأزمة التي سببت ارتفاعاً جنونياً للأسعار كانت فيها تلك المؤسسات أشبه بتاجر الجملة الصغير أو تاجر المفرق الذي يريد أن يضارب على جيرانه الدكنجية بقليل من التخفيض في اسعاره ، والجهات الرقابية مغمضة العينين مما جعل السوق ملعباً واسعاً للتجارالكبار..!!!
الذي نريد الحديث عنه هو: هل تستطيع مؤسسات الدولة الدخول كمنافس حقيقي للقطاع الخاص في استيراد المواد الأساسية .. وتحقيق توازناً بين الأسعار والدخل ؟؟ وماهي الإيجابيات والسلبيات لذلك....؟؟
هل هناك تجارب سابقة أثبتت نجاحاً أو فشلاً ..؟؟؟ وكيف نحمي هذه الخطوة فيما لو اتخذت من دهاليز الروتين والبيروقراطية والفساد ...؟؟
هذه التساؤلات طرحت على الخبيرة الاقتصادية ووزيرة الاقتصاد سابقاً الدكتورة لمياء عاصي التي أجابت :

في موضوع الأسواق وأسعار السلع  تبدو الأمور معقدة ومتشابكة , المشكلة الأهم والتي يجب أن تناقش بكل شفافية هي مستوى الدخل لعموم الناس والقدرة الشرائية لرواتبهم التي انخفضت لمستويات كبيرة انعكست على شكل ارتفاع في الأسعار , فعندما يبلغ التضخم حدودا غير مسبوقة يصبح من الضروري ايجاد وسائل لإعادة شيء من العافية للحياة الاقتصادية للناس في القطاعين العام والخاص ، أكثر من التركيز على تخفيض الأسعار فقط ...!!

وأضافت عاصي : بدايةً الأسواق لكي تتوازن ولنحصل فعلاً على أفضل الأسعار عند مستوى عرض معين , لابد من ايجاد عنصر المنافسة وهو الأساس في التوازن، ولأن الأسواق اليوم تسودها حالة غلاء  كبيرة , لن تنفع معها القرارات الإدارية والإجراءات الزجرية حيث سيجد التجار دائماً الطرق المناسبة لرفع الأسعار والإفلات من أي عقوبات  .

وأكدت عاصي :انه  في سورية كما في غيرها من البلدان التي جربت التحكم والسيطرة على الأسعار فشلت كل القرارات الإدارية في ضبط الأسعار في الأسواق, فكما لاحظنا سابقاً انسجم مستوى أسعار السلع مع سعر صرف العملات الصعبة في اتجاه رفع الأسعار عندما  يرتفع سعر الصرف ، ولكن إذا انخفض السعر وتحسن سعر الليرة  يتجاهل التجار إجراء تخفيض أسعار السلع ...!!! لذلك لابد من دور تدخلي للدولة يعمل من خلال قوانين توازن العرض والطلب , ولتأمين العرض المناسب للسلع لابد من استيرادها.

ونوهت  عاصي أنه في عام 2010  عندما جرى إعداد مشروع قانون لدمج المؤسسات الثلاث الاستهلاكية وسندس والخزن لأول مرة , وكان جوهر التغيير هو أن تعمل الشركة كتاجر في السوق يستطيع الاستيراد والتصدير والشراء والبيع تماماً كأي تاجر وأن يكون أداة للدولة للمنافسة والسيطرة على الأسعار , ولكن توقف المشروع وقتها بسبب تغيير الوزير قبل صدوره والوزير الجديد ألغى المشروع من أساسه، ليعود الآن وينفذه الوزير الغربي بالسورية للتجارة والتي لم تأخذ دورها بعد ، فلا يمكن لأي مشروع قانون أن يعطي نتيجة لوحده، بل لابد من عوامل مساعدة على تنفيذ القانون ، والقانون حتى اليوم غير منفذ بالشكل الذي أريد له، بل هو صورة مصغرة  لا أكثر.

وأوضحت عاصي أن الحكومة بشكل عام يجب أن تكون مسؤولة عن استقرار الحالة الاقتصادية للمجتمع و الأفراد على حد سواء، ولكن كيف تتدخل لضمان الاستقرار ؟؟؟ أجابت : هناك أكثر من طريقة للتدخل، ولعل أكثرها فشلاً هو التدخل عن طريق القرارات الإدارية المباشرة , والطريقة الأخرى الأكثر نجاعة أن تلعب الدولة دور التاجر فتستورد وتصدر وتبيع بالمفرق والجملة، وبالتالي يمكنها البيع للمستهلكين بأسعار معقولة بالنسبة للمواطنين دون أن تخسر الدولة وتحمل خزينتها أعباء لاقدرة لها على تحملها ، وهنا طبعاً يمكننا توقع أن يتسلل الفساد إلى أي عملية تقوم بها الدولة، والحل الأوحد هو الاعتماد على الشفافية في العمليات والأسعار ، لافتة أن المعايير الاساسية  للشفافية هي أن تكون المعلومات كلها متاحة للحصول عليها ، وهناك مقارنات جاهزة مثلاً :

هل تعرف أنت كصحفي أو أي شخص شيئاً عن استثمارات وزارة الأوقاف وعن عائداتها ..وكيف تصرف ؟؟ وهل يعرف الناس من هو أكبر دافعي الضرائب ...؟؟

و ما هو إيراد مؤسسة السورية للتجارة  ، ولماذا فوجئنا بالخزن والتسويق أنها خاسرة  بملايين أو مليارات الليرات... ؟؟

ماهي إيرادات الدولة من أملاكها ...؟؟؟ لا أحد يعطيك أي معلومة بسبب غياب الشفافية .. لذلك يزدهر الفساد في بلدنا ...!

ونحن نسأل نفسنا   إلى متى سيبقى دور المؤسسات الحكومية ثانوياً في السوق وتكون الحلقة الأضعف وخاصة بعد تجميعها وحصرها بمؤسسة واحدة خجولة ...؟ ومتى ستخرج الوزارة من حيز التخويف بعصا الاستيراد إلى الاستيراد الفعلي بشفافية بعيداً عن متاهات الروتين والبيروقراطية الذي سيودي بها حتماً إلى مهالك الفساد والخسارة والعودة للتبعية ..؟؟؟

 المصدر سيريانديز

سيريا ديلي نيوز


التعليقات