سياسة الاستيعاب الجامعي أفرزت نتائج ومخرجات سلبية على سوق العمل تمثلت في عدة صعد، منها معدلات بطالة مرتفعة لبعض الاختصاصات. كما أدت الثورة العلمية والتقنية الحديثة إلى تغيرات جوهرية في بنى الإنتاج وتنظيم العمل والإدارة، وأوجدت نظاماً مبنياً على المعرفة، يحقق اليوم أكثر من نصف الناتج المحلي في البلدان الصناعية المتقدمة، الأمر الذي فرض تعليماً وتأهيلاً عاليين على مستوى التكوين المعرفي للقوة البشرية للحصول على فرص العمل، إضافةً إلى تغيرات في النظام التعليمي والمناهج التعليمية التي أصبحت مطالبة بتوفير تعليم عالي المستوى في مجال العلم والمعرفة والمهارة، لتمكين خريجي النظام التعليمي من مواكبة التطورات الحاصلة في بنى الإنتاج.
ومن خلال  أحدث دراسة لمركز «مداد» جاء فيها حسب تشرين : رغم التحسن النسبي في تقانة وسائل الإنتاج في سورية، إلا أنه من الملاحظ استمرارية سيطرة المنشآت الصغيرة والمتوسطة على بنية المنشآت الإنتاجية، وتدني مستواها التكنولوجي وإدارتها العائلية. الأمر الذي زاد معدلات بطالة الفئات ذات التعليم المتوسط والعالي. تبين نتائج مسح سوق قوة العمل للعام 2009 تراجع معدلات بطالة فئة العمال الحاصلين على تعليم ابتدائي فما دون إلى (45,5%) بعد أن كانت (68,5%) من إجمالي العاطلين عن العمل عام 2004، في الوقت الذي ازدادت نسبة الحاصلين على تعليم ثانوي بين العاطلين عن العمل من (11,4%) إلى (19.8%) في العام 2009، وازدادت بطالة الحاصلين على تعليم معهد متوسط من (4,9%) في العام 2004 إلى (12,5%) في العام 2009، وازدادت بطالة الحاصلين على تعليم جامعي خلال التاريخين المذكورين، من (2,6%) إلى (6,7%).
يتضح أن التحسن في البنية التعليمية للقوة البشرية، لم ينعكس بتحسن كافٍ في بنية المشتغلين التعليمية، بمعنى أن غياب عملية تحديد الاحتياجات المستقبلية من الموارد البشرية في جميع المراحل الدراسية، أدى إلى اختلالات وفجوات في سوق قوة العمل لجهة عدم التطابق الكمي والنوعي بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل. وتالياً لم يتحول التعليم، بدرجة كافية، إلى رافعة لصعود مزيد من الفئات المهمشة إلى الفئات الوسطى.
وحسب الدراسة: برزت طوال العشرية السابقة من الأزمة والحرب على سورية، محاولات جادة لإجراء إصلاح مؤسسي، ذلك انطلاقاً من إدراك عمق العيوب التي ما برحت تعتري البنية المؤسسية، ومع إن الإصلاح المؤسساتي يمثل حاضن عملية الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي, لكن تلك المحاولات اتسمت بالتباطؤ، وأدت إلى أن تكون نتائج الإصلاحات المؤسساتية متواضعة. هذا إلى جانب مقاومة عملية التحديث من جانب بعض الجهات المتنفذة بسبب تعارض المصالح أو الفساد.
وقد أولت الخطة الخمسية العاشرة للمدة الواقعة بين عامين 2006 و2010 عناية خاصة للإصلاح المؤسساتي، وقد واجهت عملية إصلاح البنية المؤسسية أربعة تحديات رئيسة: التحدي الأول، هو التحدي القانوني المتمثل في تواضع تأثير التشريعات المستحدثة في التشريعات القائمة ومدى تطبيقها في المؤسسات القائمة. التحدي الثاني، هو التحدي المؤسسي المتمثل في تواضع مستوى المرونة والقدرة على استيعاب تعديلات نوعية في وظائف المؤسسات القائمة. والثالث، فهو التحدي المتعلق بالموارد البشرية والمتمثل في عدم فاعلية برامج بناء القدرات اللازمة لحصول النقلة الإصلاحية التي تتيح تبني أنساق الممارسة المؤسسية التي قوامها المساءلة الجادة والشفافية الدقيقة. أما الرابع، فهو التحدي التقني المتمثل في ضعف نظم المعلومات والاتصالات المنسقة لمؤسسات الدولة.
لقد أدى تباطؤ الإصلاح إضافة إلى عوامل أخرى إلى عدم قدرة المؤسسات على أداء المهام الجديدة المطلوبة منها
وفي المحصلة وحسب ماذهبت إليه دراسة المركز لم يتسنَ للقطاع العام السير بخطا ثابتة نحو إعادة الهيكلة، بغية أن يؤدي أداء أكثر كفاءة وفق أولويات الإصلاح الإداري والتنظيمي لجميع مؤسسات الخدمة المدنية، من أجل خلق ثقافة الشفافية والمساءلة.
لكن في المقابل وكنتيجة نهائية، حصل تحسن في بعض جوانب أداء المؤسسات العامة، لكن المؤشرات التنافسية ظلت تشير إلى وجود عيوب خطيرة. من أبرز تلك العيوب استمرار هدر الأموال العامة، وتعقيد الإجراءات القضائية، وتفشي الفساد في ممارسات الموظفين، وضعف أنظمة المحاسبة والرقابة، وضعف كفاءة مجالس الإدارة وعبء التشريعات الحكومية. ومما تجدر ملاحظته أن حالة المؤسسات العامة تؤثر تأثيراً مباشراً في حالة المؤسسات الخاصة، بناءً على أن كثيراً من أنساق العمل والممارسات الشائعة في المؤسسات العامة، تفرض نفسها على المؤسسات الخاصة. كما انتقل التحسن الطفيف الذي نتج عن الخطة الخمسية إلى المؤسسات الخاصة كذلك.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات